شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (39)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح ألفية الحافظ العراقي (39)

(كتابة الحديث وضبطه)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيستأنف درس الألفية على غير موعده المعتاد، كان المعتاد أن يكون في الدورات الصيفية، لكنه قدم استعجالًا لإنهاء الكتاب؛ لأهميته، وحاجة طلاب العلم إليه، علمًا بأن المادة متعلقة بهذا الفن، علوم الحديث، انتهت يعني تقريبًا، ولم يبق إلا مُلح هذا العلم ومكملاته، أما أصوله التي يبنى عليها، والقواعد التي يعتمد عليها في هذا العلم فالغالب أنه انتهى، يعني ما بقي إلا كما يعبر عنه أهل العلم بالملح المكملة، وإلا فأصول الرواية انتهت، يعني ما يحصل به التصحيح والتضعيف فرغنا منه، وبقي الآن ما يتعلق بالتدوين والضبط، وغيره مما يشرح -إن شاء الله- في هذه الفترة، ولعلنا نحتاج إلى فترة أخرى مماثلة لنستطيع بذلك إكمال الكتاب.

سم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال الحافظ العراقي -رحمه الله- تعالى: كتابة الحديث وضبطِه.

وضبطُه.

أحسن الله إليك.

كتابة الحديث وضبطُه:

واختلف الصحاب.

يعني هذا بالنسبة للعطف على المتضايفين يورث مثل هذا، العطف على المتضايفين يورث مثل هذا الخطأ الذي وقع فيه الشيخ؛ لأن الواو كما تعلمون عاطفة، والمعطوف هل هو تابع للمضاف فيرفع، أو تابع للمضاف إليه فيجر؟ وليست هناك قاعدة مطردة في مثل هذا، وإنما المعنى والسياق هو الذي يحدد، ومثله جميع التوابع، فإذا قلت: مررت بغلام زيد الفاضل، هذا إشكال، الفاضل نعت للمضاف وإلا المضاف إليه؟ لأيهما؟ فلا يستطيع أحد أن يجزم، لا سيما وأنه موافق للجزأين في الإعراب، فزيد مجرور بالحرف، لكن السياق هو الذي يحدد، فإذا كان الحديث عن زيد فالوصف له، وإن كان الحديث والسياق لغلامه فالتابع له، وهنا كتابة الحديث إذا قلنا وضبطِه، العطف على نية تكرار العامل، يعني لا بد أن يكون المعنى كتابة الحديث وكتابة ضبطه، وإذا قلنا: كتابة الحديث وضبطُه فالمقصود كتابة الحديث وضبط الحديث، نعم.

كتابة الحديث وضبطه

واختلف الصحاب والأتباع
على الجواز بعدَهم بالجزم
وينبغي إعجام ما يستعجم
وقيل: كله لذي ابتداء
وليك في الأصل وفي الهامش مع
ويكره الخط الدقيق إلا
وشره التعليق والمشق كما
وينقط المهمل لا الحا أسفلا
أو فوقه قلامة أقوال
وبعضهم يخط فوق المهمل
وإن أتى برمز راو ميزا
وتنبغي الدارة فصلًا وارتضى
وكرهوا فصل مضاف اسم الله
واكتب ثناء الله والتسليما
وإن يكن أسقط في الأصل وقد
وعله قيد بالرواية
والعنبري وابن المديني بيضا
واجتنب الرمز لها والحذفا

 

في كتبة الحديث والإجماع
لقوله: اكتبوا وكتب السهمي
وشكل ما يشكل لا ما يفهم
وأكدوا ملتبس الأسماء
تقطعيه الحروف فهو أنفع
لضيق رق أو لرحَّال فلا
شر القراءة إذا ما هذرما
أو كتب ذاك الحرف تحت مثلا
والبعض نقط السين صفًا قالوا
وبعضهم كالهمز تحت يجعل
مراده واختير أن لا يرمزا
إغفالها الخطيب حتى يعرضا
منه بسطر إن يناف ما تلاه
مع الصلاة للنبي تعظيما
خولف في سقط الصلاة أحمد
مع نقطه كما رووا حكاية
لها لإعجال وعادا عوضا
منها صلاة أو سلامًا تكفى

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي: "كتابة الحديث وضبطه" يعني تدوين الحديث.

العرب كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمة أمية، لا نكتب، ولا نحسب))، "أمة أمية"، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمي، لا يقرأ ولا يكتب، لا يقرأ المكتوب، لكن معولهم على الحفظ، وهذا هو الأصل في الرواية، كما تقدم في الطريق الأول من طرق التحمل، الذي هو السماع من لفظ الشيخ، هذا هو الأصل، ودرج على ذلك العرب في جاهليتهم، وفي أول الإسلام، وتميزوا بالحفظ، فكانوا يحفظون الكلام الطويل الذي يشتمل على غريب الألفاظ من مرة، أو مرتين، أو ثلاث بالكثير، كثير منهم يحفظ من مرة، وحفظ ابن عباس قصيدة عمر بن أبي ربيعة خمسة وسبعين بيت من مرة، والعرب كان اعتمادهم على الحفظ، وهكذا، من يعتمد على شيء يضبطه ويتقنه، وكان الناس إلى وقت قريب معولهم على الحفظ، كثير من العامة يضبط أموره، ويتذكرها في أمور تجارته وزراعته، وغيرهما من الأعمال دون كتابه، ولا يفوته شيء، ولا يفوتهم شيء، والذي يعتمد على الحفظ تجد حتى من العامة يحفظ الأرقام، ويحفظ الأسماء، ويحفظ ما يتعلق بأمور دنياه، لكن لما اعتمد الناس على الكتابة ضعف الحفظ، ومن أجل ذلك جاء النهي عن الكتابة في أول الأمر، كما في حديث أبي سعيد عند مسلم وغيره، من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب شيئًا غير القرآن فليمحه)) كل هذا محافظة على هذه الغريزة، غريزة الحفظ، والصفة الثابتة التي تسمى ملكة، أن يفرق بين الصفات والملكات، بأن الملكة هي الصفة الثابتة الراسخة، هذه ملكة، ملكة الحفظ، والناس متفاوتون فيها، تجد زيدًا أحفظ من عمرو، والعكس أحيانًا.

