شرح القواعد الفقهية (5)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 أظن ما فيه وقت لقراءة الأسئلة؛ لأن بقي علينا ثلاث قواعد، والأصل أننا ننهيها في هذا اليوم؛ لأن هذا -إن شاء الله تعالى- كأنه مقصود الإخوان المنظمين لهذه الدورات، يذكرون أنهم مرتبطون بوقت محدد لإنهاء هذه الكتب، والقدر المقرر لهذه الدورة القواعد الخمس، وعلى كل حال يترتب على هذا الإجمال الشديد لا سيما في القواعد الثلاثة الباقية التي هي موضوع اليوم لعلنا نأتي على مقاصد هذه القواعد من غير خلل ظاهر، وإلا فالخلل لا بد منه مع قصر المدة.

 الحمد لله رب العالمي وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فالقاعدة الثالثة: (المشقة تجلب التيسير) والأصل فيها قول الله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقوله جل وعلا: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»، وفي الحديث المخرج في المسند من حديث جابر: «بعثت بالحنيفية السمحة»، وجاء في الحديث «يسروا ولا تعسروا»، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين»، هذه النصوص تدل على أن الشريعة -ولله الحمد- فيها سعة وليس فيها حرج ولا آصار ولا أغلال كما في الشرائع السابقة، وليس معنى هذا أن الدين ليس فيه تكاليف، وأن عموم ما يشق على النفس يترك، كثير من الناس يتذرع بمثل هذا الكلام، وبمثل هذه النصوص، ويستند إلى هذه القاعدة في التخلي عن التكاليف؛ فيقول: صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة شاقة، والمشقة تجلب التيسير، يقول: الصيام في الصيف شاق والمشقة تجلب التيسير، هذا الكلام لا صحة له ولا يقبل، ولو قيل مثل هذا لما امتثل أمر إلا ما يوافق هوى النفس، ولا ترك محظور إلا ما تعافه النفس، ويوجد الآن ممن يفتي ويتبنى مثل هذا الكلام، مسألة التيسير، التيسير المبني على الدليل والدين كله يسر، ومع ذلكم الدين كله تكاليف، أوامر، ونواهي، والجنة حفت بالمكاره، والتكليف معناه إلزام ما فيه كلفة، ليس معنى  المشقة تجلب التيسير أن مطلق المشقة يقتضي التيسير، لكن الدين مبني على هذا، يعني ما عندنا آصار وأغلال، التوبة لا تقبل إلا بقتل النفس، عندنا مثل هذا؟ لا، التوبة بين العبد وبين ربه وتهدم ما كان قبلها، وأمرها ميسور لمن يسرها الله عليه، بينما وجد في الأمم السابقة أن من قبول توبتهم قتل أنفسهم، ووجد في الشرائع السابقة النجاسة تقرض بالمقراض ولا يكفي غسلها، ووجد شيء كثير من هذا الأمر، وديننا -ولله الحمد- مبني على التيسير في مقابل الأغلال والآصار الموجودة في الشرائع السابقة، وإلا من أوضح الأمثلة على المشقة المرتبطة بالعبادة الحج، هل يمكن أن يحج الشخص بدون مشقة من أول الحج إلى آخره، لا يمكن، يعني إن حصلت له مشقة في أول الأمر أو في أثنائه ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ   ﭚﭛ المشقة لذاتها ليست مقصد شرعي، ليست من مقاصد الشرع، فلا يعدل الإنسان من الأمر الأسهل الذي تتأدى به العبادة على الوجه الأكمل إلى الأمر الأشد؛ ولذا لو قال شخص: أنا بدلاً من أن أذهب إلى المسجد في الطريق في الخط المستقيم الذي مجموع خطاه لا تزيد على خمسين خطوة مثلاً، أذهب وأدور في الحارة خمسمائة خطوة وأرجع إلى المسجد، وأحصل بدلاً من الأجر اليسير على الأجر الكثير تبعًا لكثرة الخطا، نقول: لا أجر لك، الأجر المرتب على المشقة إذا كانت هذه المشقة مما تتطلبها العبادة، لو قال: أنا أحج، وبدلاً من أن يكون الطريق ثمانمائة كيلو إلى مكة من الرياض، لماذا لا يصير ثلاثة آلاف؟ يعني عن طريق الشمال إلى الساحل الغربي ونأتي إلى مكة من أجل أن تزيد المشقة، نقول: لا تؤجر على هذا، والله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني، فإذا اقتضت العبادة المشقة أجر عليها وإلا فلا، بعض الناس ينادي بالفقه الميسر أو تيسير الأحكام على الناس، وهو في الحقيقة إنما يتتبع الرخص، يقول: إذا كان في المسألة قول شديد لإمام معتبر، وفيه قول يسير، فيه يسر على الناس، لماذا لا نحمل الناس على القول اليسير، لأنه هو الموافق لطبيعة شريعتنا؟ نقول: إذا كان الدليل يسنده فعلى العين والرأس، وإذا كان الدليل يسند القول الآخر فهو المعتبر، أما اليسر لذات اليسر العبرة على المسلم أن يدور مع النصوص، لا على ما تهواه نفسه، يعني لو أُفتي شخص في الحج ارتكب محظور أو ترك نسكًا، فقال له شخص: لا شيء عليك، وقد سمع من قبل أن عليه دما فرح بهذه الفتوى، وبالعكس لو سأل شخصا فقال: عليك دم وذهب ليستفتي من يقول له: لا شيء عليك، هذا لا يطلب الحكم الشرعي، هذا يطلب ما يوافق هواه، وقد جعل إلهه هواه، فمثل هذا لا يجوز.

يوجد من يقول: إذا وجد في المسألة قولان أحدهما شديد والآخر خفيف؛ فإننا نختار الخفيف؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، نقول: ليس هذا هو المقصود ولم تصب المحز ولم تصوب صوب الحق؛ لأن التخيير في وقت التخيير، أما بعد أن ثبتت الأحكام بالأدلة التي عمل بها أهل العلم على ضوء ما بلغهم منها، وعلى ما وصلت إليه أفهامهم فيها، ووجد من يأخذ بجانبي النظرين فقال أحدهما بالحرمة والثاني بالحل، ليس لك أن تختار، إنما المعول على الدليل؛ فإن دل الدليل على الحرمة فهي الأصل، وإن دل الدليل على الحل فهذا هو المعتمد، فعلى الإنسان أن يدور مع الدليل سواء كان له أو عليه، أما بالنسبة للتخيير فقبل استقرار الأحكام النبي -عليه الصلاة والسلام- يختار أيسر الأمرين؛ لأنه ليس عنده في الطرف الثاني نص يمنع هذه القاعدة "المشقة تجلب التيسير". قال أهل العلم: يتخرج عليها جميع رخص الشرع وتخفيفاته؛ الرخصة تقابل العزيمة، وعرّفت الرخصة بأنها ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح يعني مع قيام الدليل الأصلي، أكل الميتة محرم وثبت تحليلها بالنص مع قيام دليل المنع، فالمعارض الراجح هو حفظ النفس، هناك أمور جاء فيها ترخيص من قبل الشارع، وقد يوجد من الأحكام ما فيه مشقة وكلفة أشد مما جاء الترخيص فيه، المسافر يجوز له أن يفطر في رمضان، المسافر يفطر في نهار رمضان إجماعًا، حتى قال بعضهم: إنه لو صام ما صح صيامه، ولكن المعتبر عند أهل العلم أن صيامه صحيح، لكن على حسب المشقة اللاحقة به، فإن كانت خفيفة جدًّا فمثل هذه لو صام كان أفضل، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض أسفاره، وإذا كانت هناك مشقة أشد بحيث يتحرج فيها فالفطر أفضل، وإن كانت المشقة مع عسر شديد فأولئك العصاة، فالنصوص جاءت بهذا وهذا، بعض الناس وهو في بيته يلحقه من الصيام أشد مما يلحق المسافر، هل نقول: يفطر وهو في بيته مشقة؟ لا، نقول: هناك بعض الأحكام فيما يقارن فعلها من المشقة أعظم من بعض الأحكام التي جاء الترخيص فيها إذا وصلت المسألة إلى حد الضرورة على ما سيأتي، هذا يرتكب المخالفة المنصوص عليها بالدليل إذا وصلت المسألة إلى حد الضرورة؛ فالضرورات تبيح المحظورات على ما سيأتي، أما ما دون ذلك من المشقة التي لا يترتب عليها تلف النفس ولا الطرف، فإنه لا يترخص، ولو جاءت الرخصة بما هو أدنى منها فيقتصر بالرخص على المنصوص، ولو فتح باب الترخص بالنسبة للمشقات بالقياس لما بقي تكليف كل مسألة يلحقها، بشبيهتها سافر إلى مكة، من الرياض إلى جدة بساعة على سيارة مكيفة إلى المطار، ثم الطائرة مكيفة، ونزل إلى المطار مكيف والسيارة مكيفة، ووصل إلى سكنه بالراحة وهو في بيته، أو مدرس مثلاً يدرس في بلده يقول: أنا والله يلحقني مشقة أعظم من السفر، إذن أفطر، لا، تبقى مثل هذه النصوص تبعًا للدليل في التفصيل الذي يأتي إن شاء الله تعالى.

