تعليق على البلبل في أصول الفقه (26)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
قال المؤلف –رحمنا الله تعالى وإياه وعفا عنه-: الرابع الصوت: وهو عَرَضٌ مسموع.
واللفظ: صوتٌ معتمدٌ على مخرج من مخارج الحروف.
والكلمة: لفظٌ وضع لمعنى مفرد، والأجود لفظٌ استُعمِل وجمعها كلم مفيدًا أو غير مفيد.
وهي جنسٌ أنواعه: اسمٌ وفعلٌ وحرف، ولقسمتها طرقٌ كثيرة.
والكلام: ما تضمن كلمتين بالإسناد، وهو نسبة أحد الجزئين إلى الآخر لإفادة المخاطب.
وقيل: اللفظ المركب المفيد بالوضع، وشرطه الإفادة، ولا يأتلف إلا من اسمين، نحو زيدٌ قائم، أو فعلٍ واسم، نحو قام زيد، فالأولى جملةٌ اسمية، والثانية فعلية، ويا زيدُ.
والشرطية نحو: إن تقم أقم، فعليتان".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "الرابع" يعني من الأبحاث اللغوية التي يُحتاج إليها في هذا العلم.
"الصوت وهو عَرَضٌ مسموع" الصوت عَرَض يُطلقونه فيما يُقابل الجوهر، ولا شك أن هذه الإطلاقات، وهذه الألفاظ مُستحدثة، أقول: مُحدثة من قِبل أهل الكلام.
"عَرَضٌ مسموع" ولو اقتُصِر على كونه مسموعًا الصوت هو ما يُسمع بواسطة الأُذن كفى، ما نحتاج إلى أن نقول: عَرَض؛ لأنه ما فيه أحدٍ يقول: إن الكلام جوهر.
"مسموع" سببه اصطكاك الأجسام بعضها على بعض، فإذا وقع جسمٌ على آخر فلا شك أنه يُسبب صوت.
"واللفظ: صوتٌ معتمدٌ على مخرج من مخارج الحروف" اللفظ الذي هو في الأصل اسم المفعول الملفوظ به صوتٌ معتمد على مخرج من مخارج الحروف، ومخارج الحروف معروفةٌ عند أهل العلم.
"والكلمة: لفظٌ وضع لمعنىً مفرد" الكلمة الواحدة هذا الأصل في استعمالها لفظٌ وضِع لمعنىً، فزيد كلمة وضِعت للدلالة على المُسمى بهذا الاسم، يعني على الذات المُسماة بهذا الاسم، كتاب لفظ وضِع للدلالة على ما جمع الأبواب والفصول وهكذا.
فالكلمة الأصل فيها "لفظٌ وضع لمعنىً مفرد، والأجود لفظٌ استُعمِل" لفظٌ وضع لمعنى يعني سواءً استُعمل أو لم يُستعمل، لكن الأجود لفظٌ استُعمل؛ لأن اللفظ وإن وضِع لمعنىً لكنه لم يُستعمل بمعنى أنه أُهمِل لا يُسمى كلمة على هذا، لكنه في الحقيقة كلمة مادام وضِع في اللغة؛ للدلالة على معنى لشيءٍ مفرد هو كلمة بمعنى أنه لُفِظ به، فاللفظ يتناوله
"وجمعها كلِم" كما تُطلق الكلمة، والأصل فيها اللفظة الواحدة تُطلق أيضًا على الجملة، وعلى الكلام وإن كان طويلاً، فيُقال: أصدق كلمةٍ قالها شاعر، قال: ما قاله لبيد، وكلمة الإخلاص، وكلمة التوحيد لا إله إلا الله هذه ليست بكلمة كلام، لكن مع ذلك أُطلِق عليها كلمة.
وقد تُقال الكلمة بإزاء الكلام الطويل المكوَّن من جُمل، فتقول: ألقى الأمير كلمةً، أو العالم كلمة، أو القاضي كلمة، ومرادك بذلك كلامًا كثيرًا.
"وجمعها كلِم مفيدًا أو غير مفيد" يعني لو ركَّبت جملة غير مفيدة، إن قام زيدٌ، هذه كلِم، لكنه ليس بكلام؛ لأن الكلام ما أفاد، نعم هو كلِم باعتبار أنه جمعٌ لعدة كلمات يتكون من ثلاث كلمات: إن قام زيدٌ، لكنه ليس بكلام؛ لأنه لا يفيد.
وإن قام زيدٌ أكرمته، كلِم؛ لأنه مركَّب من عدة كلمات، وهو كلام؛ لأنه مفيد.
"وهي جنسٌ" الكلمة جنس تحته أنواع حُصِرت بالاستقراء في ثلاثة أنواع:
اسم، وفعل، وحرف.
ولا رابع لها، قد يقول قائل: اسم الفعل ماذا يصير تبع الاسماء أم تبع الحروف؟ إذًا صه بمعنى: اسكت اسم أم فعل؟
طالب:.......
قد يقول قائل: لماذا لا يصير قسمًا رابعًا وهو ما رُكِّب من نوعين، هو وإن كان في اللفظ مركَّبًا من نوعين، لكن هو في الحقيقة مآله إلى نوعٍ واحد، فهو من حيث اللفظ اسم، ومن حيث المعنى فعل؛ ولذا قيل: اسم فعل.
يقول: "ولقسمتها طرقٌ كثيرة" يعني لقسمة ما يتركب من هذه الثلاثة من الاسم والفعل طرق كثيرة؛ لأنها إما أن تكون من اسمٍ أو اسمين أو من اسمٍ وفعل أو من فعلٍ واسم أو من فعلين أو من حرف واسم وفعل أو من فعل وحرف واسم وهكذا، تأتي بالثلاثة على الترتيب، ثم تجعل المبدوء به مؤخَّرًا، وتُضيف إليه الأنواع الأخرى وهكذا إلى أن تصل إلى أقسامٍ كثيرة.
يقول: "والكلام: ما تضمن كلمتين بالإسناد" يعني ما أفاد، الكلام هو: اللفظ المركَّب المفيد بالوضع.