الناس يتفاوتون في هذه الحافظة، والإنسان في مراحل عمره تتفاوت عنده هذه الحافظة، قد تزداد، وقد تنقص؛ لأنها ملكة أصلها غريزي ثابت، وتقبل التنمية، والزيادة بالمعاناة، فقد يكون الإنسان في أول أمره ضعيف في الملكة الغريزية الأصلية، ثم يعاني الحفظ، ويكثر منه فتزداد عنده، وتنشط عنده هذه الملكة، كما أن الصفات كذلك، العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، وغيرها، يعني منها ما هو غريزي، ومنها ما هو مكتسب، تنمو هذه الملكة بالتنمية والمعاناة، وقد تضعف بالإهمال، تضعف بالإهمال، وهذا واقع، في مراحل العمر لا شك أن الصغر مع فراغ البال عن المشاغل في الغالب أقوى في الحفظ؛ ولذا يقولون: التعلم في الصغر كالنقش في الحجر في الغالب؛ لأن الفهم وهو مرحلة تلي هذه المرحلة يعين على الحفظ، فالمرحلة الأولى التي هي مرحلة الصبا والطفولة ينبغي أن تستغل بالحفظ، ولو لم يفهم، يفهم فيما بعد، وهذا مر بنا، ومر بغيرنا، يعني في المرحلة الابتدائية حفظنا أشياء ما ندري ما معناها؟ لكن عرفناها فيما بعد، وكذلك في المرحلة المتوسطة، كنا ندرس المتون كالألغاز، ومع ذلك في النهاية صارت موجودة، وفهمناها فيما بعد، هذا لا يضر، يعني الدعوات التي تدعو إلى أن الطفل لا يعلم إلا ما يفهم، هذه ليست بصحيحة، هذا تضييع لعمره من غير فائدة؛ لأن الفهم عنده ضعيف، فانتظار الفهم بالحفظ هذا تضييع للوقت، ونسمع الآن، ورأينا فلتات يعني يأتي صبي في الخامسة في السادسة يحفظ، يعني صبية في الرابعة سمعنا منها سلم الوصول للشيخ حافظ الحكمي، حفظ، لا تقرأ، ولا تكتب، ما تعرف الحروف، لكن لقنت فتلقنت، فمثل هذا السن ينبغي أن يستغل بالحفظ، إذا تقدمت به السن لا شك أن الفهم يقوى عنده، فإذا قلَّت مشاغله، واستغل الحفظ مع الفهم اجتمع عنده أركان التحصيل، مع النية الصالحة، ثم بعد ذلك تأتي العوارض والعوائق، يتزوج، تناط به أعمال، ويكلف من قبل أهله، ومجتمعه بتكاليف لا شك أنها تعوقه، تضعف عنده الحفظ لوجود المعارض، أولًا: العلم وجد قلبًا خاويًا، فتمكن، لكنه الآن وجد محلًّا مشغولًا بأمور أخرى، وحينئذٍ يضعف، يضعف في هذا السن لوجود المعارض، وأما الضعف الملاحظ فيكون في المراحل الأخيرة من العمر، إذا بدأت القوى كلها تضعف.

الماوردي يرى أن الحفظ لا يزيد ولا ينقص، الشخص حافظته واحدة سواءً كان صبيًّا، أو شابًّا، أو كهلًا، أو شيخًا، ما..، على وتيرة واحدة، وهذا الكلام الواقع يردُّه، أشار إلى هذا في أدب الدنيا والدين، لكن الواقع يرده، هو يقول: إن الضعف ليس بسبب ضعف الحافظة، وإنما هو لوجود المعارض، نعم وجود المعارض مؤثر، والحافظة كغيرها، الحافظة كغيرها، السمع يضعف، البصر يضعف، القوى كلها تضعف، العقل يضعف، يعني إذا تعدى مرحلة الكهولة إلى الشيخوخة، وبدأ يرد إلى أرذل العمر إلى أن يفقد كل شيء، لا، الماوردي يقول: لا، هو على وتيرة واحدة إلى آخر عمره، إلا من أصيب بآفة أذهبت عقله، هذا ليس الحديث عنه، وهذا لا يمكن أن يخالف فيه لا ماوردي، ولا غيره.

على كل حال على الإنسان أن يحرص على الحفظ، فالحفظ هو العلم في الحقيقة، يعني:

ليس العلم ما حوى القمطرُ

 

بل العلم ما حواه الصدر

القمطر الدواليب التي تحفظ فيها الكتب، يعني الاعتماد على الكتب، هذا ليس بعلم، نعم هو علم بالقوة القريبة من الفعل لا بالفعل، بمعنى أن الإنسان لو ابتعد عن كتبه صار إذا سئل ما أجاب، وإذا أراد أن يحدث ما استطاع، إذا كان عمدته، ومعوله على الكتب، فعلى الإنسان أن يكون معوله على الحفظ، الاعتماد على الكتابة لا شك أنها أضعف الحفظ، وقلنا: إن النهي في أول الأمر بسبب هذا، وأيضًا كما قال أهل العلم: إن النهي خشية أن يلتبس الحديث بالقرآن، خشية أن تضعف الحافظة للاعتماد على الكتابة، أو خشية أن يلتبس الحديث بالقرآن، ثم بعد ذلك نسخ هذا النهي، واستقر الإجماع على جواز الكتابة، وبعد أن كان الناس معولهم على الحفظ، والحافظة عندهم تسعفهم؛ لاعتمادهم عليها، اعتمد كثير منهم على الكتابة، فالنتيجة أن الحافظة ضعفت، يعني الإنسان الذي يعتمد في حفظ الأرقام على ذاكرته يستحضر هذه الأرقام متى شاء، لكن من دون الرقم في مذكرته، لو قيل له بعد دقيقة: أعد الرقم، ما استطاع، ما يستطيع؛ لأن القصد إلى الحفظ مهم في الحفظ، القصد إليه؛ ولذلك تجد كثيرًا من الناس يسمع دعاء القنوت يردد مرارًا في رمضان، وفي النهاية إذا قيل له: أعد، ما أعاد، تسمع المصلي مثلًا في صلاة الجمعة يسمع من الخطيب كلمات تكرر في كل خطبة، لكنه لم يقصد حفظها، ما قصد الحفظ، لكن لو قصد الحفظ لا شك أنه يهتم به، فيثبت عنده، وبعد ذلك استقر الإجماع على جواز الكتابة، والنتيجة ما سمعتم، يعني كان الصدر الأول يتميزون بالحفظ، وفيهم الأئمة الحفاظ الكبار، ثم بعد ذلك تتابع الناس على الكتابة، وأجمعوا عليها، فضعفت الحافظة، والكتاب أحد نوعي الضبط، وهو معتمد عند أهل العلم، والرواية منه صحيحة، لكن الإنسان الذي يعتمد على كتابه إن ابتعد عنه ما استطاع أن يستحضر، إن تلف كتابه، أو احترق اختلط، إن حرف كتابه، أو تعدى عليه أحد بتغيير، أو شيء ضعف في روايته بسبب هذا التغيير.