 أسباب التخفيف في العبادات سبعة: منها السفر والمرض والإكراه والنسيان والجهل والعسر وعموم البلوى والنقص الذي يدخل فيه الأنوثة والصبا والجنون، السفر له رخص، والأصل فيه المشقة، هذا الأصل في السفر، لكن قد يسافر الإنسان سفرًا لا مشقة فيه، فالوصف المؤثر الذي علقت عليه الأحكام هو السفر، بغض النظر عن المشقة، السفر من رخصه القصر، والجمع، والمسح ثلاثة أيام بلياليها، والفطر، وترك الجمعة، والتنفل على الدابة، قالوا: ومن رخصه السفر، بواحدة من زوجاته بالقرعة، ولا يقضي لغيرها، النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد أن يسافر أقرع بين نسائه، فمن خرجت لها القرعة سافر بها وترك الباقي، لكن إذا رجع يقضي للباقي أو يقسم من جديد؟ يقسم ولا يقضي، فهذه من رخص السفر كما قال أهل العلم.

من أسباب التخفيف: المرض؛ فالمريض يتيمم إذا كان الوضوء يشق عليه، ويصلي جالسًا إذا كان القيام يشق عليه لا يستطيع القيام، ويتخلف عن الجمعة والجماعة إذا كان ذلك يشق عليه، ويفطر في رمضان إذا كان الصيام يشق عليه، ويستنيب في الحج، وهكذا...

من أسباب التخفيف: الإكراه؛ {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}، فمن نطق بكلمة لا يجوز النطق بها تحت تهديد من يقدر على التنفيذ، لا يؤاخذ، والنسيان ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ  ﯩ ﯪ ﯫﯬ والجهل، فالجاهل معذور ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ فالجاهل الذي لم يبلغه الحجة فإنه معذور؛ ولذا يقولون: من عاش في بلاد ليس فيها من يدله على الحق ولا يبين له الحكم الشرعي، وتُصُوُّر له أن يجهل حكم ما علم من الدين بالضرورة كالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وما أشبه ذلك، يعذر، لكن إذا بلغه ذلك وجب عليه الكف، وإذا كان في بلد هذا وضعه تجب عليه الهجرة، ولا يجوز له أن يبقى في مثل هذا البلد، قالوا: من ذلك العسر وعموم البلوى فيما يتعلق بالجهل، والعذر بالجهل مسألة كبرى عند أهل العلم، منهم من لا يعذر مطلقًا؛ لأنه ما يتصور جاهل بعد أن انتشرت هذه الوسائل التي تُسمع الناس في الشرق والغرب القرآن على حد سواء، ولكن الجهل متصور، فبلوغ الحجة لا بد منها، وفهم الحجة لا بد منه، بالنسبة لمن ينطق بغير لغة الكتاب والسنة، الأعاجم لا بد أن يفهموا الحجة، يُشرح لهم بلغاتهم، وفي حكمهم من كان من العرب من لا يفهم، يوجد في عوام المسلمين لو تقرأ عليه أوضح آية في القرآن ما فهم المراد منها، ما لم يكن الأمر مما يزاوله في محيطه وبيئته ويعرفه من خلال المعاشرة، يعني من عوام المسلمين -وهذه قصة حاصلة- شخص أكره ابنته على الزواج من شخص لا ترتضيه فأكرهها وأجبرها، وقيل له فاستدل بقول الله -جل وعلا-: ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ    ﮌ ﮍ       ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ يقول: أنا أريد هذه المغفرة، هي تقول: ما أبغيه، لا، لازم تبغيه، يعني مثل هذا يكفي أن يلقى عليه مثل هذا الدليل، هذا في حكم الأعاجم أو أشد من الأعاجم، ففهم الدليل فهم الحجة ممن يتصور منه عدم الفهم كالأعجمي ومن في حكمه، لا بد أن يفهم، أما زوال المانع من قبول الحجة فلا زوال المانع من قبول الحجة بلغته، الحجة ويفهم الحجة، لكن مع ذلك لديه مانع من قبولها، تقول له: الطواف بالقبر حرام، شرك، ويقول: لكم قناعاتكم ولي قناعاتي، أنتم تقتدون بمشايخ وأنا أقتدي بمشايخ، يعني منذ أن عرفنا أنفسنا وشيوخنا يفعلون هذا، والناس يعظمونهم واستفاض فضلهم ومعرفتهم وتبرأ الذمة بتقليدهم، فهل مثل هذا المانع يشترط زواله؟ لا يشترط زواله ولم يشترطه أحد، وإلا لكان مشركو العرب في الجاهلية معذورين؛ لأنهم تبعوا آباءهم واقتدوا بآبائهم ووجد المانع من قبول ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ لأنهم يعتقدون في آبائهم، وهؤلاء المبتدعة يعتقدون في مشايخهم ومتبوعيهم، والضلال كثيرًا ما يحصل بسبب هذا.

العسر وعموم البلوى، قالوا: من النواقض: الإعراض التام عن تعلم الدين، لا يتعلمه ولا يرفع به رأسًا، ذكروا هذا من النواقض: العسر وعموم البلوى، كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها مثل السلس، من حدَثُهُ دائم، سلس بول، واستحاضة، وما أشبه ذلك.. وأيضًا الاستجمار يصلي وأثر النجاسة باق والجمع في المطر والبرد الشديد يسوغ للعسر والمشقة الشديدة؛ لأن له أصلاً في الشرع لا لذاته، يعني لو كان من به سلس مثلاً أو استحاضة؛ لأن السلس حكمه حكم الاستحاضة، الحدث الذي لا ينقطع، الدائم حكمه حكم الاستحاضة، يعني ما عندنا دليل على أن الاستحاضة مثلاً لو قدر أنه ما عندنا دليل على أن الاستحاضة تصلي والدم ينزل منها، لو لم يكن عندنا دليل، قلنا: إنها تبذل الجهد وتستفرغ الوسع في إيقاف هذا الحدث، لكن عندنا الدليل أنها تصلي على حالها، وكذلك من به العذر مثل عذرها كالسلس -سلس البول، والريح، ومن به جرح لا يرقأ وغير ذلك.

