شرح المقدمة من نونية ابن القيم - (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

في الدرس الماضي ذكرنا بعض ما يتعلق بنونية ابن القيم، وذكرنا بعض الشروح، ما تيسر ذِكره منها، وما تيسر الوقوف عليه، وهناك أشياء ومحاولات حول هذا الكتاب العظيم، وهو بحاجة إلى مزيد من البسط، بسط المسائل، وتوضيح هذه القواعد في علم الاعتقاد.

وعلى كل حال كانت النية وما زال الأمر متروكًا للجميع أن القراءة تكون في شرح ابن عيسى مع النونية، وشرح ابن عيسى بحث عنه الإخوان ما وجدوه في الأسواق؛ لأنه طُبِع في المكتب الإسلامي مرتين، وصُوِّر بعد ذلك بالمكتب نفسه، والآن لا يُوجد في الأسواق، وأخيرًا حُقِّق في رسالة وطُبِعت، ما اسم المطبعة؟

طالب: دار الخزانة.

في دار الخزانة، بحث رسالة دكتوراه، واجتهد المشرف على المكتب -معالم السُّنن- وصوَّر للإخوان المائة صفحة الأولى من هذا المُحقَّق، وبعد اطلاعهم، مع أننا قرأنا في شرح ابن عيسى قبل ثلاثين سنة، وأعرف أنه سوف يطول، ويمتد الزمان، وقد لا يُدرَك، يطول جدًّا، واستشرت بعض الإخوان في الاقتصار على النونية فقط والتعليق عليها، ومن أراد شرح ابن عيسى أو غيره من الشروح يقرأه قبل الحضور، ويستفيد إن شاء الله، فإن رأيتم أن نقتصر على النونية اختصارًا للوقت فبدل ما تصير في عشرين سنة تصير في عشر.

طالب: ............

إن كان في العمر بقية.

طالب: أطال الله عمرك على طاعته.

الله يعفو ويسامح.

طالب: ..............

هو مُتعب الاقتصار على النونية لا شك أنه مُتعب، وأيسر لي أن أقرأ الشرح يفتح لي المغاليق ويُيسر لي بعض الأمور، لكن الشرح مسألته تطول.

طالب: ...........

نعم عند الحاجة يُرجَع إليه، يكون بأيدي الطلاب، ويُرجَع إليه عند الحاجة.

الآن أخذ ورد مع الطلاب في صحيح البخاري أكثر من خمسة عشر سنة، وما أنهينا المجلد الأول من فتح الباري؛ لأننا نقرأ فتح الباري، وبعضهم يقول: لو اقتصرنا على المتن اختصرنا الوقت إلى حدٍّ كبير جدًّا، ولا شك أن في الشرح مسائل مفيدة جدًّا تفتح أبواب ومغاليق، ويُعلَّق عليها بما تيسر، ولا شك أن مثل هذا أسهل لي، وأيسر عليّ.

اقتنيت نسخة قريبة من (تاج العروس) للزبيدي الطبعة الخيرية، وكُتِب على جميع أجزائها العشرة مما منَّ به المولى على راشد بن علي النجدي الحنبلي، وفي بعضها آل جريس، هذا بحثت عن ترجمته، والتاريخ سنة ألف وثلاثمائة وخمسة عشر، بحثت في ترجمة هذا، فإذا به من أهل نجد مولود في نعام من جهة الدلم والخرج، ولذا يُقال في ترجمته: النعامي، وترجمه ابن بسام وغيره، وبهجت البيطار ترجمه أيضًا في (حلية البشر)، ولم يستطيعوا أن يُحددوا سنة وفاته، وفي (الأعلام) للزركلي: توفي بعد ألف ومائتين وثمان وتسعين، والنسخة التي أنا ذكرت بخط قلمه سنة ألف وثلاثمائة وخمسة عشر.

طالب: .............

بعد.

طالب: فرق كبير.