استمر الناس على الكتابة إلى القرن الثاني عشر، أو أواخر الحادي عشر، جاءت الطباعة، يعني في القرن الحادي عشر جاءت الطباعة، فماذا حصل؟ تخوف المشفقون من أهل العلم على العلم بسبب الطباعة، فأفتى بعض شيوخ الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية، قالوا: اطبعوا تاريخ، أدب، لغة، أما الكتب الشرعية لا تجوز طباعتها، هذا شفقة على العلم، لماذا؟ لأنه إذا كانت الكتابة، والعالم، أو طالب العلم يتولى كتابه بنفسه مضعفة للعلم، ومضعفة للحفظ، فماذا عن الطباعة ويتولاها غيرك، يعني أنت احتجت إلى كتاب، قبل الطباعة ماذا تصنع؟ إما أن تستعير الكتاب وتديم النظر فيه، إلى أن تحفظ ما تحاج منه، أو تنسخ الكتاب تكتبه، وإذا كتبته على أن الكتابة أضعف من الحفظ الكتابة ترسخ الحفظ، يعني معين على التحصيل، نعم ليست بدرجة الحفظ لكنها دونه، وهي مع ذلك أفضل بكثير من أن تشتري الكتاب جاهزًا، آحاد الطلاب الآن يملك مكتبة كبيرة، يعني عموم طلاب العلم عندهم مكتبات، لما تيسرت الطباعة، وبذلت الكتب، تجد طالب العلم عنده عشرين دالوبًا، مائة دالوب فيه ألوف المجلدات، لكن لو تقول له: عدد أسماء هذه الكتب ما استطاع، فضلًا عن كونه يعرف محتوى هذه الكتب، ولو على سبيل الإجمال، يعني بعض الناس عنده حرص، إذا اشترى الكتاب تصفح الكتاب، وأخذ تصورًا تامًّا عن الكتاب، هذا طيب، لكن بعض الناس يشتري تركات، ويرص بها الدواليب، وهذا آخر عهده بالكتاب، تصوروا طالب علم اشترى فتح الباري، وجلس عنده ثلاثين سنة، أربعين سنة ما فتح الكتاب، لكن لو ما وجدت الطباعة، واحتاج إلى كلام الحافظ على هذا الحديث ماذا يصنع؟ إما أن يستعير الكتاب، وينظر، ويقرأ، وإذا قرأ في شيء لا يمكث عنده؛ لأن بقاء الكتاب لا شك أنه يطيل الأمل في قراءته، الكتاب موجود، إذا ما حرص عليه الآن بكرة -إن شاء الله-، غدًا، إذا جاء الغد؛ قال: اليوم أنا مشغول بعده، لكن إذا كان الكتاب ما هو لك، مستعيره لمدة خمسة أيام، لا بد أن تنظر فيه هذه المدة، صاحب الكتاب لن يصبر أكثر من ذلك، فهذا هو السبب في ضعف التحصيل عند طلاب العلم.

تيسير الحصول على الكتب، تيسر الحصول على الكتب لا شك أنه صار على حساب التحصيل، استمر الناس في معاناة الكتب المطبوعة، وهم يتفاوتون، منهم الحريص، ومنهم المفرط، إلى أن جاءت هذه الآلات، هذه الآلات..، الكتب إذا احتجت مسألة رجعت إلى الكتاب، رجعت إلى الكتاب، وتجد قبل الوقوف على هذه المسألة مسائل تستفيد منها، لكن ماذا عن هذه الآلات التي لا يعترضك أي مسألة غير المسألة التي تريدها بضغطة زر تطلع على ما تريد، ثم خلاص، تغلق الآلة، استفدت هذه المسألة، لكن الذي يحصل بمثل هذا اليسر، وهذه السهولة لا شك أنه عرضة للنسيان؛ لأن الشيء الذي يؤخذ بسرعة بسهولة يفقد بسرعة، هذه سنة إلهية لكن الشيء الذي يؤخذ بمعاناة وتعب لا شك أنه يثبت، مثال ذلك: احتجت كتابًا فذهبت إلى المكتبة وجدته في أول دالوب وأخذته، ومشيت، بعد كم سنة يقال لك: كيف حصلت على هذا الكتاب؟ ما تدري، لكن لو أن هذا الكتاب ذهبت إلى المكتبات، ودرت مكتبات البلد كلها ما وجدته، ثم راسلت، ثم كذا، ثم وقفت عليه في غير مظنته، تجد أن هذه المعاناة ثابتة في ذهنك، يعني قد لا يحتاج إليها مثل الأمور، لكنها مثال للمسائل العلمية، المسائل العلمية إذا لم تتعب عليها فإنك تفقدها بسرعة، والذي يعول، ويعتمد على هذه الآلات لا سيما إذا لم يكن في تحصيله متانة فلا شك أنه عرضة للزوال، علمه عرضة للزوال، نعم؟

طالب:......

وقت الكلام، وقت الحديث لا شك أنه موجود، يعني، لا يكتبون، ولا يقرءون، وعلى رأسهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى الخلاف في المراد بمعنى الأمية، فإن كان المراد به عدم القراءة والكتابة كما هو الشائع؛ فهو وصف ارتفع في الغالب، في الغالب ارتفع، وإن كان المراد به الانتساب إلى النبي الأمي -عليه الصلاة والسلام-؛ فالوصف لازم.

"واختلف الصِّحاب" بكسر الصاد "والأتباع" الصِّحاب جمع صاحب، والأتباع يعني من تبعهم، اختلف الصحابة والتابعون، والصِّحاب بكسر الصاد أفصح من فتحها، كما أنه إذا التحقت به التاء الفتح أفصح من الكسر، الصَّحابة "والأتباع في كتبة الحديث" يعني في كتابته:

...................................

على الجواز بعدهم بالجزم

 

في كتبة الحديث والإجماع
...................................