قالوا من ذلك -وهو السابع-: النقص؛ والنقص ويتمثل في الأنوثة، والصبا الصغر، والجنون، فالمرأة لا شك أنها ناقصة، ناقصة عقل ودين، وخفف عنها بعض الأحكام من أجل هذا، فلا تحضر، لا يلزمها جمعة ولا جماعة ولا جهاد، ولا غير ذلك مما يلزم الرجال؛ لأنها ناقصة في تركيبها، في دينها، في عقلها، يعني وإن كثرت الدعاوى وكثرت المطالبات بمساوات المرأة للرجال، لكن هذا مصدره غير المسلمين، ومن قال به ممن ينتسب إلى القبلة لا شك أنه مفتون، مقتد بغير المسلمين، وإلا فالدين حاكم على الجميع، ولا شك أن تكليف المرأة بما يكلف به الرجال لا شك أنه ظلم للمرأة؛ لأن تركيب المرأة لا يحتمل ما يحتمله الرجال، ومع ذلك ينادون والنوايا مكشوفة، يعني ما يحتاج إلى أن ندخل في نية فلان أو علان، واضحة من الهدف من هذه المطالبات، الصبا أيضًا، الصبي الصغير لا يحتمل ما يحتمله الرجال، فرفع عنه القلم حتى يبلغ، وكذلك المجنون حتى يُفيق فلا يكلف؛ لأنه لا يستطيع ولا يسيطر على نفسه؛ لأن مناط التكليف هو العقل، فمن لا عقل له لا تكليف عليه، هناك فوائد ذكروها في هذه القاعدة الأولى في ضبط المشاق المقتضية للتخفيف، وذكر السيوطي أن المشاق على قسمين: مشقة لا تنفك عنها العبادة غالبًا كمشقة البرد في الوضوء في الشتاء، هذه لا تنفك عنها العبادة، اللهم إلا إذا حصل تدفئة، وإذا لم يتأذَ بالماء نفسه تأذى به بعد الوضوء، مشقة الصوم في شدة الحر، لا يمكن أن ينفك عنها شدة الحر وطول النهار مشقة السفر، هذا في الأصل أن السفر ملازم للمشقة، مشقة ألم الحدود، يعني لو قيل: إن الزاني المحصن يرجم، والقاعدة الشرعية المشقة تجلب التيسير، إذا كانت الحجارة الكبيرة تشق عليه ينظر إلى شيء صغير لا يشق عليه، هذا لا يرد، هذه مشقة ملازمة لهذه العبادة، وإقامة الحدود في الأرض من أعظم العبادات، لا أثر لهذه المشقة في إسقاط هذه الأحكام، مشقة تنفك عنها العبادات في الغالب، وتنفك عنها العبادات لكنها قد توجد وتوجد لبعض الناس دون بعض، يعني ليس ملازمة لكل من تعبد بهذه العبادة، وهذه المشاق متفاوتة منها المشقة الفادحة العظيمة كالخوف على النفس والأطراف فهذه موجبة للتخفيف، ومنها الخفيفة مشقة خفيفة تلحق بفلان دون غيره، وليست ملازمة لأصل العبادة، إنما لظرف من الظروف شق عليه أن يصلي الصلاة في وقتها، هذه مشقة لا أثر لها ولا التفات إليها؛ لأنها ليست عظيمة فادحة تلحق بالأولى العظيمة الفادحة، لا شك أنها تجلب التيسير، لكن ما دونها لا أثر له في العبادة ولا التفات إليه.

الفائدة الثانية من الرخص ما يجب الأصل العزيمة لكن الرخصة قد تجب كأكل الميتة للمضطر، والفطر لمن خشي الهلاك وما يندب منها ما يجب، ومنها ما يندب، كالقصر في السفر والفطر مع المشقة، والإبراد بصلاة الظهر إذا اشتد الحر، ومنها ما يباح قالوا: كالسلم، السلم رخصة قالوا: لأنه على خلاف الأصل، على خلاف الأصل، شيخ الإسلام وابن القيم يقرران أن كل ما جاء به دليل صحيح فهو على الأصل؛ لأنه دل الدليل الصحيح الصريح على اعتباره، فالدليل أصل لكن الجمع والقصر رخص أو عزائم؟ الأصل التوقيت والأصل الإتمام، الأصل التوقيت، الصلاة مؤقتة بأوقات ثبتت بها الأحاديث الصحيحة، الفجر لها وقت أول وآخر الظهر له وقت، والعصر له وقت، وهكذا..، هذا الأصل، لكن الجمع على الأصل أو على خلاف الأصل؟ على خلاف هذا الأصل وإن دل له أصل آخر على الخلاف بين أهل العلم في الأصل في القصر والإتمام، أيهما الأصل: هل الأصل القصر أو الأصل الإتمام؟ في حديث عائشة: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر» فالأصل على هذا القصر، ولكن جاءت النصوص القطعية على أن صلاة الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والفجر ركعتين، فهذا أصل جاءت به النصوص القطعية، والقصر من هذه الأربع خلاف هذا الأصل، وقد جاء به دليل صحيح، على قول شيخ الإسلام أن القصر ليس على خلاف الأصل، الجمع ليس على خلاف الأصل؛ لأنه جاء به الدليل الصحيح الصريح.

طالب: .......

لا، هو الكلام في الأصل، يعني الأول المتقدم منهما الأصل في الصلاة أنها هكذا.

طالب: .......

لا، هو ليس الأصل في الحضر، ما هو النزاع في الحضر، يعني صلاة السفر إذا نظرنا إلى الأصل في الصلاة جملة الظهر والعصر والعشاء، الأصل فيها ركعتين أو أربع في السفر، يعني ما ننظر إليها باعتبار أن الأصل الحضر والسفر طارئ، فإذا قلنا: إن الأصل الحضر، قلنا: إن الأصل أربع ركعات والسفر طارئ ركعتين؛ ولذا لو تُردد في جواز القصر وعدمه نرجع إلى الأصل الذي هو أربع ركعات، إذا بطلت صلاة في السفر أو نسيت صلاة في السفر وذكرها في الحضر أو العكس، قالوا: يغلب جانب الحضر؛ لأنه هو الأصل وهو الأحوط، المقصود مثل هذه المسائل لو تسلسلت ما انتهت، وعندنا ثلاث قواعد لا بد من إنهاء ما يمكن منها، ومنها خلاف الأولى كالجمع والفطر في السفر لمن لا مشقة عليه، ومنها ما يُكره، مثلوا لما يكره بالترخص برخص السفر في أقل من ثلاث، أقل من ثلاث، يعني السفر المعتبر عند الجمهور مسيرة يومين قاصدين مرحلتين ثمانين كيلو، والثلاث قيل به، فللخروج من هذا الخلاف كُره الترخص في أقل من مائة وعشرين كيلو مع أنه قيل بيوم واحد أربعين كيلو، المقصود أن مثالهم هذا قد لا يسلَّم لهم.

تخفيفات الشرع أنواع سبعة: تخفيف إسقاط كإسقاط الجهاد بالعذر يعني لا إلى بدل، تخفيف نقص كقصر الصلاة من أربع إلى ركعتين، تخفيف إبدال كالغسل والوضوء بالتيمم، وتخفيف تقديم كالجمع وتقديم الزكاة على الحول، وتخفيف تأخير الجمع جمع التأخير وتأخير صيام رمضان للسفر والمرض، وتخفيف وترخيص كصلاة المستجمر وشرب الخمر للغصة، وتخفيف تغيير كتغيير صلاة الخوف، هذه أنواع التخفيف في الشرع.