"ما تضمن كلمتين" هذا معنى التركيب.
"لإفادة المخاطب" ما تضمن كلمتين هذا يكون مركَّبًا، ولإفادة المخاطب وهو المفيد.
ومعنى قولهم بالوضع: "اللفظ المركَّب المفيد بالوضع" هذا هو تعريف الكلام، لا بُد من أن يكون مفيدًا ليُسمى كلامًا، ولا بُد أن يكون مُركَّبًا من أكثر من كلمة، ولا بُد أن تكون إفادته بالوضع العربي؛ ليخرج بذلك كلام الأعاجم.
أو يكون معنى قوله: "على ما قال بعضهم بالوضع" يعني: بالقصد، فيخرج بذلك كلام الطيور، بعض الطيور تتكلم، كلام النائم، والغافل، والساهي لا يُسمى كلامًا على هذا.
"وشرطه" شرط الكلام "الإفادة" أن يكون مفيدًا فائدةً يحسُن السكوت عليها.
يقول: "ولا يأتلف إلا من اسمين، نحو زيد قائم" الجملة مركبة من مبتدأ وخبر، وكلاهما من الأسماء.
"أو فعلٍ واسم، نحو قام زيد، فالأولى جملةٌ اسمية، والثانية فعلية" طيب زيدٌ يقوم أو زيدٌ قام جملة اسمية وهي مُركبةٌ من اسم وفعل.
"ويا زيدُ" هذا كلام؛ لأن (يا) وإن كانت حرفًا إلا أنها بمعنى أدعو وأنادي زيدًا.
"والشرطية نحو: إن تقم أقم، فعليتان" مكونة من جملتين فعليتين، وهي كلامٌ مفيد؛ لأنه يحسُن السكوت عليه.
"إن تقم أقم"، لكن إن قام زيدٌ يمكن أن تسكت ولا يقول لك السامع: وبعد؟ إن قام زيد ماذا يصير؟ يحسُن السكوت على قولهم: إن قام زيد؟ ما يحسُن السكوت عليه لا بُد أن تُكمِل جواب الشرط، لكن إن قال: إن تقم أقم، خلاص يستفيد السامع، ولا يطلب منك مزيدًا على هذا.
"والكلام: نصٌّ، وظاهرٌ، ومُجمل.
فالنص لغةً: الكشف والظهور، ومنه نصَّت الظبية رأسها، أي: رفعته وأظهرته، ومنه منصة العروس.
واصطلاحًا: الصريح في معناه، وقيل: ما أفاد بنفسه من غير احتمال.
وحكمه: أن لا يترك إلا بنسخ، وقد يُطلق على ما يتطرق إليه احتمالٌ يعضده دليل، وعلى الظاهر، ولا مانع منه؛ إذ الاشتقاق المذكور يجمعهما".
الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث الوضوح في الدلالة والخفاء، والتوسط ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
فمنه النص، وهو الذي لا يحتمل معنىً آخر، ومنه الظاهر، وهو الذي يحتمل معنىً آخر معنىً مرجوحًا، فالظاهر المعنى الراجح، والمُجمل الذي يحتمل أمرين على حدٍّ سواء.
"نص" إذا قلت: زيد يحتمل أن يكون غير ذلك الشخص المُسمى بهذا الاسم؟ إذا قلت: جاء فلان بن فلان ما يحتمل.
والظاهر هو: الاحتمال الراجح من حيث الاستعمال.
والمُجمل هو: الاحتمال المساوي الذي يحتمل معنيين على حدٍّ سواء، فيُطلب المُرجِّح.
والمؤلف تكلم عن هذه الثلاثة واحدًا بعد الآخر.
فالنص عرَّفه في اللغة بأنه "الكشف والظهور، ومنه نصَّت الظبية رأسها، أي: رفعته وأظهرته، ومنه منصة العروس"؛ لأنها تُوضع في مكانٍ مرتفع.
"واصطلاحًا: الصريح في معناه" الذي لا يحتمل معنىً آخر، وإن احتمل فعلى بُعدٍ شديدٍ جدًّا، فمثلاً في قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] الآن ماذا يُفهم من الإبل؟
طالب:.......
الدابة المعروفة، هل يحتمل شيئًا آخر؟
طالب:.......
ما هو؟
طالب: السحاب؟
نعم قيل: عن السحاب، ذكره بعض أهل التفسير، وإن كان قولاً ضعيفًا، لكنه على بُعدٍ شديد، فهذا لا يُخرجه عن كونه نصًّا، لا نقول: إنه ظاهر في الإبل الدواب، نقول: هو نص؛ لأن احتماله المعنى الآخر بعيدٌ جدًّا.
طيب {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] الجمل المراد به يحتمل أن يكون الحيوان، واحتمالٌ آخر هو احتمالٌ أيضًا قوي عند أهل العلم أنه الحبل الغليظ، بدليل {سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] كيف يلج البعير في سمِّ الخياط؟ هل هناك أحد يُدخل جملًا في سمِّ الخياط، لكن الحبل وإن كان غليظًا يُحاول، فهذا يُسمى ظاهرًا.
هذا يقول بعضهم، يقول شاعر:
ولو أن ما بي من جوىً وصبابةٍ |
| على جملٍ لم يبق في النار كافرٌ |
ما معنى هذا الكلام؟
ولو أن ما بي من جوىً وصبابةٍ |
| على جملٍ لم يبق في النار كافرٌ |
ماذا يقصد بهذا الكلام؟
طالب: يعني الجمل سيضعف.
نعم من هذا الهم والغم حتى يدخل في سم الخياط، وحينئذٍ كلهم يدخلون الجنة.
"الصريح في معناه، وقيل: ما أفاد بنفسه من غير احتمال" وعرفنا أن الاحتمال الضعيف جدًّا كلا احتمال يدخل في النص.
"وحكمه: أن لا يترك إلا بنسخ" لا يمكن أن تترك النص الصحيح الصريح إلا بنسخ؛ لأنه غير قابل للتأويل.