يعني استقر الإجماع على جواز الكتابة، وحديث أبي سعيد الذي ذكرناه نُسخ بقوله -عليه الصلاة والسلام- عام الفتح: ((اكتبوا لأبي شاه)) رجل من أهل اليمن سمع الخطبة النبوية، فقال: اكتبوا لي، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اكتبوا لأبي شاه)) "وكتب السهمي" عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي، كان يكتب، قال أبو هريرة: "ليس أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر مني حديثًا من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب، ولا أكتب"، واستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الكتابة فأذن له، فهذا دليل على أن حديث أبي سعيد منسوخ، وبعضهم يقول: إن حديث أبي سعيد معلول، رفعه معلول، والمرجح وقفه بدليل أن البخاري لم يخرجه، ولو كان رفعه ثابتًا لخرجه! لا، هذا الكلام ليس بشيء، هذا الكلام ضعيف، حديث تخريج مسلم له يكفي، التصحيح، وليس كل الأحاديث الصحيحة خرجها البخاري، وترك من الصحاح أكثر كما قال، كتب بعض الصحابة وكثير من التابعين، ثم جاء التدوين الرسمي الذي تبناه عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد حيث أمر ابن شهاب الزهري أن يكتب السنة؛ لئلا تضيع، وأما القرآن فقد كتب في عهد الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه وأرضاه-، وأمن من التباس القرآن بغيره، فأمر عمر بن عبد العزيز ابن شهاب أن يكتب السنة، ووزعت –أيضًا- على الأقطار، مع أنها محفوظة في الصدور؛ لأن العصر الأول، القرن الأول جيل حفظ.

"وكتب السهمي"

وينبغي إعجام ما يستعجم
وقيل: كله لذي ابتداء

 

وشكْل ما يُشكِل لا ما يفهم
وأكدوا ملتبس الأسماء

ينبغي إعجام ما يستعجم، الإعجام هو النقط، وكانت الحروف غير منقوطة في العصر الأول، وكيف يفرق بين الجيم، والحاء، والخاء؟ يفرق بالسياق، وإلا كانت كلها مهملة، ويقال: إن أول من نقط المصاحف الحجاج، وله عناية بالقرآن، مع ما عنده من ظلم -نسأل الله العافية-، لكن له عناية بالقرآن، ومن ذلك أمره، أو فعله، أو أمره بإعجام القرآن، نقط الحروف المعجمة.

وينبغي إعجام ما يستعجم

 

...................................

الإعجام هو النقط، ولذلك يفرقون في الضبط يقولون: بالسين المهملة، أو بالشين المعجمة، فدل على أن مرادهم بالإعجام النقط.

كلام الناظم -رحمه الله-: "ينبغي إعجام ما يستعجم" أن هناك حروف يجوز إهمالها، هل هذا مفهوم كلامه، وإلا لا؟ ينبغي إعجام ما يستعجم، المفهوم الأول: أن هناك حروف معجمة لا تعجم، إنما يعجم ما يستعجم، يعني ما يكون بالنسبة للقارئ كالكلام الأعجمي بحيث لا يفهم بغير إعجام، ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟ هذا فهم.

أو نقول: إن المراد بقوله:

وينبغي إعجام ما يستعجم

 

...................................

أن ما يستعجم هي الحروف المعجمة، لكن إذا قلنا بهذا الفهم، ما معنى ينبغي؟ يعني يُستحسن، لا يلزم، يعني ليس بلازم، إذا قلنا: ينبغي، فما معنى قوله: ينبغي، يستحسن إعجام ما يستعجم؟ يعني النقط ليس بلازم؟ لازم، وإلا ما هو بلازم؟ نعم؟

طالب:......

النقط؟

طالب:......

يعني يجوز أن تترك الجيم بدون نقطة؟

طالب: كتابة لا نطقًا.

نعم؟

طالب:......

الآن يجوز أن نكتب الجيم بلا نقطة، يعني حاء مهملة؟

طالب:......

إذن معنى ما ينبغي؛ لأن ينبغي معناها يستحسن، نعم.

طالب: يقال: ما المقصود بـ "ينبغي هنا.

والإشكال هنا أنه لو قال: يجب، الوجوب حكم شرعي يحتاج إلى دليل، يحتاج إلى دليل شرعي، والدليل انقطع قبل الإعجام؛ لأن الإعجام حصل في عهد الحجاج، الدليل انقطع من الكتاب والسنة انتهى، ما في دليل على الوجوب، إلا أن الاستدلال بالقواعد الشرعية على الوجوب ظاهرة، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني كيف تقرأ النصوص بغير إعجام، يعني ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني من يلزمه التعلم؛ لأن التعلم فرض كفاية، ولا يتم هذا التعلم إلا بالإعجام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكأنه تحرى في هذه اللفظة خشية من أن يكون قد قال على الله بغير علم، لكن ظاهر يعني مسألة الإعجام، وإن كانت متأخرة الصدر الأول ليسوا بحاجة إلى الإعجام، يعني يقرؤون الكلام عاديا، سواءً نقط، أو ما نقط، والسياق يدل، يعني لما قرأ القارئ، والنحل باسقات، قالت امرأة: لاسعات؛ لأنه هو المناسب للنحل، فهم يفهمون من خلال السياق، ما يحتاجون إلى نقط، بعد ذلك احتاجوا إلى الإعجام، والحاجة ماسة، يعني الآن ما يمكن يقرأ كتاب بالحروف المهملة، إذا كانت حروفًا مهملة، ويراد بها المعجمة، ما يمكن يقرأ، افترض أن الألفية ما فيها نقط، كيف تقرأ اختلف؟ بعض الكلمات واضحة من خلال السياق، لكن كثير منها ما يتضح، كيف يقرأ الكتاب، الحرف المعجم كيف يقرأ وهو مهمل؟ لا سيما وأن صور الحروف متشابهة، دعنا ممن عمد إلى كتاب، فألفه بالحروف المهملة، يعني يوجد تفسير كله بالحروف المهملة، هذا لو أعجم فسد معناه؛ لأن المؤلف قصد أن يكون التأليف كله..، الكتاب من أوله إلى آخره بالحروف المهملة، لو أعجم هذا الكتاب فسد، لكن المقصود كتاب فيه حروف مختلفة، منها المعجم، ومنها المهمل، فيلزم إعجام المعجم.

...................................

 

وشكل ما يُشكِل لا ما يفهم

يعني الكلمة المشكلة تَشْكَل، أما الكلمة غير المشكلة لا تشكل، يعني هل هناك من داع لضبط "قال"، و"قام" بفتح القاف، وسكون اللام، وفتح القاف، وسكون الألف، وفتح اللام في قال؟ نحتاج إلى مثل هذا؟ هل نحتاج إلى ضبطه؟ يمكن أن تنطق هذه الكلمة بغير هذا اللفظ؟ ما يمكن، فلا نحتاج إلى ضبطها، لكن بعض الألفاظ نحتاج إليها، لا سيما الأسماء؛ لأن المتون قد يستدل على ضبط الكلمة بما قبلها وما بعدها، لكن الأعلام، والنسب سُلَمي، سَلَمي، لا يعرف المراد إلا بالضبط، بمعرفة ما قبلها، وما بعدها، إلا أنه –أيضًا- قد يوجد ما يشكل في المتون، فنحتاج إلى ضبطه.

