شرح المقدمة من نونية ابن القيم - (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الدرس الماضي حصل استشكال حول قول المؤلف: "وأقسم بحياته"، ويُريد بذلك قول الله –جلَّ وعلا-: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]، هل هذا قسم أو ليس بقسم؟ والمعروف عند أهل العلم أن القسم ما اقترن بأحد الحروف الثلاثة، وبعضهم يرى أنه قسم، ويُرتِّب عليه الكفارة.

وعلى كل حال المسألة فيها أقوال لأهل العلم، وبحوث منشورة، وللشيخ/ حمَّاد الأنصاري –رحمه الله- الشيخ المعروف المحدِّث كان في الجامعة الإسلامية مستوطنًا مدينة الرسول –عليه الصلاة والسلام-، توفي –رحمة الله عليه- وهذا كلامه يقرأه الشيخ.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الشيخ/ حمَّاد بن محمد الأنصاري –رحمه الله-: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،

فيقول العبد الضعيف أبو عبد اللطيف حمَّاد بن محمدٍ الأنصاري: إنه قد جرى بيني وبين بعض طلبة العلم بحثٌ حول زعم النحويين أن كلمة (لَعَمري) نصٌّ في اليمين، كما قال ابن مالكٍ في ألفيته:

وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِبًا حَذْفُ الْخَبَرْ
 

 

حَتْمٌ وَفِى نَصِّ يَمِينٍ ذَا اسْتَقَرّْ

 

وأثارت هذه الدعوى بيننا استشكالًا عميقًا؛ لأنها لا تتلاءم مع..."

ما الشاهد من كلام ابن مالك "وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِبًا حَذْفُ الْخَبَرْ"؟

أعِد البيت.

وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِبًا حَذْفُ الْخَبَرْ
 

 

حَتْمٌ وَفِى نَصِّ يَمِينٍ ذَا اسْتَقَرّْ

 

لعمر الله قسمي.

طالب: ................

يقدرون هذا، واللام في الأصل أنها تقع في جواب القسم.

"وأثارت هذه الدعوى بيننا استشكالًا عميقًا؛ لأنها لا تتلاءم مع نهي الشارع عن الحلف بغير الله على القول بأنها يمين؛ لِما ثبت في حديث عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عند الشيخين، قال البخاري: حدَّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالكٍ، عن نافعٍ، عن عبد الله بن عمر– رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أدرك عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وهو يسير في ركبٍ يحلف بأبيه، فقال: «ألا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ».

وعند ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عكرمة قال: قال عمر: حدَّثت قومًا حديثًا، فقلت: لا وأبي، فقال رجلٌ من خلفي: «لا تحلفوا بآبائكم»، فالتفت فإذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ حَلَفَ بِالْمَسِيحِ هَلَكَ، وَالْمَسِيحُ خَيْرٌ مِنْ آبَائِكُمْ».

قال الحافظ: هذا مرسلٌ يتقوى بشواهده، وعند الترمذي من وجهٍ آخر عن ابن عمر أنه سمع رجلًا يقول: لا والكعبة، فقال: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كفر أو أَشْرَكَ»، قال الترمذي: حسنٌ، وصححه الحاكم.

وقال النووي: قال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: لأن أحلف بالله مائة مرةٍ فآثم خيرٌ من أن أحلف بغيره فأبر.

وروى عبد الرزاق عن الثوري، عن أبي سلمة، عن وبرة قال..."

كل هذا ما فيه إشكال؛ لأنه قسم صريح مقرون بالواو وأبي، والكعبة، وهكذا كلها أقسام أيمان كلها مُحرَّمة «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كفر أو أَشْرَكَ».  

"وروى عبد الرزاق عن الثوري، عن أبي سلمة، عن وبرة قال: قال: عبد الله -لا أدري ابن مسعودٍ أو ابن عمر- لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقًا.

قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير".

لأن الأولى معصية، والثانية شرك.

"قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

وقال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده.

وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهةٌ منهيٌ عنها لا يجوز لأحدٍ الحلف بها".

كل هذا ما يُفيدنا شيء.

"وجزم غيره بالتفصيل فقال: فإن اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به، وكان بذلك الاعتقاد كافرًا، وعلى هذا يتنزَّل حديث الترمذي المذكور، وأما إذا حلف بغير الله؛ لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم؛ فلا يكفر بذلك، ولا تنعقد يمينه.