هم أخذوا التاريخ من بعد ألف ومائتين وثمان وتسعين من رسائله أو من رسالةٍ له للشيخ/ صديق حسن خان مؤرخة بهذا التاريخ، والرجل ترك نجد، وانتقل إلى تركيا في إسطنبول، وسكن هناك، والتقى بصاحب الجوائب أحمد فارس الشدياق، وصار له حضور علمي هناك ومراسلات لعلماء الأمصار.

 ليس هذا هو الشاهد، الشاهد أني في أثناء قراءتي لترجمته في كُتب التراجم قالوا: إنه كتب رسالة إلى صِديق حسن خان يطلب منه شرح النونية، وفي أثناء طلبه معه أو قبله أو بعده؛ لأنهما متعاصران الشيخ/ حمد بن عتيق كتب إلى صِديق حسن خان يشرح النونية، فهؤلاء الشيوخ يطلبون من صِديق حسن خان يشرح النونية، مع أنه بإمكانهم أن يتصدوا لشرحها، لكن عندهم أن صِديقًا عنده سعة في المراجع، وحضورًا في الطلاب، حتى إنه مما قيل فيه: إنه يُكلِّف الطلاب، وشروحه في الغالب مأخوذة من شروح الشوكاني، فلو نظرت إلى تفسيره وجدت تفسير الشوكاني (فتح القدير) بكامله، بحروفه موجودًا وعليه زيادات، (الروضة الندية) له هي من (الدرر البهية) للشوكاني بحروفها وفيها زيادات، ولذلك لما طُبِع في بولاق قديمًا (الروضة الندية) ما تقدر تُفرِّق، لكن لما طبعه منير في الأخير-لا والله ما هو في الأخير في ثلثي الكتاب- أخذ يطبع الزوائد في الحاشية، زوائد صديق في الحاشية، فبان أن الرجل يأخذ من كُتب الشوكاني بحروفها.

وعلى كل حال هو من أهل العلم، ومؤلفاته كثيرة جدًّا، ونفع الله به في الديار الهندية، وتولى ولاية هناك في بوبال، وإن قيل فيه ما قيل من حيث التأليف أنه لا يتولاه بنفسه، على كل حال كُتبه نفع الله بها.

والشاهد من ذلك كله أن الشيخين طلبا من صِدّيق حسن خان أن يشرح النونية؛ لكثرة مؤلفاته، وتعدد الفنون التي طرقها، وظنوا أنه يأتي بما لما يأتِ به غيره في شرح هذا الكتاب، وما أعرف أن صِديق حسن خان له شرح على النونية هل استجاب أو لا؟

طالب: ...............

هو على عقيدة السلف، ما عنده إلا أشياء يسيرة انتُقِدت عليه، وإلا هو على عقيدة السلف.   

طالب: ...............

أشياء ليست بكثيرة، يسيرة، والشيخ/ ابن سحمان رد عليه في بعض المسائل.

على كل حال هو كونه عليه ملاحظات وقالوا: اشرح النونية، ما تصح.

طالب: ...............

لا، ليست بحيلة هذه.

طالب: ...............

لا لا، يشرح على كيفه.

طالب: ...............

انظر -الله يصلح قلبك- الآن لو تأتي إلى مُبتدع تقول له: اشرح الواسطية، فكيف يُوجهها؟ يُوجهها على اعتقاده، فما يصلح أن يكون الرجل عليه ملاحظات، وتُطلَب منه ... ابن جريس هذا مدح صِديقًا، وأنه على مذهب السلف، وأثنى عليه، ودعا له بالثبات، وأنه استفاد من كُتبه.

طالب: ...............

ما زلنا نستفتي الإخوان، وشرح ابن عيسى يقولون: ينزل بعد أسبوع، والرأي للجميع؛ لأني وعدت، لو لم أعِد يمكن أن أرجع، إما تكون هذه من باب الهبة قبل القبض..

طالب: ...............

المتن فقط، النونية فقط أم الشرح؟

طالب: ...............

والله أنا اليوم بالذات بعدما قرأت في شرح ابن عيسى وغيره من الشروح ترجَّح لي أننا نقتصر على الأصل.

طالب: ...............

