حال المؤمن إذا عاش في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل

لو تصوَّرنا شخصًا ليس له بيت يسكنه، ولا ولد له ولا متاع له، وهو في مكان لا يعرف فيه أحدًا هل سيرتاح؟ كلا، لن يرتاح، بل يبقى قلِقًا مستوفزًا، لا يلوي على شيء مما يهتم به أهل البلد المقيمون، فإذا تصور الإنسان نفسه بهذه الصورة دعاه هذا التصور إلى أن يزهد في الدنيا، ويتخفف من كثير من أعبائها، ويعمل للآخرة.

والغريب استقراره أكثر من عابر السبيل؛ لأن الغريب قد يقيم في البلد، ويسكن بيتًا ويركب سيارة ونحو ذلك، لكنه لا يَعرف ولا يُعرف، فيقل اهتمامه بأحوال من لا يعرف، ولا يكترث بكثير مما يتنازع عليه المقيمون، وكذلك من أنزل نفسه في الدنيا منزلة الغريب يحدوه هذا الشعور إلى قلة الاكتراث بالدنيا، وإلى شدة العناية والحرص على العمل الصالح.

فإذا ترقى من حال الغربة، وتصور نفسه عابر سبيل، كرجل أتى من أقاصي الشرق أو الغرب للحج، ومر ببلاد كثيرة خلال سفره، فهل سيطيل الأمل، ويتعلق من تلك البلاد التي مر بها بأكثر مما يبلغه ما سافر لأجله؟ هل سيزرع؟ هل سيعمر المباني، ويُجري الأنهار؟ كلا، لا يفعل من ذلك شيئًا، بل هو مقتصر على ما لا بد له منه من قوتٍ له ولمركوبه.