قال الماوردي: لا يجوز لأحدٍ أن يُحلِّف أحدًا بغير الله لا بطلاقٍ ولا عتاقٍ ولا نذرٍ، وإذا حلَّف الحاكم أحدًا بشيءٍ من ذلك وجب عزله؛ لجهله. انتهى.

وهذا هو سبب الاستشكال المذكور آنفًا حول كلمة (لعمري)، ومن ضمن البحث قلت: إن لفظ لعمري ليس يمينًا شرعًا، بل هو يمينٌ لغوية؛ لخلوه من حروف القسم المعروفة المصورة في الواو، والباء، والتاء، ولعدم الكفارة على من أقسم بها، هذا مع ثبوت الحديث بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- نطق بها، وصحَّ عن بعض أصحابه –رضي الله عنهم- التَّفوه بها منهم: ابن عباسٍ، وعثمان بن أبي العاص، وعائشة أم المؤمنين، وأسماء بنت أبي بكرٍ الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وغيرهم –رضي الله عنهم- وكذلك صحَّ عن التابعين لهم بإحسانٍ استعمالها منهم: عطاءٌ، وقتادةٌ وغيرهما كما سيأتي في محله، إن شاء الله.

ولم يثبت عن أحدٍ حسب الاستقراء مخالفتهم إلا ما حُكي عن الحسن البصري، وإبراهيم النخعي.

قال عبد الرزاق: أخبرنا معمرٌ عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يكره (لعمرك)، ولا يرى بــ(لعمري) بأسًا.

قال معمر: وكان الحسن يقول: لا بأس بـ(وايم الله) ويقول: قد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «وايم الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ»، انتهى".

مثل والله، والذي نفسي بيده مثله.    

"وهما محجوجان بالنصوص الواردة في جواز التكلم بها، إن لم نحمل قولهما على عدم بلوغ تلك النصوص إليهما، وهذا هو الأظهر المظنون بمثلهما، أو على أنهما منعا ذلك؛ سدًّا للذريعة.

وأما قياس إبراهيم النخعي هذه الكلمة (لعمري) على قول الإنسان: وحياتي، فقياسٌ مع فارق، وهو باطلٌ كما هو معروفٌ في فن الأصول؛ لأن الأخيرة معها واحدٌ من حروف القسم التي أُجمِع على أنها صريحةٌ في اليمين، بخلاف تلك أي: (لعمري) فإن اللام فيه ليست من أدوات القسم؛ لِما تقدم، بل مثل هذه اللفظة تُعتبر جريًا على رسم اللغة، تُذكَر لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط؛ لأنه أقوى من سائر المؤكدات، وأسلم من التأكيد بالقسم بالله لوجوب البِر به، وليس الغرض فيه اليمين الشرعي.

وصورة القسم على هذا الوجه المذكور لا بأس به؛ ولهذا شاع بين المسلمين استعمالها.

وقد قال النووي في شرحه على حديث مسلم والدارمي وأبي داود –أعني حديث إسماعيل بن جعفر- قال مسلمٌ النيسابوري القشيري في صحيحه: حدثني يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيدٍ جميعًا، عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيلٍ عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله أنه جاء رجلٌ إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من أهل نجدٍ ثائر الرأس نسمع دوي صوته، ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «خَمسُ صَلواتٍ في اليَومِ واللَّيلةِ»، فقال: هل عليّ غيرهن؟ قال: «لا، إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ، وصيام شَهْرَ رَمَضَانَ» فقال: هل عليّ غيره؟ قال: «لا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ»، وذكر له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الزكاة، فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ»، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله– صلى الله عليه وسلم-: «أَفْلَحَ، وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ، أو دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ».

قال الحافظ محيي الدين النووي في شرحه: هذا مما جرت عادتهم أن يسألوا عن الجواب عنه مع قوله –صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ»".

هذا الحديث مُخرَّج على أنه إنما كان قبل النهي، أو كما قال السهيلي فيما رآه من نسخةٍ عتيقةٍ من صحيح مسلم أن فيه: «والله إن صدق» قال السهيلي: فقصرت اللامان فأشبهت: وأبيه.             