ما أدري والله، بعض الإخوان يقولون: يُريدون الشرح، الشرح فيه فوائد ونافع ومأخوذ من كلام شيخ الإسلام وابن القيم في الجملة، وفيه نفعٌ عظيم.

طالب: ...............

نعم، مرجع، يعني عند الحاجة يُقرأ، ما فيه شك، هذا سهل.

طالب: ...............

التصويت، الذي يُريد الشرح يرفع يده.

طالب: ...............

أربعة؟

طالب: أربعة.

انتهينا، يعني نقرأ النونية فقط، المتن؟

طالب: ...............

بعد وجودها سهل، احضرها أنت.

النونية اسمها كما قال المؤلف سمَّاها بذلك (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية) الفرقة الناجية هي ما كان عليه النبي –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، الذين هم أهل السُّنَّة والجماعة، كلها في النار إلا واحدة التي هي الناجية.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على خير الأنام وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان على يوم الدين.

ففي ليلة الأربعاء الثالث من صفر من عام واحدٍ وأربعين وأربعمائةٍ وألف يبدأ شيخنا العلامة عبد الكريم بن عبد الله الخضير –حفظه الله- شرح الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، المعروفة بنونية ابن القيم –رحمه الله- للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكرٍ بن أيوب بن قيم الجوزية، رحمه الله تعالى، وجزاه عن المسلمين خيرًا.

يقول –رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته، وأقرت له بالعبودية جميع مصنوعاته، وأدت له الشهادة جميع الكائنات أنه الذي لا إله إلا هو، بما أودعها مِن لطيف صنعهِ، وبديع آياته، وسبحانَ الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، ولا إله إلا الله الأحد الصّمد، الذي لا شريك له في ربوبيّته، ولا شبيه له في أفعاله، ولا في صفاته، ولا في ذاته، والله أكبر عدد ما أحاط به علمُه، وجرى به قلمُه، ونفذ فيه حكمُه من جميع برياته، ولا حول ولا قوة إلا بالله، تفويضُ عبدٍ لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، بل هو بالله، وإلى الله في مبادئ أمره ونهاياته.                  

وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، ولا صاحبة له، ولا ولد له، ولا كفؤ له، الذي هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه أحدٌ مِن جميع برياته".

طالب: ...........

ما فيه عندنا، فيه والد؟

طالب: ...........

"ولا ولد له، ولا كفؤ له" هو لم يلد ولم يولد، كما قال –جلَّ وعلا- ما النسخة التي معك؟

طالب: ...........

في نسخة ثانية: "والد"؟ هذه الطبعة المصرية سنة ألف وثلاثمائة وثلاثة وأربعين.

طالب: ...........

المحققة "ولا ولد" ما فيه "والد".

طالب: ...........

ما فيه والد.

طالب: ...........

والد؟ قبل أم بعد؟

طالب: ...........

هو ما أشار أنه موجود في بعض النُّسخ.

طالب: ...........

هذه.

طالب: ...........

لا لا مجرد هذا، لا لا هذه التي عليها الفروق.

طالب: أظن –أحسن الله إليك- أنهم لا يشيرون للفروق في هذه النسخة.

هذه مجردة، التي فيها الفروق الأصل في ثلاث مجلدات، ولا أشاروا، ما فيها، التي معي هي التي فيها الفروق. 

"وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته مِن خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، وحُجته على خلقه".

طالب: ...........

"خيرته من بريته" ماذا عندك؟

طالب: نعم "خيرته من بريته" نعم.

"وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته مِن بريته، وسفيره بينه وبين عباده، وحُجته على خلقه، أرسلهُ بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أرسله على حين فترةِ من الرُّسل، وطموسٍ مِن السُّبل، ودروسٍ مِن الكتب، والكفرُ قد اضطرمت نارُه، وتطاير في الآفاق شراره، وقد استوجب أهل الأرض أن يحل بهم العقاب، وقد نظر الجبار -تبارك وتعالى- إليهم، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا مِن أهل الكتاب، وقد استند كل قومٍ إلى ظُلْم آرائهم".

ظُلَم.

