كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 34

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله- في محرره:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده: فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه.

أجمعون عندك؟ أجمعون وإلا أجمعين؟ لأنه جاءت هذه وهذه، وكلها في الصحيح، لكن اللي في الكتاب؟

طالب: أجمعون.

في الكتاب أجمعين.

طالب: عندنا قيل: أجمعون.

في نسخة يعني في (طاء) يقول: أجمعون.

وعن البراء -رضي الله عنه- أنهم كانوا يصلون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا ركع ركعوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه. متفق عليه، واللفظ لمسلم.

نعم في اللفظ: أجمعين أو أجمعون على ما سيأتي في إعرابه على الوجهين، يقول: فصلوا قعوداً أجمعين، هذا الذي أثبته في الأصل، قال في طاء: "وسنن أبي داود: أجمعون" وكلاهما صحيح، هذا ما فيه إشكال من حيث الصحة، لكن ما دام المؤلف يقول: رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه الأصل أن يثبت اللفظ الموافق لما في سنن أبي داود، وعلى ما قرأه الشيخ.

نعم.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: ((تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) رواه مسلم.

وعن زيد بن ثابت قال: احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجيرة بخصفة أو حصير، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيها، قال: فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته، قال: ثم جاءوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، قال: فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضباً، فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: صلى معاذ لأصحابه العشاء، فطول عليهم، فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ بـ{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [(1) سورة الشمس] و{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل])) متفق عليه، واللفظ لمسلم أيضاً: وفي لفظ له: فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت، فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يُسمع الناس، فلو أمرت عمر، قال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يُسمع الناس فلو أمرت عمر، فقالت له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس، قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قم مكانك، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" متفق عليه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء)) وفي لفظ: ((وذا الحاجة)) وفي آخر: ((الضعيف والسقيم)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

ولم يقل البخاري: ((والصغير)).

وعن عمرو بن سلمة الجُرمي قال...

الجَرْمي، الجَرْمي.

الجَرَمي.

جرْمي، بالسكون جرْمي.

الجرْمي قال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله -عز وجل- أرسله، أو أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يغري في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت واقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي حقاً، فقال: ((صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً)) فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لمَّا كنت...

لِمَا.

لِما أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، وكنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟! فاشتروا، فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص، رواه البخاري، وعند أبي داود: وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين، وعند النسائي: وأنا ابن ثمان سنين.

وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يكره أن يؤم الغلام حتى يحتلم" رواه الأثرم والبيهقي، ولفظه: "ولا يؤم الغلام حتى يحتلم".

وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً، ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) وفي رواية: سناً بدل سلماً. رواه مسلم.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم أيضاً.

يكفي، يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به))" (إنما) أداة حصر كأنه قال: ما جعل الإمام لشيء من الأشياء إلا ليؤتم به، ويقتدى به.

((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) هذه وظيفة الإمام ((فإذا كبر)) تكبيرة الإحرام أو عموم التكبير فيشمل تكبيرات الانتقال ((فكبروا)).

((إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا)) الفاء هذه تفريعية، تفريع على ما تقدم، الكلام الأول قاعدة كلية، يتفرع عنها هذه الأجزاء من التكبير والركوع والسجود والأذكار وغيرها.

((فإذا كبر فكبروا)) العطف بالفاء عطف فعل المأموم على فعل الإمام بالفاء يدل على أنه يقع عقبه مباشرة، فيتضمن منع المسابقة والموافقة والتأخر عنه، ما قال: فإذا كبر ثم كبروا، لا، فإذا كبر فكبروا، يعني إذا انقطع صوته بالتكبير كبروا، العطف بالفاء يقتضي التعقيب، وحينئذٍ لا تجوز المسابقة، فإذا كبر قبل الإمام تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته اتفاقاً، لكن إذا حصلت المسابقة بغير تكبيرة الإحرام فمن أهل العلم من يبطل الصلاة كالمسابقة بتكبيرة الإحرام، ومنهم من يقول: الصلاة صحيحة مع الإثم، وجاء في الحديث الصحيح: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار)) يعني وعيد شديد، وبعض الناس يحسب لمثل هذا الوعيد ألف حساب، لكن لو جاء الأمر والنهي المجرد عن مثل هذا الوعيد الله غفور رحيم، لكن لو سلم الناس وبينهم شخص رأسه رأس حمار، هذه وقعت الطامة الكارثة الكبرى المسخ، مع أن أهل العلم يقررون أن مسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان، مسخ البدن عقوبة في الدنيا حصلت يمكن تكون كفارة، لكن ماذا عن مسخ القلوب؟ بحيث يرى الحق باطلاً والباطل حقاً -نسأل الله العافية-، وافتضح كثير ممن يتصدى لتوجيه الناس من خلال وسائل الإعلام؛ لأنه ممسوخ وهو لا يشعر، يأتي بكلام قد يخرج به من الدين وهو لا يشعر، والله المستعان.