...................................

 

وشكل ما يُشكِل لا ما يفهم

يعني من غير شكل "وقيل: كله" يعني يشكل الجميع، يعني لا بد من شكل كله، لماذا؟ لأن قوله: لا ما يفهم، الفهم نسبي، يعني هناك قارئ قد يقرأ كتابًا كاملًا ما شُكل على الجادة، ما يحتاج إلى شكل أي كلمة، قارئ دونه في المنزلة يحتاج إلى ضبط ما نسبته عشرة بالمائة من الكتاب، وثالث يحتاج إلى ما نسبته عشرين، إلى أن تصل إلى حد قارئ مبتدئ يحتاج إلى أن يشكل له كل شيء.

"وقيل: كلُه" يعني يشكل كلُه "لذي ابتداء" يعني لطالب علم مبتدئ.

وقيل: كله لذي ابتداء

 

...................................

وعلى هذا لو طبعنا كتابًا من كتب المبتدئين، أو من كتب المتوسطين، أو من كتب المتقدمين، كتاب المبتدئين الأجرومية مثلًا، اضبطها كلها بالشكل؛ لأنه ألف لذي ابتداء، المنصوص عليه هنا، لكن القطر يحتاج إلى أن تضبطه كله، وقد تقدم أن هذا الطالب الذي يقرأ في القطر قرأ كتابًا آخر يعينه على الضبط، ما يحتاج إلا أن تضبط المواضع التي تشكل على طالب هذا المستوى، الألفية، النظم نعم يحتاج إلى مزيد عناية ما هو مثل النثر، النثر سلس، بينما النظم يحتاج إلى مزيد عناية، لكن لو فرضنا أننا طبعنا كتابًا فوق القطر مثلًا، المفصل، أو الكافي، أو شيئًا من هذا، لا نحتاج في الضبط مثل ما نحتاجه في الأجرومية؛ ولذا قال:

وقيل: كله لذي ابتداء

 

...................................

لكن ما نعمد إلى مثل علل الدارقطني، أو درء تعارض العقل والنقل، أو نقض التأسيس، ونشكله كله، نقول: يمكن يقرأ مبتدئ، المبتدئ لا هو بفاهم سواءً شكلت، وإلا ما شكلت، وشكل الكتاب كله لا شك أنه متعب، وتعب ليس وراءه هرب؛ لأن المفترض أن هذا الكتاب إنما يقرؤه من يحسن الضبط، وليس بحاجة إلى أن يضبط له.

وقيل: كله لذي ابتداء

 

وأكدوا ملتبس الأسماء

الأسماء التي تلتبس: المؤتلف والمختلف، متفق ومفترق، وغيرها، كلها أسماء يلتبس بعضها ببعض، فتحتاج إلى ضبط، تحتاج إلى ضبط، إما بالشكل بالحركات، أو بالحروف، وهذا مستعمل في كتب أهل العلم، يقول لك: بفتح المهملة، وسكون المعجمة إلى آخره، وقد يضبطون الكلمة بالمقابل.

حرام بن عثمان، يحتاج أن يقولون: حرام بفتح الحاء والراء المهملتين؛ لئلا يشتبه بالخاء، والزاي، أو بالحاء والزاي، حزام، أو خزام، كلها مستعملة، لكن أخصر من ذلك قولهم، وأدرج، وأسلس: بلفظ ضد الحلال، حرام بلفظ ضد الحلال؛ لأنه بالفعل حرام مهمل يمكن أن يقرأ حزام، أو خزام؛ لأن تأثر الكتاب، لا شك أنه وارد، يعني سواء من حشرة، وقعت عليه، أو رطوبة، أو شيء من هذا فتأثر الورق.

المقصود أن مثل هذه الأمور الضبط لا بد منه.

...................................

 

وأكدوا ملتبس الأسماء

"وليك في الأصل" يعني في صلب الكتاب، الضبط في صلب الكتاب "وليك في الأصل" اللام هذه ليك، تعليل، وإلا أمر؟ أمر بدليل أنها جزمت الفعل "وليك في الأصل" يعني في صلب الكتاب، وفي الهامش يعني تضبط الكلمة في صلب الكتاب لا سيما الملتبسة، في صلب الكتاب تضبطها "وفي الهامش" في الحاشية "مع تقطيعه الحروف فهو أنفع"

وليك في الأصل وفي الهامش مع

 

تقطيعه الحروف فهو أنفع

يعني في فتح المغيث للسخاوي كلمة -يعني مر ذكر- الهجيمي، هذا في المخطوطات، الهجيمي مر في كلام السخاوي، فضبطوه بضم الهاء، وفتح الجيم، ضبطوا الكلمة في الصلب، وفي الحاشية كتبوه بالحروف المقطعة، هاء وجيم إلى آخره، وضبطوا هذه الحروف، لماذا نحتاج إلى التقطيع، مع تقطيعه الحروف؟ فهو أنفع، يعني مزيد في الضبط والإتقان؛ لأن الحرف قد يلتبس بغيره إذا كان مقرونًا مع غيره من الحروف، لكن إذا كان منفردًا ما التبس بغيره:

وليك في الأصل وفي الهامش مع
ويكره الخط الدقيق إلا

 

تقطيعه الحروف فهو أنفع
لضيق رق أو لرحال فلا

"الخط الدقيق" يعني تصغير الحرف مكروه عند أهل العلم، لماذا؟ لأنه قد يحتاج شخص نظره ضعيف لقراءة هذا الكتاب، وقد يحتاجه الكاتب نفسه بعد أمد، فلا يستطيع قراءته، قد يقول قائل: إن النظارات تحل الإشكال، لكن عندهم نظارات يوم قلنا هذا الكلام؟ ما عندهم نظارات، والإمام أحمد -رحمه الله- رأى بل قال لابن عم حنبل بن إسحاق، نهاه عن الكتابة بالخط الدقيق، فقال: أحوج ما تكون إليه يخونك، يعني نحن زاولنا الكتابة، وعانينا الكتابة في أول الأمر أيام الطلب الآن ما نستطيع نقرأ، كتابتنا ما نقدر نقرأها، لا يسر الله النظارات، وصرنا نقرأ، وإلا لولا النظارات كان ما استفدنا منها، فيخونه، ولذلك صرحوا بالكراهة:

ويكره الخط الدقيق إلا

 

لضيق رق ...................

