حاجة الناس إلى العلماء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله -جل وعلا- لم يخلق الخلق عبثاً، ولا تركهم سدى ولا هملاً، بل خلقهم لهدف عظيم، وغاية نبيلة، وهي تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] ومن أجل تحقيق هذا الهدف تحقيق العبودية بعث الله الرسل، وأنزل الكتب، إذ لا سبيل إلى الخلق لتحقيق هذا الهدف إلا عن طريق الرسل، وما جاءوا به عن الله -جل وعلا-، لا يستطيع الإنسان مهما بلغ من الذكاء أن يعبد الله على مراده من غير ما جاءت به الرسل، فبالنسبة لما بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- لا وصول لأحد إلى تحقيق الهدف وبلوغ الغاية إلا عن طريقه -عليه الصلاة والسلام-.

وأهل العلم يذكرون من النواقض -من نواقض الإسلام- كون الإنسان يزعم أنه يسعه ما وسع الخضر من عدم الاقتداء والاتباع لموسى، وأنه بإمكانه أن يصل إلى الغاية من غير طريق النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا ناقض من نواقض الإسلام، فلا معرفة لنا بالأمور التوقيفية إلا عن طريقه -صلى الله عليه وسلم-.

النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثه الله بشيراً ونذيراً، مبشراً لمن أطاع واتبع، ومنذراً لمن خاف وعصى، وبلغ ما أرسل به، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ومات -عليه الصلاة والسلام- بعد أن كمل الدين، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [(3) سورة المائدة] فمن يزعم أنه يكمل الدين بشيء كان فيه نقص فهو ضال، ومن أحدث في الدين ما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة فهو مبتدع، وكل بدعة ضلالة، فهو ضال أيضاً، فالدين ليس بحاجة إلى تكميل من أحد، بل هو كامل قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس بحاجة إلى ترويج، نعم هو بحاجة إلى علماء يبينون وإلى دعاة ينشرون، لكن ليس بحاجة إلى ترويج، ولذا ضل فريق من المتعبدة الذين يعبدون الله على جهل وضلال أن الناس قد انصرفوا –على حد زعمهم– عن الدين فأرادوا أن يردوهم، وأن يروجوا الدين بأخبار وقصص ينسبونها زوراً وبهتاناً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يرغبوا الناس في الدين، والدين كامل شامل لجميع نواحي الحياة، لجميع ما يحتاجه الناس من الولادة إلى الوفاة.

وضعوا الأحاديث ترغيباً في الدين، وصرفاً لهم عن ما يشغلهم عنه، وهؤلاء قوم ضلال، ولا يكفي في ذلك صحة الهدف، يعني كون الناس يرجعون إلى الدين هدف نبيل، لكن كيف تحقق هذا الهدف النبيل؟ تحقق هذا الهدف ببيان الدين وإجلائه وتوضيحه للناس، لا بترويجه بالأحاديث والقصص الكاذبة، ولذا اشتدت الحاجة إلى أهل العلم إلى الراسخين الذين قد بنوا علمهم على ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، بنوا العلم على الأساس المتين من نصوص الوحيين، وتعلموا ما يعينهم على فهم هذه النصوص، ولذا صارت الجادة المطروقة عند من يريد أن يكون ممن أراد الله به الخير وفقهه في دينه بنى علمه على كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وتعلم ما يعينه على فهم الكتاب والسنة.

الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين بعث فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- عرب، عربيتهم لم تتلوث بغيرها، ولم يختلطوا بغيرهم فيؤثروا عليهم، فهموا نصوص الكتاب والسنة بمجرد سماعها، ولذا لم يكونوا بحاجة إلى غير الكتاب والسنة، يسمعون القرآن ويفهمون، المشركون يسمعون القرآن من النبي -عليه الصلاة والسلام- ويفهمون، ومما يؤسف له أن بعض المشركين يفهم القرآن أكثر من فهم بعض من ينتسب إلى الإسلام اليوم، لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للمشركين: ((قولوا: لا إله إلا الله)) استنكروا ورفضوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [(5) سورة ص] لكن بعض المسلمين مع الأسف الشديد لا يفهم معنى لا إله إلا الله، يطوف بقبر ويقول: لا إله إلا الله، يذبح لولي أو لجني أو لغير ذلك ويقول: لا إله إلا الله، هذا دليل على أنه لم يفهم لا إله إلا الله، حتى أتى بما ينقضها من أساسها، أتى بالشرك الأكبر الذي لا يغفر، نسأل الله السلامة والعافية.

