وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها

نحمد الله -جل وعلا- على جميع نعمه، ونسأله المزيد من فضله وكرمه، فهو المستحق للحمد، وهو المنعم الحق، وأما ما يُحمَد به الناس أو يُمدَحون عليه فباعتبار أنهم تولوا القسمة، وإلا فالمعطي هو الله -جل وعلا- كما جاء في الحديث الصحيح: «إنما أنا قاسم والله يعطي».

والله -جل وعلا- يقول للأغنياء: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النــور]، فالمال الذي بأيدي البشر إنما هو عارية وُضعَت في أيدي بعضهم ليبتليهم ويبتلي بهم. وبالمقابل هناك من الناس من لا مال عنده ليُبتلَى، هل يصبر؟

فالغني يُبتلَى هل يشكر ويستعمل هذا المال فيما يرضي الله -جل وعلا-، أو يكفر هذه النعمة فيجحدها ويجحد نسبتها إلى الله -جل وعلا-، ويستعملها فيما لا يرضي الله -جل وعلا-.

كما أن الفقير يُبتلَي هل يصبر ويرضى ويسلِّم ويحمد الله على نعم كثيرة أخرى لا يستطيع عدَّها؟ يقول ابن عبد القوي -رحمه الله-:

وكن صابرًا للفقر وادرع الرضى         بما قدر الرحمن واشكره واحمدِ

إن بعض الناس قد يبلغ به من الفقر والحاجة مبلغًا عظيمًا، ثم إذا قيل له: "احمد ربك، واشكر ربك"، كما قال -تعالى-: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] قال: "على أي شيء أحمد الله وأنا فقير، مدقع، محتاج؟!" نقول: لا، يا أخي، لا تدري! لو أن الأذن دخلت فيها حشرة وطُلِب منك ما على وجه الأرض من أموال لبذلته من أجل إخراجها، ولو احتبس فيك البول وطُلِب منك ما على وجه الأرض من المليارات من الذهب والفضة لدفعتها، أليست هذه نعم؟! نعمة البصر، نعمة السمع، نعم لا تُعَدُّ ولا تُحصى.

لو أن أصغر الأصابع من أصابعك تصلَّب، ولا تستطيع أن تثنيه، دون أن تشعر بألم، فماذا يكون حالك؟ تتأذى بسببه أذًى شديدًا ولو لم يؤلمك، فهذه نِعَم لا يقدر قدرها إلا من فقدها.

لو أن شخصًا رِجلُه متصلبة لا تَنْثَنِي، فَسَيواجِه من العَنَت والحرَج ما لا يُدرَك، ولو لم يكن فيها ألم.

ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «يصبح على كل سلامى من الناس صدقة» فثلاثمائة وستون مفصلا تحتاج إلى ثلاثمائة وستين صدقة، لكن الله -جل وعلا- لطيف لا يُكلِّف الفقير أن يتصدَّق بالدراهم وهو لا يجدها، ولذا جعل في كل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة... إلى آخره، ويكفي من ذلك ركعتان يركعهما الإنسان من الضحى في مقابل ثلاثمائة وستين صدقة.

فعلى الإنسان أن يحمد الله -جل وعلا-، وأن يَلْهَج بذكره وشكره، ولا يجحد هذه النِّعَم وإن كان يغفل عنها، فهناك كثير من الناس في غفلة تامَّة عن هذه النِّعَم، لكن مع ذلك عليه أن يتذكر وعليه أن يشكر، قال -تعالى-: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم].