تعليق على البلبل في أصول الفقه (22)
بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "الفصل الرابع في اللغات: وهي جمع لغة، وهي: الألفاظ الدالة على المعاني النفسية، واختلافُها لاختلاف أمزجة الألسنة، لاختلاف الأهوية وطبائع الأمكنة".
يقول: "الفصل الرابع في اللغات" وإدخال مثل هذا المبحث؛ لأن أصول الفقه إنما يُستمد مماذا؟ من اللغة، وعلم الكلام، وتصور الأحكام، هذا مما يُستمد منه أصول الفقه مع أنه لو نظرت إلى حقيقة وواقع كتب الأصول وجدت أن كثيرًا منها مُستمد من كُتب علوم القرآن، وما يخدم كتاب الله سبحانه وتعالى.
منها قسمٌ كبير مستمد من كُتب علوم الحديث وما يتعلق بالسُّنَّة، وقسمٌ منها مُستمد من اللغات، وقسم مُستمد من التصور تصور الأحكام واستنباط القواعد العامة منها.
فاللغات جمع لغة، اللغات -كما قال المؤلف-: جمع لغة، وليس المراد من جمع اللغة هنا تعدد اللغات: كالعربية والأعجمية وغيرها، وإنما جُمِعت اللغة هنا وهي واحدة -اللغة العربية- باعتبار تنوع مباحثها، واختلاف لهجات الناطقين بها، فجمعها من هذه الحيثية، وإلا ليست هناك لغة أخرى يُستفاد منها في هذا العلم ولا في غيرها من علوم الشرع.
اللغة: "الألفاظ الدالة على المعاني النفسية" هذا الكلام صحيح أم لا؟
طالب:......
ليس بصحيح.
"الألفاظ الدالة على المعاني النفسية" قد يقول قائل: إن النفس يكون فيها كلام، وهذا الكلام يعني يُزوِّر الإنسان في نفسه كلامًا، ثم يُترجم عنه بلسانه.
على كلٍّ الكلام إنما يُطلق على لفظ اللسان، فالألفاظ من عمل اللسان، وليس هناك كلام في غير اللسان، نعم الفكرة تُوجد في القلب، تُوجد في النفس، والكلام خاص باللسان خلافًا لمن يقول: إن الكلام الأصل فيه الكلام النفسي، واللسان نائب النفس ومُعبِّر عنها يستدلون بقوله:
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا |
|
جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا |
الكلام النفسي عند الأشاعرة وليس عند أهل السُّنَّة، فليس عند أهل السُّنَّة كلام إلا نُطق اللسان.
قد يُتوسَّع في لفظ القول، فيُطلق على عمل الجوارح، قال بيده هكذا، فيُتوسَّع في لفظ القول، لكن ما يُتوسَّع بلفظ الكلام، بل الكلام خاص باللسان.
"الألفاظ الدالة على المعاني النفسية واختلافُها" الكلام مُستأنف، "لاختلاف أمزجة الألسنة" اختلاف هذه الألفاظ، واختلاف هذه المعاني؛ لاختلاف أمزجة الألسنة، اختلاف القبائل، اختلاف اللهجات "لاختلاف الأهوية وطبائع الأمكنة" فالذي تُملي على الإنسان الكلام الحاجة إليه، وإلا فما معنى زيد من الناس أكثر كلامه ذكر لله، وعمرو من الناس أكثر كلامه لهو وسب وشتم، وبكر أكثر كلامه في العلم، وذاك أكثر كلامه في أمور الدنيا؛ لاختلاف الأهوية كلٌّ له دافع.
"وطبائع الأمكنة" فهذه الأهوية تختلف أيضًا باختلاف الأمكنة، تختلف باختلاف العادات، تختلف باختلاف التقاليد، فمن مكان إلى مكان تجد اصطلاحات، اصطلاحات سكان السواحل غير اصطلاحات سكان الداخل مثلاً، سكان السواحل يحتاجون إلى كلمات وألفاظ يتداولونها لا يحتاجها سكان الدواخل من ليسوا على الساحل مما يتعلق بمهنهم وصنائعهم وهكذا، فاختلاف الأمكنة له دور؛ ولذا تجدون التباين كبيرًا في المسمى الواحد بين أهل الشمال وأهل الجنوب، بين أهل الشرق وأهل الغرب يختلفون يتباينون، بعضهم يظن هذه الكلمة مدحًا، وبعضهم يحملها على الذم، بل هي عند قومه ذم، وعند أولئك مدح.
المقصود أن اختلاف الأمكنة له أثرٌ كبير في اختلاف اللغات، ما معنى اختلاف اللغات؟ اختلاف اللهجات، والعرب بل العلماء عامةً لا يتورعون من إطلاق اللغة على اللهجة؛ لأن بعض الناس يستنكف أن يقول: هذه لغة تميم، هذه لغة باهل، هذه لغة هوازن.
طالب: يعتبرها خطأً؟
يعتبرها خطأً وهو ليس بخطأ، كل قوم من العرب لهم لغة، وهي مراد المتأخرين باللهجة.
طالب:......
هنا ما فيه إشكال؛ لأن الإشكال في الكلام النفسي، لكن إذا زوَّر في نفسه شيئًا أو فكرة ودل عليه بلفظه فهذا هو المقصود ما في إشكال.
"ثم هنا أبحاث:
الأول: قيل: هي توقيفية، وقيل: اصطلاحية، وقيل: مركبةٌ من القسمين، والكل ممكن، ولا سبيل إلى القطع بأحدها، إذ لا قاطع نقليٌّ، ولا مجال للعقل فيها، والخطب فيها يسير، إذ لا يرتبط بها تعبدٌ عملي، ولا اعتقادي، والظاهر الأول".
مسألة مبدأ اللغات ومنشؤها مسألةٌ خلافية بين أهل العلم، فقيل: توقيف، وقيل: توفيق، وقيل: تلفيق، وقيل: بالتوقف.
أربعة أقوال: توقيف، وقيل: توفيق، وقيل: تلفيق، وقيل: بالتوقف.
ما معنى هذا الكلام؟
قيل: هي توقيفية يعني من الله –سبحانه وتعالى- فالبشر ليس لهم دور في اللغات {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] وعلَّم آدم الأسماء كلها ما فيه شيء ما علمه حتى هذه قال له: تراها ورقة.
طالب:......
هذا القول الأول، ومنهم من يقول: لا هي توفيقية يعني الله –سبحانه وتعالى- وفَّق الناس وعرفوا أسماء هذه المسميات أو تعارفوا عليها.
طالب:......
نعم توفيقية هي اصطلاحية، يعني اصطلحوا عليها، الله –سبحانه وتعالى- وفَّقهم إلى النطق بها والتعارف على هذه المسميات.
وقيل: تلفيق، ما معنى تلفيق؟ يعني: من الأمرين مركب من الأمرين، مركب من القولين.
وقيل: بالتوقف، الله أعلم هل هي كلها توقيفية أو كلها... إلى آخره.
ولذا قال: "الأول: قيل: هي توقيفية" يعني: كلها من الله سبحانه وتعالى.
"وقيل: اصطلاحية" يعني: تعارف عليها البشر، احتاجوا إلى أن يسموا هذا كتاب؛ لأنه ما يمكن يتعاملون به وما يعرفون اسمه، تُريد أن ترسل الولد تقول له: هات... ماذا تقول له وأنت ما تعرف اسمه والولد ما يعرف؟
ما يمكن، الحاجة هي التي جعلت الناس يصطلحون على هذه الأسماء.
"وقيل: مركبةٌ من القسمين" بعضها كذا، وبعضها كذا.