"وجوابه أنه قوله –صلى الله عليه وسلم-: «أَفْلَحَ، وَأَبِيهِ» ليس حلفًا، إنما هو كلمةٌ جرت عادة العرب أن تُدخلها في كلامها".

مثل هذا الكلام لا يُسوِّغ صنيع كثيرٍ من المسلمين يقول: أنا ما قصدت، النهي والنص الوارد في التشديد مرتبٌ على النطق، وأما إذا اقترن به اعتقاد أنه مماثل أو مقارب لله –جلَّ وعلا- في التعظيم هذا أمر آخر شأنه أعظم، وكلام الشيخ هذا ما يخدمنا ما نحتاجه.

"إنما هو كلمةٌ جرت عادة العرب أن تُدخلها في كلامها غير قاصدةٍ بها حقيقة الحلف".

الشيخ يُريد أن يُقرر أن مثلها (لعمري)، ما تنفع، أنت قررت أنه ليس بقسم، وأن اللام ليست من حروف القسم، انتهى الإشكال، يعني ما ورد مخالفًا للنهي مما اقترن من حروف القسم، وأجاب عنه أهل العلم يختلف عن (لعمري).

"والنهي إنما ورد فيمن قصد..."

الشيخ من جماعتكم؟

طالب: ............ 

"والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف؛ لِما فيه من عِظم المحلوف به ومضاهاته بالله –سبحانه وتعالى- فهذا هو الجواب المرضي".

طالب: ...........

مهما كان؛ لأنه يترتب عليه إذا كان قول: «وأبيه» تُغتفر؛ لأنها من غير قصد، فكلمة (لعمري) تُغتفر؛ لأنها من غير قصد، نحن ما يخدمنا هذا، أنت اثبت أنها قسم، أو ليست بقسم، هذا المطلوب.

والداعي إلى ذلك قول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "وأقسم بحياته" نحن نقول: في الأصل ليست بقسم، ونخرج من هذا كله.  

نطق بها كثير من الصحابة.

"وقيل: يُحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى، والله أعلم".

"وقد نقل الحافظ ابن حجرٍ كلام النووي هذا وزاد، ولأبي داود مثله، رواية مسلم لكن بحذف (أو) في قوله: «أَفْلَحَ، وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ أو دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ»".

كل هذا ما يعنينا، انظر الذي يتعلق بــ(لعمري).

طالب: أطال الكلام فيها.

نُريد ما يخدم الموضوع.

طالب: الفصل الذي يليه في ذِكر بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعًا، وموقوفًا، ومقطوعًا.

طيب هات.

قال –رحمه الله-: "فصلٌ في ذكر بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعًا، وموقوفًا، ومقطوعًا".

مرفوعًا يعني المرفوع إلى النبي –عليه الصلاة والسلام-، والموقوف على الصحابة، والمقطوع على التابعين فمن بعدهم.

"فهاك أيها القارئ الطالب للحق بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعًا أسرده لك بعد ما مهدت به على هذه المسألة، ولقد فتشت وسألت عمَّن ألَّف في خصوصيتها، فلم أجد من قرع بابها قبل قلمي هذا.

فأقول وبالله التوفيق: الأحاديث المرفوعة في المسألة قولًا وتقريرًا من الشارع- صلى الله عليه وسلم-:

الأول: قال أبو داود سليمان بن الأشعث في سننه: حدثنا عبيد الله بن معاذٍ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي، عن خارجة بن الصلت، عن عمه علاقة بن صُحارٍ التميمي أنه مر بقوم فأتوه، فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير، فارقِ لنا هذا الرجل، فأتوه برجل معتوه في القيود، فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية، وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل، فكأنما أنشط من عقال، فأعطوه شيئًا، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر له ذلك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كُلْ، فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةٍ بَاطِلٍ، لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ».

الحديث الثاني: وقال أبو داود أيضًا في سننه: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالكٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن رجل من بني أسد أنه قال: نزلت وأنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسله لنا شيئًا نأكله، فجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدت عنده رجلًا يسأله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ»، فتولى الرجل وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا، فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا». قال الأسدي فقلت: للقحة لنا خيرٌ من أوقية، والأوقية أربعون درهمًا".