 القاعدة الرابعة: قالوا: "الضرر يزال" أصلها قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا ضرر ولا ضرار» وهذا الحديث أخرجه الإمام مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً، وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي والدارقطني من حديث أبي سعيد، وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت، قال النووي في الأربعين: وله طرق يقوى بعضها ببعض، قال ابن رجب في شرحه: وهو كما قال، فالحديث لا شك أنه له أصل، وقال ابن الصلاح: هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به، ويشهد له حديث أبي صِرْمَة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من ضارَّ ضارَّ الله به، ومن شاقَّ شاقَّ الله عليه» خرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب، وحديث أبي بكر مخرج عند الترمذي بإسناد ضعيف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «ملعون من ضار مؤمنًا أو مكر به»، وجاء في القرآن النهي عن الضرر في قول الله -جل وعلا-: ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ وإذا فككنا الإدغام ماذا يكون اللفظ؟ تضارِر أو تضارَر، فالضرر لا يجوز من الجهتين من الطرفين لا يجوز، وهذا من أقوى الأدلة على هذه القاعدة.

طالب: ........

هذا إذا قلنا أن الراء ليست مضعفة مشددة.

طالب: ........

من الضير لا من الضرر صح أو لا؟ يعني إذا فككنا الإدغاء ينتج عندنا حرفين، إذا كانت من الضرر لا بد من راءين، وإذا كانت من الضير فراء واحدة، ولا يمكن أن يكون جزم إلا إذا كانت من الضير، أما إذا كانت من الضرر براءين فلا بد من التشديد، والتشديد عبارة عن حرفين أولهما ساكن والثاني متحرك، قال ابن رجب -رحمه الله-: وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ضرر ولا ضرار» هذه الرواية الصحيحة ضرار بغير همزة ورُوي إضرار بالهمزة، وقع ذلك في بعض روايات ابن ماجه والدارقطني، بل وفي بعض نسخ الموطأ، وقد أثبت بعضهم هذه الرواية، وقال: يقال: ضر وأضر بمعنى، وأنكرها آخرون وقالوا: لا صحة لها، واختلفوا هل بين اللفظتين -أعني الضرر والضرار- فرق أم لا؟ فمنهم من قال: هما بمعنى واحد على وجه التأكيد، والمشهور أن بينهما فرقًا، ثم قيل: إن الضرر هنا أن الضرر هو الاسم، والضرار الفعل، فالمعنى أن الضرر نفسه منتفٍ في الشرع، وإدخال الضرر بغير حق كذلك، وقيل: الضرر أن يدخل على غيره ضررا بما ينتفع به هو، والضرار أن يدخل على غيره ضررًا بما لا منفعة له به، كمن منع ما لا يضره ويتضرر به الممنوع، ورجح هذا القول طائفة، منهم ابن عبد البر وابن الصلاح، يعني وُجد من يجلس أمام باب بيت يستفيد، باب البيت أمامه مكان مناسب للجلوس بالنسبة لهذا الشخص فأراد صاحب البيت أن يمنعه، نعم يمنعه؛ لأن فيه ضرر على صاحب البيت؛ لأنه ينتفع بمنعه، ولو تضرر الجالس يمنعه؛ لأنه ينتفع به، أما لو كان في مكان بحيث لا يطلع على عورات البيت، يعني في جهة أخرى ليس حولها باب وفيه ظل ينتفع به ولا يتضرر به، هذا من النوع الثاني مع أن المسألة المفترضة عندنا في كلامنا أن فيها ضرر على الطرف الآخر دون أن يكون فيه ضرر على الطرف الأول، قال ابن رجب: وبكل حال فالنبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نفى الضرر والضرار بغير حق، فأما إدخال الضرر على أحد بحق، إما لكونه تعدى حدود الله فيعاقب بقدر جريمته، أو لكونه ظلم غيره، فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل، فهذا غير مراد قطعًا، وإنما المراد إلحاق الضرر بغير حق، قال السيوطي: اعلم أن هذه القاعدة ينبني عليها كثير من أبواب الفقه؛ من ذلك الرد بالعيب، وجميع أنواع الخيار، والحجر والشفعة، والقصاص، والحدود، والكفارات، وضمان المتلفات، والقسمة، ونصب الأئمة، والقضاة، ودفع الصائل، وقتال المشركين، والبغاة، وغير ذلك..، وهي مع القاعدة التي قبلها متحدة؛ لأن منع الضرر لوجود المشقة فيه ولوجود المشقة في الضرر يمنع فيوجد التيسير.

يتعلق بهذه القاعدة قواعد: الأولى: "الضرورات تبيح المحظورات، بشرط عدم نقصانها عنها، وننتبه لقولهم بشرط عدم نقصانها عنها، والمثال الذي مثلوا به يقول: ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة، وإساغة اللقمة بالخمر، والتلفظ بكلمة الكفر للإكراه، وقوله: بشرط عدم نقصانها عنها ليخرج ما لو كان الميت نبيا، فإنه لا يحل أكله للمضطر؛ لأن حرمته أعظم في نظر الشرع من مهجة المضطر، مثال غريب أو ليس بغريب؟ قوله: بشرط عدم نقصانها عنها ليخرج ما لو كان الميت نبيا، فإنه لا يحل أكله للمضطر؛ لأن حرمته أعظم في نظر الشرع من مهجة المضطر، الآن يمكن تصوره أو ما يمكن؟

طالب: .......

يعني شخص أشرف على الهلاك، وبجواره قبر نبي، والله -جل وعلا- حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء، متصور أو غير متصور؟ الميت يسلك كل مسلك لإنقاذ حياته، متصور أو غير متصور؟ يعني لما يسمع الإنسان في أول الأمر يقف كيف يؤتى بمثل هذا المثال؟ والله المستعان.

ويخرج ما لو أكره على القتل أو الزنا فلا يباح واحد منهما بالإكراه لما فيهما من المفسدة التي تقابل حفظ مهجة المكره أو تزيد عليها، أما القتل فلا يجوز له بحال أن يفدي نفسه بغير .. يعني وجود هذا أولى من وجود هذا في نظر الشارع، فليس له أن يقدم على قتل أحد ولو أدى ذلك إلى قتله، الزنا يقول جمع من أهل العلم: إنه لا يتصور الإكراه على الزنا بالنسبة للرجل، لا يتصور الإكراه على الزنا، لماذا؟ لأنه لو أكره لم ينتشر، فلا يتصور الإكراه مع أن بعضهم يتصور ذلك، ومن المسائل النادرة امرأة تسأل تقول: إنها فيها مس، فيها جني، وهذا الجني لا يمكنها من الصلاة حتى يقع عليها.

طالب: .......

متصور، لا يمكنها حتى يقع عليها، فهل نقول: اتركِ الصلاة؛ لأنك عاجزة، أو نقول: ارتكاب أخف الضررين، نقول: ابذِلِي الأسباب على أن تصلي، وإذا عجزت عن ذلك فأنت معذورة، ولا يجوز لها أن تمكنه من نفسها، قالوا: ويخرج ما لو أكره على القتل أو الزنا فلا يباح واحد منهما بالإكراه لما فيهما من المفسدة التي تقابل حفظ مهجة المكره أو تزيد عليها.

وما لو دفن بلا تكفين فلا ينبش، يعني دفن عارٍ بلا تكفين، فإنه حينئذٍ لا ينبش، فإن مفسدة هتك حرمته أشد من عدم تكفينه الذي قام الستر بالتراب مقامه، الثانية ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها.

طالب: .........

لا، هم.. لو كفن بكفن مغصوب قالوا: ينبش، على كل حال تم ستره بالتراب ونبشه فيه ما فيه، الحمد لله الأمر فيه سعة إن شاء الله.

ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ومن فروعها المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر سد الرمق، يعني لا يشبع، إنما يأكل منها بقدر ما تقوم به الحياة، من استشير في خاطِب اكتفى بالتعريض ولم يعدل إلى التصريح، اللهم إلا إذا لم يكف التعريض لكن لا بد من التصريح فيكتفى بقدر الحاجة منه، ومن ذلك النظر إلى المرأة في مواضعه كالخاطب والطبيب ونحوهما لا ينظر إلا إلى موضع الحاجة فقط، والحاجة تقدر بقدرها. ومن ذلك تعدد الجمعة لعسر الاجتماع في مكان واحد، الأصل أن إقامة جمعة في بلد واحد في أكثر من موضع لا تجوز، ولو قام أكثر من جمعة فالأولى هي الصحيحة، والثانية باطلة، لكن إذا تعسر اجتماع الناس في مكان واحد يقدر بقدره إن كفى ثانٍ لا يجوز إحداث ثالث، إن كفى ثالث لا يجوز إحداث رابع، وهذا خلاف ما عليه الناس اليوم من التوسع الشديد، الحي الواحد فيه خمسة جوامع، ستة جوامع، يعني لو اكتفي بجامع واحد في كل حي كبير يشمل الناس ويستوعبهم هذا هو الأصل.

المراتب قالوا: خمس: ضرورة وحاجة ومنفعة وزينة وفضول؛ فالضرورة ما لا تبقى معه حياة أو ما يقرب من ذلك، وهذا يبيح تناول الحرام المنصوص عليه، الحاجة تبقى معها الحياة مع المشقة، فهذا لا يبيح الحرام المنصوص عليه بالدليل، قد يبيح ما تتناوله بعض القواعد العامة من فروع تبيحها بعض الحاجة؛ لأنها ليست منصوصة كما نص على ذلك بعض أهل العلم، المنفعة كالذي يشتهي خبز البر ولحم الغنم، هذا فيه منفعة، وقد يكون هذا النوع أنفع له، يسمونها منفعة، الزينة كالمشتهي للكماليات الحلوى وما أشبهها، والفضول التوسع بأكل ما فيه شبهة، والمكروهات الذي يؤدي إلى تناول الحرام وما جاز لعذر بطل بزواله كالتيمم بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة فإنه يبطل.

القواعد في مسائلهما أو في صورهما شيء من التداخل، فيهما شيء من التداخل، ويأتي الإشارة إلى هذا الثالثة "الضرر لا يزال بالضرر"؛ لأن مقتضى زواله بالضرر القضاء المبرم على القاعدة من أصلها، إذا قلنا: إن الضرر يزال بضرر آخر، نعم، وقع الضرر الذي يجب زواله؛ ولذا هذا الكلام..

قالوا في القاعدة الثالثة الملتحقة بهذه القاعدة الأصلية "الضرر يزال" قالوا: الضرر لا يزال بالضرر، وذكرنا أن إزالته بضرر آخر يقضي على القاعدة من أصلها، فالقيد لا بد منه في أصل القاعدة، الضرر يزال لا بضرر، بل هو مفهوم من إطلاقها، فإذا أزلنا الضرر بضرر آخر فإننا في الحقيقة لم نزل الضرر، فالضرر باق، فلا يأكل المضطر طعام مضطر آخر،  يعني زيد مضطر للطعام، ومع عمرو طعام هو مضطر إليه بجملته بقدره، بقدر حاجته إليه، فلا يجوز لزيد أن يتعدى على عمرو، ولو أدى ذلك إلى هلاكه.

طالب: .......

الكلام على الضرر، الضرر ما يزال بضرر، نعم لو وجد طعام لعمرو لا يحتاج إليه قدر زائد، يأخذ يأكل منه ولو لم يرض ولا يقطع من جسده ما يموت بسببه، جائع في مفازة وقال: يقطع يده ويأكلها ولا يموت، فهل يسوغ مثل هذا؟ إذا أدى ذلك إلى موته بأن نزف منه الدم حتى يموت، وغلب ذلك على ظنه، فمثل هذا ضرر لا يزال به الضرر، هناك وقائع حصلت لبعض الناس أكثر من واقعة في الصحراء، في المفازة، وليست معه وسيلة نقل، لدغته حية مع أصبعه، لدغت أصبعه، حية فجاء بالسكين وقطع الأصبع، هذا أزال الضرر، لكن هل يترتب عليه ضرر آخر؟

طالب: .........

أخف من اليد، اليد قد لا يستطيع أن يستولي عليها ويحتويها، لكن الإصبع بإمكانه، ومثل هذا حصل أكثر من واقعة أبدًا تلدغه الحية مع أصبعه فيتخلص منه بسرعة؛ حفاظًا على بقية جسمه، لكن لو أدى ذلك وغلب على ظنه أنه ينزف ويموت ما يجوز له أن يفعل هذا؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، ويستثنى من ذلك ما لو كان أحدهما أعظم ضررًا، وينشأ من ذلك قاعدة رابعة وهي: ما إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما، قالوا: لو ابتلعت دجاجة لؤلؤة، دجاجة زيد ابتلعت لؤلؤة لعمرو، وزيد يقول: لا، أنا لا أريد أن أذبح هذه الدجاجة، أريد أن أربيها للبيض مثلاً، لكنها ابتلعت لؤلؤة فيها أضعاف أضعاف قيمتها، هذا ما يقر عند أهل العلم بارتكاب أخف الضررين، ترتب على الحمل مضرة بالغة بالأم مثل هذا يسقط، إذا كانت المضرة بالغة بالأم بحيث لا تستطيع متابعة الحمل مثل هذا يجوز إسقاطه، أيضًا لو ماتت المرأة وفي بطنها حمل يشق بطنها ويستخرج هذا الحمل الحي، وإن كان فيه ضرر بالنسبة للأم؛ لأن حرمة المسلم ميتا كحرمته حيًّا، ونظيرها قاعدة خامسة، وهي درء المفاسد مقدم أو أولى من جلب المصالح، فإذا تعارض مفسدة ومصلحة قُدم دفع المفسدة غالبًا؛ لأن التخلية -كما يقولون- قبل التحلية، ومثل هذه الإطلاقات لهذه القواعد إنما هو في الجملة في العموم، وإلا قد يوجد مصلحة ومفسدة، مفسدة يسيرة ومصلحة عظيمة، تكون المفسدة مغمورة في جانب المصلحة فترتكب، فليس هذه القواعد على إطلاقها، إذا تعارض مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالبًا؛ لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات؛ ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام-: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»، المنهيات ليس فيها خيرة وليس فيها استثناء، أما بالنسبة للمأمورات ففيها شيء من ذلك، شيخ الإسلام -رحمه الله- يقرر أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، يعني القاعدة التي ذكرناها مقتضاها أن ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور هذا مقتضاها، شيخ الإسلام رأيه -رحمه الله- أن ارتكاب المحظور أخف من ترك المأمور، وحجته في ذلك أن معصية إبليس ترك مأمور وهو السجود، ومعصية آدم ارتكاب محظور، هذا ما يقرره شيخ الإسلام، لكن لا يقال بإطلاق لا هذا ولا هذا، بل ينظر إلى المأمور المراد تركه والمحظور المراد ارتكابه؛ فإذا كان المأمور من الأمور العظيمة والمحظور أقل منه وأخف، لا شك أن كلام شيخ الإسلام متجه وإذا كان بالعكس فكلام الأكثر والجمهور متجه، لكن إذا تساوتا فالحديث «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» يرجح فيه قول الجمهور، أما إذا كان في طريقه إلى صلاة الجماعة -صلاة الجماعة واجبة- في طريقه إلى المسجد بغي، وعلى رأسها ظالم لا بد أن تقع عليها، تترك مأمورًا أو ترتكب محظورًا؟ تترك مأمورًا تصلي بالبيت لماذا؟ لأن المحظور أعظم من هذا المأمور، في طريقك إلى المسجد منكر خفيف، يعني شباب تأمرهم بالصلاة ويتراخون ويستجيبون أو لا يستجيبون، تقول: أنا لا أريد أن أمر مع هذا الطريق الذي فيه هؤلاء العصاة إذا أمرتهم الأمر ينتهي عند هذا؛ لأنك أنكرت عليهم باللسان، وتقول: أنا لا أستطيع أن أحضر إلى مكان أو أمر بمكان فيه منكر، نقول: لا، ترك المأمور في هذه الحالة أعظم من ارتكاب هذا المحظور.

