النفع والضر بيد الله جل وعلا

لو أصيب الإنسان بمرض عادي، المرض الذي يصاب به كثير من الناس ويشفون، وهذا الذي أصيب بهذا المرض من أعظم ملوك الدنيا، أصيب بهذا المرض الذي شفي منه طبقات الناس الفقراء والمساكين والأغنياء والكبار والصغار، هذا الملك من حرصه على الشفاء أحضر جميع الأطباء على وجه الأرض، كل من عنده شيء من علم الطب أحضره، هل يستطيع أن يضمن أن يشفى من هذا المرض؟ هل يستطيعون أن يشفوه؟ لا والله لا يستطيعون -إذا كان الله كتب له الموت بسببه- ولو كان في البروج المشيدة، فإن الموت سوف ينزل إليه.

إذا علمنا أن الموت قد ينزل بلا سبب، ينزل فجأة، وهو ينزل في مثل هذه الصورة، ولو اجتمعت أطباء الدنيا كلها ما استطاعوا أن ينفعوه، ولا أن يدفعوا عنه، ولا أن يزيدوا لحظة واحدة على ما كتب له من حياة، لا يستطيع أن يقدم ولا يؤخر لنفسه شيئًا، ولا يستطيع أحد من المخلوقين أن يقدم له شيئا في هذه الحالة.

كم من واحد كتب له أمر بالخروج معافى من مرضه، ويموت قبل أن يخرج من المستشفى.

الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير سورة النساء عند قوله -جل وعلا-: {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [(78) سورة النساء] ذكر قصة لشخص من الأمم السابقة كان عبدًا مملوكًا عند أسرة، وكانت المرأة في الأيام الأخيرة من حمل، فرأى هذا العبد رؤيا، وقيل له: "أن هذه المرأة سوف تلد بنتًا، وسوف تزني هذه البنت مائة زنية، وتكون في النهاية هي زوجته". فولدت المرأة الحامل بنتًا، فقيل لهذا العبد: أحضر السكين من أجل قطع السرة، فأحضر السكين وبقر بها بطن البنت، لماذا؟ لأنه قيل له: إنك تتزوج هذه البنت وسوف تزني مائة زنية؛ فأراد أن يتخلص منها، فبقر بطنها وهرب إلى بلد اشتغل فيه بالتجارة، فصار من الأثرياء، وبعد عشرين سنة عاد إلى بلده، وأراد أن يتزوج من بلده، وهو على يقين أن تلك البنت قد ماتت، فأوصى امرأة أن تخطب له أجمل بنت في البلد، -وكان من تمام الرؤيا أنه هذه البنت ستموت بسبب العنكبوت، بهذه الحشرة الضعيفة-، فألفى على امرأة عجوز قال لها: أريد أجمل بنت في البلد، فخطبت له هذه البنت. وذلك أن البنت عندما بقر بطنها عولجت وخيط بطنها وشفيت وعوفيت، فخطبت له هذه البنت، ودفع ما دفع، ودخل بها فلما رأى أثر شق البطن، عرف أنها هي. وما كان يظن أو يتوقع ولا واحدا بالألف أن تلك البنت موجودة في الأحياء، ولما رأى أثر شق البطن تذكر الرؤيا، ثم سألها هل حصل منها شيئًا؟ هل قارفت شيئًا؟ قالت: نعم، إنه حصل منها شيء، قال: مرة أو مرتين؟ قالت: الله أعلم كثير، قال: مائة، قالت: الله أعلم، لكن ليست ببعيد، الرجل لما رأى هذه البنت وأعجبته وأشرب قلبه حبها ما استطاع المفارقة؛ وهذه هي المشكلة أن الإنسان قد يفتن ببنت لجمالها، ثم لا يستطيع مفارقتها، وقد تؤثر عليه في دينه، وقد يغمض عن عينيه أشياء مخلة لدينه، وقد تكون مخلة بعرضه، إذا فتن بها.

أقدم على الزواج بهذه البنت، مع أنه تيقن أنها هي التي في الرؤيا، فشيد لها قصرًا منيفًا جزم أن العنكبوت لا تدخله، فإذا به في يوم من الأيام جالس مع زوجته، وإذا بالعنكبوت تنزل من السقف، تذكر الرؤيا فقال لها: أنت تموتين بسبب هذه الحشرة، قالت: هذه حشرة أموت بسببها؟! فقامت ففركتها بعرقوبها في الأرض بعقبها فأصيبت بالآكلة في العقب، وهو نوع من الجذام، صار هذا العقب يتآكل شيئًا فشيئًا إلى أن ماتت بسببه.

((رفعت الأقلام، وجفت الصحف)) المقادير كتبت قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

يحدثنا أحد الإخوان يعمل في مستشفى تخصصي، قال: إن الأطباء اجتمعوا حول مريض، وقرروا أنه ميت دماغيًّا، فاستدعوا إخوانه؛ لأن والده ميت، إخوانه أربعة، فقالوا: مادام الأمر كذلك، وعندنا مرضى أحدهم يحتاج إلى كلية، وواحد يحتاج إلى عين، وواحد يحتاج إلى كذا، فما رأيكم أن توافقوا على أخذ هذه الأعضاء؛ لأنه ما يضيره الآن هو ميت، ثلاثة من الإخوة وافقوا، والرابع رفض، قال: والله ما نملك أن نتصرف فيه، وهذا المريض الذي يفاوَض عليه يسمع الكلام، لكنه لا يستطيع أن يحرك شعرة، وأراد الله -جل وعلا- له أن يفيق، ولما أفاق وعوفي وشفي صارت العداوة بينه وبين إخوته الثلاثة، وصار الرابع أقرب الناس إليه، سبحان الله! هؤلاء الأطباء ما استطاعوا أن يضروه، لماذا؟ لأن الله لم يكتب عليه هذا الضرر.