"وقد يُطلق على ما تطرق إليه احتمالٌ يعضده دليل" نعم.
طالب:.......
يقصدون النص الدليل عمومًا، نعم.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
لا، هم يُطلقون النص بإزاء ما لا يحتمل معنىً آخر، يعني إذا قلت: هذه الآية نص في الموضوع ما معنى هذا؟ الآن هل يشك أحد أن الآية يُحتج بها؟ لا يشك أحد، لكن من حيث الاحتمالات يمكن؛ لأنه وإن كانت قطعية الثبوت إلا أنها دلالتها قد تكون ظنية، فيُنازع في الاحتجاج بها كما نُوزِع في الاحتجاج بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] على وجوب صلاة العيد مثلاً، لكن إذا قلت: دليله النص، يعني اللفظ الوارد عن الله وعن رسوله بغض النظر عن قوة الدلالة وضعفها، يُطلق بإزاء هذا وإزاء هذا، لكنه هنا في مُقابل الظاهر والمُجمل يُراد به ما لا يحتمل، لكن إذا قلت: دليلنا أو دليل المسألة النص والقياس يؤيدها النص والقياس، فالمقصود بها الدليل السمعي والقياس عليه.
طالب:.......
الثالث الذي هو...
طالب:.......
كيف كان سواءً كان راجحًا أو مرجوحًا، تستدل المذاهب بأدلة نصوص من الكتاب والسُّنَّة، تستدل بنصوص، إذًا استدلت بنص، هذا النص يحتمل أن يكون الاحتمال الذي دل عليه دلالته على ما استُدل به عليه لا تحتمل غيره، ويحتمل أن تكون دلالته على ما استُدل به ظاهرة، ويحتمل أن تكون دلالتها راجحة أو مرجوحة، يعني كما يستدل المالكية على جواز الوقوف ببطن عُرنة بالنص، يستدلون بالنص «عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ، وارفعوا عن بَطْنَ عُرَنَةَ» يستدلون بجواز الوقوف ببطن عرنة، يستدلون بنص، لكن من حيث التقسيم في مقابل الإجمال والظهور ليس بنص، يعني حتى هو ليس بظاهر، لكنه نص بمعنى أنه منصوص من النبي –عليه الصلاة والسلام- فمن هذه الحيثية يُطلق عليه أنه نص، ظاهر؟
يقول: "وقد يُطلق على ما تطرق إليه احتمالٌ يعضده دليل وعلى الظاهر" الذي هو قسيمٌ للنص.
"ولا مانع منه، إذ الاشتقاق المذكور يجمعهما" الاشتقاق الذي هو من الرِّفعة والظهور، الظاهر مأخوذ من الظهور، والنص مأخوذٌ مماذا؟ الكشف والظهور.
"والظاهر حقيقةً هو الاحتمال المتبادر".
اقرأ.
"والظاهر حقيقةً هو الاحتمال المتبادر، واستُعمل اللفظ المحتمل معنيين فأكثر، هو في أحدهما أظهر.
واستعمالاً.
"حقيقةً هو الاحتمال المتبادر، واستعمالاً اللفظ المحتمل معنيين فأكثر، هو في أحدهما أظهر، أو ما بادر منه عند إطلاقه معنى مع تجويز غيره، ولا يُعدل عنه إلا بتأويل، وهو صرف اللفظ عن ظاهره لدليلٍ يصير به المرجوح راجحًا.
ثم قد يبعُد الاحتمال، فيحتاج في حمل اللفظ عليه إلى دليلٍ قوي، وقد يقرب، فيكفيه أدنى دليل، وقد يتوسط، فكيفيه مثله.
والدليل قرينةً".
قرينةٌ.
"والدليل قرينةٌ أو ظاهرٌ آخر، أو قياس، وكل متأولٍ يحتاج إلى بيان الاحتمال المرجوح وعاضده. وقد يرتفع الاحتمال مجموع قرائن الظاهر، دون آحادها، كتأويل الحنفية المفارقة في قوله -عليه السلام- لغيلان بن سلمة حيث أسلم على عشر نسوة: «أمسك مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» وعلى ترك نكاحهن ابتداءً، وعضدوه بالقياس، وهو عدم أولوية بعضهن بالإمساك دون بعضٍ، أو نحوه.
ورُد بأن السابق إلى فهمنا وفهم الصحابة -رضي الله عنهم- من المفارقة والتسريح، لا ترك النكاح، وبأنه فوَّض إليه ذلك مستقلاً به، وابتداء النكاح لا يستقل به، بل لا بُد من رضى المرأة، وبأن ابتداء النكاح لا يختص بهن، فكان ينبغي أن يقول: انكح أربعًا ممن شئت، فهذه قرائن تدفع تأويلهم.
وكتأويلهم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» على الأمة، ثم صدَّهم: «فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» إذ مهر الأمة لسيدها لا لها، فتأولوه على المكاتبة، وهو تعسف، إذ هذا عامٌّ في غاية القوة، فلا يؤثر فيه تأويلٌ ضعيف.
وقد قيل في حمل: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» على القضاء والنذر: إنه من هذا القبيل؛ لوجوبهما بسببٍ عارض، فهو كالمكاتبة في حديث النكاح.
"والصحيح أنهما ليسا مثلها في الندرة والقلة، فقصرَ".
فقصرُ مضمون الحديث.
"فقصرُ مضمون الحديث عن صوم رمضان، يحتاج إلى دليلٍ قوي، فحصل من هذا، أن إخراج النادر قريب، والقصر عليه ممتنع، وبينهما درجاتٌ متفاوتةٌ، بُعدًا وقربًا.
والمُجمل يأتي ذكره إن شاء الله تعالى".
الظاهر له حقيقة وله استعمال.
"حقيقةً هو الاحتمال المتبادر" يعني إلى الذهن، يعني {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] فيه معنى متبادر إلى الذهن، وهو أنه المراد بهذه الصلاة الصلاة الشرعية، واحتمال آخر وهي أنها صلاة لغوية، لكن المتبادر إلى الذهن أنها صلاة شرعية.