طالب: .........

وهو في طريقه إلى إيش؟

طالب: .........

أنت في طريقك إلى المسجد ويوجد شخص يريد أن يتعرض لامرأة في طريقك بل تعرض لها وأركبها، هل تترك الجماعة وتتبعه لتفرق بينهما؟ نعم؛ لأن هذ منكر يفوت هذا الأمر، لا بد من المبادرة فيه، هذه القاعدة التي هي درء المفاسد أولى من جلب المصالح ترجع في الحقيقة في آخر الأمر إلى التي قبلها ارتكاب أخف الضررين.

هناك قاعدة سادسة يمكن إرجاعها إلى القاعدة الأصلية "الحاجة تُنَزَّل منزلة الضرورة" عامة أو خاصة. الحاجة تنزل منزلة الضرورة، يعني في بعض الأمور التي مشقتها عظيمة فادحة يرتكب فيها بعض المحظور وتجلب التيسير، كالضرورة التي لا تبقى معها الحياة، ومن ذلك قالوا: الإجارة جُوزت على خلاف القياس؛ لأنها عقد على منافع معدومة، أنت تعقد على شيء لم يأت بعد، وهذه إجارة لكن دعت إليها الحاجة الـمـُلِحَّة، الجعالة جُوزت مع ما فيها من جهالة، وذلكم لمسيس الحاجة إليها، الحوالة جوزت مع ما فيها من بيع الدين بالدين، ومثل هذه الأمور هل المرد فيها، وارتكاب مثل هذا الضرر، هل مرده إلى وجود الحاجة أو لوجود النص؟ لوجود النص؛ ولذلك قد يوجد ما هو أشد من هذه الأمور ولا ترتكب المخالفة بسببه؛ لعدم وجود النص.

ونرجع إلى ما قلناه في أول الدرس: القاعدة الخامسة العادة محكمة، وأصلها ما يُروى مرفوعًا: «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن» يستدلون في كتب القواعد بهذا الحديث، يقول العلائي: لم أجده مرفوعًا في شيء من كتب الحديث أصلاً ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال، وإنما هو من قول عبدالله بن مسعود موقوفًا عليه، خرجه الإمام أحمد في مسنده، كذا قالوا في كتب القواعد، ويقول السخاوي في المقاصد الحسنة: حديث: «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن» رواه أحمد في السنة، ووهم من عزاه للمسند من حديث أبي وائل عن ابن مسعود، وقال العِجلوني في كشف الخفاء: هو موقوف حسن، وأخرجه البزار والطيالسي والطبراني وأبو نُعيم في الحلية والبيهقي في الاعتقاد عن ابن مسعود أيضًا، يقول شارح النظم: يمكن الاستدلال لها بآية كذا.. ساق الآية..  :"ومن يتبع غير سبيل المؤمنين" كذا ساقها، والآية كما في سورة النساء: ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ يقول المحشي على شرح القواعد: وجه الاستدلال أن السبيل معناه الطريق، وسبيل المؤمنين طريقتهم التي استحسنوها، وقد أوعد الله -سبحانه وتعالى- بالعقاب والعذاب على من اتبع غير سبيلهم، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب، فالعادة التي استحسنوها إذًا معمولٌ بها شرعًا، والعادة هي كل ما اعتيد حتى صار يفعل من غير جَهد، والحالة تتكرر على نهج واضح أو نهج واحد، كعادة الحيض بالنسبة للمرأة، وجمعها عاد وعادات وعوائد، يقول السيوطي: اعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه في مسائل لا تعد كثرة؛ فمن ذلك سن الحيض والبلوغ والإنزال، وأقل الحيض والنفاس والطهر، وغالبها وأكثرها وضابط القلة والكثرة في الضبة والنجاسات المعفو عن قليلها، كل هذا مرده إلى العرف وإلى العادة. طول الزمان وقصره في موالاة الوضوء يُرجع فيه إلى العرف. سجدة السهو إذا نسيها وقام وترك مصلاه، وإذا طال الفصل لا يسجد، هذا مرده إلى العرف، لا يقدر بزمن محدد، وإنما ما عُد في العرف طويلاً فهو طويل، وما عُدّ في العرف قصيرًا فهو قصير. وبين الإيجاب والقبول إذا قال: بعتك، ثم بعد مدة قال: اشتريت، إذا طال الفصل عادة فإنه لا بد من تجديد الإيجاب، ومرد ذلك على العرف. السلام ورده إذا قال: السلام عليكم، ثم بعد ذلك بعد مدة قال: وعليكم السلام، إذا طال الفصل لم يحصل به امتثال الأمر. الحرز في السرقة مرده إلى العرف، فبعض البلدان حرز الأموال يختلف عما في البدان الأخرى، والحرز يختلف من بلد إلى بلد باعتبار الأمن وعدم الأمن. المعاطاة. وفي صوم من له عادة. والقبض أيضًا يختلف باختلاف أعراف الناس وعاداتهم. دخول الحمام. وقبول الهدية للعامل إذا جرت العادة أن هذا الشخص يهدي إليه قبل أن يكون عاملاً، يعني موظفًا، فإنه يجوز له قبول الهدية منه إذا جرت العادة بذلك. الأكل من الطعام المقدم للأضياف إذا جرت العادة أنه لا يأكل إلا بقدر معين، أو يبدأ بداية معينة، أو ينتهي بنهاية معينة، فالعادات محكمة. في ألفاظ الواقف والموصي والأيمان أيضًا يُرد فيها إلى العادة، يعني هناك عادات سادت قبل مئة سنة مثلاً لا نحكم فيها عاداتنا، أو قبل خمسين سنة أيضًا لا نحكم فيها عاداتنا، إنما نحكم فيها العادات المعروفة عندهم، وفيها مباحث ما تثبت به العادة، قالوا: من الأحكام ما تثبت فيه العادة بمرة واحدة، كالاستحاضة والإباق إذا أبق العبد وأريد بيعه يبين أنه عبد آبق؛ لأن هذا لا شك أنه عيب، الأمة عند بيعها وقد زنت مرة مثلاً، هل يلزم بيانه أو لا يلزم؟ أو مرتين، يعني جاء في الحديث الصحيح: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يُثَرِّب عليها، ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليبعها ولو بظفير» فهل يقال: إنه لا بد من البيان من أول الأمر كالإباق أو لا يبين حتى يتكرر منها ذلك ثلاثًا؛ لأن بيعها بظفير إنما هو بسبب زناها، وفي المرة الأولى ما قال ليبعها ولو بظفير ولا في المرة الثانية قاله في الثالثة، فهل نقول: إنه لا يبين حتى يتكرر؟ الظاهر أن الزنا أشد من الإباق فيبين، وهذا يجر إلى مسألة وهي أن من زنت مثلاً ثم خُطبت، هل يلزم البيان للخاطب أو لا يلزم؟ مسألة طويلة الذيول وكثيرة الكلام وبسطناها في مواضع.

 المسألة الثانية أو القسم الثاني: ما لا يثبت بمرة وفي المرتين والثلاث خلاف، كالجارحة في الصيد والقائف يعني القائف لا بد أن يكون مشهودًا له، خبير بالقيافة، وكذلك الجارحة في الصيد تكون مدربة ومعلمة على هذا الصيد، فهل يكفي في ذلك مرتين أو ثلاث أو أكثر؟ المقصود أن هذا محل خلاف بين أهل العلم، ما يثبت بالثلاثة كمدة الحيض إذا تكرر ثلاثًا صار عادة، وما لا يثبت إلا بتكرار يحصل معه غلبة الظن، كاختبار الصبي قبل البلوغ بالمماكسة، يعني هل يدفع له شيء من ماله ليتاجر به فإذا اختُبر وعُرف أنه يُحسن المماكسة ويُحسن التجارة بعد دربة طويلة وبعد تعاهده في هذا الأمر مرارًا، لا شك أنّه يحتاج إلى نظر متكرر، ولا بد أن تَطَّرِد العادة، فإن اضطربت فلا، فإن باع بدراهم وأطلق نُزِّل على النقد الغالب، لو أن شخصًا من اليمن اشترى من شخص قطري مثلاً أو سعودي سلعة بمائة ريال، وعند مطالبة المشتري بالدفع قال: والله أنا اشتريت بريال يمني، وقال ذا: أنا بعت بريال قطري أو سعودي مثلاً، يؤخذ بقول مَن؟ أو دينار هذا عراقي وهذا كويتي مثلاً، البون شاسع أو ليرة هذه سورية، بون كبير. فمثل هذا العرف -عرف البلد الذي هو فيه محل البيع- فلو اضطربت العادة يعني وُجد في هذا البلد أكثر من عملة بهذا الاسم متفاوتة ويباع فيها بهذه العملات على حد سواء، لا بد من البيان وإلا يبطل البيع. المدارس الموقوفة على درس الحديث أو التفسير أو الفقه وغيرها، يعني وُقفت على تدريس الحديث مثلاً هل يدخل في هذا المصطلح يدخل فيه دراسة الأسانيد؟ يدخل فيه مناهج محدثين؟ أو غير ذلك مما يتعلق بعلوم الحديث أو يقتصر فيه؟ أوقفت على أهل الحديث يقتصر فيه على كتب السنة فقط؟ وقل مثل هذا في التفسير والفقه وما أشبه ذلك، المسألة عرفية؛ فإن كان عرف البلد يدخلون هذه العلوم في الجملة لا بأس، هناك ما يقع فيه التعارض بين العرف مع الشرع والعرف مع اللغة والعرف العام والخاص؛ لأن الحقائق ثلاث: حقيقة عرفية وحقيقة لغوية وحقيقة شرعية، فإذا تعارضت هذه الحقائق فماذا نصنع؟ تعارضت الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية يعني لا بد من مرجح، إذا تعارض العرف مع الشرع يقولون نوعان: ألا يتعلق بالشرع حكم، فيقدم عليه عرف الاستعمال، إن حلف ألا يجلس على بساط فجلس على الأرض يحنث أو ما يحنث؟ لا يحنث، لماذا؟ الله -جل وعلا- سمى الأرض بساطًا هذه حقيقة شرعية بساط، لكنها ليست بحقيقة عرفية، لكن لما كانت التسمية لا يترتب عليها حكم شرعي قدمت الحقيقة العرفية، إذا حلف ألا يجلس تحت سقف وجلس تحت السماء، الله جل وعلا سماها سقف وحينئذٍ لا يحنث؛ لأن تسميتها سقف لا يترتب عليها حكم شرعي، وقل مثل ذلك لو قال: لا يجلس في ضوء سراج لم يحنث بجلوسه في ضوء الشمس وإن سماها الله سراجًا، أن يتعلق به حكم فيقدم على عرف الاستعمال.

مثل المحروم مثلاً، المحروم يتعلق به حكم شرعي تدفع له الزكاة، لكنه في الحقيقة الشرعية يختلف عن الحقيقة العرفية، فيقدم الحقيقة الشرعية المحروم في الشرع الفقير الذي لا يتعرض لسؤال الناس فلا يعطى، لا ينتبه له فيعطى، ولا يتعرض لسؤال الناس ﮙ ﮚ المحروم الذي لا يسأل مع حاجته في عرف الناس، المحروم الذي عنده الأموال الطائلة قد تكون عنده الملايين في البنوك لكنه لا يستفيد منها، يقولون: فلان محروم، هل ينطبق عليه قول الله جل وعلا: ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ؟ لا، أبدًا المقصود أنه إذا ترتب على ذلك حكم شرعي فلا التفات إلى الحقيقة العرفية مع وجود الحقيقة الشرعية، تعارض العرف مع اللغة حقيقة لغوية تتعارض مع حقيقة شرعية، قالوا: في المسألة وجهان أيهما المقدم؟ تقدم الحقيقة اللغوية أو تقدم الحقيقة العرفية؟ حقيقة يلتفت في مثل هذا إلى ذات المتكلم والسامع، يعني لو كان الحديث يجري في وسط علماء، أو لغويين مثلاً وتداولوا لفظًا، وحلف بعضهم على مقتضى هذا اللفظ يختلف عما لو كان المتحدث عاميًّا لا يفهم هذه المصطلحات اللغوية ولا الحقائق اللغوية؛ ولذا يختلفون، فعندهم عند القاضي حسين ومن يقول بقوله تقدم الحقيقة اللفظية عملاً بالوضع اللغوي، والقول الثاني الدلالة العرفية مقدمة؛ لأن العرف يحكم به في التصرفات لا سيما في الأيمان واختاره البغوي وإن كان العرف ليس له في اللغة وجه ألبتة، العرف ليس له في اللغة وجه، فالمعتبر اللغة، وإن كان له استعمال في اللغة ففيه الخلاف، وإن هجرت اللغة ونسيت قدم العرف، فإن قال: أعطوه بعيرًا، هل يعطى ناقة؟ يعطى ناقة أو ما يعطى؟ لا يعطى ناقة لماذا؟ لأن البعير العرف يخصه بالذكر، وإن كان في حقيقته اللغوية البعير يشمل الذكر والأنثى.