الحاجة إلى الأنبياء ضرورية كما أسلفنا إذ لا يمكن الوصول إلى تحقيق الهدف إلا عن طريقهم، ثم بعد ذلك الحاجة ماسة إلى ورثة هؤلاء الأنبياء وهم العلماء، العلماء الربانيون الراسخون الذين حملوا العلم، مما جاءهم عن طريق الأنبياء حملوه بحق وأدوه بحق، ولا يتمارى اثنان في أن الحاجة إلى العلماء أمس من الحاجة إلى الطعام والشراب، يتصور الإنسان نفسه وليس عنده شيء من مبادئ العلوم، في بلد ليس فيه عالم ولا تعليم، كيف يعبد الله -جل وعلا-؟ كيف يصلي؟ كيف يزكي؟ كيف يصوم؟ كيف يحج؟ كيف يتعامل مع الناس؟ ولذا ذكر الآجري في أخلاق العلماء مثالاً لحاجة الناس إلى العلماء، فقال: "مثل العلماء ومثل الناس بهم وبدونهم كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة في وادٍ مسبع، فيه سباع ووحوش وأشجار وحيات وعقارب، في ظلام دامس، يسيرون لا يدرون على ما يطئون، وما يواجههم، ولا إلى أين يتجهون؟ فجاءهم شخص بيده مصباح فأنار لهم الطريق حتى أخرجهم من هذا الوادي المظلم، يعني هؤلاء هل هم بحاجة إلى صاحب المصباح؟ بحاجة ماسة، يعني وإذا تصورنا هذه الحاجة أن غاية ما يدعو إليها طلب السلامة من الموت الذي هو أعظم ما يواجه الإنسان، والموت نهاية لكل حي، وبعد ذلك يواجه ما قدم، وماذا خسر؟ خسر الدنيا، خسر ما بقي من عمره على حد زعمه من الدنيا، ما الذي يخسره من فقد العلم والعلماء؟ يخسر الآخرة، وموضع سوط من الجنة يعدل الدنيا وما فيها، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، كيف نعرف حقيقة هذه الدنيا؟ ونحن نقضي الأوقات الطويلة فيما لا ينفع، فضلاً عن كوننا نقضيه فيما ينفعنا في أمور دنيانا، غير ملتفتين إلى ديننا، وما ينفعنا في الآخرة.

كثير من الناس بحاجة ماسة اليوم أن يقال له: ولا تنس نصيبك من الآخرة، بدلا من أن يكون الأصل ما خلق من أجله الأصل العبودية، ثم يحتاج إلى أن يقال له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] يعني من الدنيا التي تعينك على تحقيق الهدف، هل عرفنا حقيقة الدنيا مثل ما عرفها سعيد بن المسيب؟ خطبت ابنته من قبل ابن الخليفة جاء الوسيط فقال لسعيد: جاءتك الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يخطب ابنتك، ماذا كان جوابه؟ جوابه يقول: إذا كانت الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة فماذا ترى يقص لي من هذا الجناح؟ إيش اللي بيوصل سعيد من هذا الجناح؟ ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) المراد بذلك النافلة خير من الدنيا وما فيها، ركعتان يمكن أداؤهما على ما جاء في الوصف في الحديث بدقيقتين؛ لأن من صفة هذه الصلاة الخفة، حتى قالت عائشة: "ما أدري أقرأ -صلى الله عليه وسلم- الفاتحة أم لا؟" بدقيقتين تعدل الدنيا وما فيها.

المقصود أن الحاجة داعية وماسة إلى العلماء، بقدر حاجة الإنسان إلى دينه وإلى الفوز برضى الله -جل وعلا-، والنجاة من عذابه -جل وعلا-.

إذا عرفنا أننا بأمس الحاجة إلى أن ننجو من العذاب، كيف ننجو من العذاب؟ بمعرفتنا بما ينجينا من معرفة الحلال والواجب لنفعله، والمحرم لنجتنبه، ولا يكون ذلك إلا عن طريق العلماء، والعلماء إذا أطلقوا يراد بهم أهل العلم والعمل؛ لأنه قد يوجد بين ظهراني الناس من يسمون علماء، وهم في الحقيقة لا يستحقون هذا الاسم؛ لأن الوصف بالعلم تشريف، ورفعة في الدنيا والآخرة، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] هذا وصف تشريفي، فكيف يستحقه من يحمل شيئاً من العلم وهو لا يعمل به؟ يسمع الأمر والنهي في الكتاب والسنة ويخالف، يتثاقل عنه، ويسمع النهي الصحيح الصريح ويرتكبه، وعلى هذا المقرر المحقق أن ما يحمله الفاسق ليس بعلم؛ لأن العلم في الحقيقة ما نفع، وهذا لم ينتفع بعلمه، والعلم ما أورث الخشية، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] فالذي لا يخشى الله -جل وعلا- ليس من العلماء، ولذا جاء قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] هل من شرط قبول التوبة أن لا يعرف الإنسان الحكم؟ يعني الذي يعرف حكم الزنا ويزني تقبل توبته وإلا ما تقبل؟ نعم؟ تقبل، الذي يعرف أن شرب الخمر حرام ويشرب تقبل توبته وإلا ما تقبل؟ إذاً هو يعرف الحكم، ولارتكابه ما يخالف هذه المعرفة سماه الله -جل وعلا- جاهلاً، ولذا يقرر أهل العلم أن كل من عصى الله فهو جاهل، وجاء في الحديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ولذا جزم ابن عبد البر أن كل من يحمل العلم عدل، كل من يحمل العلم عدل.