{وَانْحَرْ} [الكوثر:2] في احتمال يتبادر إلى الذهن وهو نحر القرابين من هدي وأضاحٍ، واحتمال آخر وهو بعيد وهو وضع اليدين على النحر، فالظاهر من اللفظ أن المراد بالصلاة الصلاة الشرعية، والمراد بالنحر نحر القرابين، هذا هو الظاهر؛ لأنه الاحتمال الراجح.
يقول: "حقيقةً هو الاحتمال المتبادر" لأنه هو المتبادر للذهن.
"واستعمالاً اللفظ المحتمل معنيين فأكثر، هو في أحدها أظهر" {وَانْحَرْ} [الكوثر:2] يحتمل معنيين، يحتمل نحر القرابين، ويحتمل وضع اليدين على النحر، فنحر القرابين هو المتبادِر، فهو أكثر استعمالاً في أحدهما، وهو أظهر فيه.
يقول: "أو ما بادر منه عند إطلاقه معنىً مع تجويز غيره" يعني يتبادر إلى الذهن معنى من هذا اللفظ مع أنه لا يستحيل وجود غيره من المعاني، يعني قد تكون الكلمة لها عدة استعمالات، لكن هي في هذا المقام استعمالها هو المتبادر إلى الذهن مع تجويز الاستعمال الآخر.
«إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فإنْ كَانَ مُفْطِرًا فليأكل، وَإنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» الاحتمال في قوله: «فَلْيُصَلِّ» هل الاحتمال الراجح أن يُصلي ركعتين أو يدعو؟ الأكثر على أن الاحتمال المتبادر من اللفظ الدعاء الصلاة اللغوية، وإن قال بعضهم بالاحتمال الثاني، لكن الذي يتبادر إلى الذهن في مثل هذه المناسبة هو الدعاء، وإن كان حصل منه –عليه الصلاة والسلام- أنه دُعي فصلى صلاة شرعية.
في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103] هذا يحتمل معنيين، يحتمل الصلاة الشرعية، ويحتمل الصلاة اللغوية، لكن المتبادِر على الذهن من الاحتمالين هو الصلاة اللغوية؛ ولذا لما جاء أبو أوفى بزكاته قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى» ما كبَّر وصلى عليه ركعتين، فهناك اللفظ يحتمل معنيين.
«توضؤوا من اللبن إن له دسمًا» الوضوء يحتمل أن يكون الوضوء الشرعي، ويحتمل أن يكون الوضوء اللغوي وهو المضمضة؛ بدليل العلة فله دسم، فهذا هو المعنى المتبادر من النص.
"ولا يُعدل عنه" يعني عن المتبادر إلى غير المتبادر "إلا بتأويل" والتأويل المراد به: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح؛ لدليلٍ يقترن به، أحيانًا يُحتاج إلى أن يُصرف هذا اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، لماذا؟ لوجود دليل يمنع من إرادة المعنى الحقيقي أو المعنى المتبادِر، وإن كان المبتدعة توسَّعوا في هذا التأويل، وجعلوا ما ليس بدليلٍ دليلاً، فنفوا الصفات، وجعلوا الدليل على نفيها المُرجِّح للنفي للتأويل الذي هو الاحتمال المرجوح جعلوا نفي المشابهة جعلوه دليلًا، وهو في الحقيقة ليس بدليل، إذًا يمكن أن نُثبت وننفي المشابهة، نُثبت شيئًا يليق بجلال الله –سبحانه وتعالى- وعظمته مع انتفاء المشابهة.
"ثم قد يبعُد الاحتمال، فيُحتاج في حمل اللفظ عليه إلى دليلٍ قوي" لا بُد من دليلٍ قوي يدعمه؛ ليكون هو المقصود.
الآن عندنا {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير:17] ما معنى عسعس؟ أقبل أو أدبر، أيهما أولى؟
طالب:.......
لماذا؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
لماذا ما يكون ذَكر مجيء الليل ومجيء الصبح، فيكون إقبال الليل وإقبال الصبح؟
طالب:.......
يجوز حمل اللفظ الواحد على معنيين في آنٍ واحد؟ يجوز؟
طالب:.......
يجوز أن يُحمل اللفظ على معنيين؟ إذا لم يكن هناك مُرجِّح توقف، ويُطلق على كذا وعلى كذا من غير مرجِّح.
القُرء مثلًا يُطلق على الحيض ويُطلق على الطُّهر، وكلٌّ من أهل العلم رجَّح ما يراه راجحًا.
طالب:.......
لكن ما فيه شيء مناسب لأحد المعنيين في القرآن منصوص عليه؟
طالب:.......
في غيرها مما كان يعني يحتاج إلى مرجح {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} [المدثر:33] فيكون المراد بهذه الآية هو المراد بتلك الآية، فيكون معنى عسعس: أدبر، بدليل الآية الأخرى.
طالب:.......
هو إذا احتجنا إلى تفسير القرآن بالقرآن، وهو أفضل أنواع التفسير، واللفظ محتمل على حدٍّ سواء نُرجِّح بما في القرآن.
طالب: إذا قال قائل: الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد، فإذا حملناها على نفس المعنى فكانت على التأكيد، أما إذا حملناها على المعنى المخالف فيكون للتأسيس...
نعم تأسيس حكم، لكن هذا الآن حكم؟ ما في حكم حتى نؤسس حكم.
طالب:.......
ما هو بعسعس.
طالب:.......
أين؟
طالب:.......
ماذا فيه؟
طالب:.......
من أجل المذهب.
على كل حال هذه مجرد تمثيل لها، ما هي بصدد ترجيح أحد المعاني على الآخر، إنما هو لمجرد التمثيل للظهور والخفاء، وأنه قد يوجد الاحتمال على حدٍّ سواء فنحتاج إلى مرجِّح.