يقول العز بن عبد السلام: قاعدة الأيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة؛ لأنها هي الأصل، فالأيمان والنذور مردها إلى الأعراف في قول الأكثر، ومنهم من يعدها إلى نية الحالف، فمثلاً لو حلف ألا يمس شاة فوضع يده على ظهرها، مس شاة أو ما مس شاة؟ هذا العرف وإلا في الحقيقة الشرعية واللغوية ما مس شاة مس الشعر ما مس الشاة والشعر والظفر فيما يقرره أهل العلم في حكم المنفصل، لكن العرف مس شاة كل يقول وضع على ظهره خلاص مسها، تعارض العرف العام والخاص، هذا يأتي في خصوص الأفراد، ويأتي في الجماعات المحصورة المخصوصة، لو تعارض عرف العلماء عامة مع عرف الفقهاء يعني حقيقة معروفة عند العلماء من جميع الفنون، وهذه اللفظة لها حقيقة عند بعض المتخصصين في بعض العلوم، يعني هل يوجد في كتب الفقه تعريف المفلس بمن لا درهم له ولا متاع، لا يوجد في كتب الفقه من يأتي بأعمال أمثال الجبال وكذا وكذا ويأتي قد يعني ..، في سؤال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم ولا متاع» وهذه حقيقة شرعية ما فيها إشكال، وهي المعروفة في عرف الفقهاء، لكن هناك حقيقة شرعية، وهي التي قصدها النبي -عليه الصلاة والسلام-: «من يأتي بأعمال أمثال الجبال» فعندنا حقيقة عامة وحقيقة خاصة، وقل مثل هذا في الأكل والشرب، تتوارد الحقائق الثلاث اللغوية والعرفية والشرعية على أنه تناول الطعام والشراب، فماذا عن الطعام والشراب في قوله عليه الصلاة والسلام: « لست كهيئتكم، إنما أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» هل يطعمه شراب محسوس وطعام محسوس؟ لا؛ لأنه لو كان طعامًا وشرابًا محسوسًا ما صار مواصلاً أصلاً، ما صار مواصلاً، إذن ليس بطعام ولا شراب ولا محسوس، وهذا خارج عن الحقائق الثلاث كلها، ومع ذلك نقول: إنه حقيقة شرعية؛ لأنه جاء على اللسان الشرعي؛ فالطعام والشراب له حقيقتان في لغة العرب هو الأكل والشرب في العرف الشرعي، هو الأكل والشرب الحقيقي الذي يفطر الصائم، هذا في العرف الشرعي أيضًا، لكنه في العرف الخاص «إنما أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» يقدم لو حلف مثلاً، ألا يأكل، أو حلف أن يأكل مثلاً، حلف أن يأكل أو حلف ألا يأكل، يحنث بالأكل والشرب المتعارف عليه عرفًا عامًّا لا عرفًا خاصًّا، يقولون: ضابطه أنّه إن كان محصورا لم تؤثر، كما لو كانت امرأة في الحيض تحيض أقل مما استقرت من عادات النساء، ردت إلى الغالب؛ لأنه عرف خاص محصور لا يؤثر، لكن وقيل: تعتد عادتها، أو تعتبر عادتها، وهذا كأنه هو الأصح، فهم مثلوا بهذا المثال، يعني امرأة لها عادة خاصة من بين سائر النساء، نعم هل تقدم على العادة المطردة لجميع النساء، ما المانع أنها إذا كانت ترى الدم مدة معينة أقل مما تحيضه النساء أو أكثر ما لم يصل إلى شطر الدهر فإنها تعتدها؛ لأن الأحكام رتبت على رؤية الدم وقد رأته وهو دم الحيض الموصوف بصفاته الشرعية، والتمثيل بالعرف العام والخاص الذي ذكرناه أولاً أولى وأوضح، المبحث الثالث العادة المطردة في ناحية هل تنزل عادتهم منزلة الشرط، إذا تعارف الناس في بلد أن من  اقترض رد أكثر، يعني تعوَّد الناس في هذا البلد ما فيه ولا واحد يقترض ألف إلا يرد ألف ومائة، هل ينزل هذا منزلة الشرط ولا يجوز حينئذٍ القرض؟ ولا تجوز الزيادة، أو نقول: هذا من حسن القضاء كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ينزل منزلة الشرط إذا لم يتخلف؟ لا شك ينزل منزلة الشرط، يعني قل مثل هذا في مسألة الزواج بنية الطلاق التي على جوازها جمهور أهل العلم، لو عرف أهل بلد من البلدان أنّ هؤلاء الناس من هذه البلاد إنما يذهبون لتلك البلاد للزواج بنية الطلاق، ويجزمون جزمًا يحلفون عليه أنهم لن يستمروا في هذا الزواج؛ لأن عادتهم مطردة، يذهبون أفواجًا في الإجازات ويرجعون بدون زوجات، يذهبون بنية الطلاق إذا عرفوا بالعادة المطردة صار متعة، يعني كأنه مشترط إذا كان لا يتخلف وينتبه لمثل هذا؛ لأن بعض الجهات صاروا يجزمون حتى صاروا يعرفون أشخاصًا بأعيانهم عرف عن هذا الشخص أنه يأتي في كل سنة لهذا البلد يتزوج ويطلق، هذا مثل الشرط، يعرف أهل البنت أنه لن يستمر معها.

 المبحث الرابع قالوا: العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو العرف المقارن السابق دون المتأخر المقارن، يعني بالكلام المقترن بالكلام ما هو العرف الذي اندرس ولا  العرف الذي أتى بعد، لو وجدنا وصية مكتوبة من خمسين سنة فيها لفظ أو شرط اشترطه الواقف أو قيد في وصيته، عندنا نبحث عنه أو نسأل عنه يمكن يأتي يبطل الوصية في عرفنا، لكنه قبل خمسين سنة كان يستعمل على غير هذا الوجه الذي نستعمله، ولو بحثنا عنه في كتب اللغة لوجدنا معناه غير معنى ثالث، فهل نحكم اللغة أو نعمل بما نفهمه أونعمل بما في وقت المتكلم؟ نعم في وقت المتكلم؛ ولذلك يحتاج إلى بعض الكتب؛ لأن بعض الناس ألف في كلمات انقضت واندرست في مجلدين، بعض الناس يقول: هذا ضياع وقت، وهذا ترف، وهذا ليس مما يستفاد منه، هذا تضييع وقت للمؤلف وللقارئ، نقول: لا يحتاج من هذه الكتب تفسير ألفاظ تأتي في الأوقاف وفي الوصايا وفي عقود الناس المبرمة قبل خمسين سنة اندرست، لكنها موجودة في هذا الكتاب، والكتاب موجود بهذا الاسم (كلمات انقضت)، مطبوع في مجلدين يستفاد منه في هذه المسألة، مسألة مهمة جدًّا، وهي عند المالكية عمل أهل المدينة حينما لا يعمل الإمام مالك -رحمه الله تعالى- بحديث صحيح؛ لأنه مخالف لعمل أهل المدينة هل نقول: إن الإمام مالك يقدم العادة والعرف على النص؟ نعم..، يعني مثلاً صيام الست ثبت به الحديث الصحيح: «من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال ...» إلى آخره، الإمام مالك يقول: ما رأينا أحدًا من أهل العلم والفضل يصومها؛ ولذلك لا تشرع عندهم، بل بدعة، صرحوا بأنها بدعة، هل نقول: إن الإمام مالك قدم العادة والعرف عند أهل المدينة على النص، ما فيه شك أن الإمام مالك، وهو في كل باب من أبواب من أبواب الموطأ يقول: والذي عليه العمل عندنا، أو ليس عليه العمل عندنا، يعني لا شك أنه يقصد أهل المدينة، وهذا أصل عنده من الأصول، وقل مثل هذا في قول الإمام أحمد في ختم القرآن في الصلاة قال: كان أهل مكة يفعلونها. هل هو قدم عمل أهل مكة على الأصل في المنع؟ قدم عادة أهل مكة؛ لأنهم كانوا يفعلونها، يفعلون الختم في الصلاة، قدم هذا على الأصل في المنع، «من عمل عملا ليس عليه أمرنا» فهو رد، وهذه عبادة محضة لا يجوز أن يزاد فيها ولا ينقص، وقدم فيها عمل أهل مكة وهذه حجته كان أهل مكة يفعلونها، ويعتذر له بأن هذا دعاء وجنس الدعاء مثله في الصلاة كثير، على كل حال لا شك أن مثل هذا تقديم على ما في النصوص وله طريقة وجادة عند أهل العلم، فمالك يقدم عمل أهل مكة، والإمام أحمد في هذه المسألة في خصوصها عمل بعمل أهل مكة، وإلا فالأصل المنع.

انتهينا على هذا الوجه الذي رأيتم ما فيه من سرعة وإلا فالأصل أننا نبسط الكلام في هذه القواعد؛ لأهمية البسط فيها، كانت النية قبل أننا ننهي الدورة في قاعدة واحدة ولا تنتهي، لكن نرجو أن يكون في هذه القواعد درس ثابت، نسأل الله أن ييسر الوقت المناسب له ويستمر -إن شاء الله- فإذا انتهت هذه القواعد نستمر في قواعد ابن رجب -إن شاء الله تعالى- ويعلن عنه إذا تيسر له وقت مناسب، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"