شرح منسك شيخ الإسلام ابن تيمية (02)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل، فإنه قد ثبت بالنقول المستفيضة التي لم يختلف في صحتها أهل العلم بالحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حج حجة الوداع هو وأصحابه أمرهم جميعهم أن يحلوا من إحرامهم، ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تقدم من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في المفاضلة بين الأنساك الثلاثة أن من ساق الهدي فالأفضل في حقه أن يقرن، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن لم يسق الهدي فليتحلل بعمرة، يعني يتمتع، يعتمر ثم يحج من عامه، ليس معنى هذا أنه يتحلل بعمرة  ويرجع إلى بلده، ليس هذا هو المعنى، بل أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه أن يجعلوها عمرة، وليس المراد بذلك عمرة مفردة، يأتون بعمرة ثم يحلون منها ثم يرجعون إلى بلدانهم، ليس هذا هو المراد؛ إنما يتحللون بعمرة الحل كله، ثم بعد ذلك يحرمون بالحج في اليوم الثامن يوم التروية، والذي منع النبي -عليه الصلاة والسلام- من التحلل هو سوق الهدي، وإلا فالتمتع أفضل.

"وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ساق الهدي هو وطائفة من أصحابه، وقرن هو بين العمرة والحج فقال: ((لبيك عمرةً وحجاً)) ولم يعتمر بعد الحج أحد".

لما أحرم النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءه الآتي وقال له: "صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: حجة في عمرة" يعني قارناً، يعني لبي قارناً، والذي يمنعه من إفراد العمرة كما تقدم سوق الهدي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- حج قارناً، وإن جاء في صفة حجه أنه حج مفرداً، وأنه حج متمتعاً، وأنه حج قارناً، أشرنا بالأمس إلى وجه الجمع بين هذه الروايات وكلها صحيحة.

من قال: حج مفرداً نظر إلى ما كان في أول الأمر، الناس ما كان في بالهم إلا الحج فقط، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقولون: أنه أفرد الحج في أول الأمر، ثم أمر بالقران، هذا قول، ومنهم من قال: أن هذه الرواية محمولة على الصورة، وأن صور الحج المفرد لا تختلف عن صورة حج القارن، وأما بالنسبة لمن قال: إنه حج قارنا كما هو الواقع، وهذا هو الصحيح من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه حج قارناً، وأما من قال: إنه حج متمتعاً، أراد بالتمتع التمتع بمعناه العام، الذي يشمل القران والتمتع، يعني نظير ما يقال في علوم الحديث: يعل هذا الحديث بالانقطاع مثلاً، ومنهم من يقول: مرسل، فلا فرق بين الانقطاع والإرسال إلا من حيث التخصيص الاصطلاحي، وإلا فالإرسال نوع من الانقطاع، ومثله هذا، فمن قال: إنه حج متمتعاً يعني أنه ترفه بترك أحد السفرين فجمع بين النسكين بسفر واحد، وإلا فحقيقة الأمر أنه حج قارناً.

"ولم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا عائشة وحدها؛ لأنها كانت قد حاضت فلم يمكنها الطواف؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت)) فأمرها أن تهل بالحج وتدع أفعال العمرة؛ لأنها كانت متمتعة، ثم إنها طلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعمرها فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن فاعتمرت من التنعيم، والتنعيم هو أقرب الحل إلى مكة، وبه اليوم المساجد التي تسمى (مساجد عائشة)، ولم تكن هذه على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما بنيت بعد ذلك علامة على المكان الذي أحرمت منه عائشة، وليس دخول هذه المساجد ولا الصلاة فيها لمن اجتاز بها محرماً لا فرضاً ولا سنة، بل قصد ذلك واعتقاد أنه يستحب بدعة مكروهة، لكن من خرج من مكة ليعتمر فإنه إذا دخل واحداً منها وصلى فيه لأجل الإحرام فلا بأس بذلك، ولم يكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر، لا في رمضان ولا في غير رمضان، والذين حجوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس فيهم من اعتمر بعد الحج من مكة إلا عائشة كما ذكر، ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين، والذين استحبوا الإفراد من الصحابة إنما استحبوا أن يحج في سفرة، ويعتمر في أخرى، ولم يستحبوا أن يحج ويعتمر عقب ذلك عمرة مكية، بل هذا لم يكونوا يفعلونه قط، اللهم إلا أن يكون شيئاً نادراً، وقد تنازع السلف في هذا هل يكون متمتعاً عليه دم أم لا؟ وهل تجزئه هذه العمرة عن عمرة الإسلام أم لا؟"

كلام الشيخ -رحمه الله- مفاده أن العمرة بعد الحج لا تشرع ولا تسن، ولا يسن لمن كان بمكة أن يخرج ليعتمر، ولا كان هذا من هديه -صلى الله عليه وسلم- ولا من هدي خلفائه من بعده، أنهم يعتمرون بعد الحج، وحمل -رحمه الله- إعمار عائشة من التنعيم بعد حجها، كما قال ابن القيم أنه جبر لخاطرها، وأن الناس يرجعون لا سيما أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- يرجعن بعمرة متكاملة مفردة وحج كامل مفرد، وترجع هي بعمرة داخلة في الحج، وترى أن في هذا نقصاً عن فعل صواحبها، هذا مفاد كلام شيخ الإسلام، وأن مثل فعل عائشة لا يشرع، ولا شك أن ما فعلته عائشة بأمره -عليه الصلاة والسلام- وبتقريره هي سألت وأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم، وحبس الناس انتظاراً لفراغها من عمرتها، ولا يمكن أن يجبر خاطر عائشة على حساب غيرها -عليه الصلاة والسلام- ورضي عنها وأرضاها، يحبس الناس كلهم بعد فراغهم من الحج وإرادة قفولهم إلى بلادهم يجبر الناس كلهم أن ينتظروا عائشة في أمر ليس بمشروع، وإنما هو لمجرد جبر خاطرها، وقد عادت بعمرة وحجة، والحديث دليل دلالة صريحة على أن هذا لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-، وأن المتابعة بين الحج والعمرة أمر مشروع، جاء فيه الأوامر، وجاء فيه فعل عائشة -رضي الله عنها- بأمره وإقراره -عليه الصلاة والسلام- فمن أراد أن يعتمر بعد الحج لا إشكال في ذلك على ألا يكون ذلك على حساب ما هو أهم من هذه العمرة، ومن كان في مكة وأراد أن يخرج إلى أدنى الحل فيحرم  ويأتي بعمرة، فقد جاء الحث على الإكثار من العمرة ((والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهن))((تابعوا بين الحج والعمرة)) كل هذه نصوص تدل على أن الإكثار من هذه العبادة العظيمة شيء مطلوب شرعاً، وأما كونه لم يفعل، الذي لا ينقل لا يستدل به ويكفينا مثل هذا الدليل لمشروعية الخروج من مكة إلى أدنى الحل للعمرة، وأما كونه -عليه الصلاة والسلام- أعمرها جبراً لخاطرها، فلا يمكن أن يتصور هذا بالنسبة لحبس الناس كلهم من أجل جبر خاطرها، وقد أتت بحجة وعمرة، حيث جاءت بعمرة داخلة في حجها، أهلت بالحج وأدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، فيكفي في هذا مشروعية الاعتمار من مكة.