"ثم قد يبعُد الاحتمال، فيُحتاج في حمل اللفظ عليه إلى دليلٍ قوي وقد يقرب، فيكفيه أدنى دليل" نحتاج إلى نُرجح بقشة، وأنتم ترون في مرجحات أهل العلم في المسائل عند التعارض يُرجحون بأشياء يعني قد لا تُحتمل، يُرجحون بأشياء هي في الحقيقة بمفردها لا تُعتبر مُرجِّحًا، لكن لا بُد من الترجيح ما فيه مفر من الترجيح، ولو نظرتم إلى المرجحات التي ذكرها أهل العلم التي تقرب من مائة، مائة مُرجِّح تجدون فيها ما لا يُحتمل إلا عند الضرورة القصوى، أنت بين خيارين كما لو وضعت في كفة تسعة وأربعين كيلو، ووضعت في الكفة الثانية واحدًا وخمسين أو وضعت مثلاً خمسين كيلو وجرامًا ، والثانية فيها خمسون إلا جرامًا، ماذا تحتاج إلى أن تُرجَّح إحداهما على الأخرى؟ بقشة، ترفع عود تبن وتضعه فيرجح.
ثم مثل هذا أحيانًا يقرب الاحتمالين من التساوي، فنحتاج إلى أدنى مرجِّح؛ ولذا ابن القيم –رحمه الله تعالى- ومن يرى عدم الاحتجاج بالضعيف مطلقًا، يرى أنه يُمكن أن يُرجَّح بالضعيف، ومن احتاج إلى القشة جعل الضعيف قشة، ابن القيم في (تحفة المودود) أشار إلى هذا -رحمه الله-.
طالب:.......
إلى الترجيح بالضعيف.
طالب:.......
ما يرى الاحتجاج بالضعيف.
طالب:.......
أنت صار عندك على حدٍّ سواء وقفت، مثل ما وقف الشنقيطي في زكاة الحلي، بحث المسألة من الجانبين ووجد الأثر والنظر كله متساويًا عجز أن يُرجِّح، قال في النهاية: والاحتياط إخراج الزكاة ما رجَّح، فمثل هذا يحتاج إلى أدنى شيءٍ يُرجِّح به.
"وقد يقرب، فيكفيه أدنى دليل" الشاهد يعني لو وضعت بكفة كيلو، ووضعت بالثانية عشرة كيلو، كيف تُرجِّح هذه على هذه؟ تُريد لك مُرجحًا قويًّا جدًّا من أجل أن يرجح بالكفة الثانية، لكن لو تقاربت قسمت العشرة بين الكفتين هذه خمسة وهذه خمسة صارت واحدة تحتاج إلى أدنى شيء لو تنفخ رجح، لو تنفخ هذين الكفتين رجحت بأدنى شيء تُرجِّح.
"وقد يتوسط، فكيفيه مثله" يعني يكفيه دليلٌ متوسط لا هو بقشة ولا هو دليلٌ قوي.
"والدليل قرينةٌ أو ظاهرٌ آخر، أو قياس" الدليل الذي يُرجَّح به المرجحات كثيرة جدًّا، الدليل الذي نحتاجه للترجيح إما قرينة، أدنى قرينة.
"أو ظاهر آخر" يكون أرجح منه بشيءٍ يسير.
"أو قياس" نُرجِّح الاحتمال هذا الاحتمال وإن كان مُساويًّا إلا أنه لوجود قياسٍ يعضده رجح عندنا؛ لأننا نحتاج إلى مرجح بأدنى ترجيح.
طالب:.......
أين؟
طالب:.......
هذ قوي، هذا يُرجِّح هذا الاحتمال.
طالب:.......
نعم لكن أنت إن كانت عمدتك النص الأول وتحتاج إلى مرجِّح تُرجِّح، إذا كان عمدتك أدنى.... فرق بين أن تبحث مسائل كتاب بأدلتها من نفس الكتاب، وبين أن تبحث المسألة وأنت حر تختار ما تشاء من الأدلة هذه مسألة أخرى، مثل ما تأتي إلى كتابٍ تُخرِّج أحاديثه، استدل صاحب الكتاب بحديثٍ بابن ماجه، لكن له شاهد قوي في البخاري، أنت تقول: أنا مُصحح الحديث هذا بابن ماجه ما لي به حاجة، وأدخل الحديث في البخاري، أنت ملزم بالكتاب، تُخرِّج هذا الحديث وتحكم على ضعفه، وتقول: لكنه يتقوى بما رواه البخاري في صحيحه، لكن لو أنت تبحث المسألة من تلقاء نفسك فما يحتاج إلى أن تأتي بهذا الحديث، تصورت الفرق؟
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
نعم، لكنهم يُجيبون عن الصريح، أقول: يُجيبون عن الصريح بأجوبةٍ قال بمثلها من أخذ بهذا الحديث الصريح في إطلاق الكفر على أمور لا يرى من قال بكفر تارك الصلاة أن من عملها كفر، هو أجاب بأنه كفر دون كفر، وإلا فيُحمل على المُستحِل، هذه حُجتهم.
لا بُد أن يكون لهم... ما يمكن لعالم من أهل العلم أن يكون اعتماده يُصادم نصَّا ما يمكن، لا بُد أن يُتأوَّل له مثل هذا، وشيخ الإسلام –رحمه الله- في (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) أجاب عن عدم عملهم بأحاديث صحيحة صريحة.
"وكل متأولٍ يحتاج إلى بيان الاحتمال المرجوح وعاضده" كل متأوِّل يعتمد على الاحتمال المرجوح لا بُد أن يدعم هذا الاحتمال، وإلا فكيف يعدل من الراجح إلى المرجوح إلا إن كان في نفسه هوى، إن كان في نفسه هوى فهذه مشكلة بعد، لكنه يقدح في ديانته إذا كان مجرد هوى؛ لأن بعض الناس تقول له: المسألة كذا، يقول: لا أبدًا الراجح كذا، طيب النص في البخاري، يقول: ولو، طيب أجب، ولو، هل هذا جواب؟! لا، هذا المذهب وعليه العمل، وعليه... ما يكفي، أنت عندك نص لا بُد أن تُجيب على هذا النص، النص قال الله وقال الرسول، وما يمكن أن تُجيب بكلامٍ ولا هو كلام.