يصعب على الإنسان، يصعب على الجميع يعني لو وجد في جماعة يصلون لما سلموا وجدوا شخص رأسه رأس حمار، ما شعورهم وهم يرتكبون النواهي ويتركون الأوامر مع كل ارتياح! لكن إذا وجدت العقوبة في البدن أفاق الناس ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) يستدل بهذا من يقول: إن الصلاة صحيحة مع الإثم؛ لأنه ما قال: صلاته باطلة أو عليه الإعادة، اكتفى بالعقوبة فقط.

((فإذا كبر فكبروا)) تكبيرة الإحرام تقدم أنها ركن من أركان الصلاة عند جمهور أهل العلم، والحنفية يقولون: شرط، وعرفنا ما بين القولين من فروق وفوائد مرتبة على الخلاف، وتقدم هذا في صفة الصلاة.

((كبر فكبروا)) معنى هذا أنه يقع تكبير المأموم بعد تكبير إمامه، لا قبله ولا معه ولا يتأخر عنه، وبعض الناس لا سيما إذا كان ساجداً يتأخر عن الإمام، ولا شك أن الباعث على ذلك الدعاء والإلحاح فيه ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) تجده يدعو يدعو إلى أن يقرب من السجدة الثانية، ولا يلحق بالإمام هذا مخالف؛ لأن أفعال المأموم عطفت على أفعال الإمام بالفاء التي تقتضي التعقيب، نعم؟

طالب:.......

إيش؟

طالب:.......

حتى على جبهته نعم إيه؛ لأن الأصل أن الذكر التكبير للقيام وللهوي تكبيرات الانتقال إنما وضعت للدلالة على الأفعال، فتكون مقارنة لها، ومقتضى ((كبر فكبروا)) يعني إذا ركع فاركعوا سيأتي، وإذا سجد فاسجدوا متى؟ سيأتي هذا -إن شاء الله تعالى- الحين.

((ولا تكبروا حتى يكبر)) مفهوم الجملة الأولى جملة الشرطية منطوقها أنه إذا كبر فكبروا، ومفهومها أن المأموم لا يكبر حتى يكبر إمامه، وهذا هو منطوق الجملة الثانية، فمنطوق الجملة الثانية مؤكد لمفهوم الجملة الأولى.

((ولا تكبروا حتى يكبر)) فهي جملة تأكيدية، يعني كون المأموم لا يكبر حتى يكبر الإمام مأخوذ من مفهوم الجملة الأولى الشرطية، وهو منطوق الجملة الثانية، فالجملة الثانية مؤكدة لمفهوم الجملة الأولى.

((وإذا ركع فاركعوا)) إذا ركع إذا كبر فكبروا معناه إذا فرغ من التكبير فكبروا، كما هو الأصل في الفعل الماضي الفعل الماضي للدلالة على الحدث الذي وقع في الزمن الماضي وانتهى، فإذا فرغ الإمام من التكبير فكبروا، لكن قوله: ((وإذا ركع فاركعوا)) هل نقول: معناها إذا فرغ من الركوع فاركعوا كما قلنا في إذا كبر فكبروا؟ لا؛ لأن الفعل الماضي ذكرنا مراراً في مناسبات في دروس متقدمة يأتي ويراد به الفراغ من الفعل وهذا هو الأصل، ولذلك سمي ماضياً، ويأتي ويراد به الشروع في الفعل، ويأتي ويراد به إرادة الفعل، فإذا   {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} [(98) سورة النحل] يعني إذا أردت ((إذا دخل أحدكم الخلاء)) يعني إذا أراد الدخول.

((وإذا ركع فاركعوا)) هل المراد به إذا أراد الركوع اركعوا؟ نعم؟ إذا أراد الركوع؟ أبداً، معنى هذا أننا نركع قبله، هل يراد به الفراغ من الفعل؟ لا، معناه أننا لا نركع حتى يرفع من الركوع، إنما المراد به الشروع في الفعل، يعني إذا ركع بأن حنى ظهره وثناه وهصره ووضع يديه على ركبتيه مجرد ما يحصل ذلك اركعوا، يعني إذا شرع في الركوع اركعوا.

((إذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع)) إذا ركع فاركعوا مثل ما يقال في الجملة السابقة، وأن فعل المأموم يقع بعد فعل إمامه لا يتقدم عليه ولا يوافقه، ولا يتأخر عنه.

((ولا تركعوا حتى يركع)) وهذه الجملة مؤكدة لمفهوم الجملة السابقة.

((وإذا قال: سمع الله لمن حمده)) يعني رفع من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده ((فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، والحديث يدل على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد.

وأهل العلم يختلفون فيمن يقول الجملة الأولى والجملة الثانية، فيرى الشافعية أن كل مصلٍ يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد؛ لأنها ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) لكن مقتضى قوله: ((إذا قال... فقولوا)) أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم لا يقولوها؛ لأنه قال: ((فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) فعطف فعل المأموم على فعل الإمام بالفاء، فدل على أنه لا يقال بينهما شيء، مجرد ما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده فإن المأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، لكن هل يقول الإمام بعد قوله: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد؟ ثبتت هذه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بصفته إمام، فالإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمنفرد يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وكذلك يقولها كل مصلٍ من إمام ومأموم ومنفرد.

طيب لماذا لا يقول المأموم: سمع الله لمن حمده وقد ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- بصفته إماماً، وعطف فعل أو قول المأموم على قول الإمام بالفاء، فدل على أنه لا واسطة بينهما بمجرد ما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده يقول المأموم: ربنا ولك الحمد، ومثله الإمام والمنفرد، فقوله: اللهم ربنا ولك الحمد هذه يقولها كل مصلٍ، ويستقل الإمام بقوله: سمع الله لمن حمده، وهذا هو المعروف عند الحنابلة الجمع بينهما بالنسبة للإمام والمنفرد، وأما بالنسبة للمأموم فإنه لا يقول: سمع الله لمن حمده خلافاً للشافعية، والحنفية يقولون: الإمام له ذكر والمأموم له ذكر، الإمام له ذكر يختص به "سمع الله لمن حمده" كما أن للمأموم ذكراً يختص به وهو قوله: "اللهم ربنا ولك الحمد" ولا يقولها الإمام، وهو مقتضى الترتيب هنا، لكن ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقول: ((اللهم ربنا لك الحمد)) إلى آخر الذكر الذي تقدم.

((اللهم ربنا لك الحمد)) وردت بصيغ أربع، هنا يقول: ((اللهم ربنا لك الحمد)) بإثبات اللهم بدون واو، وثبت الجمع بينهما في البخاري: ((اللهم ربنا ولك الحمد)) خلافاً لابن القيم الذي يقول: إنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، وثبت أيضاً بحذف اللهم والواو: ((ربنا لك الحمد)) وبحذف اللهم وإثبات الواو: ((ربنا ولك الحمد)) فهي أربع صيغ.

((وإذا سجد فاسجدوا)) يعني مثلما قيل في ((وإذا ركع فاركعوا)) بحيث يقع السجود بعد شروع الإمام فيه، سجود المأموم يقع بعد شروع الإمام فيه إذا مكن جبهته وأعضائه السبعة من الأرض هوى المأموم للسجود من غير تأخر ولا مسابقة ولا موافقة.

((وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد)) وهذه الجملة كسابقتيها مؤكدة لمفهوم الجملة السابقة.

((وإذا صلى قائماً)) يعني كما هو الأصل في الفريضة ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) الأصل أن يصلي قائماً.

((فصلوا قياماً)) إذا صلى قائماً فصلوا قياماً؛ لأن الإمام جعل ليؤتم به ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) وهذا تفريع عن القاعدة السابقة ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) وجاء التنصيص على العلة في قيام المأموم خلف إمامه وأنها مشابهة فارس والروم الذين يقومون على كبرائهم.

((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه.

أجمعين ((صلوا قعوداً أجمعين)) حال، و"أجمعون" تأكيد للضمير، ضمير الجمع الذي هو الواو في "فصلوا" فمن حيث الإعراب لا إشكال في كونها أجمعين أو أجمعون؛ لأنها إن كانت أجمعين فهي حال، وإن كانت أجمعون فهي تأكيد لضمير الجمع في فصلوا.