والحكم الشرعي يلزم بدليل واحد، ولا يلزم أن يكون له أكثر من دليل، النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على العمرة في رمضان، وقال: إنها تعدل حجة معه -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك لم يعتمر في رمضان، ولا عرف من خلفائه أنهم اعتمروا في رمضان، هل يقال: أن العمرة في رمضان ليست مشروعة؟ يكفينا النص، وتركه -عليه الصلاة والسلام- لهذه العمرة قد يكون أفضل في حقه؛ لأنه يترتب عليه تعطيل ما هو أهم منها، ولو أن شخصاً أنيطت به مصالح المسلمين بعمومهم، ثم قال: إنه يعتمر في رمضان من أجل تحصيل هذا الفضل العظيم، أجر حجة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ويترتب على ذلك تضييع ما أنيط به من المصالح العامة، نقول:  عدم عمرتك أفضل من عمرتك بالنسبة لك، وأما ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- وأجلب عليه بما أتي من بيان، فهذا رأيه، وعلى كل حال هو إمام من أئمة المسلمين ويقلده من يقلده من السواد الأعظم، ولا إشكال في هذا؛ لأنه إمام تبرأ الذمة بتقليده؛ لكن الذي نراه أنه لا إشكال في العمرة من مكة استدلالاً بهذا الحديث، ولو لم يكن فيه إلا حبس الناس من أجلها.

طالب: هل يمكن أن يستدل بحبس الناس بحديث التيمم؟

على ماذا؟

طالب: أنه حبس الناس وبحثوا عن العقد.

نعم يقول: قد يقال: إن حبْس الناس لا يدل على الوجوب، بدليل أنه حبس الناس بحثاً عن العقد؛ لكن ما مدة هذا الحبس؟ نظروا يميناً وشمالاً ومشوا، أو جلسوا وانتظروا إلى أن وجدوه، عائشة  ذهبت إلى التنعيم، ثمَّ ذهبت إلى المسجد، وطافت وسعت، ورجعت إلى الناس، تحتاج إلى وقت، فالحبس أمره نسبي، فمثل البحث عن العقد لا يستحق ولا خمس دقائق، بينما ذهابه بها على الدابة إلى التنعيم ورجوعه إلى المسجد  يحتاج إلى خمس ساعات، فرق بين هذا وهذا.

يقول -رحمه الله-: "ولم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا عائشة وحدها؛ لأنها كانت قد حاضت فلم يمكنها الطواف؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت)) فأمرها أن تهل بالحج وتدع أفعال العمرة؛ لأنها كانت متمتعة، ثم إنها طلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعمرها فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن فاعتمرت من التنعيم، والتنعيم هو أقرب الحل إلى مكة، وبه اليوم المساجد التي تسمى (مساجد عائشة) ولم تكن هذه على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما بنيت بعد ذلك علامة على المكان الذي أحرمت منه عائشة، وليس دخول هذه المساجد ولا الصلاة فيها لمن اجتاز بها مُحرماً لا فرضاً ولا سنة، بل قَصْدُ ذلك واعتقاد أنه يستحب بدعة مكروهة" يعني أن التنعيم ليس بميقات للعمرة المكية، وإن جعله بعضهم ميقاتا للعمرة المكية، وأضافه إلى المواقيت الخمسة.

واطلعت على مطوية في أعمال الحج، وأضاف التنعيم إلى المواقيت، ووزعت توزيعاً رسمياً، وهذا خطأ، التنعيم ليس من المواقيت، لو ذهبت إلى عرفة، لو ذهبت إلى الجعرانة، لو ذهبت إلى أدنى الحل من أي جهة كانت كفى، وليس التنعيم مقصوداً لذاته، وإنما هو أيسر وأسهل بالنسبة لمكانهم.

"بل قصد ذلك واعتقاد أنه يستحب بدعة مكروهة؛ لكن من خرج من مكة ليعتمر فإنه إذا دخل واحداً منها وصلى فيه لأجل الإحرام" قوله: "صلى فيه لأجل الإحرام"، يدل على أن الإحرام له صلاة، وسيأتي في كلام الشيخ ما يبين هذا، وفيه نوع مخالفة.

"لأجل الإحرام فلا بأس بذلك، ولم يكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر" ما العذر؟ يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر ما العذر؟

طالب: حديث عائشة.

يعني مثل فعلها؟ يعني إذا وقع له مثل ما وقع لعائشة يعتمر، لا هو ما يرى هذا لأحد بعد عائشة، يعني كل إنسان وقع في نفسه أنه لم يأت بعمرة مفردة يخرج إلى الحل ويعتمر؟ الكلام يدل على غير هذا.

طالب: من حبس عن العمرة كما حبست عائشة عن العمرة.

حسبت، وقد أدخلت العمرة على الحج وصارت قارنة، وأتت بحج وعمرة، وقد عُدت عمرة النبي -عليه الصلاة والسلام- التي مع حجته من عُمَرِه الأربع -عليه الصلاة والسلام-، "إلا لعذر" ما أدري ما هذا العذر؟.

طالب: كالنذر.

مسألة نذر أوما نذر هذه مسألة بدليل آخر، أما أن تخرج بعذر ما أدري ما العذر؟ يحتاج إلى مزيد تأمل.

"ولم يكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر لا في رمضان ولا في غير رمضان" المكي ألا يعتمر في رمضان؟ لينال حجة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، كلام الشيخ يشمله، لا أحد يخرج من مكة، يعني كون الإنسان يخرج مراراً متتابعة، قال بعض أهل العلم: بمنعه؛ لكن يخرج مرة للتنعيم ويأتي بعمرة في رمضان لينال ما جاء في الخبر: أنها تعدل حجة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- الشيخ كلامه يشمل رمضان وغير رمضان، فكلامه منصب على أن من كان بمكة ليس عليه عمرة، لكن ماذا عما إذا خرج وأتى بعمرة؟ وماذا عما إذا كرر هذه العمرة؟ فنقول: كله خير إلا أن يعوق عن تحصيل ما هو أعظم، والمسألة مسألة مفاضلة بين العبادات.