مثل هذا الكلام الذي يواجه النصوص بمثل هذا الكلام يقدح في عدالته، ويقدح في أهليته العلمية؛ لأن أنت مبنى علمك على ماذا؟ على النصوص هذا نص لا بُد أن تقوي دليلك، وتُضعف دليل المُخالف أو تُجيب عنه بأي جوابٍ مقبول
يقول: "وقد يُرفع الاحتمال مجموع قرائن الظاهر، دون آحادها" قد يجتمع قرائن كثيرة، لكن واحدة منها أو مجموعة قرائن لا تنهض لتُرجِّح الاحتمال المرجوح على الراجح، يحتاج، مثل ما تضع على الميزان عيارًا ما نفع، ضع ثانيًا، ضع ثالثًا، ضع رابعًا، ضع خامسًا إلى أن يرجح، فإذا كانت المرجحات... يعني لو تضع دوانق ما ترجح، وضعت دانقًا وثانيًا وثالثًا، عشرة، مائة، تحتاج لشيءٍ كثير من المرجحات؛ لأنها ضعيفة؛ لكن لو تأتي بمرجحٍ قوي أغناك عن كل هذه المرجحات.
يقول: "وقد يُرفع الاحتمال مجموع قرائن الظاهر، دون آحادها: كتأويل الحنفية المفارقة في قوله -عليه السلام- لغيلان بن سلمة حيث أسلم على عشر نسوة: «أمسك مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» على ترك نكاحهن ابتداءً" قال: خلاص كل العشرة اتركهن، ثم تزوج أربعًا منهن، لماذا؟ لأنه يقول: إمساك أربع تحكُّم، ما الدليل على أن هذه الأربع هي التي نكاحهن صحيح، والبقية نكاحهن باطل؟ يعني لو قيل بأن الأربع من تزوجها الأولى والثانية والثالثة والرابعة، الخامسة نكاحها باطل، هذا القياس التي نكاحهن صحيح الأربعة الأول، لكن الخامسة والسادسة والسابعة إلى العاشرة نكاحهن باطل.
لو قال: أمسك الأربعة الأوائل عضده القياس، لكن قال: أمسك أربعًا، يعني اختار أربعًا، لو قال: افرضوا أنهن السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة، معنى كلامهم هم عضدوا كلامهم بالقياس، لا شك أن القياس يدعمه، لكن النص عندنا يقول: «أمسك مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» يعني أي أربع، «وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ»، يعني فارق الباقي.
"وهو عدم أولوية بعضهن بالإمساك دون بعضٍ، أو نحوه.
ورُد بأن السابق إلى فهمنا وفهم الصحابة" لا شك أننا نفهم أنه يقول: اختر «أمسك مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» يختار منهن أربعًا «وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ».
"ورُد بأن السابق إلى فهمنا وفهم الصحابة -رضي الله عنهم- من المفارقة التسريح، لا ترك النكاح" أطلق سراح السِّت وأمسك أربعًا.
"وبأنه فوَّض إليه ذلك مستقلاً به" فوَّض إليه قال: أمسك، فترك الإمساك والاختيار له، ولم يصف أو لم يعلق هذا التفويض بوصف يُقيده به.
تيمور لما أسلم أظهر الإسلام، وإن كان الله أعلم بباطنه؛ لأن سيرته غير مرضية، وحكم بغير ما أنزل الله، المقصود أنه أظهر الإسلام، وكان تحته زوجات أبيه أفتاه أهل العلم بأن يفارق هذه الزوجات ما رضي، قال واحد منهم: ارتكاب أخف الضررين، نُفتيه بأن زواج أبيه بهم باطل، وهو مسلم فزواجه صحيح؛ لأنهم يخافون، فهو مستولٍ علي كثير من البلدان الإسلامية.
طالب:.......
يرتد، يقول: الإسلام يجعلنا نفارق، فما الضرورة؟
فمن باب ترغيبه في الإسلام قال له بعضهم مثل هذا الكلام، قال: نكاح أبيه باطل، وهو أسلم ونكاحه صحيح، وأسلم على ما أسلف، هذا من باب السياسة، وإلا معروف أن وضعه ووضع أسلافه ساموا المسلمين سوء العذاب -والله المستعان-.
طالب:.......
تيمور الثامن الظاهر.
طالب:.......
لا عقبه، الثامن استولى على العراق والشام، المقصود أنه بعد سقوط الخلافة، والله المستعان.
في (المنهل الصافي) لابن تغري بردي ذكر أن أهل العلم حكموا بأن دياره ديار حرب، وإن كان الشعب مسلمين، وتقام فيهم الصلاة، ويُؤذَّن فيها، والله المستعان.
ذكره في (المنهل الصافي) في ترجمته في ترجمة تيمور.
طالب:.......
نعم؛ لأنه يحكم بالياسق نعم، بل نقل الإجماع على كفره، لكن هم يقولون: هم يلبدون .... لأنه لو ثار عليهم وقتَّل فيهم، المسألة ضعف واستكانة، ووقت ذل ومهانة.
طالب:.......
على كل حال إذا كانت المسألة مع عدم القدرة لا يكلف الله نفسًا إلى وسعها.
طالب:.......
بلاد الشام وأطراف العراق وغيرها.
يقول: "ورُد بأن السابق إلى فهمنا وفهم الصحابة -رضي الله عنهم- من المفارقة التسريح، لا ترك النكاح، وبأنه فوَّض إليه ذلك مستقلاً به، وابتداء النكاح لا يستقل به" ما معنى مستقل به؟ لم يرجع ذلك إلى رضى هذه الزوجات، بل وكل الأمر إليه.
"ابتداء النكاح لا يستقل به" بل لا بُد من رضي النساء.