أنت محتاج تنسخ الألفية، الألفية ألف بيت، فبدلًا من أن تجعل في السطر بيت واحد، إذا قلنا: ألف بيت، وكل صفحة تكتب فيها ثلاثين، تحتاج إلى ثلاثين صفحة، أكثر من ثلاثين صفحة، أنت ما عندك إلا عشر ورقات، حسب ما توازن أمورك، أو تقول: أكتب الذي يكفي، والباقي ما لي به حاجة "لضيق رق" يعني لضيق الورق، وبعضهم يقول: لضيق الورَق والورِق، ما يكون عنده، يعني عشر ورقات تحتاج إلى مبلغ، والعشرين تحتاج إلى مبلغ أكثر، فإذا اجتمع ضيق الورَق مع ضيق الورِق القيمة..، تسومح في مثل هذا، عاود بحث عن ورق ما وجد إلا هذا العدد، يكتب على أي حال، أحسن من لا شيء، أحسن من الترك "أو لرحال فلا" يحتاج إلى أن يكتب مثلًا تفسير ابن كثير، أو صحيح البخاري، وهو رحال، لو كتب صحيح البخاري مثلًا، واحتاج إلى خمسة مجلدات، وتفسير ابن كثير في خمسة، وصحيح مسلم مثل، وتفسير كذا، ربما احتاج إلى حمول تمشي معه، لكن إذا كتب بالخط الدقيق، صحيح البخاري بمجلد، ابن كثير في مجلد، وهكذا، ووجد يعني عند الوراقين يوجد مثل هذا، يعني وجد جامع الأصول في مجلد، ووجدت الكتب الستة في مجلد واحد، الكتب الستة في مجلد، بخط الشيخ محمد عابد السندي، وجدها الشيخ أحمد شاكر باليمن، نسخة فيها الكتب الستة مجلد واحد، وجد تهذيب اللغة للأزهري في مجلد، وجدت تهذيب الكمال الذي هو خمسة وثلاثين مجلدًا في مجلد، وصور هذا المجلد وانتشر، يعني صور، واحتيج إلى توزيعه في مجلدات؛ لأنه حجمه كبير والورق الصفحة الواحدة فيها ستين سطر.

"أو لرحال فلا" الآن وجد نظير الضغط هذا الكتب في مجلد، أو الكتاب الكبير في مجلد، الآن انتشر، الكتب المضغوطة، يعني فتح الباري في ثلاث مجلدات بدلًا من الأسفار الكثار الكثيرة الكبار، ووجد المغني في مجلدين، البداية والنهاية في مجلدين، كتب السنة كلها على مجلد واحد، المسند في مجلد واحد، يعني هذه تنفع متى؟ في الأسفار، يعني في الأسفار كرتون واحد تأخذ كل ما تحتاجه، بينما لو كانت كتبك المعتادة تحتاج إلى سيارة، يعني هذا الكرتون يحتاج بدله عشرين كرتونًا، وهذه الكتب المضغوطة يعني في الغالب أن العناية فيها أقل من الكتب التي أخذت على السعة؛ ولذلك تكثر فيها الأخطاء، يعني تصلح لرحال، أما في حال السعة فلا يستغنى عن الكتب المعتنى بها.

"وشره التعليق والمشق" يعني شر الخط التعليق والمشق، يعني الكتابة السريعة التي تتداخل فيها الحروف، ويترك فيها الأسنان مما يحتاج، وتبعثر الحروف، يعني بعض الناس من العجلة، الكتَّاب عمومًا يكتبون أحيانًا في حال سعة من الوقت نوعًا من الكتابة، يتقنون، ويضبطون، وأحيانًا يحتاجون إلى سرعة في الكتابة لضيق الوقت مثلًا، فيشبكون بعض الحروف إلى بعض، وهذا موجود بكثرة عند شيخ الإسلام ابن تيمية، يعني لما يكتب فتوى من مائتي صفحة وزيادة، وصاحبها مستوفز يريدها، هل يتأنق، ويجيب الألوان، والتسطير، والبدايات، والنهايات، لا، أبدًا، شيخ الإسلام ما يرفع القلم كما هو معروف، وقد يكون في قراءة كثير من الكلمات عسر عند كثير من طلاب العلم.

الحافظ ابن حجر –أيضًا- خطه..، السخاوي خطه أكثره تعليقًا، فخط التعليق ليس المراد به ما يكتب في الحواشي، لكنه أكثر ما يستعمل في الحواشي، خط التعليق الذي تتداخل فيه الحروف، ولا تبين البيان المطلوب.

وشره التعليق والمشق كما

 

شر القراءة إذا ما هذرما

يعني إذا أسرع في القراءة، يعني الوضوح في الكتابة نظيره الوضوح في القراءة، والسرعة في الكتابة، والتعليق، والمشق، نظيره الهذرمة في القراءة، وأكل بعض الحروف، يعني بعض الناس بطبعه يأكل حروفًا، يعني طبيعة هذا يأكل حروفًا، تجد كلمة مكونة من خمسة حروف يبين اثنين منها، والباقي يفهم من السياق، لكن بعض الناس إذا تأنى وتريث وضَّح، وإذا أسرع أكل، وبعض الناس ما شاء الله عنده التمييز في الحالين، حتى ولو أسرع ما يخفى منه شيء، هذه مواهب من الله -جل وعلا-، فعلى كل حال:

...................................

 

شر القراءة إذا ما هذرما

هذا شخص يقول: أنا تعودت على الهذرمة؛ لأن الأصل في الهذرمة إما ضيق وقت، أو حرارة طبع، الناس يبغي ينتهي، لكنه إذا عود نفسه على هذا يصعب عليه أن يتريث، ويتأنى، يعني مثل الذي تعلم على السرعة في القيادة تجده دائمًا مسرعًا، لو ما وراءه شغل، لو المشوار قصير، ما يستطيع، إذا تعود السرعة في القراءة لا يستطيع التريث، هذه مسألة نعاني منها، ويعاني منها كثير، ودنا والله نتريث لا سيما في قراءة القرآن، نرتل، ونتدبر، لكن تعودنا على السرعة، ويخشى الإنسان أنه إذا قال: أقلل القدر الذي أقرأه، بدل ما أقرأ خمسة أقرأ اثنين يكون على حساب القدر، وأما الكيفية تستمر، يبتل يهذرم بجزأين بدل خمسة؛ لأنه تعود على هذا، ومن عامة الناس من عرفناهم من سنين على هذه الطريقة، والله لا يحرم الجميع الأجر، لكن يبقى أن القراءة الفصيحة الواضحة على الوجه الشرعي هذا أفضل بكثير، وأما الهذرمة فإذا لم ينقص بسببها حرف، أو حروف فأجر الحروف ثابت -إن شاء الله-، لكن يبقى القدر الزائد، وهو أجر التدبر والترتيل، هذا لا شك أنه أعظم بكثير من أجر الحروف.

