شرح المقدمة من نونية ابن القيم - (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام ابن القيم –رحمه الله تعالى-: "فَمن كَانَ لذكر أَسْمَائِهِ وَصِفَاته مُبغضًا، وعنها مُعرضًا نافرًا ومُنفِّرًا، فالله لَهُ أَشد بُغضًا، وَعنهُ أعظم إعْرَاضًا، وَله أكبر مقتًا حَتَّى تعود الْقُلُوب على قلبين:

قلبٌ ذِكرُ الأسماء وَالصِّفَات قوتُه وحياتُه، ونعيمه وقرة عينه لَو فَارقه ذِكرهَا طرفَة عين ومحبتها ساعةً لاستغاث «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فلسان حَاله يَقُول:

يُرَاد من الْقلب نسيانكم
 

 

وتأبى الطباع على النَّاقِل
 

وَيَقُول:

وَإِذا تقاضيت الْفُؤَاد تناسيًا
 

 

ألفيت أحشائي بِذَاكَ شحاحًا
 

ويقول:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم
 

 

فنترك الذّكر أَحْيَانًا فننتكس
 

وَمن الْمحَال أَن يذكر الْقلب من هُوَ محَاربٌ لصفاته، نافرٌ من سماعهَا، مُعرضٌ بكليته عَنْهَا".

طالب: أظن فيه خطأ أحسن اليك.

أين؟

"مُعرضٌ بكليته عَنْهَا، زاعم أَن السَّلامَة فِي ذَلِك، كلا وَالله إِن هُوَ إِلَّا الْجَهَالَة والخذلان وإلاعراض عَن الْعَزِيز الرَّحِيم، فَلَيْسَ الْقلب الصَّحِيح قطّ إِلَى شَيْءٍ أشوق مِنْهُ إِلَى معرفَة ربه تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله وأسمائه، وَلَا أفرح بِشَيْء قطُّ كفرحه بذلك، وَكفى بِالْعَبدِ خذلانًا أَن يُضرَب على قلبه سُرادق الإعراض عَنْهَا والنفرة والتنفير".

طالب: .............

في نسخة طاء.

"وَكفى بِالْعَبدِ خذلانًا أَن يُضرَب على قلبه سُرادق الإعراض عَنْهَا والنفرة والتنفير، والاشتغال بِمَا لَو كَانَ حَقًا لم ينفع إِلَّا بعد معرفَة الله تعالى، والإيمان بِهِ وبصفاته وأسمائه".

تقرأ أم نقف؟

طالب: نقف هنا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سبق في كلام المؤلف –رحمه الله تعالى- أن هذا الباب، باب الأسماء والصفات المتعلق بالله –جلَّ وعلا- أشرف مطلوب؛ لشرف معلومه، والحاجة إليه بالنسبة للمسلم أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب، فقدان الطعام والشراب يفقد الحياة الدنيا، وبفقدان هذا الباب من قلب المؤمن يفقد الحياة الحقيقية والحياة الأبدية، وشتان ما بين البابين، وشتان ما بين الأمرين، فمع الأسف أننا نلاحظ كثيرًا من طلاب العلم همُّهم –وهذا تقدم، ونبَّهت عليه، وذكرته أكثر من مرة وفي مناسبات من هذه الدروس- أن بعض طلاب العلم لا يُوليه ما يستحقه من العناية، تجد بعض أهل العلم الذين يجلسون للتدريس يهتمون بالفقه العملي، ويكون هو همَّهم ومقصودهم، وما يخدم هذا الفقه العملي من الحديث، وعلوم الآلة تخدم العلم كله، يقرأ في أحاديث الأحكام؛ ليتوصل بها إلى معرفة الأحكام العملية، ويقرأ في كُتب أهل العلم المصنَّفة في مسائل الأحكام العملية، مع أن هذا هو الفقه الأكبر ولو عرف حقيقة الأمر لما غفل عن مثل هذا طرفة عين.

ورأينا- وقد ذكرت هذا- من شيوخنا من يبكي عند سماع مثل هذا الكلام؛ لأنه قدحٌ في الذات الإلهية من كلام المبتدعة، يبكي بكاءً مُرًّا، بينما تمر به المواعظ والآيات والأحاديث التي هي كالسياط للقلوب؛ فيتأثر بها، ويتفاعل معها على ما يقولون، لكن هذا أعظم، لماذا؟ لأنه عرف حقيقة الحال.

لو أن شخصًا يقدح في أبيك تجد أن الألم يعتصر قلبك، أنت لا تستطيع أن ترد عليه، تجد الألم يعتصر قلبك، فضلًا عن أن يؤذيه بأذًى حسي، هذا إذا كان في مخلوق، فإذا كان هؤلاء المبتدعة يقدحون في الله –جلَّ وعلا- الذي له أعظم المِنَّة عليك وعلى غيرك من المخلوقات، فمثل هذا يجب أن يُعطى حقه، ومر في كلام المؤلف –رحمه الله تعالى- ما يكفي، وسيأتي ما يؤيد هذا الكلام من كلامه- رحمه الله-.

يقول: "فمن كان لذكر أسمائه وصفاته مُبغضًا" بعض الناس خلاص ترسَّخ في ذهنه أن هذا الباب مُقترن ومُرتبط بالمبتدعة من الجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، والماتريدية وغيرهم، وانتهى وقتهم، انتهوا، يقول: ما فيه جهمية، فيه جهمية، يقول: ما فيه معتزلة، وما أكثر المعتزلة في هذا الزمان الذين يُقدِّمون العقل على النص، وقُل مثل هذا في بقية الطوائف.