طالب: ..............

الذي بعده.

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: ..............

أعطنا الخاتمة.

"فصلٌ في أقوال أئمة التفسير واللغة في لعمري".

طالب: ............

طالب: بعد أيضًا؟

طالب: في أقوال الأئمة -أحسن الله إليك-، صفحتين ونصف.

أعطني إياها.

"فصلٌ في بيان أقوال أئمة المذاهب في الكلمة المسئول عن حكمها".

هي خاتمة المطاف؟

طالب: لا، بعدها بصفحتين، أقرأه أم أنتقل للخاتمة؟

ما أدري والله.

طالب: الخاتمة صفحتان، وأقوال الأئمة صفحتان.

هذه ما فيها عناوين، فصلٌ في بيان أقوال أئمة المذاهب.

طالب: نعم.

أعطنا إياها.

"فصلٌ في بيان أقوال أئمة المذاهب في الكلمة المسئول عن حكمها.

أولًا: أما الإمام مالك ففي المدونة الكبرى رواية الإمام سحنون بن سعيدٍ التنوخي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن مالكٍ -رحمه الله- قال سحنون: قلت: أرأيت قوله: (لعمري) أتكون هذه يمينًا؟ قال: قال مالكٌ: لا تكون يمينًا.

وقال الحطاب في (مواهب الجليل شرح مختصر خليل) لأبي المودة الجندي التركي المالكي ما نصه: وقوله: (لعمري) أو هو زانٍ أو سارقٌ أو قال: والصلاة والصيام والحج أو قال: هو يأكل لحم الخنزير والميتة، أو يشرب الدم أو الخمر أو يترك الصلاة أو عليه لعنة الله أو غضبه، أو أدخله الله النار، وكل ما دعا به على نفسه لم يكن بشيءٍ من هذا يمينًا.

الثاني: وأما الإمام إمام أهل السنة أحمد بن حنبل الشيباني فقد قال الموفق بن قدامة في المغني: قال الإمام أحمد بن حنبلٍ -رحمه الله- وقد سئل عن الرفع إي (لعمري): ومن يشك في هذا كان ابن عمر إذا رأى من لا يرفع حصبه، وأمره أن يرفع.

وقال في موضعٍ آخر في نفس الكتاب: وإن قال: (لعمري) أو (لعمرك) أو (عمرك) فليس بيمين، في قول أكثرهم.

وقال الحسن في قوله: (لعمري) عليه الكفارة، ثم قال: والدليل على أنه ليس بيمينٍ أنه أقسم بحياة مخلوق، فلم تلزمه كفارة، كما لو قال وحياتي؛ وذلك لأن هذا اللفظ يكون قسمًا بحياة الذي أضيف إليه العمر".

فحينئذٍ يكون يمينًا محرَّمة لو قال: وحياتي، وهي أعظم من أن تُكفَّر كالغموس.

"فإن التقدير لعمرك قسمي أو أقسم به، والعمر: الحياة والبقاء.

وقال أبو عبد الله محمد بن مفلح في كتابه (الفروع): وإن قال: (لعمري) أو قطع الله يديه ورجليه، أو أدخله الله النار إن فعل كذا، فذلك لغوٌ نص عليه الإمام أحمد، ولا يلزمه إبرار القسم في الأصح.

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في (مختصر الإنصاف): وإن قال: (لعمري) أو (لعمرك) فليس بيمين في قول الأكثر، وقال الحسن في قول: (لعمري) كفارة، وبمثل هذا أفتى حفيده الشيخ/ عبد اللطيف في (منهاج التأسيس) في الرد على ابن جرجيسٍ العراقي، حيث قال: إن المذهب والأكثر لا يرى أن (لعمري أو لعمرك) يمين، وانتفاء الكفارة؛ لانتفاء اليمين،  وأما قول الحسن فمرجوح كما تقدم، وقد يكون يوجب الكفارة لمعصية القائل وفجوره، مع أن اليمين غير مقصودة بها".

لزوم الكفارة لا يعني أنها مرتبة على يمين يعني قسم، بدليل أن شيخ الإسلام –رحمه الله- إذا كان الطلاق أو تعليق الطلاق للحث أو المنع فليس بيمين –قطعًا- شرعيًّا، ولا يُقال: كفر أو أشرك، إن فعلتِ كذا فعليكِ كذا وتلزمه كفارة يمين؛ لأنه يترتب عليه من الحث أو المنع مثل ما قال: والله ما تطلعين، والله ما تدخلين، لكنه قال: إن خرجتِ فأنتِ طالق، ففرق بين أن تلزمه كفارة يمين، وأن يكون النطق يمينًا، وإلا كان حكم الحلف بالطلاق أو رسالة الحلف بالطلاق لشيخ الإسلام وتكفره كفارة يمين، هل هذا حلف يعني بمعنى قسم أم بمعنى القسم بما يترتب عليه من الحث والمنع، لا أنه قسمٌ يأثم به، ظاهر؟

طالب: واضح.

"وأما قول الحسن فمرجوح كما تقدم، وقد يكون يوجب الكفارة؛ لمعصية القائل وفجوره مع أن اليمين غير مقصودة بها، بل هذا يجري على ألسنتهم من غير قصد كقوله: «عَقْرَى، حَلْقَى» وقوله: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ» بل هو غير معلومٍ وغير مفهومٍ من كلام أهل العلم والإيمان وأئمة هذا الشأن أنه يمين، بل صريح كلامهم نفي هذا، وأنه ليس بقسم.

ثم قال: وليس الغرض اليمين الشرعية وتشبيه غير الله تعالى به في التعظيم؛ حتى يرد عليه أن الحلف بغير اسمه تعالى وصفاته –عزَّ وجلَّ- مكروه، كما صرَّح به النووي في شرحه على مسلم، بل الظاهر من كلام الحنفية أنه كفرٌ إن كان باعتقاد أنه حلفٌ يجب البر به، وحرامٌ إن كان بدونه، كما صرَّح به بعض الفضلاء. 

الثالث: الأحناف، أما المذهب الحنفي فقد قال العيني في (عمدة القاري شرح البخاري): وإذا قال: (لعمري) فقال الحسن البصري: عليه الكفارة إذا حنث فيها، وسائر الفقهاء لا يرون فيها كفارة؛ لأنها ليست عندهم يمينًا. انتهى.

خاتمة المطاف: لقد تبين مما تقدم من النصوص الدالة على أن كلمة (لعمري) ليست يمينًا شرعيةً تجب الكفارة بها، تبين من ذلك أن اليمين الشرعية هي اليمين التي تُوجب الكفارة على من حلف بها إذا حنث، أما ما ذكره ابن القيم في كتابه (التبيان في أقسام القرآن) من أن أكثر المفسرين من السلف والخلف، بل لا يُعرَف من السلف فيه نزاعٌ أن (لعمري) في قوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72] قوله: إن هذا قسمٌ من الله بحياة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وهذا من أعظم فضائله أن يُقسم الرب –عزَّ وجلَّ- بحياته، وهذه مزيةٌ لا تُعرَف لغيره.

ولم يوافق الزمخشري على ذلك، فصرف القسم إلى أنه بحياة لوط، وأنه من قول الملائكة فقال: هو على إرادة القول، أي: قالت الملائكة للوط عليه -الصلاة والسلام-: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72].

وليس في اللفظ ما يدل على واحدٍ من الأمرين، بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على ما فهمه السلف، لا أهل التعطيل والاعتزال.

قال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: (لعمرك) أي: وحياتك، قال: وما أقسم الله تعالى بحياة نبيٍّ غيره.

والعَمر بفتح العين المهملة، والعُمر بضمها واحدٌ إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح؛ لإثبات الأخف؛ لكثرة دوران الحلف بها على ألسنتهم، وأيضًا فإن العُمر حياةٌ مخصوصة، فهو عُمرٌ شريفٌ عظيم أهل أن يقسم به لمزيته على كل عمرٍ من أعمار بني آدم، ولا ريب أن عمره وحياته -صلى الله عليه وسلم- من أعظم النعم والآيات، فهو أهل أن يُقسم به، والقسم به أولى من القسم بغيره من المخلوقات. انتهى.   

فهذا الكلام من الإمام ابن القيم يُحمَل على أنه إنما أراد أن هذه الكلمة قسمٌ لغةً، وإلا فإن الأحاديث الصحيحة المتقدمة تمنع وتنهى عن الحلف بغير الله من المخلوقات، فإن ذلك من أعظم المحرمات، كما دلت عليه الأحاديث المتقدمة، هذا كله في غير قسم الله تعالى بما شاء من مخلوقاته، فإنه يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.