يقول: "بل لا بُد من رضى المرأة، وبأن ابتداء النكاح لا يختص بهن" يعني لو قيل له: فارق هذه العشر النسوة، ثم انكح أربعًا، ينكح أربعًا من العشرة أو من غيرهن ما فيه فرق، ما يكون لقوله –عليه الصلاة والسلام-:«أمسك مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» ما يكون له دلالة.
"فكان ينبغي أن يقول: انكح أربعًا ممن شئت، فهذه قرائن تدفع تأويلهم.
وكتأويلهم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» على الأَمة" «بِغَيْرِ إِذْنِ وَلَيِّهَا» يعني: سيدها، أنكحت نفسها بغير إذن سيدها محمول على الأمة، وإلا فالحرة لها أن تزوج نفسها عندهم.
"ثم صدهم: «فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا»" الأمة ليس لها مهر، وإنما المهر لسيدها.
"إذ مهر الأمة لسيدها، لا لها فتأولوه على المكاتبة".
طالب:.......
هذه حجرة ولا بُد أن يتنفسون أين يذهبون؟ إما أن يقولوا مثل هذا الكلام وإلا يستسلمون للدليل.
طالب:.......
أين؟
طالب:.......
نعم لما قالوا: هذا محمول على الأمة.
طالب:.......
هو قال: الأمة نعم، لكن رُدّ عليهم بأن الأمة لا مهر لها، المهر لسيدها، قالوا: لا، المكاتبة؛ لأنها تملك، كل هذا؛ لأنهم يرون عدم اشتراط الولي في النكاح.
"فتأولوه على المكاتبة وهو تعسّف" تعسفٍ ظاهر.
"إذ هذا عامٌّ في غاية القوة" «أَيُّمَا امْرَأَةٍ» من صيغ العموم «أَيُّمَا امْرَأَةٍ» نكرة في سياق الشرط، فتعم جميع النساء.
"فلا يُؤثَر فيه تأويلٌ ضعيف" مثل هذه التآويل التي معنا أولاً قالوا: أمة، ثم المكاتبة، لو بعد يرد عليهم شيء من خلل في المكاتبة فلعلهم يلجئون إلى غيره.
"وقد قيل في حمل: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» على القضاء والنذر" يعني بخلاف الفرض صيام رمضان.
"إنه من هذا القبيل" قال بعضهم: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» هذا على القضاء والنذر، أما رمضان فما يحتاج إلى تبييت مثل هؤلاء يقولون: رمضان ما يحتاج إلى تبييت، كما أن الوضوء لا يحتاج إلى نية في غايةٍ من القوة التي تجعله لا يحتاج إلى نيةٍ تُخصِّصه وتُعينه، بينما الضعيف ما وجب مع ضعف كالقضاء والنذر ما هو مثل صيام رمضان في القوة.
الآن الحنفية لا يشترطون النية للوضوء، يشترطونها في التيمم، يقولون: التيمم فيه ضعف، ما فيه قوة الوضوء، فيحتاج إلى من يدعمه بالنية، وهنا ما وجب بالقضاء أو بالنذر فيه شيء من الضعف، فيحتاج إلى ما يدعمه بالنية بخلاف شهر رمضان الذي هو فرض على الأمة صيامه ما يحتاج إلى نية.
"إنه من هذا القبيل لوجوبهما بسببٍ عارض، فهو كالمكاتبة في حديث النكاح.
والصحيح أنهما ليسا مثلها في الندرة والقلة" بل القضاء والنذر فيهما قوة أقوى من تناول الحديث للمكاتبة.
"فقصرُ مضمون الحديث على صوم رمضان، يحتاج إلى دليلٍ قوي".
طالب: على صوم رمضان أو عن صوم رمضان؟
كأنه يقول: على صوم رمضان، ماذا عندك بالشرح؟
طالب: هنا عن؛ لأنه قال: على القضاء، جعل القصر على القضاء.
معروف أن الكلام الأول ينقض قول على، فكأنهم يُريدون أن صوم رمضان لا يحتاج إلى نية، والعبارة الأخيرة تجعلهم يجعلون صوم رمضان هو المحتاج إلى النية، مع أن الذي قرَّرناه غيره ذلك.
"فقصرُ مضمون الحديث عن صوم رمضان، يحتاج إلى دليلٍ قوي" فإذا كان قوله –عليه الصلاة والسلام-: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» يعني عندنا درجات: عندنا صوم رمضان الذي هو ركنٌ من أركان الإسلام، وعندنا قضاء واجب، ونذر واجب، وعندنا نفل، تدريج.
فإذا كان النفل ما يحتاج إلى نية من الليل، نرتفع درجتين، ونقول: رمضان لا يحتاج والذي بينهما يحتاج، التدريج العقلي يعني.
إذا كان رمضان لا يحتاج إلى نية فمن باب أولى النذر؛ لقربه من النفل؛ لأنه ما أوجبه الله فرض، ركن من أركان الإسلام، ظاهر أم ما هو بظاهر؟
يقول: "فقصرُ مضمون الحديث عن صوم رمضان، يحتاج إلى دليلٍ قوي" يحتاج إلى مخصص، الحديث يحتاج إلى مخصص.
"فحصل من هذا، أن إخراج النادر قريب، والقصر عليه ممتنع" النادر قريب إخراجه من العموم قريب؛ لأنه قد يتكلم المتكلم -وهذه مسألة مفترضة في عموم المتكلم- ولا يستحضر النادر، إنما يستحضر الغالب، وكثير من النصوص جاءت بناءً على الغالب من غير استحضارٍ للنادر، يعني هي ما خفيت على المشرِّع، لكن باعتبار أن المقابل نادر، والنادر لا حكم له، فإخراج الأقوى يقتضي إخراج الأضعف من باب أولى، وإدخال الأضعف يقتضي إدخال الأقوى من باب أولى.
"فحصل من هذا، أن إخراج النادر قريب" يعني إخراج النذر من قوله –عليه الصلاة والسلام-: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» إخراجه من هذا النص أقرب من إخراج صوم رمضان؛ لأنه إذا لم يكن الحديث تناول صوم رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام ينبغي أن يُحتاط له، فلا يتناول النذر من باب أولى.
