أهل العلم يُقرِّرون أن توبة العاصي قريبةٌ، بخلاف المبتدعِ؛ فتوبتُه نادرة، فهو لا يعرض على نفسه للتوبةِ أصلًا؛ لأنه إنما يُقدم على هذه المخالفةِ الشنيعةِ وهو يرى أنه محقٌّ، وأنه يُحسن صنعًا، والشيطان يسوِّل له أنه على الحقِّ؛ لأن مقالته مبنيَّة على شبهة لوَّثت تفكيره، وغطَّت عقلَه عن سماعِ وقبولِ الحقِّ والإذعانِ له. فمثل هذا توبتُه أبعد ممن أقدم على الذنبِ وهو يعرف أنه ذنبٌ ومخالفةٌ.
وهذا الغالب؛ وإلا فقد تاب جمع من المبتدعة، لمَّا تبين لهم ضلال ما هم عليه، وبعضُ هذه الفرق الأملُ في توبتهم قويٌّ، وبعضها عُرف واشتُهر وشاع أن الأملَ فيهم ضعيفٌ، والذي أشاع هذه الإشاعة - في تقديري - شيوخُهم ومراجعُهم؛ لئلا يتصدَّى أحدٌ لدعوتهم؛ فيخسروا - أعني الشيوخ المرتزِقة هؤلاء - مكاسبهم التي يجنونها من وراءِ اعتناقِ الناس لهذا المذهبِ، فالصدُّ عن دعوتهم بهذه الطريقةِ مكرٌ وخديعةٌ شيطانيَّة، وما على الإنسان إلا أن يبذلَ السببَ ويحرص على هدايةِ الناسِ، والنتائجُ بيد الله سبحانه وتعالى؛ كما تقدم في أنواع الهداية من قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56].