وقد تقدم في النصوص التي سردناها عن الأئمة أن هذه الكلمة ليست من الأيمان الشرعية التي تجب الكفارة بها عند الحِنث، بل هي محمولة على أحد الوجوه التي تقدمت في أول الرسالة".

خلاص انتهى.

طالب: .............

إذا قال لامرأته: هي عليه حرام.

طالب: .............

{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1]، {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] سمَّاها يمينًا؛ لِما تُوجبه من كفارة، وإلا فهي بحقيقتها ليست بيمين يأثم بها، ويكون قد أشرك أو كفر، لا ليست داخلة في هذا، ومثلها: لعمرك ولعمري وما أشبه ذلك.

طالب: .............

هذا الكلام الذي سمعت.

اللهم صلِّ وسلم عبدك ورسولك نبينا محمد.

هذا فيه كلام حول التقديرات والأعداد التي جاءت في الأذكار.

يقول شيخ الإسلام في مسائل الطلاق: إذا قال: طلقتها مائة، أنتِ طالق مائة طلقة أو ألف طلقة فما الحكم؟ لم يكن قد طلقها إلا مرةً واحدة.

يقول: وقول النبي –صلى الله عليه وسلم- لأم المؤمنين جويرية: «لقدْ قلْتُ بعدَكِ أربَعَ كلِماتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بما قُلْتِ منذُ اليومَ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ»، أخرجه مسلم في صحيحه، فمعناه أنه سبحانه يستحق التسبيح بعدد ذلك، كقوله –صلى الله عليه وسلم-: «ربَّنا ولك الحمدُ، مِلْءَ السَّمواتِ ومِلْءَ الأرضِ، ومِلْءَ ما بينهما وملء ما شِئْتَ مِن شيءٍ بعدُ».

وليس المراد بها أنه سبَّح تسبيحًا بقدر ذلك، فالمقدار تارةً يكون وصفًا لفعل العبد، وفعله محصور، وتارةً لما يستحقه الرب، فذاك الذي يُعظَّم قدره؛ وإلا فلو قال المصلي في صلاته: سبحان الله عدد خلقه. لم يكن قد سبَّح إلا مرةً واحدة.

ولما شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُسبَّح دُبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، ويُحمَد ثلاثًا وثلاثين، ويُكبَّر ثلاثًا وثلاثين، فلو قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، عدد خلقه. لم يكن قد سبَّح إلا مرةً واحدة.

يعني هو لو قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين يكون سبَّح مرة واحدة ما يُغني عن إفراد الأعداد، وهذا نافع بالنسبة لِما تقدم.

بحثك فيه شيء غير ما تقدم؟

طالب: .............

كنت اقرأه أنت.

طالب: .............

طيب ما فيه خلاصة؟

طالب: .............

يقول: وبهذا نصل إلى ختام هذا البحث الموجز، والذي نتوصل من خلاله أن الجمع بين النصوص، وأن قول الشخص: لعمري أو لعمرك ليس في الأصل يمينًا، وإنما المراد منه التوكيد، وقد يكون يمينًا كما دل الإجماع في الآية أو بالنية كما تقدم، وعليه فلا يُنكَر على من استعملها، كذلك لا غضاضة على الشخص أن يقولها، وإذا تورّع؛ مراعاةً لخلاف من خالف في ذلك فهو أحوط، والله أعلم.

طالب: أحسن الله إليك إذا قلنا: إنها ليست يمينًا يبقى الإشكال في الآية؛ لأن بالإجماع أنها تكون في الآية يمين؟

لا، باعتبار أن الله -جلَّ وعلا-...

لكن هل المقصود محمد أو لوط في الآية؟

طالب: .............

قيل هذا، وقيل: لوط مر بنا الكلام؛ لأن الكلام في سياق قصته.

طالب: .............

بينها فروق كبيرة جدًّا؛ لأن لعمرك ما فيه حرف من حروف القسم.

طالب: .............

لا لا، هذا ماشٍ على أنها أقسام صريحة، لكنها من الله –جلَّ وعلا-، وله أن يُقسم بما شاء من خلقه، هذه ما فيها إشكال.

