الاكتفاء بالدراسة النظامية في طلب العلم

المناهج إنما وضعت لتناسب الوقت الذي تدرس فيه، والوقت إذا نظرنا إليه الفصل الدراسي ثلاثة أشهر يتخلله الخميس والجمعة يبقى منه شهران -ستون يوماً-، وكل مقرر من هذه المقررات له سويعات من هذه الأيام، وهذه السويعات يخرم منها من أولها ومن آخرها ما لا يخفى، فالجاد يصفو من محاضرته نصف ساعة، والهازل قد يقضي على المحاضرات دون فائدة، فالدراسة النظامية لا شك أن الوقت يحكمها، فالمقرر إذا افترضنا مثلاً: مقرر التفسير في الجامعة، والجامعة ثمانية فصول، وكل فصل ما يصفو منه إلا مقدار شهرين، والشهران يضيع النصف، ومدة الدراسة لا تزيد بحال صافية على ثلاث ساعات في اليوم، على ثلاث ساعات؛ لأن أول المحاضرة المدرس قد يتأخر خمس دقائق، والطلاب يتأخرون، ثم مسألة التحضير، ومسألة انتبه يا ولد، وأين كتابك يا ولد ، ما يستفيد شيئاً من هذه الدراسة النظامية، لكن الدراسة النظامية تخرج باحثاً، الطالب النابه يستطيع أن يتعامل مع الكتب بنيله الشهادة الشرعية، يستطيع أن يبحث، يستطيع أن ينظر في الكتب ويعرف مظان المسائل.

أما أنه يحمل في نفسه علماً يكتفي به فلا، كثير من الطلاب لا ينتبه لنفسه وأنه يطلب علماً يتعبد به لله -جل وعلا-، ويستطيع بواسطته أن ينجو من عذاب الله ويكون سبباً في خلاص غيره لا ينتبه لذلك إلا في آخر الأمر، وبعضهم قد لا ينتبه إلا إذا تخرج؛ لأن سلوك الطريق من أوله هو الذي يعين طالب العلم على السرعة في التحصيل، يعني طالب العلم يقرأ يبدأ في المرحلة الابتدائية، ثم المتوسطة، ثم الثانوية وهو شاب لا يدرك شيئاً من قيمة العلم، ثم ييسر له الالتحاق بكلية شرعية فيها من العلوم ما ينفع، ويبني طالب علم، لكن طالب العلم أين وجوده في المدة الماضية؟

يعني يبدأ العلم من منتصفه لا يبدأه من أوله، ولذلك تجد مثلاً من التحق بكلية الشريعة درس في الدراسة النظامية الابتدائية والمتوسطة والثانوية أشبه ما تكون بالثقافة، يعني من كل علم شيء يسير لم يتدرج في العلم على طريقة المتقدمين بقراءة كتب المبتدئين، ثم المتوسطين، ثم المنتهين، ثم يدرس دروس الجامعة، وهي تعادل دروس المتوسطين من طلاب العلم، يعني ما قرأ كتب المبتدئين يعني الذي ييسر الله له من يأخذ بيده من أول الأمر، وفي أثناء دراسته العامة يجعله يقرأ كتبًا، ويحضر الدروس على طريقة أهل العلم، الكتب المؤلفة للمبتدئين لأمثاله يحضر دروسها ويحفظها، هذا إذا جاء للجامعة يمسك الطريق بدون إشكال، ولذا تجدون في دروس الجامعة ما هو بالنسبة لبعض الطلاب كالألغاز، ثم بعد ذلك يضطر المدرس إلى أن ينزل إلى مستوى هؤلاء الطلاب فيكون على حساب المقررات، فالقول بأن الدراسة المنهجية مناهج العلم لا تكفي، لا تكفي، لا تكفي، لكنها نافعة مثل ما قلت: إن الطالب يتخرج وإن لم يكن فقيهاً بالفعل يكون فقيهاً بالقوة، هذا الطالب النابه المتميز من الطلاب، أما آحاد الطلاب وأفرادهم هؤلاء لا بد لهم من طلب العلم بقوة وجد أثناء طلبهم للجامعة، كثير من طلاب العلم إذا تخرج أحس بالمسئولية قال: أنت طالب متخرج من الشريعة، أنا طالب متخرج من أصول الدين الناس ينظرون إلي والمجتمع ينظر، فلا بد من أن أتعلم من جديد وقد فعله كثير من طلاب العلم.

ومع العلم بأن بعضهم يأنف أن يقرأ في كتب المبتدئين وقد تخرج في الجامعة، فهذا يضيع عمره بدون فائدة، لا بد من أن تؤتى البيوت من أبوابها، والعلم لا بد أن يتدرج فيه من البداية مبتدئين ثم متوسطين ثم متقدمين، وإذا نظرنا إلى مؤلفات أهل العلم وجدناها على هذا النسق.