كتاب البيوع (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَا يُتَنَزَّهُ مِنَ الشُّبُهَاتِ.
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ فَقَالَ: «لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ مِنْ صَدَقَةٍ لَأَكَلْتُهَا». وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَجِدُ تَمْرَةً سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي»".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَا يُتَنَزَّهُ مِنَ الشُّبُهَاتِ" يعني ما يُشتبه بحكمه أمِن الحلال هو أم من الحرام؟ كما تقدم في حديث النعمان.
وهذه التراجم التي استقاها الإمام البخاري من هذه الأحاديث الصحيحة بالنسبة لوضع الناس اليوم تكاد أن تكون ضربًا من الخيال، تجاوز الناس الشبهات الآن، تجاوزها الناس عمومًا، أما الشبهة فلا يكاد يسلم منها أحد، وأما المكروه وإن كان أمره أسهل، لكن أيضًا تساهل الناس فيه كثيرًا، وكثيرٌ من الناس تعدوا ذلك إلى الحرام، وتناولوا المحرَّم الذي فيه الأحاديث الصحيحة والأدلة الصريحة، بل بعضهم تجاوز المُجمَع عليه، كل هذا من إيثار الدنيا على الآخرة.
يجرؤ المسلم على الربا، ثم يذهب يبحث عن المبرر، ويتلقَّف أقوالًا تقول له أحيانًا: إن هذه العملات المستعملة ليست بذهبٍ ولا فضة، فلا يجري فيها ربا، وعلى هذا لا يُوجد ربا على وجه الأرض؛ لأن عامة ربا الناس في الأموال إعطاء الدراهم بالدراهم، هو معلومٌ مقررٌ عند عامة أهل العلم أن البدل له حكم المبدَل، وهذه الدراهم من الورق بدلٌ من الورِق والذهب، فيجري فيها الربا، ثم تجدهم يبحثون عن الرخص، وإذا علموا بقولٍ لأحد، ولو كان شاذَّا تبنّوه وشهروه، وإذا سمعوا فتوى ولو كانت ممن لا يُعتد بقوله أو لا يُعتمد عليه أو لا تتوافر فيه شروط الفتوى تبعوه؛ لأنه يوافق هواهم، والله المستعان.
يقول: "حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ" قبيصة وسفيان على طول مَن هو؟ ابن عُيينة.
"عَنْ طَلْحَةَ" وهو ابن مصرِّف على ما سيأتي في الشرح.
"عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ" الأصل أنها ساقطة؛ لأن الفعل سقط لازم غير متعدٍّ، إلا إذا عُدي بالهمز، أُسقِطت فهي مسقوطة، لكن إذا عرفنا أنها أُسقِطت يعني رماها أصحابها يجوز لكل أحدٍ أن يأكلها من غير تردد إذا قلنا: أُسقِطت، وإذا قلنا: ساقطة، وكل من شرح الحديث يُقررون أنها اسم فاعل ساقطة، واسم الفاعل قد يأتي بصيغة اسم المفعول. {حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء:45] يعني ساترًا، ومسقوطة هذه ساقطة.
"فَقَالَ: «لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةٍ لَأَكَلْتُهَا»" تمرة قد يكون –عليه الصلاة والسلام- بحاجةٍ إليها، ورفعُها من الأرض من تقدير نعمة الله علينا، وعلى البشر كافة، وأكلها وإماطة ما بها من أذى فيه دلالةٌ على شيءٍ من التواضع، ومع ذلك كله الصدقة حرامٌ على محمد وآل محمد –عليه الصلاة والسلام-، فخشي هذا احتمال، وقد يكون ضعيفًا أنها من الصدقة، فتورَّع عنها –عليه الصلاة والسلام-، وهذا هو الشاهد.
"وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَجِدُ تَمْرَةً سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي»" يعني في بيته –عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك يخشى أن تكون من الصدقة فيتركها، وهي في بيته على فراشه، ما الذي جاء بتمر الصدقة إلى فراشه؟ أحيانًا يؤتى بالصدقات إلى بيته فيقسمها، فيُخشى أن تكون هذه التمرة مما جيء به، وهذا من تمام الورع.
وقد ابتُلينا بالجشع، ونعجب حينما ندعو وندعو وندعو وندعو ولا يُستجاب لنا، ومطعمنا من كسبنا الذي فيه من الشبهات الشيء الكثير، وفيه من المحرَّم الصريح، دعونا ممن يُزاول البيع والشراء، ويغش الناس، وينصب عليهم، ويضحك عليهم.
الموظفون عامةً من علماء وطلاب علم، قضاة دُعاة وغيرهم، من مُعلمين تجده يُفرِّط فيما أؤتمن عليه من الدوام، ومعلومٌ أنه أجير، ونقول هذا الكلام وبكل أسف وحُرقة أننا نجد الكبار قبل الصغار تورطوا في هذا الأمر، والله المستعان.
فإبراء الذمة فيه عُسر، والتساهل والاسترسال فيه تفريطٌ كبير، وتعريضٌ للنفس لسخط الله، وحرمان من إجابة الدعوة، وهذا هو الحاصل، والله المستعان.
اقرأ الشرح.
"باب ما يتنزه" قوله: "قبيصة" بفتح القاف وكسر الموحدة وبإهمال الصاد، و"طلحة" هو ابن مُصرِّف بلفظ الفاعل من التصريف، اليامي بالتحتانية الكوفي، كانوا يسمونه سيد القراء، مات سنة ثنتي عشرة ومائة.
قوله: "مسقوطة" القياس أن يُقال: ساقطة، لكنه قد يُجعل اللازم كالمتعدي بتأويلٍ كقراءة من قرأ {عُمُوا وَصُمُّوا} [المائدة:71] بلفظ المجهول.