قلت: ولابن عبد البر كل من عني
فإنه عدل بقول المصطفى

 

بحمله العلم ولم يوهنِ
(يحمل هذا العلم) لكن خولفا

يعني المسألة في شخص حمل العلم، يعني على رأي ابن عبد البر هو عدل، يعني وجدنا من يحمل العلم وهو غير عدل، وهو غير ثقة، إذاً نعكس كل من عمل بعلمه..، أو كل من عمل فهو عالم، أقرب إلى قول: كل من علم فهو عدل، كل عدل عالم، ولا عكس، ولذا يقول: لكن خولفا، يعني ابن عبد البر خالفه أهل العلم؛ لأنه وجد بين ظهراني الناس من يحمل العلم وهو في الحقيقة غير عدل، خولف، والحديث مختلف في ثبوته، وممن أثبته الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، كثير من أهل العلم يضعفوه، إذا عرفنا هذا وأن ما يحمله الفساق ليس بعلم، وأن الفاسق ليس بعالم نأتي إلى من تصدى على مر العصور من عصر الصحابة إلى يومنا هذا للتعليم، حمل العلم بالطرق المعتبرة عند أهل العلم، وعلى الجادة المعروفة عندهم، وعلم الناس، وقضى بينهم، وأفتاهم، وبين ما يجوز وما لا يجوز، هذا هو العالم الحقيقي، هذا هو العالم الذي يقتدى به، فإذا بين للناس ما نزل إليهم، وأخبرهم عن الأحكام وبين لهم الحلال والحرام هذا يسمى في العرف العلمي والاصطلاح مفتي، إذا كان يبين للناس من غير إلزام، وإذا كان يبين للناس مع الإلزام فهو قاضي.

الفتوى الإخبار عن الله -جل وعلا-، وعمدتها الكتاب والسنة، يعني ما جاء عن الله، وجاء ما يدل على اعتماد القياس عند جماهير أهل العلم، ولهذا القول دلائله من الكتاب والسنة، مما لا نطيل بذكره.

المفتي مخبر عن الله -جل وعلا-، موقع عنه تعالى، ولذا ابن القيم -رحمه الله تعالى- سمى كتابه: (إعلام الموقعين عن رب العالمين) وبعضهم يضبطه (أعلام الموقعين عن رب العالمين) ويقصد بذلك المفتين، هم الذين يوقعون عن الله -جل وعلا-، وسواءً قلنا: إعلام وهو إخبار بمضمون هذا الكتاب، أو قلنا: أعلام لأنه ذكر من الأعلام الذين تولوا الفتوى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهم أعلام، أئمة أعلام، وسواءً هذا أو ذاك فالموقعون هم المفتون عن الله -جل وعلا-.

المفتي لا يتبع في فتواه حتى يجمع ويضم إلى العلم الدين والورع.

وليس في فتواه مفت متبع
ج

 

ما لم يضف للعلم والدين الورع
ج

لأنه إذا لم يكن عالماً وهو الشرط الأول كيف يفتي الناس؟ وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -جل وعلا- لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، وإنما يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) رؤوساً جهالاً، يعني قبل ذلك عند وجود العلماء اتخذ الناس رؤوساً جهال وإلا علماء؟ علماء، ولذا يقول أهل العلم: إن الرئاسة الحقيقية لأهل العلم، الرئاسة وفي رواية: ((رؤساء)) الرئاسة الحقيقية لأهل العلم، ومن يتصدى للإجابة عن مشاكل الناس وأسئلتهم وبقدر ما يعطي يكون نصيبه من هذه الرئاسة، ولا نحتاج إلى ضرب أمثلة؛ لأنه يوجد من يبذل وهو من أهل العلم بحق ولذا ساد الناس، ويوجد من أهل العلم من بذله أقل وسيادته تكون أقل.