"ظُلَم آرائهم، وحكموا على الله سبحانه بمقالاتهم الباطلة وأهوائهم، وليلُ الكفر مدلهمٌ ظلامه، شديدٌ قتامه، وسبيلُ الحق عافيةٌ آثاره مطموسةٌ أعلامه، ففلق الله سبحانه بمحمدٍ –صلى الله عليه وسلم- صُبح الإيمان، فأضاء حتى ملأ الآفاق نورًا، وأطلعَ به شمسَ الرِّسالة في حنادس الظُّلْم".

الظُّلَم.

"الظُّلَم سراجًا منيرًا، فهدى الله به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وبصَّر به من العمى، وأرشد به من الغي، وكثَّر به بعد القلّة، وأعزَّ به بعد الذِّلة، وأغنى به بعد العيلة، واستنقذ به من الهلكة، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلفًا، فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده".

طالب: .............

في بعض النُّسخ زيادة "وكشف الغُمة" لكن لماذا ما أثبتوها؟

طالب: .............

أحضره.

"فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، وشرحَ الله له صدره، ورفعَ له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعلَ الذِّلة والصَّغار على من خالف أمره، وأقسم بحياته في كتابه المبين، وقرن اسمه باسمه، فإذا ذُكِر ذُكِر معه كما في الخطب والتشهد والتأذين، فلا يصح لأحد خطبةٌ ولا تشهْدٌ ولا أذانٌ ولا صلاة حتى يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقين.

 فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وجميع خلقه عليه، كما عرَّفنا بالله وهدانا إليه، وسلّم تسليمًا كثيرًا".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

القارئ –وفقه الله- قال: شرح، واللائق أن يُقال: تعليق؛ لأن الشرح لهذا الكتاب على ما سيأتي يحتاج إلى عناءٍ شديد، وقلت لكم: إني بدأت به قبل ثلاثين سنة، سنة ألف وأربعمائة وإحدى عشر، ورأيته يحتاج إلى مزيد من العناية والتفرغ التام، وليست المسألة: اسمع وقل ما تيسر من الكلام اليسير، وإن كان هو أفضل من لا شيء، لكنه ما يشفي العليل، ولا يروي الغليل، المسألة فيها شيء من الصعوبة، وعلى هذا تُرِكت هذه المدة الطويلة، وفي النهاية –إن شاء الله- يكون تعليقًا لا شرحًا، ولن أبخل بما يحضرني من الكلام –إن شاء الله تعالى-، لكن لن أتكلَّف أكثر مما يسمح به الوقت.

يقول –رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم" المؤلف –رحمه الله- بدأ بالبسملة اقتداءً بالقرآن الكريم، حيث افتُتحت جميع سوره بالبسملة عدا براءة، وثنَّى بالحمدلة كذلك، فالقرآن افتُتِح بسورة الفاتحة التي هي أول آيةٍ فيها بعد البسملة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2].

وجاء في الحديث الذي حسَّنه النووي، وقبله ابن الصلاح، وجمعٌ من أهل العلم: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بالِحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَهُوَ أَبْتَرُ»، فلفظ الحمد هو المُحسَّن، وما عداه من الألفاظ ضعيف حتى البسملة وما أُضيف إليها من شهادةٍ وغيرها كلها ضعيفة، وحكم بعضهم على جميع طرق الحديث وألفاظه بالضعف.

وعلى كل حال يكفينا أن النبي –عليه الصلاة والسلام- استفتح كُتبه إلى ملوك الأرض بالبسملة، وافتُتِح القرآن الكريم كذلك بها وبالحمدلة أيضًا، وكان يفتتح خُطبه بالحمدلة، فأحيانًا تجد بعض أهل العلم يفتتح بالبسملة دون الحمدلة مُنزِّلًا كتابه منزلة كُتبه –عليه الصلاة والسلام- ورسائله، وأحيانًا تُفتتح بالحمدلة دون بسملة، وأحيانًا يُجمَع بينهما كما هنا وهو الأولى.