التيمي: هي كلمةٌ عربية؛ لأن المشهور أن سقط لازمٌ على أن العرب قد تذكر الفاعل بلفظ المفعول، وبالعكس إذا كان المعني مفهومًا".
وبالعكس تجعل المفعول بلفظ الفاعل {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21] يعني مرضية.
"ويجوز أن يُقال: جاء سقط متعديًّا أيضا بدليل قوله تعالى: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} [الأعراف:149]، الخطابي: يأتي المفعول بمعنى الفاعل كقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم:61] أي: آتيًا.
وفيه: أن التمرة ونحوها من اللقطة ليس فيها الحول للتعريف".
تؤخذ وتؤكل بمجرد الحصول عليها، ما تُعرَّف لمدة سنة؛ لأنها لا تلتفت إليها همة أوساط الناس.
"ولو أخذها أكلها.
وفيه: أنه لا يجب عليه أن يتصدق بها ولو كان سبيلها التصدق بها، لم يقل: «لَأَكَلْتُهَا».
«أَجِدُ» ذكره بلفظ المضارع استحضارًا للصورة الماضية، فإن قلت: ما تعلقه بهذا الباب؟".
لأنه يقول: قال: «أَجِدُ تَمْرَةً سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي» ما فيه ما يدل على الترجمة، لكن بقية الحديث مطابق للترجمة.
"فإن قلت: ما تعلقه بهذا الباب؟ قلت: تمام الحديث غير مذكور وهو «لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةٍ لَأَكَلْتُهَا» ارتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تلك التمرة أهي من الصدقة التي تحرم عليه أم هي من ماله، فترك أكلها تنزهًا من الشبهة".
اقرأ الباب الذي يليه.
قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَاب مَنْ لَمْ يَرَ الْوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا مِنْ المشبَّهَاتِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: «لَا حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: «لَا وُضُوءَ إِلَّا فِيمَا وَجَدْتَ الرِّيحَ أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ».
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لاَ نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ»".
يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَاب مَنْ لَمْ يَرَ الْوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا مِنْ المشبَّهَاتِ"، لما أكَّد في الأبواب السابقة على اتقاء الشبهات، وكرره في أكثر من باب، خشي أن يُسترسل في هذا الباب إلى حد الوسواس، خشي أن يتطرق الوساوس إلى بعض الناس؛ من شدة تحريه، وتوقيه.
كما كان النووي –رحمه الله- يفعل، لا يأكل من فاكهة الشام، النووي لا يأكل من فاكهة الشام وهو بالشام، لماذا؟ يقول: مزارع الشام أكثرها أوقاف، وهذه الأوقاف من مصارفها الأيتام والنساء والذراري، وقد يُظلمون ويُغلبون على أموالهم؛ لضعفهم يغلبهم ويظلمهم الأوصياء إلى غير ذلك، فيتورع عن الأكل، وهذا لا شك أن النووي صاحب تحرٍّ، ومع ذلك حجر على نفسه، وشد على نفسه أكثر مما طُلِب منه، لا يكاد ينام إلا وهو جالس غفوات، ثم يستيقظ للعلم والعبادة، ما يأكل إلا وجبة واحدة كسرة خبز بماء وملح إلى غير ذلك مما عُرِف عنه –رحمه الله- من الورع والتوقي.
لكن النبي –عليه الصلاة والسلام- توسع أكثر من هذا، نام وصلى، وصام وأفطر، وأكل اللحم، ونام على الفُرش، وتزوج النساء، النووي ما تزوج.
قد يقول قائل: إن النبي –عليه الصلاة والسلام- هو الأسوة والقدوة للناس كلهم، وهو في مأمنٍ من أن يسترسل فيما أُبيح له ويتعداه، لكن الواحد منا إذا استعمل المباحات قد تجره هذه المباحات إلى ما وراءها.
فضبط الأمور بدقة عسرٌ جدًّا إلا على من يسَّره الله عليه، فإما وإن كنت تقف على الخمسين من المائة التوسط تمامًا، فأحيانًا تضعف نفسك إلى الأربعين، وأحيانًا تزداد في التحري والتوقي إلى الستين، فما بينهما مجال لأن يتناوله الناس إما تساهلًا أو تحرّيًا وتوقّيًا، فأراد النووي أن يقطع كل هذا كله؛ خشية أن يتجاوز ما أُبيح له إلى حد المكروه والشبهات، لكن قد يقول قائل: إن هذا من الوساوس التي ليست من الشبهات، وإذا تركنا هذا أو أخذنا بمقياس النووي أن المزارع كثيرٌ منها أوقاف، وأوقف على يتامى وأرامل وهكذا، فمعناه أنه ما من شيءٍ تجده يُباع إلا ويحتمل أن يكون كذلك، فتقع في شيءٍ من الحرج والعنت، وإلزام النفس بغير لازم؛ ولذا قال: "بَاب مَنْ لَمْ يَرَ الْوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا مِنْ المشبَّهَاتِ".
قال: "حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم" واسمه فضل بن دُكين.
طالب: الفضل بن دكين.
"قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ" عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الأذان أو الوضوء؟
طالب: ....
لا، راوي الأذان ابن عبد ربه، عبد الله بن زيد بن عاصم بن عبد ربه، وهذا غير، هذا راوي حديث الوضوء.
"قَالَ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا، أَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟".
يجد شيئًا، يعني اضطرابًا في بطنه، وفي أسفل بطنه، فيخشى أن يكون خرج منه شيء.
وهذا أيضًا وقع فيه كثيرٌ من الناس، وابتلوا بشدائد لا يُطيقونها، وأدى الأمر ببعضهم إلى ترك الصلاة بالكلية، الوسوسة في الوضوء والصلاة شأنها عظيم وخطير، وتجد الإنسان إذا ابتُلي بهذا ساءت أحواله، أعرف واحدًا ترك الوظيفة من أجل الوضوء، يروح كل وقت الوظيفة وهو يتوضأ للظهر -نسأل الله العافية-، وأدنى حركة وأدنى شيء، الوساوس من أعظم ما يفرح به الشيطان وأعوانه، نقول هذا من باب التحدث بنعمة الله؛ ومن أجل أن الإنسان إذا كان عنده أدنى مبادئ أو شيء يحسم أمره.