"ما لم يضف للعلم والدين" الدين المراد به التدين والعمل بالعلم، وإلا إذا قلنا: المراد به الإسلام ما يمكن أن يتصور عالم غير مسلم، نعم، لا يتصور إلا إذا كان يدرس الدين ويدرس العلم الشرعي لهدف من الأهداف كالمستشرقين مثلاً، الذين يقصدون من دراستهم هدم الدين، وهؤلاء ليسوا بعلماء، وإن لاك أو لاكت ألسنة بعض الناس وصفهم بالعلم، بل الترحم عليهم، نسأل الله السلامة والعافية، هذا ضلال نسأل الله العافية.

...................................
ج

 

ما لم يضف للعلم والدين الورع
ج

من لازم الدين الصحيح الصادق الورع، من لازم الدين الصادق الذي يخلص فيه صاحبه لله -جل وعلا- الورع، لكن التنصيص عليه لأنه قد يغفل عنه، المفتي على قدر من العلم وعلى قدر من التدين والعبادة، لكن قد يغفل عن الورع إذا سئل عن شيء.

وهل الورع من أجل أن يحمل الناس عليه أو من أجل أن يكف نفسه عن الفتوى التي لا يتبينها؟ السلف يتورعون عن الفتوى، ويتدافعون الفتيا، وقد يرد، يقدم من العراق أو من خراسان أو من أقاصي الدنيا إلى المدينة أو مكة وبعد لأي وجهد جهيد يجد من يفتيه، والصحابة متوافرون، والتابعون لهم كذلك، كل واحد يقول: اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان، يأتي السائل من العراق يسأل ابن عمر فيقول: اذهب إلى ابن عباس، فيقول: ابن عباس مالت به الدنيا ومال بها، يعني توسع في أمور الدنيا بخلاف ابن عمر، يعني توسع ابن عباس في حدود المباح -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، ابن عمر لا تورع عن كثير من الأمور، وبهذا نعرف قيمة العالم العابد حتى عند عوام الناس، الذي ينجمع على آخرته وقد يغفل عن كثير من أمور دنياه؛ لأن مثل هذا بغض النظر عن ابن عباس، ابن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، لا يستطيع أحد أن يتطاول عليه، لكن هذا الحاصل، القصة في الصحيح، اذهب إلى ابن عباس، قال: ابن عباس مالت به الدنيا ومال بها، فهو يريد مثل ابن عمر في ورعه وانكفافه وانجماعه، فالعالم الرباني عليه أن ينظر إلى آخرته، وليس معنى هذا أن يحرم نفسه، ويحرم من تحت يده، بحيث يتكففون الناس، لا، لكن يتوسط في أمرهم، لا يكون جمعه لدنياه، وحرصه على دنياه على حساب دينه.

...................................
ج

 

ما لم يضف للعلم والدين الورع
ج

طيب قد يقول قائل: كيف يتورع الصحابة عن الفتوى وهم يعرفون الجواب، ويأتيه السائل من بعيد ويقول: اذهب إلى فلان، ثم فلان يقول: اذهب إلى فلان، فلان يقول: اذهب إلى فلان، لا شك أن هذا ورع، وقد أخذ العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوا، وأبو هريرة يقول: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [(159) سورة البقرة] آية مخيفة تجعل العالم يبذل، وإن كان بالمقابل أيضاً على خطر شديد، فالفتوى قول على الله، فإذا كانت من غير علم ولا تثبت فهي كذب على الله -جل وعلا-، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ} [(116) سورة النحل] كذب على الله ليس ككذب على أحد، إذا كان الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد)) فكيف بالكذب على الله -جل وعلا-؟ المسألة خطيرة يا الإخوان، وإذا ضممنا هذه الآية إلى قول الله -جل وعلا- في سورة الزمر: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] هل يرضى الإنسان من أجل أن يقال: عالم يرضى بمثل هذا؟ وما الذي يدعوه إلى أن يجيب؟ إما بجهل أو بغير تثبت أو بتسرع، الذي يدعوه إلى ذلك من أجل أن يقال: فلان عالم، من بحور العلم، والله ما رد أحد، يسأل ويجيب بسرعة، أقول: يا أخي هون على نفسك، أتعلم من الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، ترى فيهم رجل تعلم وعلم، ولكن ليش؟ ليقال: عالم.