"الحمد لله" الحمد يُفسَّر عند كثيرٍ من أهل العلم بأنه الثناء على الله بأفعاله الاختيارية؛ إذ لا مُجبِر له –جلَّ وعلا-، وأما غيره فيحصل منه أفعال اختيارية وأفعال إجبارية، فالمدح والحمد على الجميل الاختياري لا على الجميل الإجباري، يعني ما تمدح شخصًا؛ لأنه طويل، وتذم آخر؛ لأنه قصير، أو تمدح هذا؛ لأنه أبيض، أو تذم هذا أو العكس؛ لأنه يختلف لونه عن هذا، لا، الأشياء الإجبارية ما يُحمَد عليها، وإنما الأشياء الاختيارية التي للإنسان أن يفعلها وله أن يتركها، أما الله –جلَّ وعلا- فهو محمودٌ على كل حال.

وتفسير الحمد بالثناء انتقده ابن القيم في (الوابل الصيب) وقال: تفسير الحمد بالثناء، وإن قال به كثيرٌ من أهل العلم، بل أكثر أهل العلم حينما يُفسرون الحمد بأنه الثناء، انتقد ذلك بأنه جاء في الحديث الصحيح: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإذا قال: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الفاتحة:3] قال: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي»، فجعل الحمد غير الثناء غاير بينهما.

"الحمد لله" يعني لا غيره، "الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته"، يعني فرق يسير في بعض النُّسخ "بربوبيته" وهذا معروف، "بالربوبية جميع مخلوقاته" هي شهدت سواءً كانت شهادتها بلسان المقال وهذا لمن آمن به وأذعن له أو بلسان الحال.

 وفي كل شيءٍ له آيةٌ           تدل على أنه واحد

كما قال ابن المعتز:

وعَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ
 

 

أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
 
 

وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ
 

 

تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
 

فالمؤمن المعترف به –جلَّ وعلا- شهادته بحاله ومقاله؛ لأن هناك شيئًا يُقال له: لسان الحال وإن لم يتكلم بحرف وصوت، لكنه مُنزَّل منزلة الكلام، وهذا ما يُسمى بلسان الحال، وهناك لسان المقال، وهو معروف.

جميع مخلوقاته تشهد له بالربوبية، وقد ينطق الإنسان الكافر بضد ذلك، ويزعم أن له ربًّا غير الله –جلَّ وعلا-، ولكن كما قال الله –جلَّ وعلا-: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14].

"وأقرَّت له بالعبودية جميع مصنوعاته" جميع مصنوعاته التي هي مخلوقاته شهد له بالربوبية، وهذا المعروف بتوحيد الربوبية، وأنه هو الخالق لا خالق سواه، وأنه هو الرازق، وأنه هو المحيي والمميت.

"وأقرت له بالعبودية" وأنه هو المستحق للعبادة، ولا أحد يستحق شيئًا من العبادة سواه.

"جميع مصنوعاته" والمخلوق يحتاج إلى خالق، لا بُد أن يكون له خالق؛ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] وهذه الآية هي التي جعلت جُبير بن مُطعم يُسلِم، ويقر الإيمان في قلبه، لما سمع النبي –عليه الصلاة والسلام- يقرأ بسورة الطور، وكاد قلبه أن يطير.

"وأقرت له بالعبودية جميع مصنوعاته" والمصنوع لا بُد له من صانع، الخالق اسم ثابت بالنص القطعي، ولكن الصانع وهو بمنزلة أو بمعنى الخالق، شيءٌ درج عليه كثيرٌ من أهل العلم، وهو المعتمد عند المتكلمين، ويدل عليه قول الله –جلَّ وعلا-: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88]، لكن هل يُقال على جهة الاسم مثل الخالق؟ هو لم يرد، وإن كان معناه صحيحًا.

"وأدت له الشهادة جميع الكائنات"، وهذا يشمل المتكلم وغير المتكلم من عجماوات وغيرها، بل يشمل حتى الجمادات.

"وأدت له الشهادة جميع الكائنات أنه الذي لا إله إلا هو بما أودعها مِن لطيف صنعهِ وبديع آياته"، الآن أسند أداء الشهادة لجميع الكائنات، والتعليل "بما أودعها من لطيف صنعه وبديع آياته" هل يتلاءم مع قوله: أدت له الشهادة بما أودعها؟ يتلاءم؟ وإذا قلنا بلسان الحال فهذا أمرٌ واسع.

طالب: ..............

 هو المراد على كل حال، لكن أنا أريد أن يتسق الكلام، انظر "وأدت له الشهادة جميع الكائنات أنه الله الذي لا إله إلا هو" بلسان الحال أو بلسان المقال أو "بما أودعها مِن لطيف صنعهِ"؟

طالب: ...............

هي على كل حال تعليلية، بلا شك تعليلية، لكن من الذي أدى الشهادة المُودِع أو المُودَع؟

طالب: ...............

تأملوا، "وأدت له الشهادة جميع الكائنات أنه الله الذي لا إله إلا هو".  

طالب: ...............

نعم؟

طالب: ..............

شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته، هذا ما فيه أدنى إشكال، أقرت له بالعبودية جميع مصنوعاته بلا إشكال، لكن "وأدت له الشهادة جميع الكائنات أنه الله الذي لا إله إلا هو بما أودعها".

طالب: ...............

لا، أنا أقول: الذي أدّى الشهادة المُودِع أو المُودَع؟ على كلامه المُودَع بلا شك، لكن هل المودَع ظرف يُوضَع فيه، مودَع يُوضَع فيه، فالواضع هو الذي أدى؟

طالب: ...............

هذا كلام المؤلف واضح أن الذي أدى الشهادة هو جميع الكائنات، لكن التعليل يجعل في الكلام شيئًا، مع أنه ما عندنا تردد في صحة الكلام.

طالب: ...............

الآن أنا لما أُعطيك شيئًا، وتشتري به ما تُريد وأنت معترف أنني الذي أعطيتك، تكون أنت صاحب الأصل أم من أعطاك؟

طالب: من أعطاك؟

نعم من أعطاك لولا الذي أعطاك ما فعلت شيئًا.

طالب: ...............

"الله الذي لا إله إلا هو" لا يختلف فيها أحد إلا من قال: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص:5]، لكن أنا أقول: التعليل "بما أودعها"، يعني أنت لو جاء واحد وركَّب لك آلة، ونظرت في هذه الآلة وفيها إبداع وفي صُنعها دقة تكون أنت الذي أبدعتها؟

طالب: الذي صنعها وليس أنا.

طالب: ...............

أنا ودي أن أصل للحق.

طالب: ...............

لا، أنا ما أختلف في أنه أدت له الشهادة جميع المخلوقات، وهذا تقدم أيضًا، لكن "بما أودعها" شهِدت بما أودعها.

طالب: ...............

نعم.

طالب: ..............

يبقى الإشكال، ما أدري والله، نحن ما نتردد في أصل المسألة، هذه مقطوعة ومحسومة منتهية، لا، أنا أقصد التركيب.

طالب: ...............

لا لا، التنظير قد لا يكون مطابقًا، لكنه للتقريب يعني.

طالب: ...............

يعني لطيف الصنع وبديع الآيات يعني أعانها على أن تشهد.

طالب: صحيح هذا الذي نفهمه يا شيخ من السياق.

طالب: ...............

"وأدت له الشهادة جميع الكائنات أنه الله الذي لا إله إلا هو بما أودعها مِن لطيف صنعهِ وبديع آياته"، يعني لطف الصنع والإتقان لا شك أنه حملها على أن تشهد؛ لأنها فكَّرت في نفسها أولًا، {وَفِي أَنفُسِكُمْ} [الذاريات:21]؛ لأننا أُمِرنا بذلك، {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] وإذا أبصرنا وفكَّرنا شَهِدنا، صح أم لا؟

طالب: ...............

ماذا؟

طالب: ..............

لا هو التفريق بالحال والمقال يحل كل الإشكالات؛ لأن الكافر لا يشهد، وقد يشهد بضد الربوبية.

طالب: ...............

نعم إذا قلنا: بالحال بلسان حالها شَهِدت ما صار فيه إشكال.

طالب: حتى في العبودية أحسن الله إليك؟

الإقرار بالعبودية هو أنه لا يستحق العبادة إلا الله –جلَّ وعلا-، وإن جحدوا بها استيقنتها أنفسهم، يعرفون أنهم يعبدون فرعون ويؤلهونه، وأنه لا يستحق عبادة، وأنه ما فيه فرق بينه وبين الناس، لكن أـحيانًا خوف ورجاء، وهؤلاء الذين يُعينون العاصي على معصيته مثلًا خوفًا منه أو رجاءً لما عنده من هذا النوع.

طالب: إذًا انتفى الإشكال، أحسن الله إليك؟

نعم، الأصل ما فيه إشكال، أصل المسألة ما فيه إشكال، لكن عندي أن التعليل يحتاج إلى شيء.

"وسبحانَ الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته" في الحديث الصحيح أن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث جلست في مصلاها بعد صلاة الصبح تذكر الله –جلَّ وعلا-، وخرج النبي –عليه الصلاة والسلام- ورجع وهي في مصلاها على هذه الحال، فقال: «لقدْ قلْتُ بعدَكِ أربَعَ كلِماتٍ، ثلاثَ مرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بجميع ما قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سبحانَ اللهِ وبحمدِهِ، عدَدَ خلْقِهِ، ورِضَا نَفْسِهِ، وزِنَةَ عَرْشِهِ، ومِدَادَ كَلِماتِهِ».

يُسأل كثيرًا أنه هل هذه الكلمات الأربع تتعدى إلى غير سبحان الله وبحمده من باب الذِّكر المُضاعف، فتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، وقِس عليها أستغفر الله عدد خلقه... إلى آخر الأذكار المطلوبة؟

الأصل أن الأذكار توقيفية، وسبحان الله لها أخوات، الباقيات الصالحات، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فهل أخواتها في حُكمها فتقول: الحمد لله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه... إلى آخره، أو يُقتَصر على ما ورد وفي المواضع الأخرى والألفاظ الأخرى والجُمل الأخرى لها مواطنها ومواضعها؟

بعضهم يطرد هذا.

طالب: ............

أين؟

طالب: ............

تذكره نعم.

طالب: ..............

لا هو المقصود أن جميع ما قالته في ساعة أو ساعتين هذا يُقال في أقل من دقيقة.

طالب: ............

هذا قول معروف.

طالب: ............

تستطيع أن تقول: سبحان الله ملء السماوات والأرض.

طالب: ............

هذا القول معروف، ويُناقش ويُسأل عنه كثيرًا؛ لأنه مريح، الآن لو قلت: سبحان الله ألف مرة ما قلت: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله ألف مرة، وأنت قلتها سبحان الله ألف مرة، يحصل لك أجر ألف مرة؟

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ..............

لا، هذا يختلف هذا؛ لأن التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه.

طالب: ............

أنت الآن تقول: سبحان الله مليون مرة، أو تقول: سبحان الله عدد خلقه، عدد خلقه جاء به النص.

طالب: ............

لا، هو الكلام في جواز القول، وطرد ما جاء في الحديث، الذي ما جاز قوله: إذا اقتصرنا على الوارد والأذكار توقيفية قلنا: ما عداه ما يجوز، قلنا: إذا تعدينا ما جاء في الحديث.

طالب: ............

صار ما يستفيد.

طالب: ............

هذا النص.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ..............

لا، هو ما قيل في هذا الحديث: «عدَدَ خلْقِهِ، ورِضَا نَفْسِهِ، وزِنَةَ عَرْشِهِ» هل يتعدى سبحان الله وبحمده أم لا؟

طالب: ............

صح، بجمع الكلمات الأربع، لكن اترك الباقيات الصالحات: لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني ما ورد فيه نص هذا ما فيه نزاع ولا إشكال، هذا توقيفي، على أن الأذكار توقيفية، وأجاب بعضهم عنها بأن النبوة يختلف معناها عن الرسالة، وأنه إذا قال: ورسولك الذي أرسلت أنه ما أتى بجديد، لكن إذا قال: نبيك الذي أرسلت؛ لأن النبوة لها معنى، والرسالة لها معنى.