يقول: قال لي بعض الزملاء ونحن في آخر أيام الدراسة، والغياب كثير قال لي بعض الزملاء: إما أن تحضر طلابك عندي، أو تأخذ طلابي عندك، قلت: نعم، فلما ذهب خُيِّل إليه أنه قال: هل طلَّقت زوجت، فقلت: نعم، ما دخل الزوجة المسكينة؟ لكنه الشيطان.
واحد جاء ليُصلي صلاة المغرب هنا، تُذكر هذه القصص لا من باب التفكّه والتندر لا؛ لبيان خطورة الأمر، وهل أعظم من أن تترك الصلاة من أجله؟
جاءني واحد وأنا جالس المغرب هنا قال: أنا عجزت أن أصلي، وصلاتي منفردًا مستحيل، فلعلك تصلي بي، قلت: ما يخالف، أنا أصلي ركعتين وزد الثالثة أنت، قال: طيب، فكبَّرت وهو يجلس، كبَّر معي وجلس ترك الصلاة، صليت ركعتين وسلَّمت، قلت له: ما بك؟ وإذا فيه الثلاثة الأجزاء الأخيرة من القرآن أمامنا مكتوب عليها العُشر الأخير، قال: أنا التبس علي هل أنا أصلي المغرب أو الأخير، عندنا العامة يسمون العشاء: الأخير، فما دريت ماذا أصلي؟ يعني إلى هذا الحد، ويأتي من يأتي هنا بعد صلاة الفجر، يقول: أنا إلى الآن أحاول أصلي العشاء وما قدرت.
الأمر خطير، يعني إذا ابتُلي الإنسان بشيءٍ منه يبحث عن الرخص في هذا الباب، ويُعاند الشيطان معاندة الذي يُريد إغواءه، إذا قال له: ما نويت، نويت، وأنت ذاهب لتتوضأ هذه النية، من دخل المسجد يُريد أن يُصلي مع المسلمين هذه هي النية.
يقول: دخلت الدورة نقضت الوضوء واستنجيت وطلعت ولمست أو مسكت عروة الباب فتنجست، ماذا تلامس أنت؟ أمور مضحكة جدًّا أشبه بتصرفات المجانين، وهذا سببه الاسترسال مع الشيطان، سببه طاعة الشيطان، نسأل الله العافية.
فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره؛ لأن المسلم في دائرة الإسلام، فإن استطاع الشيطان أن يسحبه إلى الوراء، ويجعله بلا عمل؛ حتى يخرج من هذه الدائرة هذا هو المطلوب، فإن لم يستطع دفعه إلى الأمام حتى يُخرجه من الجهة الثانية.
"الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: «لَا حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»" حتى يتيقن؛ لأن اليقين لا يُرفع بالشك، وإنما يرفعه اليقين.
"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: «لَا وُضُوءَ إِلَّا فِيمَا وَجَدْتَ الرِّيحَ أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ»" هذا الضابط، فإذا لم تجد ريحًا، ولم تسمع صوتًا فإنك على الطهارة، على الأصل.
بعض الناس يقول: أنا ما أشم، وبعضهم يقول: أنا لا أسمع، كيف أعلم؟ يسأل جاره شممت شيئًا أو سمعت شيئًا، أم كيف يفعل؟ مثل هذا كيف يصنع؟ ما وجد ريحًا ولا سمع صوتًا، لكنه مُحدِث بيقين، فما الذي يُدريه؟ الضابط المذكور في الحديث ما عنده، ما يستطيع الوصول من طريقه إليه.
طالب:.........
هذا شاك ما يدري طلع شيء أملا.
طالب:.........
كيف الشعور؟ الضابط عندنا اثنان فقط سماع صوت أو وجود ريح، هذا ما وجد ريحًا ولا سمع صوتًا؟ نقول: يبقى على الأصل؟
طالب:.........
هو الإدراك، إدراك المتيقن لاسيما من غير الموسوس، يُدركه من لا يشم، ويُدركه من لا يسمع.
طالب:.........
لكن المتيقن إذا عرف أنه أحدث، ويعرف كيف أحدث، لكن هذا في حال الوسوسة، هذا علاج للموسوسين، أما الأسوياء هؤلاء فمعروف كيف يُفرِّق هل خرج منه شيء أو لم يخرج.
"قال: "حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لاَ نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ»"؛ لأن القوم مسلمون، لكنهم حدثاء عهد بإسلام يأتون من البوادي باللحم، وقد يجهلون بعض الأحكام، ما ندري هم سمُّوا أم لا، مادام ذبيحة مسلم سمُّوا وكلوا، لا تتشككوا تقولوا: سمَّى، ما سمَّى، وكذلك ذبيحة الكتابي {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5].
وهل يُتورَّع من طعامهم في هذه العصور؛ لِما وجِد عندهم من طرائق للذبح بالوقذ والخنق وغيرهما مما حُرِّم في شرعنا، أو نقول: ما دام جاء من بلدٍ ينتسب إلى النصرانية واليهودية فليس لنا أن نبحث عمَّا وراء ذلك؛ لأنه معروف عندهم في مصانعهم الآن كثيرٌ منها الخنق، أو تضرب على رأسها حتى تموت وقذًا، إلى غير ذلك؟
هل نتورع باعتبار أن هذا كثير، وغالب فيهم أو نقول: إن الأصل أن ذبيحة اليهودي والنصراني حلٌّ لنا؟
بعض أهل العلم يقولون: لا بُد أن يذبحوا بالطريقة التي هي مباحة في شرعنا، وإذا خالفوا هذه الطريقة بقطع البلعوم والودجين، المريء والودجين فما تحل ذبائحهم كالمسلمين بل أولى، منهم من يقول: على أي طريقةٍ ذبحوا هي معتبرة عندهم لا نسأل عمَّا وراء ذلك، كان ابن العربي أشار إلى ذلك، لكن عامة أهل العلم على أنها لا تؤكل.