ومن يكن ليقول الناس يطلبه

 

أخسر بصفقته في موقف الندمِ

النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو المؤيد بالوحي يُسأل فيسكت، ينتظر من أهل العلم من يقول: إنه ينتظر الوحي، ومنهم من يقول: ينتظر يسكت ليربي من يفتي بعده؛ لئلا يتسرع؛ ولئلا يتعجل، ومع الأسف أننا نجد من يتصدى للفتوى في هذه الأزمان من يسارع، ويجيب على السؤال قبل تمامه، وأحياناً يجيب بضد المطلوب، والأمثلة كثيرة، سمعتم وتسمعون، شخص يسأل في وسيلة من وسائل الإعلام يسأله شخص، يقول: إن ولده يضربه، تصور الولد يضرب الابن، والأب هو السائل يقول: إن ولده يضربه، وأريد أن تسدي له نصيحة مباشرة قال: الأدب شرعي، والولد لا بد له من الأدب، وكون الوالد يضرب ولده هذا أمر مطلوب، ((واضربوهم عليها لعشر)) فهم عكس المراد، فهم أن الابن هو الذي يشكي أباه، أو يسأل عن حال أبيه، ويطلب توجيه للأب أنه يخفف عليه ولا يضربه، عكس المراد، والأمثلة على هذا كثيرة.

ولذا يتصدى كثير الآن مع الأسف الشديد، ومع الانفتاح الذي يعيشه الناس، ومع قلة الورع قد يكون هناك علم، لكن الورع أين الورع؟ يصعب عليه أن يقول: لا أعلم، يشق عليه أن يقول: لا أدري، من غاب عنه لا أدري لا بد أن يقع؛ لأنه مهما كان من العلم لن يخرج عن قول الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] فالفتوى تحتاج إلى علم، وتحتاج أيضاً إلى دين ليكون قدوة، إذا أجاب يعمل بقوله، وإلا إذا لم يوجد الدين ولو وجد العلم، يبين له الحكم ويخالف الحكم لن يعمل بقوله ولن يقتدى به، ويحتاج المفتي أيضاً إلى الورع.

بعض السلف إذا سئل عن مسألة انتفض، وأصابته الرحضاء، وعرق عرقاً شديداً ولو كان في الشتاء، لماذا؟ لأن الفتوى مزلة قدم، أنت تخبر عن من؟ يعني إذا كان الكذب على آحاد الناس حرام، والكذب على الرسول: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) والكذب على الله -جل وعلا- أعظم.

فالمسألة تحتاج إلى إعادة حساب من قبل بعض من يتصدى إلى الفتوى، عندنا علماء، وعندنا راسخون، وعندنا أئمة علم وعمل، ويتصدون للفتوى، وهم مسددون موفقون، ونحمد الله على هذه النعمة، الخير موجود، لكن قد يوجد من يفتي من الطرف الآخر، والزلات كثرت، وثقة العوام بأهل العلم تزحزحت، لماذا؟ لأن الشيخ الفلاني يُسأل عن مسألة عقد مالي فيقول: حرام، ويسأل آخر وهو في السن في مقام أولاد الشيخ الأول ويقول: حلال، طيب قد يقول: إحنا أعرف من أولئك في تصور المسائل الجديدة والاقتصاد، يقول: حلال، ثم بعد ذلك الناس ما يدرون منهم من يرجح بالهوى فيرتكب الفتوى الثانية، ومنهم من يقول: الشيخ الفلاني أعرف فنطلب مرجح ثالث، حتى رمي بعض أهل العلم الراسخين وشاع في مجالس الناس مع الأسف الشديد أن فلاناً لا يُسأل، كل شيء حرام، لماذا؟ لأنه يفتي بما يخالف أهواءهم، لا يسأل فلان كل شيء حرام، إذا كان مرد القبول والرفض الهوى، الحديث المختلف في ثبوته: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) ومقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولد والناس أجمعين)) وفي قوله لعمر: ((حتى من نفسك)) يقتضي هذا، إذا قدمت هواك على ما جاء عن الله وعن رسوله فأنت ما أحببت الرسول؛ لأن الذي يحب يكون مطيعاً لم يحبه.

أتعصي الإله وأنت تزعم حبه؟!
لو كان حبك صادقاً لأطعته

 

