الرمل في الطواف من العبادات التي ارتفع سببها وبقي حكمها

الرمل هو: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وسبب الرمل في الطواف هو ما قال ابن عباس رضي الله عنهما: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: «إنه يقدم عليكم غدًا قوم قد وهنتهم الحمى»، ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: «هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا»، قال ابن عباس: «ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم» [البخاري (1602)،ومسلم (1266)]، فرمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الركن الأسود إلى اليماني ثلاثة أشواط، ومشى الأربعة الباقية إبقاءً على أصحابه رضي الله عنهم، ثم رمل بعد ذلك من الركن إلى الركن في حجة الوداع، فأصل الرمل شرع لسبب، وهو قول المشركين: «يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب»، لكن في حجة الوداع ارتفع ذلك السبب، فهل يقال بالقاعدة هنا: أنّ الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا ارتفعت العلة ارتفع الحكم وهو الرمل؟

لا، بل هذا من الأحكام التي شرعت لسبب فارتفع السبب وبقي الحكم، كالقصر في الصلاة سببه الخوف، وقد نص عليه في الآية، فقال -تعالى-: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101]، فذَكَرَ القيد وهو {إِنْ خِفْتُمْ}، فشُرِعَ القصر بسبب الخوف في السفر ثم ارتفع السبب وهو الخوف، وبقي الحكم، فصار القصر صدقة تصدق الله بها على عباده، فيقصر الإنسان ولو كان آمنًا.