فإذا كثر في مجتمعاتهم مخالفة الذبح الشرعي، فإننا لا نأكل، وهذا الواقع، وعلى هذا فالورع أن يُترك ما جاء من بلادهم لاسيما وأن بلادهم تجمع بين الذمي من أهل الكتاب وبين غيره من اللادينين أو الوثنيين.
طالب:..........
الجمارك ما تفسح؟
طالب:.........
جاء قبل كم سنة، يمكن قبل عشرين سنة دجاج مذبوح على الطريقة الإسلامية ورؤوسه موجودة، وجاء سمك مكتوب عليه مذبوح على الطريقة الإسلامية.
نحن نقول: الأصل معنا {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5]، لكن يبقى أنه إذا غلب على الظن أنهم ذبحوه بطريقةٍ لا تجوز في شرعنا، فإننا نتورع عنه.
طالب:.........
فيها تحريف؟
طالب:.........
على كل حال اليهودية التحريف وقت التنزيل موجود، اليهود والنصارى محرفون ومشركون، فيهم شرك على وقت التنزيل مع نزول قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] موجود هذا الوصف.
طالب:........
على كل حال عندنا الأصل الحِل، وإذا كثر فيهم، من المشايخ ومن الدعاة من ذهبوا إلى بعض المصانع، وجدوها تُضرب ضربًا، تُدوَّخ، أو تُقحم في ماءٍ حار، يعني المقصود مثل هذه الأمور تُوجِد ريبة عند المسلم، كيف يبني جسده على مثل هذه الأمور؟ لكن يبقى أن الأصل الحِل.
طالب:.........
غلبة ظن أنه ما يُذبح ذبحًا كل واحدة بمفردها، هذه غلبة ظن.
طالب:.........
ما نسأل عن التفاصيل.
طالب:.........
شرط للمسلم أما غيرهم فلا يذكر عليه اسم غير الله- جلَّ وعلا-.
طالب:.........
ما تحل.
طالب:........
ما أدري والله عنهم.
"لاَ نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ»"، ويبقى أن التفريق بين عمل الإنسان لنفسه، وتحريه وورعه هذا شيء، وبين أن يُحرِّم على الناس، ويمنعهم من شيء، لا بُد من دليلٍ يُخرِج عن هذا الأصل.
اقرأ الشرح.
قال –رحمه الله تعالى-: "قوله: "أبو نعيم" مُصغَّر النِّعم، و"عباد" بفتح المهملة وشدة الموحدة، و"عمه" هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني مر مع حديث في باب لا يتوضأ من الشك، و"شيئًا" أي: وسوسة في بطلان الوضوء، وحاصله أن يقين الطهارة لا يزول بالشك، بل يزول بيقين الحدث.
قوله: "ابن أبي حفصة" هو محمد ابن أبي حفصة البصري ظاهرًا لا أخواه سالمٌ وعمارة ابنا أبي حفصة".
"هو محمد ابن أبي حفصة البصري ظاهرًا" يعني يغلب على ظنه "لا أخواه سالمٌ وعمارة ابنا أبي حفصة".
يقول ابن حجر: قوله: "وقال ابن أبي حفصة" هو محمد وكنيته أبو سلمة، واسم والد أبي حفصة ميسرة، وهو بصري نزل الجزيرة، وظن الكرماني أن محمدًا هذا وسالمًا بن أبي حفصة، وعمارة بن أبي حفصة إخوة؛ لأنه قال: "لا أخواه سالم وعمارة" ظن أنهم إخوة.
"فجزم بذلك هنا فوهِم فيه وهمًا فاحشًا، فإن والد سالم لا يُعرف اسمه، وهو كوفي، ووالد عمارة اسمه نابت بالنون، ثم موحدة، ثم مثناة وهو بصريٌّ أيضًا، لكن ميسرة مولى نابت عربي، وسالم بن أبي حفصة من طبقة أعلى من طبقة الاثنين" يعني فليسوا إخوة، وليس واحد منهم أخًا للثاني، هذا كلام ابن حجر متعقبًا الكرماني.
"قوله: "أحمد بن المقدام" بصيغة المبالغة" مفعال، وفعال، وفعول، وفعِل، كلها صيغ مبالغة.
"العجلي" بكسر المهملة وسكون الجيم البصري الحافظ المجود، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين، و"محمد بن عبد الرحمن الطفاوي" بضم المهملة، وخفة الفاء، مات سنة سبعٍ وثمانين ومائة.
قوله: «سَمُّوا» أي: اذكروا اسم الله عليه، وفيه دليلٌ على أن التسمية عند الذبح غير واجبة؛ إذ هذه التسمية هي المأمور بها عند أكل الطعام وشرب الشراب".
يعني عند كل طعام، يعني لو ذبحه مسلم تُسمي عند الأكل، ذبحه غير مسلم تُسمي عند الأكل، فالتسمية عند الأكل معروفٌ حكمها، لكن التسمية عند الذبح يرى المؤلف أخذًا من هذا الحديث أنها ليست واجبة، هو كلامٌ ليس بمحله؛ لأن «سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ» هذا إذا شككتم، هل سمى الذابح أو لم يُسمِّ، مع أن الأصل أنه سمى، وجاء في بعض الروايات أنهم مسلمون، لكنهم حديثو عهدٍ بإسلام.