...................................

 

شر القراءة إذا ما هذرما

"وينقط المهمل" الأصل الذي ينقط المهمل، وإلا المعجم؟ المعجم، يقول:

وينقط المهمل إلا الحاء أسفلا

 

...................................

يعني نوع من أنواع الضبط، كتبت سين، سين مهملة، وإلا صاد، نظيرها المعجم، نظير السين الشين ثلاث نقاط فوقها، ونظير الصاد الضاد نقطة واحدة فوقها، يقول: ضع النقط تحت الحرف في السين ثلاث نقط كما هي فوق الشين، كالأثافي ثلاث، لكن بدلًا من الواحدة فوق، واثنتين تحت اعكس في السين، فاجعل الاثنتين فوق، والثالثة تحت، ومنهم من يرى أنها تكتب في سطر واحد النقط الثلاث؛ لئلا تنزل النقطة الثالثة فتضيق على السطر الذي يليه، تشوش، فيظنها القارئ نقطة للحرف الذي تحته، فاكتبها في سطر واحد، الصاد اكتب تحتها نقطة، لكن إذا جئنا إلى الفاء مثلًا، الفاء فوقها نقطة، وقد لا تلتبس بالقاف عند المشارقة؛ لأن القاف نقطتان، وصورة القاف تختلف عن صورة الفاء؛ لأن الفاء ممدودة، والقاف نازلة مثل النون، لكن عند المغاربة الفاء والقاف ما الفرق بينهما؟ الفاء نقطة تحت، والقاف نقطة فوق، وهذا لا شك أنه موقع في لبس عند صغار المتعلمين، أو عوام الناس الذين يقرءون القرآن، إذا وقع في أيديهم مصحف على طريقة المغاربة، كيف تقرأ قسوة إذا كتبت بطريقة المغاربة، عند المشارقة مشكلة، وحصل أن قُرِأت على اللفظ الشنيع.

هنا يقول:

وينقط المهمل إلا الحاء أسفلا

 

...................................

لماذا ما ننقط الحاء؟ لنميز بينها وبين الخاء، تصير جيمًا، ما لك مفر، وينقط المهمل إلا الحاء أسفل، أو كتب، نعم.

طالب:......

لئلا يتطرق الوهم بأي حال من الأحوال أن تكون شينًا؛ لأن الشين لو كتبتها سينًا مثلًا، ولا وضعت تحتها نقط، قلنا: إن المغيرات والمؤثرات موجودة، افترض أن الذباب وقع على هذه السين، أو مثلًا الصفحة الثانية مع شدة الرطوبة، أو الحرارة التصقت، الحبر في السابق ما هو مثل حبر الآن، الحبر في السابق له جرم، وتحسه بيدك، فإذا ضغط الكتاب في جو حار انتقل الحبر إلى الصفحة الثانية، فالسين قد تقرأ شينًا، لكن إذا وضعت النقط تحتها ما فيه احتمال.

...................................

 

أو كتب ذاك الحرف تحت مثلًا

يعني يوجد في الكتابات حتى عند المتأخرين تجد الحرف يكتبونه تحته، ويجمع بين تعيين الحرف المطلوب، وأيضًا كونه حلية وزينة، تجدهم يكتبون الحاء رأس الحاء، تحت الحاء المهملة، ويكتبون صادًا كذا، رأسها تحت الصاد المهملة في الخط، فيكتبون يقول:

...................................

 

أو كتب ذاك الحرف تحت مثلًا

قد لا يكتب الحرف كاملًا "أو فوقه قلامة" يعني كقلامة، يعني يوضع فوق الحرف المهمل مثل القُلامة، قلامة الظفر ما يشبه الهلال، يوضع فوق الحرف المهمل، وهي إلى السبعة أقرب منها إلى قلامة الظفر، إلى السبعة.

أو فوقه قلامةً أقوال

 

...................................

يعني كقلامة، ومنصوب على نزع الخافض "أقوالُ" يعني كل ما تقدم خلاف.

...................................

 

والبعض نقط السين صفًّا قالوا

يعني بدل ما تجعل الثلاث النقط كالأثافي، نقطتان وتحتهما نقطة تحت السين "صفًّا" على صف واحد نعم.

...................................

وبعضهم يخط فوق المهمل

 

والبعض نقط السين صفًّا قالوا
...................................

يعني يضع خطًّا يشبه الفتحة؛ ولذا لما كتبوا رضوان، اسم ملك من الملائكة، وإلا ماذا؟

طالب:......

نعم بكسر الراء، هو بكسر الراء، لكن الراء مهملة، وطبقوا هذه القاعدة فصار رضوان، ونطقها مغلطة على هذا؛ لأنه وجدها فوق هذه الفتحة، ومثل هذا لا شك أنه يوقع في لبس:

وبعضهم يخط فوق المهمل

 

وبعضهم كالهمز تحت يجعل

كالهمز، هذه يسمونها نبرة، كالهمز يجعل تحت المهمل مثل الهمزة.

...................................

وإن أتى برمز راو ميزا

 

وبعضهم كالهمز تحت يجعل
مراده واختير أن لا يرمزا
ج

لأن الرمز يحتاج إلى معاناة وحفظ هذه الرموز، يعني نفترض مثلًا على سبيل المثال: تقريب التهذيب، كم فيه من رمز؟ نعم فيه رموز كثيرة للكتب الستة، وجميع كتب أصحاب الكتب الستة، رموز كثيرة، فتجد كثيرًا من طلاب العلم يراجع التقريب يوميًّا، ولا يكلف نفسه يرجع إلى المقدمة، هذا والكتاب في مجلد واحد، فكيف لو سقطت المقدمة، متعب؛ ولذلك قال: "واختير أن لا يرمزا" لا شك أن الرمز ما هو مثل كتابة الاسم كاملًا، يعني إذا كان الراوي خرَّج له أصحاب الكتب، خرج له أصحاب الكتب الستة، فبدلًا من عين، يحتاج إلى أن يكتب البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بدلًا من عين، الرمز لا شك أنه يختصر كثيرًا، لكن لو سقطت الورقة الأولى، أو كان الكتاب في مجلدات؛ ووقع لك مجلد واحد، الرمز وجوده مثل عدمه؛ ولذلكم الرموز التي استعملها اليونيني لرواة الصحيح مطبوعة على وجه كل مجلد، كل جزء من صحيح البخاري بالطبعة السلطانية مطبوعة هذه الرموز، لكن تجدون في آخرها رموزًا مختلف في المراد بها، كل هذا من أجل أن الرمز قد يوقع في إشكال.

