التوقف بين القول بخلق القرآن أو عدمه

لا تُصرِّح بالقول بخلق القرآن، كما قالت الجهميَّة والمعتزلة، ولا تقف فتقول: «أقول كلام الله وأتوقف لا أقول: غير مخلوق»، بل عليك أن تعتقدَ وتصرِّح وتُفصح بأن القرآنَ كلامُ الله جل جلاله منزل غير مخلوقٍ. فقد عرَفنا أن مذهبَ الجهميَّة والمعتزلة القولُ بأن القرآنَ مخلوقٌ، وشُبهتهم هذه قد راجت ووجدت قبولًا من بعضِ الناسِ، لا سيما الضِّعاف الذين لا يحتملون العزائم؛ خاصة وقد دُعِّمت في عهد الخليفة المأمون بقوةٍ السلطان، وقد يكون لبَّس على بعضِ الناسِ؛ فظن متابعتهم من طاعةِ ولي الأمرِ الذي تبنَّى هذه المسألة.

وهذا غير صحيح، فهذه معصية عظيمة، لا طاعة فيها لأحد.

فلما كفَّر السَّلفُ الجهميَّةَ الذين قالوا بأن القرآنَ مخلوقٌ، واشتدت شوكة السنة بعد ذلك، خشي كثيرٌ من الناس أن يرموا بالكفر لو صرحوا بخلقِ القرآنِ، فقالوا بالوقف، أي: لم يقولوا: «هو مخلوق، أو غير مخلوق».

فالواقفي جهميٌّ، لكنه لا يستطيع أن يصرِّحَ بخلقِ القرآنِ؛ لئلا يُكفَّر؛ ولذا جاء عن الأئمَّة: «من وقَف في القرآن،ِ فهو جهميٌّ» [شرحِ أصولِ الاعتقاد للالكائي 2/361]. فما يُعفيهم أنهم وقفوا، بل لا بد أن يَنقضوا القولَ الباطلَ، ويعتقدوا القولَ الصحيحَ.

فهؤلاء إن أحسنَّا بهم الظنَّ قلنا: إنهم وقفوا موقف المتردِّد الحائر، الذي لا يترجَّح عنده الحقُّ، وإنهم قد تعارضَت عندهم الأدلَّة فوقفوا، ولا شك أن الوقفَ حيرةٌ.

ومع ذلك فالأدلَّة غير متكافئة، بل الحقُّ أدلَّته ظاهرةٌ متكاثرةٌ، صحيحةٌ صريحةٌ في أن الله جل جلاله يتكلَّم بحرف وصوت يُسمع، فالذي يقف لا شك أنه نافٍ لكونِ القرآنِ كلام الله، وأنه بحرفٍ وصوتٍ.