ذبيحة المسلم ما يُسأل عنها أبدًا، يعني إذا شككت سمِّ أنت وإلا فالأصل أنه مُسمٍّ هو، وهذا عند الذبح لا فيما قرره المؤلف أن هذا دليلٌ على عدم...
نصوصٌ أخرى كلها تدل على أن التسمية شرط لحِل الأكل، والخلاف بين أهل العلم فيما إذا نسي التسمية، إذا نسي التسمية، الأصل أن التسمية شرط {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121]، فلا بُد من التسمية، هذه شرط، لكن بعض أهل العلم يقول: إنها تسقط مع النسيان، وهي شرطٌ مع الذكر، والمعلوم والمعروف أن القاعدة أن النسيان ومثله الجهل هل يُعذر بالجهل إذا ذبح وما سمى؟ هل يُعذر بالجهل إذا نسي وما سمى؟ من أهل العلم من يقول: نعم.
القاعدة المقررة عند أهل العلم أن النسيان، وفي حكمه الجهل يُنزِّل الموجود منزلة المعدوم، ولا يُنزِّل المعدوم منزلة الموجود، النسيان يُنزِّل الموجود منزلة المعدوم، ولا يُنزِّل المعدوم منزلة الموجود، يعني أنت لو صليت الظهر ناسيًا خمس ركعات، هل يقول لك أحد: أعِد؟
طالب: لا.
لأن النسيان نزَّل هذه الركعة الخامسة منزلة المعدوم، لكن لو صليت الظهر ثلاث ركعات تقول: نسيت {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} [البقرة:286] تصح صلاتك أم ما تصح؟ لا يُنزِّل المعدوم منزلة الموجود.
وهنا التسمية معدومة، فالنسيان لا يُنزِّلها منزلة الموجود.
طالب:..........
وعندها من يُسمِّي؟
طالب:.........
خلاص ما المانع؟ ما فيه ما يمنع.
طالب: يا شيخ أصحاب الطيور وأصحاب الصيد يغلب عليهم أنهم ما يُسمون إلا مرة أو مرتين ويستمرون في صيدهم.
لا، لا بُد من التسمية على كل واحد.
طالب: لكن مثل هذا لو ما سمى يا شيخ، تكفي التسمية عند الأكل؟
لا، التسمية على كل واحد إلا إذا كان القتل جماعيًّا في بندقية تُرش مجموعة من الطيور وسمى يستحيل أنه يُسمي على كل واحد.
طالب: لا الأغلب أنه على كل طير.
إذا كان كل واحد يجب التسمية عليه.
قال الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-: "بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11].
حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، قال: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّأْمِ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]".
يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]" الأصل انفضوا إليهما، تجارة أو لهو مثنى، انفضوا يعني: انصرفوا إليهما، لكن هناك ما يُسمى بالاكتفاء، ويكون التقدير وإذا رأوا تجارةً انفضوا إليها، وإذا رأوا لهوًا انفضوا إليه.
نَحنُ بِما عِندِنا وَأَنتَ بِما |
|
عِندَكَ راضون وَالرَأيُ مُختَلِفُ |
أنت بما عندك الأصل والتقدير راضٍ، ونحن بما عندنا راضون، نحن بما عندنا، وأنت بما عندك راضون، والرأي مختلفٌ.
قوله: "حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، قال: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" يعني صلاة الجمعة.
"إِذْ أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّأْمِ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا" قدِم بها دحية بن خليفة الكلبي، وكانوا في حاجةٍ ماسة إلى هذا الطعام.
"تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا".
قد يقول قائل: هذا الجيل أفضل جيل، وأفضل صحب مع النبي –عليه الصلاة والسلام- تركوه يخطب، وخرجوا للعير، إذًا ما على الناس في آخر الزمان وعامتهم وغوغائهم مع عليهم تبعة ولا شرع على ما يقولون، إذا كان هذا أفضل الناس، سمعوا بالعير قدمت فخرجوا وتركوا النبي –عليه الصلاة والسلام- قائمًا يخطب.
هناك حاجة بل ضرورة إلى الطعام، وقت جوع شديد، ومع ذلك جاءهم اللوم {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} [الجمعة:11]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3].
«من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه».
"فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا"، وبهذا استدل من قال: بأن أقل عدد تنعقد به صلاة الجمعة اثنا عشر، ومنهم من قال: أربعون، هذا عند الحنابلة والشافعية، وفيه حديثٌ ضعيف جدًّا لا تقوم به حجة.
ومنهم من يقول: تنعقد بما تنعقد به الجماعة اثنان.
ومنهم من يقول: أقل ما تكون ثلاثة؛ لأنه قال: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9].
ومنهم من يقول: أربعة، من أين الأربعة؟ فيه مأمور {فَاسْعَوْا} [الجمعة:9] وأقله اثنان أقل الجمع، وعندك المنادي، المؤذن، {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] إلى شخص يذكر الله هو الخطيب، فيكون أقل شيء أربعة.
لكن الذين قالوا: إنهم ثلاثة، قالوا: لا يمنع أن يكون المنادي هو الخطيب، يؤذِّن ثم يخطب، فيكون أقل العدد ثلاثة.
اقرأ الشرح.
قال –رحمه الله تعالى-: "بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة:11].
قوله: "طلق" بفتح المهملة وسكون اللام، "ابن غنام" بفتح المهملة وشدة النون النخعي، مات سنة إحدى عشرة ومائتين، و"زائدة" من الزيادة ابن قدامة مر في الغُسل، و"حُصين" بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وسكون التحتانية".
وكله على هذا إلا أبا حَصين.
"و"حُصين" بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وسكون التحتانية وبالنون ابن عبد الرحمن في الصلاة، و"سالم بن أبي الجعد" بفتح الجيم في الوضوء، والأربعة كوفيون.
قوله: "نصلي" أي: صلاة الجمعة، فإن قلت: التفرقة كانت في الخطبة قلت: المنتظِر الصلاة كالمصلي".