 الإنسان إذا خرج إلى التنعيم وأتى بعمرة، خرج إلى الجعرانة وأتى بعمرة ما الذي يفوته من مصالح؟ ولو جلس في المسجد وطاف سبعة أشواط وتلا مثلاً خمسة أجزاء ودعاء بما شاء من الدعاء، أيهما أفضل هذا أو يخرج ليأتي بعمرة؟ المسألة مسألة مفاضلة بين العبادات، ويقال مثل هذا في جميع العبادات، شخص يسأل يقول: هل أعمر الوقت بالصلاة أو بالتلاوة؟ شخص مغرم بقراءة القرآن لا يشبع منه أبداً، ديدنه ليلاً ونهاراً، نقول: هذا عمل فاضل، وكل حرف بعشر حسنات؛ لكن ما الذي يفوته من المصالح الراجحة فالمسألة مسألة مفاضلة بين هذه العبادات، يعني لو قال: والله أنا سأخرج عن الحرم إلى الحل، إما آتي بعمرة من أدنى الحل من التنعيم أو أخرج إلى تلك المطاعم التي على طريق جدة، وأتعشى أنا وزملائي ونرتاح وننبسط ساعتين أيهما أفضل؟

كل في مكة، لم يكن أحد يخرج على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: هذه بدعة؟ المسألة مسألة مفاضلة بين العبادات، وقرر هذا جمع من أهل العلم، فقالوا أنه إذا كان يعوقه هذا عمَّا هو أهم فلا يخرج،  حتى قال بعضهم: يخرج بضعة أميال ويضيع ما هو أهم من ذلك، فهذا دليل على أن المسألة إذا لم يترتب عليها تضييع فإنها مشروعة، والنصوص العامة التي جاءت في الحث من الإكثار من الحج العمرة تتناول هذا ((العمرة إلى العمرة))، مثل الصلوات الخمس، مثل الجمعة إلى الجمعة، مثل رمضان إلى رمضان، كلها كفارات لما بينها.

يقول: "ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين، والذين استحبوا الإفراد من الصحابة إنما استحبوا أن يحج في سفرة، ويعتمر في أخرى، ولم يستحبوا أن يحج ويعتمر عقب ذلك عمرة مكية، بل هذا لم يكونوا يفعلونه قط اللهم إلا أن يكون شيئاً نادراً" يعني حفظ عن بعضهم أنه فعل، وأصل فعله حديث عائشة، وقد تنازع السلف في هذا.

نعم يقول: "وقد تنازع السلف في هذا هل يكون متمتعاً عليه دم أم لا؟" صورة التمتع الذي يجب به الدم أن يأتي بعمرة قبل الحج، يقدم إلى مكة بعمرة، يتحلل منها التحلل التام، ثم يحرم يوم التروية بالحج، وحينئذ يلزمه الهدي، هدي التمتع؛ لكن إذا حج مفرداً، ثم اعتمر بعده إذا قلنا: إن العلة في هدي التمتع الترفه بترك أحد السفرين، قلنا: حصل هذا ويلزمه الدم، وإذا قلنا: إن هذا لا يشمله صورة التمتع لا العامة ولا الخاصة، فليس بقارن بين النسكين، وليس بمتمتع التمتع الخاص، والدم إنما يلزم القارن والمتمتع، وهذا ليس بمتمتع تمتعاً خاصاً، وليس بقارن فلا يلزمه دم، الذي قال يلزمه دم، قال: إن السبب موجود، فهو إنما سافر مرة واحدة للحج والعمرة معاً، كالمتمتع والقارن.

"وهل تجزئه هذه العمرة عن عمرة الإسلام أم لا؟" لا شك أن الذي يقول: إن هذه العمرة بدعة يقول: لا تجزئه، والذي يقول: شرعية يقول: تجزئه، ما المانع؟ وقد أتى بعمرة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها والحمد لله ، ما الذي يمنع أن تكون هذه العمرة مجزية لا سيما وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر أخته من التنعيم؟.

"وقد اعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته أربع عمر، عمرة الحديبية، وصل إلى الحديبية، والحديبية وراء الجبل الذي بالتنعيم عند مساجد عائشة، عن يمينك وأنت داخل إلى مكة، فصده المشركون عن البيت فصالحهم، وحل من إحرامه وانصرف، وعمرة القضية اعتمر من العام القابل، وعمرة الجعرانة فإنه كان قد قاتل المشركين بحنين، وحنين من ناحية المشرق من ناحية الطائف؛ وأما بدر فهي بين المدينة وبين مكة، وبين الغزوتين ست سنين؛ ولكن قرنتا في الذكر؛ لأن الله تعالى أنزل فيهما الملائكة لنصر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين في القتال، ثم ذهب فحاصر المشركين بالطائف، ثم رجع وقسم غنائم حنين بالجعرانة، فلما قسم غنائم حنين اعتمر من الجعرانة، داخلاً إلى مكة لا خارجاً منها للإحرام، والعمرة الرابعة مع حجته فإنه قرن بين العمرة والحج باتفاق أهل المعرفة بسنته، وباتفاق الصحابة على ذلك، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه تمتع تمتعاً حل فيه، بل كانوا يسمون القران تمتعاً، ولا نقل عن أحد من الصحابة أنه لما قرن طاف طوافين وسعى سعيين، وعامة المنقول عن الصحابة في صفة حجته ليست بمختلفة، وإنما اشتبهت على من لم يعرف مرادهم، وجميع الصحابة الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج: كعائشة وابن عمر وجابر، قالوا: إنه تمتع بالعمرة إلى الحج، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة وابن عمر بإسناد أصح من إسناد الإفراد، ومرادهم بالتمتع القران، كما ثبت ذلك في الصحاح أيضاً".

جاء في الأحاديث الصحيحة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعتمر أربع عمر، ذكر ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب، واستدركت عليه عائشة، وردت عليه، وقالت: ما اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا هو معه، تعني ابن عمر، وما اعتمر في رجب قط، إنما اعتمر العمرة التي صد عنها في الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، والعمرة التي كانت مع حجه -عليه الصلاة والسلام- عمرة الحديبية وصل إلى الحديبية، والحديبية وراء الجبل الذي بالتنعيم عند مساجد عائشة عن يمينك وأنت داخل إلى مكة، يعني قريب من مكان يسمى الشميسي، وبعضهم يقول: الحديبية هي الشميسي، وعلى كل حال هي حد الحرم، وهي من الحل، "عن يمينك وأنت داخل إلى مكة فصده المشركون عن البيت فصالحهم، وحل من إحرامه وانصرف" وهذه عدت عمرة من عمره -عليه الصلاة والسلام-، وإن لم يؤدِ أفعالها؛ لأن تركه وعدم إتمام هذه العمرة ليس في يده، وعلى هذا من قصد عملاً صالحاً فصد عنه وحرص عليه، وبذل الأسباب، ثم صد عنه فله الأجر الكامل، ومع ذلك لا يفرح لكونه صد عنه، فمن فرح لكونه صد عنه يحصل له أجر أو ما يحصل؟

طالب:........