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

أيوه.

طالب:.......

طيب.

طالب:.......

يؤول، يؤول.

والحال إن عُرف لفظاً فاعتقد
 

 

تنكيره معنىً "كوحدك اجتهد"
ج

صلاة الإمام من قعود أولاً: رأي المالكية أنها لا تصح إمامة القاعد، ولا يصح الاقتداء به لا من قيام ولا من قعود، انتهينا من هذا المذهب، وجاء فيه حديث، لكنه متفق على ضعفه، الحديث الذي معنا صحيح، وهو معارض بحديث متأخر عنه سيأتي، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً، وهذا في مرض موته -عليه الصلاة والسلام-، مما جعل الشافعية والحنفية يقولون: إن الحديث منسوخ، حديث الباب: ((صلوا قعوداً أجمعين)) هذا منسوخ؛ لأن العمل إنما يكون على مقتضى آخر الأمرين منه -عليه الصلاة والسلام-، وقوله هذا منسوخ بفعله، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً يقتدي بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر، هل يقول قائل: إن أبا بكر قائم والناس كلهم جلوس؟ نعم؟ ما يمكن، الناس من قيام.

الإمام أحمد -رحمه الله- يعمل بحديث الباب: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) طيب والحديث الثاني وهو المتأخر؟ يحمل هذا على حال وذاك على حال، فيقول: إذا افتتح إمام الحي -بهذه القيود- أن يفتتح إمام الحي يبتدئ الصلاة يفتتحها إمام الحي الصلاة قاعداً لعلة يرجى برؤها، ما يجاء بإمام حي مقعد، شخص مقعد يقال: صلِ بنا، نعينك إمام على شان نرتاح، تصير صلواتنا كلها من قعود، نقول: لا، هذا ما يرجى برؤه، ولا يعين ولا يقدم من الأصل إذا لم يكن إمام الحي ثابت، لكن إمام الحي يصلي بالناس عمره كله قائم، فأصيب بعلة يرجى برؤها، وافتتح الصلاة من قعود فإن المأمومين يصلون خلفه قعوداً؛ لأنهم صلوا خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، أرادوا القيام فأشار إليهم أن يجلسوا، والحديث الذي معنا ((فصلوا قعوداً أجمعين)) بهذه القيود: أن تفتتح الصلاة فلا يدخل الحديث اللاحق؛ لأن الصلاة افتتحها أبو بكر من قيام، الأمر الثاني: أن أبا بكر ليس هو إمام الحي، وإنما الإمام هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فالصلاة لم تفتتح من قعود ولم يفتتحها الإمام إمام الحي، فلا تدخل في القيود التي ذكرها الإمام أحمد، والعلة يرجى برؤها، إذا كان يرجى برؤها، أما يؤتى بشخص مقطوع الرجلين، أو يؤتى بشخص علته لا يرجى برؤها ويقال: صلِ بالناس، هذا قد يفعله بعض الناس، يأتي به ليترخص به، يتحايلون، والناس للتنصل من التكاليف يتفننون في الحيل، في مزدلفة رأيت باص فيه خمسون راكباً، ومعهم عجوز واحدة، جاءوا ليترخصوا بها، نعم يتفننون، يعني يأتي بمقعد ويقول: صلِ بنا على شان نصلي.. ((فإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) لا، لا بد أن تكون العلة يرجى برؤها، وليس لأي شخص إنما هو لإمام الحي الراتب، ويفتتح الصلاة من قعود، والعلة يرجى برؤها، حينئذٍ ينطبق على الحديث، من أين أتينا بهذه القيود في حديث الباب؟ ما في ما يدل عليها، ليس فيه ما يدل عليها، لكن هذه القيود أُتي بها لئلا يتعارض حديث الباب مع الحديث اللاحق، فالإمام أحمد -رحمه الله- يرى أن الحديث محكم، وأنه يعمل به بهذه القيود، والمالكية يقولون: لا تصح إمام القاعد مطلقاً، ولا يجوز الائتمام به لا من قيام ولا من قعود، والحنفية والشافعية يقولون: منسوخ، حديث الباب منسوخ بحديث الذي حصل في آخر أيامه -عليه الصلاة والسلام-، وسيأتي.

"وعن البراء -رضي الله عنه- أنهم كانوا يصلون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا ركع ركعوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: ((سمع الله لمن حمده)) لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض، ثم نتبعه" يعني لا بد أن يتم السجود، لا يوافق الإمام فيهوي المأموم للسجود مع هوي إمامه، وهو مقتضى قوله: ((فإذا سجد فاسجدوا)).

"لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه" متفق عليه، واللفظ لمسلم".

ولا شك أنه يحصل مخالفات كثيرة من الأئمة ومن المأمومين، بعض الأئمة ينقطع صوته قبل أن يتحرك، يقول: سمع الله لمن حمده وهو راكع، فيسبق وبعضهم يقول: ألله أكبر وهو واقف قبل أن يسجد فيسبق إلى السجود، والمسابقة بين المأمومين موجودة بكثرة، لكن سبب ذلك الجهل، وإلا ما الفائدة من المسابقة؟ العبرة بمخالفة الإمام الذي في الأصل أن يكون عالم بأحكام الصلاة، ومتحمل للخلل الذي يقع بسببه في صلاة المأمومين، فكونه ينقطع صوته قبل أن يتحرك هذا يجعل المأمومين يسابقونه، أو على أقل الأحوال يوافقونه، المتحري يوافق وغيره يسابق، وقد يكون للآلات -هذه المكبرات- دور في مثل هذا، تجده يقول: الله أكبر ينقطع صوته من أجل لو هوى إلى السجود أو كبر أثناء هويه للسجود ضعف صوته، فهو يلاحظ ضعف الصوت على حساب خلل صلاة المأمومين، والأصل أن هذه الأذكار إنما وضعت للدلالة على الانتقال، فتكون مقارنة للأفعال، هذا الأصل، وما عدا ذلك يوقع المأموم في المخالفة.

"فإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده" يعني نرفع من الركوع ونقول: اللهم ربنا ولك الحمد على ما تقدم "ولم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه" الآن إذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده لم نزل قياماً جواب إذا رفع، جوابه إذا رفع رفعنا، ثم لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه، وهذا فيه معنى ما تقدم.

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخراً" تأخراً والتأخر نسبي، لا يظن به التأخر الذي يزاوله كثير من المسلمين، ويفعله بعض المنتسبين إلى العلم  وطلب العلم، يتأخرون ويتلومون ويترددون حتى إذا سمعوا الإقامة خرجوا إلى الصلاة، هذا تأخر نسبي، يعني يوجد في السلف من يقول: إن الذي لا يأتي إلى الصلاة حتى يدعى إليها إنه رجل سوء، يعني ما يأتي إلى المسجد حتى يسمع الأذان، فالتأخر نسبي، رأى شيئاً من التأخر اليسير عما عهد عليه أصحابه، فحثهم على التقدم "فقال لهم: ((تقدموا))" أمر ((تقدموا فائتموا بي)) الأمر هذا للوجوب أو للاستحباب؟ هذا للوجوب ((تقدموا فائتموا بي)) نعم إدراك الجماعة والجماعة واجبة، لكن الجماعة تدرك بركعة، فالتقدم إلى الصلاة من أولها لا شك أنه من أفضل الأعمال، والمحافظة عليها من أولها والتقدم إليها، وانتظار الصلاة، وإدراك تكبيرة الإحرام كل هذا له شأن، لكن القول بالتأثيم لو جلس إلى أن بقي ركعة واحدة يأثم وإلا ما يأثم؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

مخالفة تقدموا، لكن تقدم نسبي، نعم؟

((ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) هذا وعيد، لكن يتأخرون عن إيش؟ إذا قلنا: إن الجماعة واجبة، والجماعة تدرك بركعة فما زاد عن الركعة واجب وإلا ليس بواجب؟ هاه؟

طالب:.......