يعني كيف يُلامون وهم انصرفوا عن الخطبة لا عن الصلاة؟ هم ينتظرون الصلاة، ومن ينتظر الصلاة فهو مصلٍّ، في حكم المصلي، وأيضًا من حضر الخطبة لزمه سماعها، بل استماعها، وألا يتشاغل بغيرها.
"العير" بكسر العين: الإبل التي تحمل الميرة، فإن قلت: في بعضها إلا اثني عشر، فما وجهه من جهة النحو؟"
استثناء مُفرَّغ فلا يُنصب، يكون موقعه من الإعراب كما لو لم يكن هناك استثناء، مادام سالبًا مُفرَّغًا، لكن لو كان تامًّا موجبًا لزم نصبه.
"فإن قلت: في بعضها إلا اثني عشر، فما وجهه من جهة النحو؟ قلت: مستثنى من ضمير "بقي" العائد إلى المصلي، فجاز فيه الرفع والنصب، أو المستثنى محذوف تقديره ما بقي أحدٌ إلا طائفةٌ أعني اثني عشر رجلاً، أو أُعطي لاثني عشر حكم أخواته.
قال في (المفصَّل): الأصل في العدد المنيف على العشرة أن يُعطف الثاني على الأول، فيقال: ثلاثة وعشرة، فمُزج الاسمان وصيرا واحدًا، وبُنيا ولم يتعرض لاستثناء الاثني عشرة منه، ومر في باب إذا نفر الناس في كتاب الجمعة.
قوله: {انفَضُّوا} [الجمعة:11] أي: تفرقوا قال الزمخشري: رُوي أن أهل المدينة أصابهم جوع".
"قال في (المفصَّل)" المفصَّل لمن؟ للزمخشري متن في النحو جيد ونافع، ومشروح بشروحٍ كثيرة، من أهمها شرح ابن يعيش مطبوع في المطبعة المنيرية في عشرة أجزاء.
"{انفَضُّوا} [الجمعة:11] أي: تفرقوا قال الزمخشري: رُوي أن أهل المدينة أصابهم جوعٌ وغلاءٌ شديد، فقدم دحية بن خليفة بتجارةٍ من زيت الشام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة، فقاموا إليه، خشوا أن يُسبقوا إليه، فما بقي معه إلا اليسير.
وقال: فإن قلت: كيف قال {إِلَيْهَا} [الجمعة:11] وقد ذكر شيئين؟ قلت: تقديره إذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهوًا انفضوا إليه، فحذف أحدهما؛ لدلالة المذكور عليه.
اقرأ الباب الثاني.
قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَاب مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ الْمَالَ.
حَدَّثَنَا آدَمُ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ»".
يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَاب مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ الْمَالَ" يعني من أين كسبه؟ وكيف اكتسبه؟ لا يُبالي، المهم أن الحلال ما حل باليد على أي وجهٍ كان، وهذا ظاهرٌ في الزمان الذي نعيش فيه، حتى إن بعض من يتعامل مع الجهات المصرفية صار يتأوَّل لهم ويُوجِد لهم المخارج، فيُزج بالناس من العامة الذين لا يهمهم إلا الكسب مع تحرّي بعضهم، وإذا وُجِد لهم مخرج ولجوا.
والإشكال أن النظر فيمن يُريد الكسب اتباع الهوى، فنجدهم إذا أُعلن عن اكتتاب في أسهم لشركةٍ ما يتكلم فيه من لديه خبرة بالاقتصاد من طلبة العلم، يعني أسنانهم ليست كبيرة، ويُفتون بحِل وجواز الاكتتاب في هذه الشركة، فانكب الناس عليها، يقول لهم بعض الناس: لا تستعجلوا، اسألوا الكبار، يقولون: الكبار ما يُعرِّفهم بالاقتصاد؟ ما يُدريهم؟ هؤلاء هم أهل الخبرة.
ثم إذا خسرت المساهمة قالوا: هؤلاء صغار ما يُدريهم بالفقه، مسألة اتباع هوى، يُريد الربح والكسب فقط، ما فيه تقرُّب إلى الله -جلَّ وعلا- بالتحري في أكل الحلال والتدين به أبدًا على هواهم، إما أن يقول: هذا كبير ما يُدريه يخاف أنه ما يعرف الاقتصاد، الناس تعدوه اليوم، وإما أن يقول: بذرٌ ما يدري عن شيءٍ، إن ارتفعت الأسهم مدح الصغار، وإن نزلت الأسهم مدح الكبار، ولا يقصد بذلك إلا الكسب، يُريد أن يكسب فقط ما فيه غيره، والله المستعان.
قال: "حَدَّثَنَا آدَمُ" ابن أبي إياس.
"قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ" الإمام الفقيه المعروف.
"قال: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ" ابن أبي سعيد كيسان.
"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ»" يعني: من المال.
«أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ» وإلى وقتٍ قريب كنا نعده بعيدًا جدًّا «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ»؛ لأن الناس على تحرٍّ، وما فُتِحت الدنيا وكلٌّ كسبه ولو كسب في اليوم ريال أو ريالين أو ثلاثة تكفي، ما فيه جشع وطمع مثل الآن وملايين ومليارات، وكسب واغتصاب لحقوق، وغش وتدليس وضحك على الناس، ونصب واحتيال، لا، أول الأمر ما فُتِحت الدنيا وكانت المكاسب يسيرة، وتحصل لأدنى سبب، ويكفي هذا، وكنا نظن أن هذا مع قيام الساعة، هو لا بُد أن يأتي، لكن ما كنا نظن أنه قريب.
وكثير مما نعيشه الآن ما كنا نتصور أن نعيش إلى أن يُوجد، يعني وضع النساء في هذا الوقت، يعني قبل عشرين وثلاثين سنة كنا نتصور أنه بهذه السرعة نصل إلى هذا الحد؟! والله ما كنا نتصور.