أين وقفت عليه بالقراءة؟

أما بعد؟

طالب: وأقسم بحياته في كتابه المبين.

أنت أنت.

طالب: أما بعد نعم.

نكمِّل إلى أما بعد.

طالب: .............

على طول نعم.

طالب: .............

هذا على رأيه، ليس على قول الجمهور، هو يُريد أن يستدل برأيه ويقويه بما أتبعه من كلام- رحمه الله-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "وقرن اسمه باسمه، فإذا ذُكِر ذُكِر معه كما في الخُطب والتشهد والتأذين، فلا يصح لأحد خطبةٌ ولا تشهْدٌ ولا أذانٌ ولا صلاة، حتى يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقين".

"وقرن اسمه باسمه" في الخطبة وفي الشهادة التي لا يدخل الإسلام إلا بها؛ لأنها ولو لم تُذكَر في أصل النص «أُمِرتُ أن أقاتلَ النَّاسَ حتَّى يشهدوا أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»؛ لأنها من متطلباتها ومقتضياتها، فإذا لم يشهد أن محمدًا –صلى الله عليه وسلم- رسول الله، فإنه حينئذٍ لم يدخل في الإسلام، أو يُقال: إنه يدخل، ثم يُطالب بها كما يُطالب بالصلاة والزكاة وغيرها من أركان الإسلام، ولكن الأصل أنها مقرونة في الخطبة، وأيضًا في التأذين أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، وغير ذلك، التشهد وهو معروف، ولذا في كلام حسان بن ثابت:

واشتقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ
 

 

فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ

 

وضمَّ الإلهُ اسمَ............................

 

...........................................

إلى آخره.

"حتى يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقين" يعني موقنًا بذلك ليس بخوفٍ من سيف أو من مُكرِه، لا، لا بُد أن تقر في قلبه، ويُوقِن بها شهادة يقين، ويعترف اعترافًا جازمًا بذلك.

ومن مقتضيات هذه الشهادة: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يُعبَد الله –جلَّ وعلا- إلا بما شرع، فلا طريق إلى عبادة الله –جلَّ وعلا- إلا عن طريقه- عليه الصلاة والسلام-.

"فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وجميع خلقه عليه".

"فصلى الله وملائكته" {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].

"كما عرَّفنا بالله وهدانا إليه" يعني من أعظم حقٍّ لمخلوق حقه –عليه الصلاة والسلام- علينا؛ لأنه هو الذي دلنا على الله –جلَّ وعلا-، وعرَّفنا به، ولولا بعثته... والفضل أولًا وآخرًا كله لله –جلَّ وعلا-، لكن له فضلٌ علينا أكبر من حق الوالدين، ومن فضل الوالدين علينا؛ لأنه بسببه ننجو من النار، وندخل الجنة، ونعرف الله –جلَّ وعلا- عن طريقه، ولا يُدانيه في هذا أحد لا والد ولا أب ولا أم، ولا غيرهم، نعم لهم من الحقوق بقدر ما جعله الله –جلَّ وعلا- لهم من ذلك.

ولا شك أن الحق يزيد وينقص بقدر التأثير، فولدٌ حرص عليه أبوه، ويُنشئه تنشئةً صالحة، له من الحق أكثر من أبٍ جاء بالولد وأهمله، ولذا يقول الله –جلَّ وعلا-: {وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:24]، والذي يظهر أن هذه الدعوة لا تتناول من لم يُربِّ أو يحرص على تربية ولده ويُهمله ويُضيعه، بل يُحضر له، ويُوفر له أسباب الانحراف.

الكاف للتعليل {وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:24]، والتربية المقصود بها المُنجية من عذاب الله –جلَّ وعلا-، وإلا فتربية الأكل والشرب والتعليم وما أشبه ذلك كل الناس حريصون عليها؛ لأن فائدتها عاجلة، ولكن الفائدة العظمى في التنشئة على الدين، وطاعة رب العالمين، والبُعد كل البُعد عمَّا يُغضبه ويُسخطه.

طالب: .............

كما قال المؤلف نعم؛ لأنها من مقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله، فإن لم يأتِ بها لم تكتمل شهادته، وهذا رأي المؤلف -رحمه الله-.   