هذا لعمري في القياس شنيعُ
إن المحب لمن يحب مطيعُ

فالمعول على الوحيين، وإذا جاءت الفتوى بنص...؛ لأنه أحياناً يأتي السؤال مطابق لسؤال سئل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيورده المفتي فلا مفر، ولا يجوز التردد في القبول، اللهم إلا إن كان النظر من جهة هل هذا النص محكم أو منسوخ أو مقيد أو مخصص هذا من هذه الحيثية لا بأس، ويكون هذا في حق من له النظر، أما العامي إذا أفتاه من يثق بدينه وعلمه لا يجوز له أن يتردد وإلا صار متبعاً لهواه، إذا أفتاه فلان قال: يلزمك دم، قال: لا، ندور غيره، في أسمح منه، إذا سئل عن معاملة قال: حرام، نبحث، نسأل غيره، ثم بعد ذلك يقع الاضطراب بين الناس، ويقع من قبل بعض العامة إساءة الظن بالدين، بعضهم يقول: الدين تغير، كل عمرنا عايشين على كذا، ثم جاءونا ها الشباب وغيروا الدين، هذه إساءة ظن بالدين، وإذا أطلع الناس على الخلاف وهم لا يستوعبونه لا بد من إطلاعهم على سببه، على سبب الخلاف ليعرف أن هذا الاختلاف وهذا الاضطراب ليس في الدين، الحق واحد لا يتعدد، لكن العلماء يجتهدون ويختلف اجتهادهم وكلهم مأجور إذا كانوا أهلاً للاجتهاد، فعلى طالب العلم أن يمرن نفسه، وأن يعسف نفسه على التريث إذا سئل، وأن يكون على صلة وثيقة بفتاوى أهل العلم.

ومما ينصح به طلاب العلم قراءة فتاوى العلماء المعاصرين، وهي موجودة ولله الحمد؛ لأنها تعالج قضايا حية، موجودة وبأسلوب يفهمه كل أحد، مثل فتاوى الشيخ ابن باز أو ابن عثيمين أو اللجنة الدائمة أو غيرها من الفتاوى الموجودة -ولله الحمد- وجود كثرة، ليسير على الجادة، ويتصور التصور الصحيح، ولا تكثر الشواذ عنده؛ لأن بعض الناس يكون علمه من الكتب، وظروف ما أفتي به قبل خمسمائة أو ستمائة سنة في بلد من البلدان أو لشخص من الأشخاص قد تختلف عن الظروف التي نعيشها وإن كان هناك قدر مشترك وهو الكثير الأغلب في أحكام الدين أنها ثابتة لا تتغير، قد يتغير جواب العالم بالنسبة لزيد عن جوابه لعمرو، لما يحتف بزيد من الأمور التي جعلت الحكم يخفف عليه، وعلى ذاك يشدد؛ ولأن هذا جاهل عذر بجهله، وذاك غير جاهل، يعني على سبيل المثال سئل الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عن قوم يطوفون على قبر في بلد ما، وسئل نفس السؤال عن بلد آخر، فأفتى بأن هؤلاء البلد أو هؤلاء الناس كفروا بهذا، وأولئك عذرهم بالجهل؛ لأنه يعرف من حال هؤلاء أنهم بلغتهم الدعوة، وبين لهم الحق، وأصروا على ذلك، وأما أولئك فهم معذورون بجهلهم، فالذي يسمع الفتوى هذه والفتوى هذه يقول: اضطرب جواب الشيخ، ومرده إلى هذا.

فليكن من يتصدى للفتوى على حذر شديد؛ لأن ألزم ما على الإنسان خلاص نفسه، يسعى الإنسان جاهداً على خلاصه قبل أن يسعى إلى خلاص غيره، أنت مسئول أمام الله -جل وعلا-، لن تترك بعد هذه، هي مدونة عليك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، أنت الآن أحسنت على هذا على حد زعمك، وخففت عليه الحكم لكن أنت وين جوابك؟ يعني هل عند شخص من الأشخاص أغلى من نفسه؟ هل يمكن أن يؤثر على نفسه أحد ويتحمل؟ يقول: نتحمل، نفتيه بأنه لا يجب عليه هذا، أو لا شيء عليه ونتحمل، يمكن أن يقول هذا عاقل؟ لماذا طلب العلم؟ لماذا تعلم؟ لماذا أفتى؟ مو من أجل أن يرجو ثواب الله -جل وعلا-، فكيف يرتكب ما يوجب عقابه؟ فليكن السعي إلى خلاص النفس قبل السعي إلى خلاص الغير، نعم الإحسان إلى الآخرين مطلوب، أيضاً مع وجود من يتسرع في الفتوى، ويعرض نفسه لها، بل يطلب أن يساهم في هذا الباب، ويكثر من هذا ولا يتورع.