طالب: ............

ما ورد فيه نصٌّ صحيح لا نزاع فيه، ما هو بمحل النزاع، إذا أتيت بشيءٍ لم يرد فيه نص مثل لا حول ولا قوة إلا بالله.

طالب: ............

على كلامهم أن الذكر توقيفي.

طالب: ............

نعم، لكن أنت تقرنه بلفظٍ وارد، وتُلفِّق بين هذا اللفظ وهذا اللفظ، والمسألة مبحوثة، والعلماء يختلفون فيها.

طالب: ............

وعدد الأشجار.

طالب: ............

لكن يبقى أنه أحيانًا فيه إشارات تدل على عدم التوقيف، مثل من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير مائة مرة، فحصل له كذا وكذا وكذا ولم يأتِ أحدٌ بمثله إلا من جاء بمثل ما قال أو زاد.

 فعلى كل حال المسألة قابلة للنقاش، لكن...

طالب: ............

هذا في رسالة الشافعي، وأيضًا كان بعض الناس يُنكره، يُنكر مثل هذا؛ لأنه موجود في (دلائل الخيرات) قال: يا أخي هذا مأخوذ من (دلائل الخيرات)، وهذا كتاب بدع وكتاب كذا، طيب هو موجود في رسالة الشافعي.

طالب: ............

لا، لكن لو أضفتها إلى أذكار الصباح والمساء، واعتمدتها يوميًّا.

طالب: ............

نعم لأن...

طالب: الراجح أحسن الله إليك التقييد؟ 

أما الالتزام بوقت أو مكان أو عدد فيحتاج إلى توقيف، وأما قول شيء عابر فأنت الأدعية مثلًا تدعو بما تحتاجه في أي وقت، لكن ما تُخصص له وقتًا معينًا.  

"وسبحانَ الله وبحمده، عدد خلقه" مَن يُحصيهم؟ لا يحصيهم إلا من خلقهم.

"ورضا نفسه" ولك الحمد حتى ترضى.

"وزنة عرشه" والعرش بالنسبة للمخلوقات، السماوات السبع بالنسبة إلى العرش كدراهم سبعة أُلقيت في فلاة، تقول: "زنة عرشه" تصور زنة السماوات السبع والأرضين ومن فيها لا شيء بالنسبة إلى العرش، ولذلك اختير من بين المخلوقات.

"ومداد كلماته" {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف:109]، والمراد جنس البحر، تصوَّر أن جميع بحار الدنيا والمحيطات حبر، وأنت تعبئ من هذا الحبر إلى أن ينفد، وتكتب، فشيء ما يتصوره عقل، فوق طاقة عقول البشر مثل هذا، ولذلك قال: "ومداد كلماته" {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان:27].

"ولا إله إلا الله الأحد الصّمد الذي لا شريك له في ربوبيّته، ولا شبيه له في أفعاله، ولا في صفاته".

نقف على هذا.

طالب: .............

خلاص لن أفتح بابًا ثانيًا يشغلنا بعد.

طالب: .............

من هو؟

طالب: .............

اجعلوها للدرس القادم.

طالب: .............

إن شاء الله وقفنا عليها الآن.

طالب: .............

فيه كلام في الذات، وفيه كلام في أمور كثيرة ستأتي.

طالب: آخر شيء "مداد كلماته".

نعم وقفنا على "مداد كلماته".

طالب: .............

يعني الذي قرأته "ولا إله إلا الله" الدرس القادم، إن شاء الله.

طالب: .............

الذي يستحضر الكلام على الذات في شرح الواسطية الذي حضر، أنت ما حضرت؟

طالب: .............

أنت حاضر يا أبا عبد الملك؟

طالب: .............

الله يعينك.

طالب: .............

الله يتوب عليه.

سبحانك اللهم وبحمدك.