هو حريص على ذلك أشد الحرص، وصده يحز في نفسه؛ لأنه جاء لهذا العمل راغباً فيه، أما من فرح بأنه صد ومنع فلا يحصل له مثل هذا الأجر، والذي يظن أن مثل هذا إنما فعل هذا الفعل ليقال، ولو كان الباعث عليه وجه الله -جل وعلا- والثواب ما فرح بصده عنه، وهذه مسألة يحتاج إليها في كثير من الأعمال، فالإنسان إذا قصد المسجد ليصلي فوجد المسجد مغلقا، لترميم أو غيره، وليس بجواره مسجد قريب، بحث عن جماعة ما وجد، هذا له أجر كامل، حتى جاء في سنن أبي داود أن من قصد الجماعة فوجدهم قد صلوا فله مثل أجرهم؛ لكن لا يعني هذا أن من فرط ويعرف أن الصلاة تفوته ثم بعد ذلك يذهب إلى المسجد بعد علمه بخروج الناس من المسجد يقول: ليحصل له أجر، ليس الأمر كذلك، والمسألة مردها إلى النية، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) وعمرة القضية اعتمرها النبي-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- من العام القابل؛حيث اتفقوا في بنود الصلح على أن يعتمر من العام القابل، وبالفعل اعتمر السنة التي تليها في السنة السابعة، اعتمر وجلس المشركون حول البيت من جهة الحجر فجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- هو وأصحابه وطافوا، وقال المشركون: يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم بالرمل في تلك العمرة من الحجر الأسود إلى الركن اليماني ويمشون بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم، هل نقول: إنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- راءا المشركين بهذا العمل؟ فإنه لما خفي عن أنظارهم مشى فكان الرمل من أجلهم، نقول: الرمل لذاته ليس بعمل شاق في الأصل، وإنما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لإغاظتهم، وإغاظتهم مشروعة، وكونهم لا يرونه رفق بأصحابه فأمرهم أن يمشوا بين الركنين، بينما في حجة الوداع حيث لا يوجد من يقول: إن محمداً وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب إلى آخر ما قالوا، رمل من الركن، من الحجر إلى الحجر، استوعب الشوط بالرمل، فهذه المقالة ارتفعت، ولا يوجد أحد يقول مثل هذا الكلام، وبقي حكم الرمل مشروعاً مسنوناً اقتداءً بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من الأحكام التي شرعت لعلة وارتفعت العلة وبقي الحكم، كالخوف بالنسبة للقصر، شرع لعلة وإذا     ﯿ                  إن خفتم  أن       ﰎ      النساء: ١٠١ ومع ذلك ارتفع الخوف وبقي الحكم، ولهما نظائر كثيرة، المقصود أن الرمل هذا سببه، وما زال مشروعاً، وإن كان بعضهم يقول: ما ارتفعت علته يرتفع حكمه، فهذا قول ضعيف جداً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كرره في حجة الوداع، رمل في حجة الوداع، ولا يوجد من يقول: إن محمداً وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب.

وعمرة القضية اعتمر من العام القابل، وعمرة  الجِعرانة أو الجِعرَّانة بالتخفيف والتشديد،  كان-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- قد قاتل المشركين بحنين، فلما فتح مكة خرج منها لقتال المشركين بحنين، وحنين من ناحية المشرق، من ناحية الطائف، يعني قريبة جداً من الشرائع، وأما بدر -هذا استطراد من الشيخ -رحمه الله- على عادته- أما بدر فهي بين المدينة وبين مكة وبين الغزوتين ست سنين، ما الداعي لذكر بدر هنا؟ قرن الشيخ بين حنين وبدر في الذكر لاقترانهما في النص فقد قرنتا في الذكر؛ لأن الله تعالى أنزل فيهما الملائكة لنصر النبي -عليه الصلاة والسلام- والمؤمنين في القتال، فلوجود المشابهة قرنتا في الذكر، ثم ذهب فحاصر المشركين في الطائف، ثم رجع وقسم غنائم حنين في الجعرانة، فلما قسم غنائم حنين اعتمر من الجعرانة داخلاً إلى مكة، لا خارجاً منها للإحرام، وكل هذا يريد منه الشيخ -رحمه الله- تقرير ما يراه من أن المكي ليس له أو ليس عليه أن يعتمر، فليس على المكي عمرة، ولا يشرع له الخروج منها ليعتمر.

والعمرة الرابعة: مع حجته فإنه قرن بين العمرة والحج باتفاق أهل المعرفة بسنته، وباتفاق الصحابة على ذلك، وأمَّا العمرة التي أشار إليها ابن عمر، وخبره في الصحيح، وأنها عمرة في رجب، بعضهم يثبت العمرة الرجبية، وليس هذا الإثبات خاصا بالصوفية، بل يثبته بعض من يعتد بقوله من أهل العلم،  وإثبات ابن عمر خبر صحيح يكفي في إثبات هذه العمرة، ولو نفته عائشة؛ لأن المثبت مقدم على النافي؛ لكن جمهور أهل العلم على اعتماد قول عائشة -رضي الله عنها-.

"ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه تمتع تمتعاً حل فيه" يعني أتى بالعمرة الكاملة وحل منها الحل كله، ثم أحرم بالحج، ما نقل عنه -عليه الصلاة والسلام- ذلك، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك، نعم، نقل عنه أنه تمتع، ومن قال بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- حل وأحرم بالحج بناءً على هذه اللفظة، فاللفظة إنما يراد بها التمتع بمعناه العام.

"بل كانوا يسمون القران تمتعاً، ولا نقل عن أحد من الصحابة أنه لما قرن طاف طوافين، وسعى سعيين" طاف طوافا للعمرة، وطاف طوافا للحج، وسعى سعيا للعمرة، وسعى سعيا للحج، هذه صورة التمتع؛ لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف طواف القدوم، وسعى معه سعي الحج، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة، فطافوا بين الصفا والمروة طوافاً واحداً، النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكرر هذا السعي، وهذا في حق كل قارن، ولو ضاق عليه الوقت، ولم يتمكن من طواف القدوم كفاه طواف واحد، وسعي واحد، كالمفرد تماماً، والمفرد له أن يطوف طواف القدوم مثل القارن، ثم يسعى بعده سعي الحج، ويكون طواف الإفاضة في يوم النحر.

وأما من تمتع فإنه يلزمه أن يطوف مرتين، ويسعى مرتين، للانفصال التام بين النسكين، وإن كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن المتمتع يكفيه سعي واحد، على ما سيأتي.

"ولا نقل عن أحد من الصحابة أنه لما قرن طاف طوافين، وسعى سعيين، وعامة المنقول عن الصحابة في صفة حجه ليست بمختلفة" يعني الألفاظ الثلاثة ليست بمختلفة، وإنما اشتبهت على من لم يعرف مراده، وجميع الصحابة الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج لا شك أن من عرف حقيقة الأمر، وجمع الطرق واطلع عليها لا يشكل عليه شيء، لكن المبتدئ الذي يقرأ مثل هذه الأمور أو لا يجمع طرق هذه الأخبار، لا شك أنها مربكة بالنسبة له، واحد يقول: تمتع، واحد يقول: أفرد، واحد يقول: قرن، وكلها صحيحة ثابتة، هذا لا شك أنه تعارض لكنه تعارض في الظاهر، وأما في الباطن فلا.

"وجميع الصحابة الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج كعائشة وابن عمر وجابر، قالوا: إنه تمتع بالعمرة إلى الحج فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة وابن عمر بإسناد أصح من إسناد الإفراد، ومرادهم بالتمتع القران، كما ثبت ذلك في الصحاح أيضاً"، وأشرنا إلى مثل هذا مراراً.

"فصل: فإذا أراد الإحرام فإن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجاً، وإن كان متمتعاً قال: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج، وإن كان مفرداً قال: لبيك حجة، أو قال: اللهم إني أوجبت عمرة وحجاً أو أوجبت عمرة أتمتع بها إلى الحج، أو أوجبت حجاً أو أريد الحج، أو أريدهما، أو أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، فمهما قال شيئاً من ذلك أجزأه باتفاق الأئمة، ليس في ذلك عبارة مخصوصة، ولا يجب شيء من هذه العبارات باتفاق الأئمة، كما لا يجب التلفظ بالنية في الطهارة والصلاة والصيام باتفاق الأئمة، بل متى لبى قاصداً للإحرام انعقد إحرامه باتفاق المسلمين، ولا يجب عليه أن يتكلم قبل التلبية بشيء، ولكن تنازع العلماء: هل يستحب أن يتكلم بذلك؟ كما تنازعوا هل يستحب التلفظ بالنية في الصلاة؟ والصواب المقطوع به أنه لا يستحب شيء من ذلك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشرع للمسلمين شيئاً من ذلك، ولا كان يتكلم قبل التكبير بشيء من ألفاظ النية، لا هو ولا أصحابه، بل لما أمر ضباعة بنت الزبير بالاشتراط، قالت: فكيف أقول؟ قال: ((قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث تحبسني)) رواه أهل السنن وصححه الترمذي ولفظ النسائي: إني أريد الحج فكيف أقول؟ قال: ((قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث تحبسني، فإن لك على ربك ما استثنيت)) وحديث الاشتراط في الصحيحين؛ لكن المقصود بهذا اللفظ أنه أمرها بالاشتراط في التلبية، ولم يأمرها أن تقول قبل التلبية شيئاً لا اشتراطاً ولا غيره، وكان يقول في تلبيته: ((لبيك عمرة وحجاً)) وكان يقول للواحد من أصحابه: ((بم أهللت؟)) وقال في المواقيت: ((مهل أهل المدينة ذو الحليفة، ومهل أهل الشام الجحفة، ومهل أهل اليمن يلملم، ومهل أهل نجد قرن المنازل، ومهل أهل العراق ذات عرق، ومن كان دونهن فمهله من أهله)) والإهلال هو التلبية، فهذا هو الذي شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين التكلم به في ابتداء الحج والعمرة، وإن كان مشروعاً بعد ذلك، كما تشرع تكبيرة الإحرام، ويشرع التكبير بعد ذلك عند تغير الأحوال، ولو أحرم إحراماً مطلقاً جاز، فلو أحرم بالقصد للحج من حيث الجملة ولا يعرف هذا التفصيل جاز، ولو أهل ولبى كما يفعل الناس قصداً للنسك، ولم يسم شيئاً بلفظه، ولا قصد بقلبه لا تمتعاً ولا إفراداً ولا قراناً صح حجه أيضاً وفعل واحداً من الثلاثة، فإن فعل ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه كان حسناً".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فصل فإذا أراد الإحرام"، تجرد واغتسل، ولبس ثوبي الإحرام، وقصده فهل يقول: اللهم إني نويت أن أحرم أو أدخل في الإحرام؟ أو اللهم إني أريد نسك كذا؟ لم يرد شيء من هذا البتة لا في الحج ولا في العمرة، ولا في الصلاة ولا في الصيام ولا غيرها.

يقول: "فإذا أراد الإحرام فإن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجاً، وإن كان متمتعاً قال: لبيك عمرة" يكفي هذا أو لا بد أن يقول: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج؟ يكفي هذا؛ لأنه الآن سيأتي بعمرة فقط، ثم بعد ذلك يهل بالحج، لكن لو أشار إلى أنه سوف يحج لا يضر، لو قال: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج.

وهل يختلف الأمر فيما إذا قال: لبيك عمرة عما لو قال: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج فيما لو أراد الرجوع بعد عمرته؟ المسألة التي أشرنا إليها بالأمس، يعني لو قال: لبيك عمرة فقط، وفي نيته أن يحرم يوم التروية بالحج، وقد حج حجة الإسلام، أو قال: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج، يختلف أو ما يختلف؟

طالب: لأن الأصل بما نوى، كما سيقرر الشيخ، الأصل بما نوى........

 المسألة مسألة النية قبل الدخول والشروع بالشيء، قرر الشيخ  في درس الأمس أنه لا أثر له، فقاصد الجمعة مثلا لا يمكن أن يسمى أنه الآن في الجمعة، ولا يجوز له أن ينصرف ولا كذا، ولا كذا، ولا يفعل ما يفعل حتى يحرم بالجمعة، والدخول في الحج إنما يكون يوم التروية؛ لكن لو قال: لبيك عمرة، وفي نيته أن يحج من هذه السنة، ويحرم بالحج يوم التروية، فرأى الزحام الشديد لما أدى العمرة وفرح فرحاً شديداً أن أنهى الطواف والسعي سالماً، وقال: السنة هذه زحام شديد، والآن أتممت ووفيت بما دخلت فيه وأرجع، و نحج سنة ثانية -إن شاء الله- إذا خف الناس، فهو ما نوى الدخول في النسك إلى الآن؛ لأن نية الدخول إنما تكون بمباشرة الفعل، يعني إذا نواه في يوم التروية نعم دخل في النسك؛ لكن لو جاء شخص، الشيء الذي لا يشك في منعه أنه حج قارناً، ولم يسق الهدي فقال: التمتع أفضل، فقلب القران إلى تمتع، فطاف وسعى وقصر للعمرة، ولبس حل الحل كله، ثم قال: أريد أن أخرج، أن أرجع، يجوز أو ما يجوز؟ هو دخل في الحج من الأصل، وأجيز له أن يغير النية إلى الأفضل، فاكتفاؤه بالعمرة حينئذ لا يجوز، ولا يكفي؛ لأنه لا يجوز له أن يرجع من الأعلى إلى الأسفل إلا لعذر شرعي كالحائض مثلاً أو من ضاق عليه الوقت.

طالب: المتمتع تكفيه العمرة؟

إذا لم يذكر الحج في الدخول في النسك الأصلي، يعني إذا قال: متمتعاً بها إلى الحج، يعني اتجه القول بمنعه، لكن لو قال: لبيك عمرة فقط، وفي نيته أن يحرم يوم التروية، هذا لا أحد يلزمه بالحج؛ لأنه أتى بالنسك الذي نواه وقصده، وحل منه الحل كله، وأما مجرد تبييت النية، هو مبيت للنية من بيته، ولا أحد يلزمه بالحج بمجرد التبييت.

طالب: لكن يا شيخ الله يحفظكم ما هو الفرق بين تبييت النية عندما يخرج من بيته وتبييت النية من عند الميقات؟

من عند الميقات؛ لكن حتى لو كان مكيا يبيت النية أن يحج السنة هذه وما حج، يلزمه؟ حكمه حكم المكي ما يلزمه.

طالب: يعني ما دخل في الحرم بهذه الطريقة؟

دخل الحرم بالنية المفردة، وصرح بهذه النية: لبيك عمرة، نفرق بين الألفاظ، يعني لو جاء وقال: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج، هذا الذي يظهر والمتجه أنه ليس له أن يرجع، ومثله فيما لو أحرم قارناً، ثم بعد ذلك قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخلوا مكة أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة، أنا أريد أن أفعل مثلهم، ثم بعد ذلك أتم العمرة، وقال: أنا حللت الحل كله، فمن يلزمني بالحج، مثل هذا لا يجوز؛ لأنه دخل في الحج وعدوله من الحج إلى العمرة هذا إلى الأفضل.

طالب: لو أنه وصل إلى الميقات مثلاً وعقد في قلبه أن يدخل في العمرة، لكن ما تلفظ، بقوله لبيك عمرة، ولا تلفظ أيضاً بالتلبية.

وباشر أفعالها، يكفي، كما لو لبس الإحرام يوم التروية ولا تلفظ بشيء، باشر الأفعال، لكن نعم ما باشر أفعال حج.

طالب: إذن لو قال لبيك اللهم عمرة متمتعاً بها إلى الحج أو قال لبيك عمرة، هو كان ناوياً في قلبه أصلاً أنه سيتمتع.....

الآن نفرق بين (لبيك عمرة فقط)...

طالب: إذن لا فرق بينهما.

هناك فرق، الشيخ يأتي كلامه.

أو قال: "اللهم إني أوجبت عمرة وحجاً، أو أوجبت عمرة أتمتع بها إلى الحج، أو أوجبت حجاً، أو أريد الحج أو أريدهما، أو أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، فمهما قال من ذلك أجزأه باتفاق الأئمة" يعني شخص ذهب إلى مكة ومر بالميقات وتجرد واغتسل ولبس، ما تكلم بكلمة، ودخل المسجد وطاف سبعة أشواط ما تكلم بكلمة، وسعى بين الصفا والمروة ما تكلم بكلمة، وقصر من شعره، هذه عمرة أو ليست بعمرة؟ تجزئه أو ما تجزئه؟ تجزئه؛ لأن هذا الكلام كله سنن إلا عند الحنفية الذين يقولون: لا ينعقد النسك إلا بالتلبية.

فمباشرة الفعل أقوى من القول؛ لكن القول للدلالة على الفعل، فمهما قال أجزأه باتفاق الأئمة ليس في ذلك عبارة مخصوصة؛ لأن مثل هذا الكلام كوننا نذكره  لأنه يريح الطالب، ويريح العامة،  كثير من العامة أسئلتهم: والله نسيت أكبر، نسيت أقول كذا، نسيت أفعل كذا، أنت إذا قيل لك: دخلت الحرم وطفت سبعة أشواط، وسعيت تمت عمرتك، لكن فرطت في سنن كثيرة؛ لكن لا أثر لها في إبطال العمرة، هذا يريح في كثير من الأسئلة، أكثر الأسئلة ترد: والله أنا نسيت أرفع يدي، أنا نسيت أكبر، أنا نسيت أذكر، أنا نسيت أقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، أو أنا نسيت أقول كذا إلى آخره، فمثل هذه قاعدة عامة تريح من كثير من هذه الإشكالات، ولا يقال مثل هذا ليُفعل أبداً، الذي يفعل مثل هذا قد فرط في أمور كثيرة.

يقول: "أجزأه ذلك باتفاق الأئمة، ليس في ذلك عبارة مخصوصة، ولا يجب شيء من هذه العبارات باتفاق الأئمة" يعني ليس مثل الصلاة لا تنعقد إلا بلفظ الله أكبر، كما لا يجب التلفظ بالنية في الطهارة والصلاة والصيام باتفاق الأئمة؛ لكن هل يستحب؟  أئمة السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان لا يعرف عنهم شيء من ذلك، وإنما الكلام في متأخري الأتباع، أتباع الأئمة.

"بل متى لبى قاصداً للإحرام انعقد إحرامه باتفاق المسلمين، ولا يجب عليه أن يتكلم قبل التلبية بشيء"يعني  لو أحرم إحراما مطلقا، لبى وما يدري هل يلبي بحج أو عمرة؟ يصح و يصرفه قبل الشروع بطواف العمرة، "ولو لبى بما أحرم به فلان، لبيك بإحرام كإحرام فلان"، ثم بعد ذلك ما وجده إلا بعد عرفة، أو نفترض أن هذا الشخص ما حج هذه السنة، بحث عنه ولم يجده، يصرف إلى أكمل الأنواع إن رغب فيه، إن كانت لديه قدرة على الهدي، وإلا يخير؛ لأن من علق عليه لم يحج، فأقل الأنواع أفضل من عمل فلان؛ لكن لو قدر أن فلانا حج متمتعا، لبيك بما أحرم به فلان، وفلان حج متمتعا؛ لكن ما تيسر له رؤيته، عرف أنه حاج، نعم يحمل على الأكمل حينئذ.

"ولا يجب عليه أن يتكلم قبل التلبية بشيء؛ ولكن تنازع العلماء هل يستحب أن يتكلم بذلك؟ كما تنازعوا هل يستحب التلفظ بالنية في الصلاة؟ والصواب المقطوع به أنه لا يستحب شيء من ذلك" وحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) يراد به مجرد القصد إلى العبادة، فكون الإنسان يذهب إلى تلك الأماكن هذه هي النية، وكون الإنسان يقف في الصف هذه هي النية، كون الإنسان يمثل أمام الماء ويغسل أطرافه، فروض الوضوء، هذه هي نية الوضوء.

"لا يستحب شيء من ذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشرع للمسلمين شيئاً من ذلك، ولا كان يتكلم قبل التكبير بشيء من ألفاظ النية، لا هو ولا أصحابه، وقد أحدث الناس عشر بدع في النية قبل الصلاة" يعني يقول: نويت أن أصلي فرض الوقت الظهر أربع ركعات، خلف الإمام إلى آخر ما يقولون، وهذه تسمع ممن يجاورك ممن يعتمد هذه الأقوال، نسمعها في مساجدنا الآن من بعض الوافدين، وهذه كلها بدع.

"بل لما أمر ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أمرها بالاشتراط قالت: إني أريد الحج وأجدني شاكية، قال: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت))" هذا اللفظ في الصحيح، والإمام البخاري أغرب كل الإغراب في إيراد الخبر، حيث لم يرد في أي باب من الأبواب المتعلقة بالحج، ولذلك نفي العدد الكثير رواية البخاري لهذا الحديث؛ لأنهم بحثوا الحج من أوله إلى آخره فما وجدوا شيئا من هذا، والبخاري يكرر بعض الأحاديث في أكثر من عشرين موضعا، يذكر الحديث في موضع في الحج، وموضع في النكاح؛ لكن الإمام البخاري-رحمة الله عليه- له أنظار دقيقة تخفى على كثير من الناس، فقد أورد هذا الحديث في كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، ثم قال في نهاية الخبر: وكانت تحت المقداد، ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- تحت المقداد، وكان مولى، في الحديث في كتاب النكاح: باب الأكفاء في الدين، يعني الكفاءة إنما تكون في الدين لا في النسب، فلو كرره الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- وجعله في الحج، وجعله في النكاح، وجعله في المواضع الذي يحتاج إليها كغيره، كان هو الأصل؛ لكن الكمال لله، والعصمة لرسله.

"قالت: فكيف أقول؟ قال: ((قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث تحبسني)) رواه أهل السنن وصححه الترمذي، ولفظ النسائي: إني أريد الحج فكيف أقول؟ قال: ((قولي: لبيك اللهم لبيك..))" ما قال: قولي: اللهم إني نويت أن أحج، اللهم إني نويت أن أفعل، "قولي: ((لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث تحبسني، فإن لك على ربك ما استثنيت))، وحديث الاشتراط في الصحيحين" لكن اللفظ في السنن، وأصل الحديث في الصحيحين، لكن المقصود بهذا اللفظ أنه أمرها بالاشتراط في التلبية، ولم يأمرها أن تقول قبل التلبية شيئاً لا اشتراطاً ولا غيره، وكان يقول في تلبيته: ((لبيك عمرة وحجاً)) لأنه قارن، يعني حينما شرع في الدخول في النسك قال: ((لبيك عمرة وحجاً)) لأن قوله: "وكان يقول في تلبيته" قد يفهم منه أنه يستمر على هذه التلبية إلى أن يصل المسجد أو يباشر الطواف يقول: لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً، وهذا غير صحيح، فمن يقرأ قول الشيخ: "وكان يقول في تلبيته: ((لبيك عمرة وحجاً)) (كان) في الأصل للاستمرار، يعني كما يقول عامة الناس حينما يريدون ذبح الأضحية: باسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً، يسمعون الخطباء يقولون مثل هذا، فيقولون مثلهم، والذي يسمع كلام الشيخ "كان يقول في تلبيته: ((لبيك عمرة وحجاً))" يظن أنه- عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- يصل إلى الكعبة ويقول: لبيك عمرة وحجاً، هذا كلام غير صحيح، وإنما هذه لمجرد الدخول في النسك، وأمَّا تلبيته -عليه الصلاة والسلام- التي كررها فهي: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) وكان بعضهم يزيد وهو يسمع ويقره على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

"وكان يقول للواحد من أصحابه: ((بم أهللت؟)) وقال في المواقيت: ((مهل أهل المدينة...))" مهل على زنة مدخل ((مهل أهل المدينة ذو الحليفة، ومهل أهل الشام الجحفة، ومهل أهل اليمن يلملم، ومهل أهل نجد قرن المنازل، ومهل أهل العراق ذات عرق -وقد تقدم الكلام فيها- ومن كان دونهن فمهله من أهله)).

والإهلال هو التلبية: الأصل أن الإهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال، ومنه استهل الصبي، إذا صاح بعد خروجه من بطن أمه، يسمونه استهلال، وفي الخبر: ((إذا استهل المولود ورث)) وهنا الإهلال والاستهلال كله من باب رفع الصوت، وأصله عند رؤية الهلال، وطرد في كل ما يرفع فيه الصوت كالتلبية.

"والإهلال هو التلبية، فهذا هو الذي شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين التكلم به في ابتداء الحج والعمرة، وإن كان مشروعاً بعد ذلك كما تشرع تكبيرة الإحرام".

فلبيك عمرة، أو لبيك حجاً للدخول في النسك، مثل تكبيرة الإحرام للصَّلاة، ثم تكرار  التلبية بعد ذلك  مثل تكبيرات الانتقال، ولذلك تشرع التلبية عند تغير الأحوال، كما يشرع التكبير عند تغير الأحوال في الصلاة، من ركوع إلى قيام إلى قعود إلى سجود إلى آخره، والشيخ قرن بهذا.

يقول: "فهذا هو الذي شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين التكلم به في ابتداء الحج والعمرة، وإن كان مشروعاً بعد ذلك كما تشرع تكبيرة الإحرام، ويشرع التكبير بعد ذلك عند تغير الأحوال، ولو أحرم إحراما مطلقاً"، يفهم من كلام الشيخ أن التلبية لا تشرع إلا عند تغير الأحوال؟ أو يتأكد الاستحباب عند تغير الأحوال؟ نعم وإنما يستمر عليها، ولو لم تتغير هذه الأحوال، "وكان الصحابة يجهرون بها جهراً حتى تبح بها أصواتهم" هذا بالنسبة للرجال، وأما النساء فتسر بها بحيث تسمع رفيقتها، وأما أن تسمع الرجال فلا.