يوجد أيضاً في المقابل طرف آخر، أهل وأكفاء ومع ذلك يتهربون بحجة أن السلف يتدافعون الفتوى، لكن إذا تعينت الفتوى على شخص لا يجوز له بحال أن يعتذر عنها ((من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار)) فالمسألة تحتاج إلى توازن وإلى اعتدال، فمن كان أهلاً لذلك لا يتأخر، والناس بحاجة ماسة، ومن جعل نفسه للناس يعرف مقدار هذه الحاجة، الناس يتصلون في الهاتف إلى قبيل الفجر يبحثون عن من يفتيهم، ويقسم بعضهم أنه منذ شهر يبحث عن من يفتيه ولا يجد، لماذا يفعل هذا؟ لأنه يعرف هؤلاء الذين يعرضون أنفسهم وهم موجودون في كل وقت وعلى كل حال، يريد أهل تحري، فمثل هذا من له؟ لا بد من البذل، من الأكفاء لا بد من البذل، وطالب العلم عليه أن يسعى لتكميل نفسه؛ ليقوم بحاجة الناس، الحاجة ماسة، والبيان أمر لا بد منه، ولا يقوم أمر الدين ولا الدنيا إلا بالعلم، ولذا جاءت النصوص الصريحة الصحيحة القطعية بأن العلم من أفضل الأعمال، وهو في حق بعض الناس يكون أفضل الأعمال، وقد يتعين على بعض الناس، فإذا تعين على الشخص وتخلى عنه فهو آثم.

طالب العلم الذي يسر الله له سلوك السبيل ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) إذا يسر الله لك سلوك هذا الطريق وأنت في أثنائه قد تراودك نفسك بالترك أو بالفتور؛ لأن زملائك توظفوا وكسبوا أو ساهموا أو زاولوا التجارة وتجروا وأنت في مكانك {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [(61) سورة البقرة] العلم لا يعدله شيء، العبادة على بصيرة، الدعوة على بصيرة متى تكون؟ {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [(108) سورة يوسف] لا تكون الدعوة على بصيرة إلا إذا كانت مبنية على علم راسخ، والعبادة لا تكون على بصيرة إلا كذلك.

فعلى طالب العلم أن يحرص وأن يجد ويجتهد لتحصل له الرفعة في الدنيا والآخرة، قد يقول قائل: أنا طالب علم لكن تأهيلي الشخصي قد يعوق دون التحصيل، حافظتي ضعيفة، وفهمي ضعيف، هل أترك الطلب أو أستمر؟ نقول: استمر؛ لأن تسهيل طريق الجنة إنما رتب على مجرد سلوك طريق العلم، لا على كون الإنسان يصير عالماً ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)) ولو لم يكن عالماً ((سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) قد يقول قائل: أنا والله شايب كبير، أنا عمري خمسين، ستين، سبعين، ثمانين، صالح بن كيسان ذكر في ترجمته أنه لما بلغ التسعين طلب العلم، وإن كان الذهبي وغيره يشكك في السن، لكن هذا موجود، القفال الكبير معروف، كبير جداً سنه، لما بلغ التسعين صالح بن كيسان أو قل: سبعين، ستين، خمسين، بعض الناس إذا لاح الشيب يقول: ما يجيب العمر كثر مما مضى، يا أخي أنت لو ما عندك إلا يوم واحد تسلك فيه علم سهل الله لك به طريقاً إلى الجنة، بس تصدق النية لله -جل وعلا-، والأمور متيسرة، الأسباب موجودة، يعني -ولله الحمد- الأشرطة الآن في كل بيت، الشباب والشابات والنساء والرجال كلهم تعلموا، عجوز في السبعين من عمرها لا تقرأ ولا تكتب حفظت القرآن، في أكثر من حادثة، ونجد بعض كبار السن من الرجال الذين متعهم الله بصحة، زودهم من الذكاء والحفظ، أحياناً يوجد في الكبار من الذكاء والفهم ما لا يوجد عند الشباب، يقول: والله ما يجيب العمر كثر مما مضى، ثم يتقدم إلى المسجد مع الأذان، وهو على خير -إن شاء الله تعالى-، يجلس ما يصنع شيئاً، ولا يعان ولا على تسبيح وتهليل، أدنى بزر عندك في البيت لو تقول له: حفظني سورة كذا، موجود في البيت، وعندك الأشرطة المعلمة، وعندك كل شيء، فلا يأس.

أذان؟

طالب:.......