واجب لتدرك الجماعة لأنها واجبة، لكن ما زاد على الركعة، يعني لو تأخر إلى أن يبقى ركعة واحدة آثم وإلا غير آثم؟ يقول: أنتم تقولون: صلاة الجماعة واجبة وتقولون أيضاً بالإجماع: من أدرك ركعة أدرك الجماعة، يعني الخلاف فيما دون الركعة لو أدرك أي جزء من الصلاة، يعني يقول الحنابلة: "ومن كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس" يقول: أنا أدركت الجماعة وأنتم تقولون: الجماعة واجبة، وما زاد على ذلك ليس بواجب، خلوه على الخلاف نقول: أدرك ركعة كاملة يأثم إذا تأخر إلى أن..؟ الأصل أنه لا يأثم، يعني مقتضى القواعد الشرعية أنه ما يأثم، ما دام جاء بالواجب لا يأثم، يبقى ما عدا ذلك مندوب، ولا إثم في تركه، لكن كون الإنسان يعرف بالتأخر، ونفسه تعتاد ذلك، والتأخر لا نهاية له، التأخر قد يتأخر هذه المرة عن تكبيرة الإحرام، ثم يتأخر عن الركعة الأولى، ثم يتكاسل عن الثانية، وهكذا يستدرج، كما قيل في: ((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده)) يعني يستدرج حتى يسرق ما تقطع به اليد، وهذا أيضاً إذا تأخر واعتاد التأخر ((ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) والجزاء من جنس العمل، فعلى الإنسان أن يأخذ بالعزيمة، وأن يأخذ ما أوتي بقوة لا بتراخي؛ لأن النفس ميالة إلى الكسل، فإذا تراخى وعود نفسه على هذا التراخي وتعذر وتلوم وأتى بالأعذار من خلال الأقوال فإنه سوف يجد نفسه لا محالة مؤخراً، كما أن من اعتاد الكذب ومن اعتاد الصدق، لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً؛ لأن المسألة بالتعود والتدريج إذا النفس مرنت على هذا الأمر واعتادته صار من طبعها، صار من تركيبها، وهذا يمكن مر بالجميع، يعني الإنسان إذا فاته صلاة في يوم افترض أنه فاته ركعة من صلاة الصبح لا بد أن يفوته ركعات من الصلوات اللاحقة إلا إذا ندم على ما فاته واهتم للمستقبل، فإنه يعان عليه حينئذٍ، أما إذا فاتته من غير اكتراث، وقال: أدركت الجماعة لا بد أن يعاقب بفوات ركعات من الصلوات اللاحقة.

((تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم)) يعني ممن يأتي بعد وفاتي يقتدون بالصحابة الذين رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، يصلي فصلوا كما رأوه ((وليأتم بكم من بعدكم)) يعني في الزمن، أو من بعدكم في المكان؛ لأن بعض الناس من المأمومين لا يرى الإمام، وإنما يرى الصفوف المتأخرة، الصف الأول يرى الإمام فيقتدي بالإمام، الصف الثاني لا يرى الإمام فيقتدي بالصف الأول وهكذا، فيكون كل صف بمثابة الإمام لمن خلفه، وبهذا قال بعض العلماء، يقولون: إذا أدركت الصف الذي قبلك لم يرفع من الركوع أدركت الركعة؛ لأنه بالنسبة لك إمام، ويفهم من هذا الحديث ((وليأتم بكم من بعدكم)) يعني في المكان من خلفكم، فكل صف بمثابة الإمام للصف الذي يليه، وهذا في حالة ما إذا لم يسمع الإمام ولم ير، هذا قال به جمع من أهل العلم، لكن المقرر أنه إذا رفع الإمام انتهت الركعة لجميع المأمومين، انتهت الركعة بالنسبة لجميع المأمومين، وقوله: ((ليأتم بكم من بعدكم)) يعني إذا رأوكم بمثابة المبلغ حال ركوع الإمام لا حال فراغ الإمام من الركوع، والإنسان إنما يعمل بما يبلغه، ما تسمع صوت الإمام ولا ترى شخصه رأيت الذي أمامك ركع الذي أمامك كلهم ركعوا وركعت نعم صلاتك صحيحة، وأدركت الركعة، وأما بالنسبة للواقع هل الإمام ركع أو رفع؟ ما لك دعوة؛ لأنك إنما تكلف بما يبلغك، نعم إذا سمعت الصوت أو رأيت الصورة أنت مطالب بمتابعة الإمام، لكن أحياناً تكثر الجموع، ولا يوجد من يبلغ صوت الإمام، ولا توجد آلات، هل نقول: لا يقتدي بالإمام إلا من يراه؟ لا، يقتدي بالإمام وإذا رفع الناس رفع معهم، بغض النظر عن واقع الإمام؛ لأنه لا يكلف إلا ما يدرك بسمعه، ببصره، بحواسه.

((فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) والجزاء من جنس العمل {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت].

"رواه مسلم".

"وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجيرة" يعني حجرة صغيرة "بخصفة أو حصير" يعني محوطة بحاجز من سعف النخل حصير، يعني محصور، يعني منسوج بعضه على بعض "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذه الحجيرة يخلو بها للصلاة والذكر، وينقطع بها عما يشغله "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيها" يصلي فيها يعني في هذه الحجيرة، قال: "فتتبع إليه رجال" يعني جاء رجال يتتبعون فعله؛ ليقتدوا به، ويأتموا به -عليه الصلاة والسلام- "وجاءوا يصلون بصلاته" قال: "ثم جاءوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم" يعني في ليلة من ليالي رمضان جاء أناس فصلوا بصلاته -عليه الصلاة والسلام-، فلما كان من الليلة القابلة كثر الجمع، وجاء عدد أكبر من الذي جاء البارحة فصلوا بصلاته، ثم لما جاءت الثالثة أو الرابعة كثروا حتى غص المسجد بهم، يعني ازدحموا في المسجد "فلم يخرج إليهم -عليه الصلاة والسلام- خشية أن تفرض عليهم" وهنا يقول: "جاءوا يصلون بصلاته" لا شك أن الصلاة خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل، والصلاة خلف الأعلم والأخشع لا شك أنها أفضل من الصلاة خلف الجاهل أو الغافل الساهي قال: "ثم جاءوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب" يعني ارتفاع الأصوات قد يكون بسبب الكثرة، يعني تدخل المسجد الجامع وفيه عشرة صفوف قبل دخول الإمام تجد أصوات مرتفعة بالنظر إلى مجموعها لا بالنظر إلى أفرادها، فبالمجموع ترتفع الأصوات، وهذا يمكن تخريجه مع النهي عن رفع الصوت بحضرته -عليه الصلاة والسلام- يعني مجموع الأصوات لا يعني ارتفاع الأفراد، لا يعني ارتفاع أصوات الأفراد هذا يمكن تخريجه، لكن ماذا عن حصبوا الباب؟

جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم كانوا يقرعون بابه -عليه الصلاة والسلام- بالأظافر، إذا أرادوا الاستئذان عليه، وهنا حصبوه، يعني بحصيات صغيرة، ولا شك أن هذا قد يكون فيه ما فيه مما يخل بالأدب معه -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذه الحصيات الصغيرة إذا قلنا: إنها غاية في الصغر بحيث تكون قريبة من القرع بالأظافر الذي كانوا يفعلونه فيمكن تخريجه على هذا.

"فخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضباً" يعني مما يدل على..، هذا الغضب يدل على إيش؟ يدل على أن ارتفاع الأصوات مع حصب الباب شرعي وإلا غير شرعي؟ غير شرعي، إنما رفعوا أصواتهم وحصبوا الباب والداعي إلى هذا ما الداعي إليه؟ حرصهم على الخير، يعني لماذا جاءوا؟ ليصلوا بصلاته، الداعي إليه حرصهم على الخير، لكن هل يكفي نية الخير وقصد الخير عن إصابته؟ لا يكفي، ولذا قول من يقول: إن الوسائل أو الغايات تبرر الوسائل هذا الكلام ليس بصحيح، لا بد أن تكون الغاية شرعية والوسيلة شرعية، ولذا خرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضباً، وهم الذين أغضبوه.

"فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم))" يعني هل الغضب بسبب التصرفات من رفع الأصوات وحصب الباب؟ أو لما رأى من حرصهم الذي يتسبب عنه فرض هذه الصلاة التي هي في الأصل نافلة؟ ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك بني إسرائيل كثرةُ مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) ((وأعظم الناس جرماً من سأل عن شيء فحرم بسببه)) وهنا: "فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم))" النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم الليلة الأولى والثانية والثالثة على اختلاف الرايات، ثم احتجب عنهم بعد ذلك خشية أن تفرض عليهم صلاة التراويح التي سميت فيما بعد صلاة التراويح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ما تركها رغبة عنها، وما تركها من أجل أن الجماعة لا تشرع فيها، وإنما تركها خشية أن تفرض عليهم، ولذا لما أُمنت هذه الخشية في عهد عمر -رضي الله تعالى عنه- جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- من شفقته ورأفته بأمته يخشى عليهم مثل هذا، فإذا فرض عليهم قد يعجزون عنه، فيأثمون بسبب ذلك، وهم في الأصل في سعة؛ فلماذا يضيقون على أنفسهم؟! وهذا هو الذي أثار الغضب عنده -عليه الصلاة والسلام-.

النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل الكعبة ندم خشية أن يحرص الناس على دخولها فتلحقهم بذلك المشقة؛ لأن كل مسلم يقتدي به -عليه الصلاة والسلام-، والأمثلة والنظائر لهذا كثيرة؛ لأنه قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على أشياء ولم يفعلها، مثال ذلك قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي)) ومع ذلك ما اعتمر في رمضان -عليه الصلاة والسلام-؛ ليكون في الأمة شيء من التوازن؛ لأنه لو اجتمع الحث مع عمرته -عليه الصلاة والسلام- في رمضان كيف يكون الحال حال المسلمين في هذه الأماكن في هذه الأوقات؟! إذا تضافر القول مع الفعل لكن إذا وجد القول وجد من يقتدي به ويمتثل، لم يوجد الفعل وجد من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في رمضان، فيحصل بذلك التخفيف والتنفيس، لكن لو تضافر الفعل مع القول لاقتتل الناس على الاقتداء في هذه الأماكن، وأنتم ترون الزحام الذي يحصل في رمضان في المسجد الحرام.

((ما زال بكم صنيعكم)) يعني من الحرص على هذه الصلاة خلفي ((حتى ظننت أنه سيكتب عليكم)) يعني ستفرض عليكم هذه الصلاة، ستفرض عليكم وتأثمون بتركها ((فعليكم بالصلاة في بيوتكم)) يعني صلاة النوافل صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة، والمصالح العظيمة المترتبة على الصلاة في البيوت أولاً: عدم تشبيهها بالقبور ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً)) والأمر الثاني: الاقتداء، متى يتعلم النساء والصبيان الصلاة إذا لم يصل صاحب البيت في منزله؟ الصلاة في البيت لا سيما الرواتب راتبة المغرب وراتبة العشاء وراتبة الصبح والتهجد هذه يقتدي به ما في البيت من نساء وذرية، ويحسنون الصلاة قبل وجوبها بالنسبة للصبيان والنساء متى يتعلمن الصلاة؟ لأن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، وإذا أردت المثال فانظر إلى الأعمى كيف يرفع يديه إذا أراد أن يكبر، هل هو مثل المبصر؟ يختلف؛ لأن التعليم بالفعل والمشاهدة لا شك أنه أبلغ من أن يقال له: أرفع يديك، طيب كيف ترفع يديك؟ تفرق؟ تجمعهما؟ يعني قد يحصل من النصوص القدر المجزئ، لكن الصورة الكاملة التي توارثتها الأمة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في كيفية الرفع لا تدرك إلا بالمشاهدة.

تجد بعض العميان يعاني في المصافة معاناة شديدة، لا سيما إذا كان صاحب حرص على براءة ذمته، تجده كل شوية لامس الجار، إذا ركع لمس ركبته، وإذا سجد حط يده على شيء من بدنه، إذا جلس لمس ركبة الجار، مما يدل على أن التعليم بالفعل له أثره الكبير في ثبوت العلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وقال: ((خذوا عني مناسككم)) وصلى لهم -عليه الصلاة والسلام- من أجل..، التعليم على المنبر ليروه كيف يصلي -عليه الصلاة والسلام-؟

((فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)) أما بالنسبة للمكتوبة فحيث ينادى بها في المساجد ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) يعني حيث ينادى بها، وهذا يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في مسجده الذي فيه المضاعفة الصلاة بألف صلاة، وأشار إليه ((صلاة في مسجدي هذا)) والصلاة في بيوت المدينة بالنسبة للنوافل أفضل من الصلاة في المسجد، حتى قال بعض أهل العلم: إن المضاعفات إنما هي في الصلوات المفروضة لا في النوافل، قد يقول قائل مثلاً: إن بيوت مكة وهي داخل الحرم فيها مضاعفة، فإذا صلينا في البيت أفضل من المسجد، لكن في المسجد النبوي المضاعفة في المسجد، قال: ((في مسجدي هذا)) فكيف يقال: إن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد الذي فيه المضاعفة والمضاعفة خاصة بالمسجد؟ نقول: نعم هذا كلام من لا ينطق عن الهوى وهو في المدينة ((فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)) فإما أن يقال على ما قال بعض أهل العلم: إن المضاعفات في الفرائض أو يقال: إن المضاعفات في بيوت المدينة بالنسبة للنوافل حاصلة كمضاعفة الفريضة في المسجد، تكون صلاة في بيت بالمدينة أفضل من ألف صلاة في ما عداها، هذا بالنسبة للنوافل، وأما الفرائض فالمضاعفة في مسجدي هذا.

"متفق عليه، واللفظ لمسلم".

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"