"والكل ممكن" بدليل إن عندنا أشياء ما يعرفها آباؤنا، عندنا أشياء استجدت واستُحدثت ما يعرفها آباؤنا، وعندا آبائنا من الأشياء ما لا نعرفها، وعند المتقدمين ما لا يعرفه المتأخرون، فهي اصطلاحية أملتها الحاجة، أظن هذا ظاهر.
طالب:......
اصطلحوا عليها نعم.
طالب:......
الراجح أنها مركبة.
"والكل ممكن، ولا سبيل إلى القطع بأحدها، إذ لا قاطع نقليٌّ" ليس في الأدلة ما يدل على أحد هذه الأقوال، ولا مجال للعقل فيها؛ لأننا نحتاج إلى أن نسأل آدم هل يعرف كل شيء؟ وآدم أين هو لنسأله عن هذه المخترعات وهذه المستحدثات؟
لا قاطع نقلي يدلنا على أن آدم يعرف كل شيء.
"ولا مجال للعقل فيها، والخطب فيها يسير" يعني سواءً عرفنا أنها توقيفية أو تلفيقية ماذا يصير؟ هل يتغير شيء؟ إذا قلنا: إنها توقيفية، نقول: خلاص ما نقبل إلا ما دل الدليل على أن هذا اسمه، هل يتغير شيء؟ ما يتغير شيء.
"والخطب فيها يسير، إذ لا يرتبط بها تعبدٌ عملي" يعني هذه الأسماء يعني كوننا نُسمي هذا الكتاب يترتب عليه عمل؟ هل هو مُتعبد بتسميته؟ لو نقول: صفر مثلاً، يقول: لا، غلط، بدل ما نقول: المجلد الخامس، نقول: الصفر الخامس، فيه أحد يقول لنا: خطأ، يقول: لا لا ترك آدم تسمية الصفر لماذا؟ ليست تعبدية إنما هي اصطلاحية.
"إذ لا يرتبط بها تعبدٌ عملي، ولا اعتقادي، والظاهر الأول" أنها توقيفية على كلامه.
يقول: "لنا: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]" مقتضاه أنه علمه كل شيء، كل شيء ما صار وما لم يصر، ما وجِد وما لم يُوجد إذا كان سيوجد.
"{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] قيل: ألهمه، أو علمه لغةً مِن قبله أو الأسماء الموجودة حينئذ، لا ما حدث" وهذا قريب أن يُعلَّم الأسماء الموجودة في وقته، لكن يبقى أن ما عدا الموجود اصطلاحي، فيكون الموجود في وقته الذي يمكن السؤال عنه؛ لأنه الاختبار أن يُقال لآدم: ما هذا؟ يُقال للملائكة: ما هذه الأشياء؟ هل يمكن أن تمر طائرة يقول له: ما هذه؟ إذًا علَّمه الموجود دون ما لم يُوجد.
"أو علمه لغةً مِن قبله أو الأسماء الموجودة حينئذ، لا ما حدث.
قلنا: تخصيصٌ وتأويل، يفتقر إلى دليل" التخصيص الأصل في قوله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] يعني علمه أسماء الأشياء كلها ما وُجِد وما لم يُوجد، وهذه الصيغة من صيغ العموم {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ} [البقرة:31] جنس الأسماء {كُلَّهَا} [البقرة:31] مؤكد بكل فهو عام.
فإذا قلنا: إنه علمه لغة من اللغات أو الأسماء الموجودة أو لغات من قبله أو بعض الأشياء دون بعض، نكون خصصنا بغير مخصص، والتخصيص يفتقر إلى دليل، هذا مقتضى كلامه.
طالب:......
الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31].
طالب:......
أسماء هؤلاء، نقول عنها: كل الأشياء، أسماء هذه الأشياء كلها.
طالب:......
ليس المراد الملائكة على وجه الخصوص.
طالب:......
من ضمن هذه الأشياء أسماء الملائكة، هذا قول من يقول: إن المراد الأشياء كلها.
اللهم صلِّ على محمد.