«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ» من الرجال، والمرأة من النساء، يعني مثل شقائق الرجال، صار لهن نصيب سيدات أعمال الآن، واجتماعات مع الرجال وأسفار وشركات، والزوج المسكين في البيت، هذا انتكاس في الفِطَر، وتضييع لأمر الدين والدنيا معًا، والله المستعان.
«لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ» يعني: من المال «أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ».
ماذا يقول الشارح؟
"قوله: «مِنْهُ» الضمير راجع إلى «مَا»، فإن قلت: الأخذ من الحلال ليس مذمومًا فلم ذكره؟ قلت: المقصود أنه لا يفرق بينهما، ولا يعتد بذلك".
إذا كان لا يُفرِّق، والقصد أخذ المال فهو محرَّم، إذا كان ليس في باله إلا أخذ المال من أي وجه من غير تفريق، ثم جاءه من حلال أو من حرام كله حرام؛ لأنه لم يقصد الحلال لذاته، وإنما قد يكون جاءه تبعًا أو من غير قصد، والله المستعان.
وقد يُذكر الشيء من باب المبالغة مع مقابله كما في حديث الكسوف «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولا لحياته» ما فيه أحد يقول: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، إنما قالوا: تنكسف لموت عظيم، انكسفت الشمس في عهد النبي –عليه الصلاة والسلام- في اليوم الذي مات فيه إبراهيم، فقالوا: انكسفت لموت إبراهيم، قال: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ» إلى آخر الحديث، لكن لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته.
وفي الحديث أيضًا: صليت خلف رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وأبي بكرٍ، وعمر، وكانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءةٍ ولا في آخرها. آخر القراءة ما فيها بسملة، لكن من باب تأكيد النفي فيُذكر المقابل.
"بَابُ التِّجَارَةِ فِي البَرِّ.
وَقَوْلِهِ: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37] وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تعالى، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ.
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، قال: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ: أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا المِنْهَالِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ»".
يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَابُ التِّجَارَةِ فِي البَرِّ" وفي بعض الروايات البُر، وفي بعضها البز، لكن المرجَّح من حيث الرواية البر في مقابل البحر الذي سيأتي التجارة في البحر.
"وَقَوْلِهِ" أو وقولهُ تأتي هذا أو هذا {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37].
"وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ يَتَبَايَعُونَ" يعني الصحابة وكبار التابعين.
"يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تعالى، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ" حتى إن بعضهم وهو في زراعته ومسحاته في يده يحرث الأرض إذا سمع المؤذن ما أعادها إلى الأمام رماها من الخلف، ويقول قائلهم: إن رجلًا لا يأتي إلى الصلاة؛ حتى يُدعى إليها إنه لرجل سوء.
{لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37] لكن انظر اليوم الأسواق الأصل أن المحلات تُغلَق مع الأذان إلى الفراغ من الصلاة، فيتحايل بعض الناس ويجلس في متجره والناس يُصلون، وبعضهم يضع سترة رقيقة ويُسمع صوته، وقد يبيع من وراء هذه السُّترة، ورأيناهم في بعض الأماكن مع أن الأنظمة تمنع هذا، ومع الأسف أن يوجد في بعض الدوائر الحكومية، بل بعض الشرعية أن تغلق المكاتب وقت الصلاة، ثم تسمع بعض الأصوات من داخلها، أين الرجال الذي لا تُلهيهم تجارة ولا بيعٌ عن ذكر الله؟ هل هم منشغلون بأمور المسلمين، يجهزون للذين ذهبوا ليُصلوا معاملاتهم؟ لا، ما يُظَن بهم ذلك، ولو كان هذا قصدهم لكان إتيانهم للصلاة خيرًا.
ويُوجد من يُطالب بعدم إغلاق المحلات وقت الصلاة، ويقول: إنه أمرٌ مُبتدع ما سمعنا في عهد الصحابة والتابعين أنهم يأمرون بالإغلاق.
أولئك لا يحتاجون إلى أمر، لا يحتاجون إلى من يأمرهم وينهاهم، تلقائيًّا يتركون أعمالهم، قال: "كَانَ القَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تعالى، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ".
قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ" وهو النبيل الضحاك بن مُخلد.
"عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ" في الدراهم والدنانير والعكس، ومعلومٌ من أنه لا بُد من أن يكون يدًا بيد إذا اختلفت الأصناف، لكن مع اتحاد الأصناف لا بُد من يدٍ بيد مع التساوي.
"كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-" شخص يُناهز المائة، وذكرنا أمثلة من هذا الضرب في الإبداع في أبواب الخير نسمع هذا المثال: يُناهز المائة وليس له زوجة ولا بيت ولا شيء، يجلس عند هواتف العملة في وقتها، ويبيع التسعة بعشرة، يبيع التسعة المعدنية بعشرة من الورق، عين الربا الصريح، عمره مائة، ولا بيت ولا ولد ولا شيء، ينام بالمسجد، ولما مات وجِد له كرتون فيه سبعون ألفًا عند واحد، وضعه عنده أمانة، وبلغني أن أكثرها سُرِقت، نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الخذلان، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4].
هذا يقول: "كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ".
لو سأل واحد من المشايخ المعروفين وأفتاه بالتحريم، وصار يقع في عِرضه في كل مجلس، ظلمات بعضها فوق بعض، هذا المسكين ماتت زوجته سنة الرحمة، الرحمة سنة سبع وثلاثين، سنة الرحمة وقع طاعون في نجد، وصاروا يموتون بالكميات، يعني يُصلى على عشرين، ثلاثين، في الوقت الواحد، مع أن الناس ما هم كثرة، فماتت زوجته، فقيل له: لماذا لا تتزوج؟
قال: ما بقي بالعمر مثل ما مضى، وعُمِّر إلى سنة سبعة عشر، ثمانين سنة بعدها جلس، وعلى هذه الحال بضائع على رأسه وصرف، نسأل الله العافية {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4]، الدنيا كلها عِبر.