وإن أتى برمز راو ميزا

 

...................................

يميزه بدقة، عن ابن ماجه، أحيانًا يرمز له بـ"هاء"، وأحيانًا يرمز له بالجيم مع الهاء.

وإن أتى برمز راو ميزا

 

...................................

يعني يميز ويوضح في المقدمة أن مراده بهذا الرمز كذا، لا بد من التمييز،

............................ ميزا

 

مراده واختير أن لا يرمزا

لأن الرمز مهما كان ما هو مثل التصريح، وإن احتاج التصريح إلى مساحة في الورق، وفي الجهد والوقت، ولكنه ييسر على القارئ الرجوع إلى المقدمات، أو الوقوع في الحرج إذا سقطت المقدمة، أحيانًا الرمز إذا تقارب الحرف من آخر يجعل هذه الرموز لا قيمة لها، فمثلًا الجامع الصغير، يرمز السيوطي للصحيح بصاد، وللضعيف بضاد، تجد بعض النساخ يخطئ، ثم يأتي من يقول: صححه السيوطي، وهم يضعفوه، فلا شك أن الرموز توقع في حرج؛ لأن النساخ ليسوا على مستوى واحد من الضبط، والإتقان والأمانة؛ لأنه قد يكون أجير ما يهمه إنه صاد، وإلا ضاد أيًّا كان، فقط يبغي ينتهي من الكتاب، فالقارئ يقول: صححه السيوطي، وهو ضعيف، أو العكس؛ ولذا قال:.

...................................

وتنبغي الدارة فصلًا وارتضى

 

............واختير أن لا يرمزا
إغفالها الخطيب حتى يعرضا

"تنبغي الدارة" يعني بين حديثين تضع دائرة، يعني كما هو الشأن بين الآيتين، بين حديثين تضع دائرة، فارغة ما فيها شيء، لماذا؟ من أجل أن نفصل بين حديث وحديث، لا سيما في المتون المجردة، بدون أسانيد، وبدون مخرجين؛ لأن بعض الكتب وضعت على هذا، لتفصل بين حديثين، أو في المتون المشروحة، يعني يوضع المتن بين قوسين، المتقدمون ما يضعون قوسين، يضعون دائرة، وتفصل بين المتنين، وتستفيد –أيضًا- كما قال الخطيب هنا:

...................... وارتضى

 

إغفالها الخطيب حتى يعرضا

ما معنى يعرض؟ يقابل، يقابل هذه النسخة على نسخة أصلية، نسخة الشيخ مثلًا، نسخة مضبوطة متقنة نسخ منها نسخة، ضع دارة، أو دائرة بين المتنين، فإذا قابلت للمرة الأولى ضع نقطة في هذه الدائرة، إذا قابلت ثانية ضع نقطة ثانية، إذا قابلت ثالثة ضع نقطة ثالثة، وبهذا تتميز أهمية النسخة، يعني إذا نظر إليها العالم، أو طالب العلم الذي يريد شراءها، ووجد فيها هذه الدائرة، وفيها مجموعة من النقط، عرفنا أنه بعدد هذه النقط تمت مقابلة الكتاب، وهذه ميزة، يعني الكتاب إذا لم يقابل على ما سيأتي من مقابلة، نسخ فلم يقابل، ثم نسخ فلم يقابل خرج أعجمي؛ لأن الأول أخطأ في كلمات، والناسخ الثاني أخطأ في كلمات، ثم بعد ذلك يتتابع الخطأ من هذه النسخ إلى أن يكون ممسوخًا.

"وتنبغي الدارة فصلًا" يعني بين المتنين،

...................... وارتضى

 

إغفالها الخطيب حتى يعرضا

يعني حتى يقابل يعرض نسخته على نسخة أخرى، ثم يضع فيها نقطة، فإذا عارض ثانية وضع نقطة ثانية، وهكذا.

وكرهوا فصل مضاف اسم الله

 

منه بسطر إن يناف ما تلاه

لفظ الجلالة مضاف إليه، وأضيف إليه اسم، فمثلا ًعبد الله، تكتب عبد في آخر السطر، ولفظ الجلالة في أول السطر، ثم تقول: ابن فلان، فالقارئ يقرأ (الله) ابن فلان، هذا كرهوه.

وكرهوا فصل مضاف اسم الله

 

منه بسطر إن يناف ما تلاه

من المنافاة يعني، إذا قلت: ابن، هذا ينافي، نعم، لكن إذا لم يناف فلا مانع، مثل ماذا؟ إذا قلت: سبحان الله وبحمده، ثم قلت: سبحان في السطر الأول، في الذي يليه الله العظيم ما ينافي هذا، سبحان الله وبحمده، سبحان في السطر الذي الله العظيم هذا ما ينافيه، هذا ما فيه إشكال، لكن عبد في آخر السطر، و(الله) ابن فلان في أول السطر الثاني هذا ينافي،

وكرهوا فصل مضاف اسم الله

 

منه بسطر إن يناف ما تلاه

أيضًا: لو لم يتعلق –أيضًا- باسم الله، المضاف إذا فصل بين المتضايفين، والمتعلق إما للمضاف، أو المضاف إليه، وأوقع ذلك في لبس لا يجوز الفصل بينهما، إذا قلت: سابّ رسول الله كافر، تضع سابًّا في آخر السطر، وفي أوله المضاف إليه (رسول الله) كافر، ما يجوز، هذا لا يجوز؛ لأن القارئ قد يقرأ هذا السطر ويترك ما عداه، وأسوأ من هذا أن يكون ساب في آخر الصفحة، ورسول الله إلى آخره في الصفحة الثانية، أو يكون في الصفحة اليمنى ساب، والكتاب ما جلد منتثر أوراق وتضيع ها الورقة ذي، ورسول الله إلى آخره.

قاتل ابن صفية في النار، تكتب قاتل في آخر السطر، وابن صفية في النار في أوله هذا ما يصح، هذا قلب للمعنى.

وكرهوا فصل مضاف اسم الله

 

منه بسطر إن يناف ما تلاه

الذي معه فتح المغيث الطبعة الجديدة في هذا الموضع فيه خطأ، يعني يصلح مثال لما صرحوا بكراهته، وأما طبعة تدريب الراوي تحقيق أحمد عمر هاشم هذه جميع المكروهات التي نص عليها أهل العلم تطبيقها في هذه الطبعة، أما فتح المغيث الطبعة الجديدة طبعة المنهاج فيها موضع واحد وقفت عليه اليوم مما منعوه، فينبغي أن يتلافى مثل هذا.

نقف على كتابة الثناء والتسليم.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"