"والقصر عليه ممتنع، وبينهما درجاتٌ متفاوتةٌ، بُعدًا وقربًا" بين ماذا؟ بين النادر وغير النادر، بين النادر والغالب درجات متفاوتة.
من الصور ما يقرب من الغالب فيأخذ حُكمه، ومن الصور ما يقرب من النادر فيأخذ حُكمه.
طالب:.......
وناوٍ يصوم غدًا؟
طالب:.......
ما الذي ينيمه من المغرب؟
انتظر الإعلان إلى اثني عشر، وغلبه النوم ونام، وقال: إن كان رمضان باكرًا فأنا صائم -إن شاء الله- فما انتبه إلا بعد الأذان، مع إقامة الصلاة انتبه، هذه المسألة التي يقول: إن كان غدًا من رمضان فهو فرضي على المذهب لا يصح، لماذا؟ لأنه تردد في النية.
شيخ الإسلام يقول: يصح؛ لأنه ما تردد في نية الصيام، تردد في دخول الشهر، والجهة منفكة، هو عازم على الصيام، لكن عازم على صيام رمضان، ما عزم على صيام يوم شك، إنما عزم على صيام رمضان، شيخ الإسلام يرى –رحمه الله تعالى- أن مثل هذا الصيام صحيح، يراه صحيحًا، والجهة منفكة؛ لأن التردد ما حصل في الصيام نفسه، وإنما حصل التردد في دخول الشهر، في المذهب يقولون: لا، ما فيهه نيةٍ جازمة، ما يدري أيصوم أم ما يصوم، فهو متردد.
يعني قال: أنتظر، جاءت أخبار الساعة التاسعة وما جاء فيها شيء، الحادية عشرة ما جاء في الأخبار شيء، قال: خلاص أنام وإن كان من رمضان فأنا صائم –إن شاء الله-، ما انتبه إلا مع إقامة الصلاة، نقول: صيامه صحيح أم لا؟ عند شيخ الإسلام صحيح؛ لأنه يقول: إن كان غدًا من رمضان عازم على صيام رمضان، وتردده إنما هو تردد في دخول الشهر، والمذهب يقولون: لا، صيامه ليس بصحيح؛ لحصول التردد في النية.
طالب:.......
الاحتياط شيء وإبطال الصيام شيءٌ آخر؛ لأن هذه مثل المسائل التي مرت، والترجيح فيها بالقشة؛ لأن اللفظ مُحتمل، هو متردد بلا شك، هو متردد أم غير متردد؟ هل هذا التردد في دخول الشهر أو في العزيمة على الصوم؟ في دخول الشهر نعم، شيخ الإسلام يقول: في دخول الشهر، لكن التردد في دخول الشهر لا شك أن له أثرًا في التردد في الصوم؛ لأن الصوم مبني على دخول الشهر، فإذا تردد فيما بُني عليه تردد في المبني، ظاهر أم ليس بظاهر؟ ظاهر.
طالب:.......
فيه قوة.
على كل حال شخص صام بهذه النية إبطال صيامه فيه ما فيه، وكونك تقول له: المذهب يبطلون صيامك هذه مسألة ثانية.
أنت الآن لو تقول: متى ما جاء زيد نريد أن نأخذ عمرة، وأنت ما تدري هل يقدم زيد غدًا أو لا، ثم يسألك واحد متى نروح لمكة؟ تقول له: احتمال أن يكون باكرًا -إن شاء الله- وأنت لست مترددًا في أصل العمرة أنت متردد في قدوم زيد متى يقدم، التنظير مطابق أم غير مطابق؟
لكن لا شك أن ترددك في قدوم زيد مؤثر على ترددك في العمرة، لماذا؟ لأنه لو ما جاء فأنت لن تعتمر، ومثله إن لم يكن رمضان فما أنت بصائم، فلا شك أن له أثرًا في النية.
والقول بإلزامه بالقضاء قضاء ذلك اليوم له حظ من النظر.
طالب:.......
كيف؟
في الصيام.
طالب:.......
لا هو ما يقول: أنا صائم صائم رمضان أو غير رمضان، يقول: صائم إن صار رمضان صمت وإلا فطرت، فهو مترددٌ بين الصيام وعدمه، فهمت قصدي؟ لأنه ما يمكن إلا أن الثاني إن لم يكن من رمضان فهو يوم الشك الذي لا يجوز صيامه.
طالب:.......
هو دخل أم أُدخِل؟
طالب: دخل.
ينظر إن كان نذر، قرنه بلفظ اليمين صار نذرًا عليه، فينظر على مراده، نرى الباعث على هذا النذر ما قصده؟ هل قصده أن يدخل زيد بنفسه أو لو أُدخِل؟ فالأيمان والنُذر لها ما يحتف بها.
وهل إذا أُدخِل الشخص يُقال: دخل، كما أنه إذا حُج به يُقال: حج؟ لكن لا شك أن الدخول يحتاج إلى إرادة، والميت لا إرادة له، بينما من حُج الآن به له إرادة.
فرق بين شخص مع أبيه وحج به، وبين الهدي الذي يسوقه صاحبه، نقول: حج الهدي؟ لا، لا إرادة له.
طالب:.......
لا، هذه المسألة مبنية على مسألةٍ أخرى وهي أن رمضان عبادة واحدة أو كل يوم عبادة مستقلة؟
طالب:.......
عبادة واحدة، يعني لو جامع ثلاثين مرة في ثلاثين يومًا كفارة واحدة؟
لكن يرد عليهم أنهم حتى من يقول: إنه عبادات كل يوم عبادة، وجامع في يومٍ واحد أكثر من مرة، جامع ثم كفَّر، ثم جامع تلزمه كفارة ثانية عندهم؛ لأنه انتهك الشهر واليوم عبادة واحدة اتفاقًا.
لاحظت الفرق؟
طالب:.......
يكفي خلاص.