وشخصٌ توفي، مدرس درَّس حوالي أربعين سنة، ثم توفي، ما تزوج ولا له بيت، ويأخذ الماء من المسجد، ويعيش ببيتٍ خرِب مهجور، ما عنده ماء، يأخذ من المسجد، ويُتصدَّق عليه، وإذا أراد أن يصعد لينام -مع عنده كهرباء ولا مراوح ولا مكيفات ولا ثلاجة، ولا أي شيء- أشعل النار في ورقة وطلع مع الدرج، وإذا وصل أطفأها، فلما مات وجِد عنده في هذا البيت خمس شُنط هذه كلها مشالح وبشوت من أين هذه البشوت؟
جرت العادة أنه إذا تزوجت بنت أخوه أو بنت أخته أو ولد أخوه أو شيء يُهدى له، جرت العادة عندنا في بلادنا، خمس شنط بشوت ما فتح ولا فانلة، ووجدوا عنده علب الحليب النيدو الكبير في حدود عشر، وحفر لها ودفنها ورواتبه، ومن وقت تعيينه إلى أن مات مربوطات بحبل، كل شهر مربوط، ما صرف ولا ريالًا من تعيينه إلى أن مات، نسأل الله العافية، هل هذه حياة؟ هذه حياة!
طبيب في أحد المستشفيات طبيب قلب وراتبه والله ما أدري كم، مبالغ خيالية، إذا طلع من الدوام عنده سيارة جيب ربع يبحث في الأسواق يلتقط حديد مسامير وأشياء، ابتلاء من الله –جلَّ وعلا-، ولعلها دعوة مظلوم تصل به إلى هذا الحد، لعله ظلم شخصًا ودعا عليه وصار بهذا المستوى.
الإنسان يهتم لنفسه، ويحتاط لأمره، ويتعلق بربه، ويترك ما يُخشى عليه من منافذ تنفذ إلى قلبه أو إلى أي شيءٍ يمسه «أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ» أحسِن إلى الناس، أكرم ضيفك، أكرم جارك، تأدب الآداب الشرعية، والجأ إلى ربك، واصدق معه.
ولا إلى هذا الحد طبيب قلب بروفيسور راتبه قالوا ما أدري: ستون أو سبعون، يلتقط مسامير إذا طلع من الدوام، اللهم لا شماتة.
ولا هذا المدرس الذي درِّس أربعين سنة، وفي النهاية لا شيء، يعني حتى الزكوات كلها مربوطة من أولها إلى آخرها، نسأل الله العافية.
"قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحَدَّثَنِي" وعاد يكتب البخاري ح هنا.
"وحَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، قال: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ: أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا المِنْهَالِ يَقُولُ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّرْفِ" إبدال النقد بالنقد هذا هو الصرف.
"فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ» لا بُد «فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ» يعني يحرُم إذا لم يكن يدًا بيد، وإذا كان الصنف واحدًا فلا بُد من التساوي، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
هناك صور موجودة عند الناس يذهب إلى سوق الذهب، ويشتري ما يُريد، لكن ما معه فلوس، معه البطاقة، أو معه شيك مصدَّق أو معه...هذا ليس يدًا بيد، ولو انتقل المال من حساب الزبون إلا أنه يتأخر في دخوله في حساب البائع، هناك أمور يتعاطها الناس من غير نكير ويتساهلون فيها، وأمرها سهل، حلها، وتصحيحها سهل، لكن عدم اهتمام وعدم اكتراث.
نعم.
قال –رحمه الله تعالى-: قوله: "في البر" بفتح الباء وبالراء، وفي بعضها بضم الباء، والأول هو المناسب لما سيأتي بعده، وهو باب التجارة في البحر، وفي بعضها بعده، و"غيره" أي: في البحر، و"نابهم" أي: عرض لهم، فإن قلت: التجارة متناولةٌ للبيع، فما فائدة ذكره؟ قلت: قال في (الكشاف) خص البيع؛ لأنه في الإلهاء أدخل".
لأنه أدخلُ، في الإلهاء أدخل؛ لأنه أشد.
"لأنه في الإلهاء أدخل من قِبل أن التاجر إذا اتجهت له بيعةٌ رابحةٌ وهي طلبته من صناعته ألهته، ما لا يلهيه شراء شيءٍ يتوقع فيه الربح في الوقت الثاني؛ لأن هذا يقينٌ، وذاك مظنون، وإما أن يُسمي الشراء تجارةً إطلاقًا لاسم الجنس على النوع، وقيل: التجارة لأهل الجلب.
قوله: "أبو المنهال" بكسر الميم وسكون النون وباللام، عبد الرحمن بن مطعم الكوفي مات سنة ست ومائة.
قوله: "الصرف" هو بيع النقد بالنقد مختلفين، و"زيد بن أرقم" بلفظ أفعل الصفة الصحابي الأنصاري الخزرجي الكوفي مات سنة ثمانٍ وستين، رُوي له تسعون حديثًا، للبخاري منها ستة.
قوله: "الفضل" بسكون الضاد المعجمة الرخامي بضم الراء وخفة المعجمة البغدادي الحافظ مات سنة ثمانٍ وخمسين ومائتين، و"الحجاج" بفتح المهملة وشدة الجيم الأولى الأعور المصيصي مر في الزكاة، و"عامر بن مصعب" بضم الميم وسكون المهملة الأولى وفتح الثانية، و"البراء" بفتح الموحدة وخفة الراء وبالمد "ابن عازب" بالمهملة وبالزاي وبالموحدة مر في كتاب الإيمان.
قوله: «يَدًا بِيَدٍ» أي: متقابضين في المجلس".
اللهم صلِّ على محمد.