"كما عرَّفنا بالله وهدانا إليه" يعني دلنا عليه هداية إرشاد ودلالة، لا هداية توفيقٍ وقبول، فإن هذه لله -جلَّ وعلا-، فإذا قال –جلَّ وعلا- في حقه –عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56]، كما جاء في هداية الدلالة {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] ففرقٌ بين هذه وهذه.

طالب: .............

لا بُد أن تكون خالصة من قلبه، وإلا مجرد أن ينطق بها بلسانه وهو لا يعترف بها بقلبه ما تنفعه.

طالب: .............

هو الأصل أنه يشهد بيقين، لكن كونها تعزب في بعض الأوقات لا يعني أنها باطلة، فرقٌ بين من لم يقر الإيمان في قلبه، وينطق بها خوفًا من سيف أو خوفًا من أحد، وبين من ينطق بها خالصًا لله –جلَّ وعلا- في عمره، وأحيانًا يقولها مثل ما يستغفر، تجده يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر، وهو غير مُستحضر.

طالب: .............

ما معنى مسلم غير موقن بها؟ يعني فرق بين أن تعرف أنه هذا الخطيب الذي أمامك من المسلمين وينطق بها باستمرار، ويعترف بها ويُذعن، ويعمل بمقتضاها أو غير الخطيب، ثم تلفظ بها وعقله عازب، ولذلك يقولون في الوضوء في النية في الوضوء: يُشترط استصحاب حكمها، ولا يُشترط استصحاب ذِكرها، أنت وقفت أمام المغسلة، لماذا جئت؟ جئت لتتوضأ؛ لأنه قد يحصل الوضوء بدون نية، إنسان تعود الوضوء، فغسل يديه بعد الطعام وكمَّل الوضوء هذا ليس بوضوء هذا، لكن الذي جاء ليتوضأ ليُصلي أو ليقرأ أو يفعل بها ما لا يُفعَل إلا بالطهارة هذه نيته وكافية، لكن لو في أثناء الوضوء غفل عنها وضوؤه صحيح أم لا؟

طالب: صحيح.

هو جاء ليتوضأ فوضوؤه صحيح، ولا يجب استصحاب ذكرها، بمعنى أنها ما يغفل عنها في لحظةٍ من لحظات وضوئه، فرقٌ بين هذا وهذا.    

"وسلّم تسليمًا كثيرًا" وقد جمع المؤلف –رحمه الله تعالى- بين الصلاة والسلام، كما أمر الله بذلك؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وجاءت في مواضع كثيرة مقرونة بالصلاة، وأطلق النووي –رحمه الله- الكراهة في حق من أفرد الصلاة دون السلام أو العكس، يُصلي على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه، وينسى وسلم تسليمًا كما فعل مسلم في صحيحه ما قال: وسلَّم، فقال النووي: يُكرَه مثل هذا.

طالب: .............

فعلها النووي والشافعي وكثيرٌ من الأئمة فعلوها، ولذلك الحافظ ابن حجر خصَّ الكراهة بمن كان هذا ديدنه، يعني يُصلي باستمرار على النبي ولا يُسلِّم، أو يُسلِّم ولا يُصلِّي، أما من كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة فلا يندرج في الكراهة.

وجاء في (الرسالة) للشافعي وبعض مصنفاته الأخرى ومختلف الحديث وغيره أنه أفرد الصلاة دون السلام، وكذلك النووي نفسه في ثلاثة أو أربعة من كُتبه أفرد الصلاة دون السلام، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: ..........

يا إخوان يعني كوننا ما شرحنا إلا شيئًا قليلًا فالقراءة تُسدد، وهذه مما يحتاجها كل طالب علم؛ لأن الكلام فيها كثير، وبعض الناس يسأل ويتساءل.

الحلف بالطلاق كيف شيخ الإسلام يقره، ويقول: حلف بالطلاق ويُرتب عليه كفارة وكذا، والحلف بغير الله شرك، حتى على القول بأن من قال: لعمري أو لعمرك أو كذا فيه كفارة، مع أن الراجح أنه ما فيه كفارة؛ لأنه ليس بيمينٍ أصلًا؟

فهذا مما يُستشكَل، والحمد لله سمعنا ما سمعنا.