بالنسبة للمفتي مع غيره قد يتعرض لشيء وهو الاختلاف مع غيره في تحديد ما يفتى بجوازه ومنعه، وقد يلتبس عليه الضابط فيما يجوز وما يمنع، ولنضرب مثال بالجوال مثلاً ومناسبته قائمة، ورن الجوال أثناء الصلاة وبعد الصلاة من بدايته إلى نهايته ولا أغلق بنغمات موسيقية، وفتوى اللجنة الدائمة بتحريم النغمات الموسيقية موجودة ومبذولة، ومع ذلك لا يرفع إنسان لسانه إلى لهاته ولا ينكر، لماذا؟ يقول لك: والله الجوال هذا مع عامل لو تكلمت ما يفهم، أو يقول: يمكن هذا ما هو بموسيقى نختلف في كونه موسيقى، ثم بعد ذلك إذا تواطئنا على ترك المنكر في أول الأمر سوف تُسمع الأغاني في المساجد عقوبة من الله -جل وعلا-، فمثل هذه الأمور وهو في بدايتها لا بد من إنكارها، ومع الأسف أن كثير من مساجد المسلمين تحولت إلى ما يشبه الكنائس، جوال يمين وجوال وسط، وجوال يسار، وجوال كذا، وبالموسيقى، يعني الرنات التي ما تؤثر في النفوس وليست على طريقة الفساق في أغانيهم هذه أمرها سهل، يعني تنبيه مجرد تنبيه، والملائكة لا تصحب رفقةً فيهم جرس، الجرس الذي يعلق على الدواب هذا لا تصحبهم الملائكة، فكيف بالموسيقى المطربة التي بعضها مستخلص من أغانٍ ماجنة؟ ومع ذلك كل واحد يتكل على الثاني، أو يقال: هذه ما هي بموسيقى، أو يروج في القنوات من بعض من يفتي، يعني ويش فيها الموسيقى؟ ويش فيه الغناء؟ ابن حزم يقول: حلال، حتى كبار سن شياب يقول لك هذا الكلام، ابن حزم يقول: حلال، متى عرف ابن حزم هذا؟ لولا وجود من يفتي بمثل هذه الفتاوى، طيب تعال ما دام ابن حزم يقول: حلال يقول ابن حزم أيضاً: إذا بلت في إناء وصببته على الماء ما فيه شيء، لكن لا تبول في الإناء مباشرة، الولد إذا ضرب أباه ما في شيء، لكن لا يقول له: أف، يرضى أن يكون هذا قدوته؟ أو يقتدي به فيما يريده وتهواه نفسه وما عدا ذلك الناس أحرار.

ابن حزم أعل أحاديث الأغاني والمزامير، لكن قوله مردود مرذول، يقول الحافظ العراقي في مثال:

........................أما الذي
عنعنة كخبر المعازفِ

ج

 

لشيخه عزا بـ(قال) فكذي
لا تصغ لابن حزم المخالفِ

ج

ابن حزم شذ في هذه المسألة، ولعل لعيشه الذي عاش فيه وظروفه التي عاش فيها أثر في هذه الفتوى، عاش في نعمة كان وزير، كان في بيت نعمة فأثر فيه هذا.

ونجد الإخوة الوافدين من البلدان الأخرى منذ عقود وهم يسمعون الأغاني علناً من غير نكير، يستمرئون مثل هذه الأمور، وتجد هو في الصف مثلاً في الصلاة وحريص وجاء متقدم، ومع ذلك النغمة الموسيقية من بداية الصلاة إلى نهايتها ولا تسمح نفسه يغلق الجوال؛ لأنه ما في شيء عنده، جاي من بلد الناس كلهم من هذا وأشد، فيستخفون بمثل هذه الأمور، فعلى الإنسان أن يغار لدينه، وهذه أماكن عبادة، يعني إذا كانت الموسيقى محرمة في البراري والقفار فكيف بأماكن العبادة، وتشبيه أماكن العبادة بالكنائس ومعابد المخالفين، هم اللي يصحبون عباداتهم بموسيقى، فعلينا أن نحرص على هذا.

قد يقول..، يختلف اثنان في نغمة من النغمات واحد يقول: هذه موسيقى أو هذه ليست موسيقى؛ لأنها قريبة يعني ما هي بعيدة، وإطرابها للنفس يسير، هذه مما تختلف فيها وجهات النظر، لكن لو على سبيل الإشارة على الشخص أو المشورة عليه بأن يغير هذه الموسيقى إلى نغمة لا إشكال فيها.

قد يقول قائل: جاء النهي عن الجرس والملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس كيف يشبه الوحي وهو أفضل شيء بصلصلة الجرس، ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس)) يشبه المحمود بالمذموم؟ نقول: نعم، التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه، والجرس فيه صوت متدارك، وفيه إطراب، فكونه يشبهه في تدارك الصوت، لا يعني أنه يشبهه في الإطراب.

الرؤية، رؤية الباري -جل وعلا- في الجنة شبهت برؤية القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، أو لا تضامون في رؤيته، يعني هل هذا التشبيه من كل وجه؟ تشبيه رؤية برؤية لا مرئي بمرئي، فالتشبيه من وجه دون وجه.

الذين يدخلون الجنة، أول زمرة تدخل الجنة وجوههم كالقمر أو على هيئة القمر هل معنى هذا أنه ما فيهم عيون ولا أنوف ولا...؟ ما فيهم أنوف ولا عيون؟ القمر ما فيه، لا، في الإضاءة والنور لا في بقية التفاصيل، فمثل هذا ينتبه له.

والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.