"ولو أحرم إحراماً مطلقاً جاز، فقد سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- علياً وأبا موسى، فقال لهما: ((بم أحرمتما؟)) فقال علي: أهللت بما أهل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال أبو موسى: أهللت بما أهل به النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي أهل قارناً، وعلي ساق الهدي فصار مثل النبي -عليه الصلاة والسلام- قارنا، وأما أبو موسى فلم يسق الهدي فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بالحل، فيكون متمتعاً.

"ولو أحرم إحراماً مطلقاً جاز، فلو أحرم بالقصد للحج من حيث الجملة، ولا يعرف هذا التفصيل جاز، ولو أهل ولبى كما يفعل الناس قاصداً للنسك، ولم يسم شيئاً بلفظه ولا قصد بقلبه لا تمتعاً ولا إفراداً ولا قراناً صح حجه أيضاً، وفعل واحداً من الثلاثة، فإن فعل ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه كان حسناً وهو أكمل".

"وإن اشترط على ربه خوفاً من العارض فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني كان حسناً، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أن تشترط على ربها، لما كانت شاكية، فخاف أن يصدها المرض عن البيت، ولم يكن يأمر بذلك كل من حج، وكذلك إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر المحرم قبل الإحرام بذلك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله ولم يأمر به الناس، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر أحداً بعبارة بعينها، وإنما يقال: أهل بالحج، أهل بالعمرة، أو يقال: لبى بالحج، لبى بالعمرة، وهو تأويل قوله تعالى: الحَجُّ     ﭓﭔ  فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ                ﭠﭡ      سورة البقرة: ١٩٧

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وإن اشترط على ربه خوفاً من العارض فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني كان حسناً" هذا الاشتراط يختلف فيه أهل العلم فمنهم من يرى أنه لا أثر له، وأنه اشترط أو لم يشترط دخل في النسك ولا بد من إتمامه:         ﯕﯖ      سورة البقرة: ١٩٦ وهذا خاص بهذه المرأة، ومنهم من يرى أنه ينفع مطلقاً، فكل من حج له أن يشترط، ومتى ما حصل له أي عذر، وأي مبرر سواءً كان قهرياً أو اختياراً فإنه له أن ينصرف، ومنهم من يتوسط، فيقول بالاشتراط في مثل حال هذه المرأة، لمن ظهرت عليه علامات الحاجة إليه، ويبقى البقية كفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وغير هذه المرأة من أصحابه -عليه الصلاة والسلام- كلهم لم يشترطوا، وهذا هو أعدل الأقوال.

الآن تحصل أمور تقتضي الاشتراط، فمثلاً المرأة إذا خشيت من الحيض لها أن تشترط أو ليس لها أن تشترط؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- معه نساء لم يشترطن، نعم وجود المشقة في حبس الرفقة لا شك أنه عذر في مثل هذا الاشتراط.

المنع لعدم الترخيص، مثلاً يقول: أنا ما عندي ترخيص للحج، وأريد أن أحج وأشترط فإن منعت رجعت، هل هذه مبررات للاشتراط؟ الذي يقول بالاشتراط مطلقاً وهذا قول كثير من أهل العلم يقول: ينفع مثل هذا الاشتراط، والذي يقول: لا ينفع مطلقاً فمن باب أولى مثل هذه الأمور، والذي يقول بتنزيل الصورة على حالة ضباعة بنت الزبير يقول: إن هذه الأمور لا تكفي في إلحاق المشترط بحالها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان معه نساء، ويُخشى من كثير منهن الحيض، وقد وقع، ولم يشترطن، وأما بالنسبة للرد فالإشكال فيه كبير، يعني الإشكال من جهات، فلو رُدَّ وهو محرم لا شك أن هذا نوع من الصد، يفعل فيه ما يفعله من صُد عن البيت، والصد لا شك أنه قد يكون بحق وقد يكون بغير حق، قد يحرم مثلاً وهو يُطالب بحقوق الناس مثلاً، فلو أخذ وأودع في السجن إلى أن ينتهي الحج، هذا حبس بحق، يعني قتل وقال: أنا أحرم من أجل أن أتلهى بالحج، وأكون دخلت في الحج لا ينفعه مثل هذا الاشتراط، والله المستعان.

"فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أن تشترط على ربها لما كانت شاكية، فخاف أن يصدها المرض عن البيت، ولم يكن يأمر بذلك كل من حج" يعني من اشترط ممن له الاشتراط  يتحلل ولا شيء عليه، ، ومن لم يشترط إذا صد عن البيت وأحصر بمرض أو عدو فإنه يذبح ويتحلل.

"ولم يكن يأمر بذلك كل من حج، وكذلك إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن" النبي -عليه الصلاة والسلام- تطيب بالمسك، وكان وميض المسك يرى في مفارقه -عليه الصلاة والسلام- لكنه ما أمر بذلك، ولا حث عليه إنما فعلَه، وفعلُه يكفي لإثبات المشروعية؛ لكن بعض الناس يقول: أنا أصاب بحرج عظيم إذا تطيبت، أنا كثير الحك لرأسي، ثم بعد ذلك ألمس الإحرام وألمس بقية بدني فينتقل هذا الطيب، هل نقول: تحصيل هذه المصلحة والاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- بالطيب أفضل أو ترك الطيب في مثل هذه الحالة؟ لأنه تعارض عنده مستحب ومحظور، ولا شك أن ارتكاب المحظور أشد من فعل المستحب.

"فإن النبي -صلى الله عليه وسلم فعله، ولم يأمر به الناس، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر أحداً بعبارة بعينها وإنما يقال: أهلَّ بالحج، أهلَّ بالعمرة، أو يقال: لبَّى بالحج، لبَّى بالعمرة، وهو تأويل..." هذه ألفاظ لم يتعبد بها، نعم لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأصل؛ لكن بخصوصها على سبيل الإلزام؟ لا؛ لأن اللفظ القرآني عبر عنه بتعبيرات كثيرة كما سبق أن ذكر الشيخ، "وهو تأويل قوله تعالى [الحجُّ     ﭓﭔ  فرض فيهنَّ الحجَّ فلا                 ﭠﭡ    سورة البقرة: ١٩٧ فرض، لو قال: اللهم إني فرضت الحج يكفيه [فلا                ﭠﭡ    ] إلى آخره، وسيأتي الكلام عن الألفاظ الثلاثة، وما يتعلق بها -إن شاء الله تعالى-،والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"