وأما الروافض فلا يُحتاج إلى استدلال على وجودهم، أمرهم أشهر من أن يُقال: هم موجودون أو غير موجودين، والروافض موغلون في هذا الباب، منكرون للأسماء والصفات، فهم معتزلة في هذا الباب، وجهمية في أبواب أخرى، وجبرية في باب القدر، وعندهم أمور، يعني اجتمعت فيهم زبالة المذاهب، نسأل الله العافية.

وقد رفعوا عقيرتهم في مطلع هذا القرن لما جاء إمامهم ومُقدَّمهم، وصاروا يُعلنون ويُشهرون مذاهبهم، ولهم من القنوات ما تبث سمومهم، والله المستعان.

فعلى طالب العلم ألا يزهد في مثل هذا الباب، هذا بابٌ عظيم، عظيمٌ جدًّا، لماذا؟ لأن شرفه مرتبطٌ بالله –جلَّ وعلا- وبمعرفته، ومعرفة أسمائه وصفاته، وإذا لم تعرف ربك فكيف تعبده عن قناعة؟ وكيف تعبده على مراده؟ إذا لم تعرفه فكيف تخافه وترجوه؟ إذا لم تعرف أسماءه فكيف تدعوه وتتعرض لرحمته؟ لأنه الرحمن الرحيم، تتعرض لنصره، تتعرض لعطائه ومنِّه وكرمه وجودِه؛ لأنك تستحضر هذه الصفات، وهكذا.

وأما بالنسبة للصفات التي يُنكرها جملةً المعتزلة، وقبلهم الجهمية، ويُنكر بعضها من يُنكر كالأشاعرة، أنا ما رأيت في الباب أعظم من حديث: «ثم يأتيهم بصورته التي يعرفونها فيسجدون له» الذي يُنكر الصفات، ولا يعترف بها، ولا يؤمن بها، كيف يعرفه بصفاته؟ الأمر ليس بالسهل، دعونا من مسألة الأعذار التي يلتمسها بعض العلماء لفئاتٍ منهم، إما لأنه جَهِل الأمر، أو أنه ما بلغه، ما بلغه الحق على وجهه، أو كذا أو كذا، أو اعتذر لرأسٍ من رؤوسهم؛ لعذرٍ رآه مناسبًا بالنسبة لهذا الشخص أو لذاك، هذه أمور جزئية، ما تعني أصل المسألة.

يعني من أعظم من وقع في هذا الباب وبأشد عبارة وأوضح طريق الرازي الذي كلامه مثل السُّم، وتأثيره في النفوس أعظم من تأثير السحر؛ لأنه أُعطي بيان، وأُعطي بلاغة، وأُعطي تنظيم، ورأي ناضج ومرتَّب، لكنه على غير هدى؛ لأنه جعل قائده بدل الكتاب والسُّنَّة كلام الأقدمين من الفلاسفة وغيرهم، فَضلَّ السبيل، واعترف على نفسه بذلك، يُسأل عنه شيخ الإسلام فيقول: وأما أبو عبد الله بن الخطيب –أبو عبد الله الرازي المعروف بابن الخطيب- فيطعن كثيرٌ من الناس في قصده. لا شك أن الذي يقرأ في كتابه يطعن لا مفر، لكن شيخ الإسلام لسعة أُفقه وشدة رحمته ورأفته بالخصوم، وهذا معروف عنه يقول: الذي أراه أنه ينصر ما يراه الحق. هو يرى أن هذا هو الحق وينصره.

النتائج التي أظهرتها سلوكاتهم عليهم وعلى غيرهم، الفارابي في نهاية عمره اعتزل ولزم البيت العتيق، جاور، والنتيجة؟ لزم الصيام والقيام، وكان يُفطِر على الخمر المُعتَّق وأفئدة الحُملان، نسأل الله العافية.

بينما تجد أهل السُّنَّة، وإن كان بعضهم في العلم أقل، عندهم من العمل، وعندهم من الخشية لله– جلَّ وعلا- شيء تقر به العيون، وتجدهم عند الخاتمة يحصل لهم ما يحصل من حُسنها، ونضارة الوجوه -والله المستعان-، فهذه أمور بشارات مُعجَّلة، وتلك نِذارات مُعجَّلة، نسأل الله العافية.

"فَمن كَانَ لذكر أَسْمَائِهِ وَصِفَاته مُبغضًا، وعنها مُعرضًا نافرًا ومُنفِّرًا" يعني أي طالب علم تقول له: تقرأ في كتاب مثلًا أحب عليك زاد المعاد أم الصواعق المرسلة لابن القيم، ماذا يقول؟ زاد المعاد.

طالب: الصواعق.

عندك أنت، أنا أقول: آحاد طلاب العلم.

طالب: .............

والله أكثر الناس عندهم الزاد سلس ومَرِن، وأحكام ملموسة تراها وتُطبِّقها، فيه كلام بديع مُرتَّب، يعني ما فيه شك أن (الهدي) ما أقول: إعجاز، لكنه إبداع، والصواعق أشد منه لمن ألِف هذا الباب، وإلا الذي ما ألِفه كثير من الناس إذا جاء درس التوحيد في دروس المشايخ قديمًا الذي يُقرأ عليه في الدرس الواحد عشرة كُتب أو أكثر تجده عنده... حتى التفسير أحيانًا ينفرون منه؛ لأنهم يقولون: ماذا نستفيد من ابن كثير؟ حدَّثنا قال: حدَّثنا، يُريدون شيئًا عمليًّا ملموسًا، وإذا خرج من الدرس تذكَّر، فإذا وجد في نفسه شيئًا يُردده ويقول: استفدت، لكن إذا سمع من تفسير ابن كثير أو ابن جرير عشر صفحات، تقول له: ما الحصيلة؟ ضئيلة، ويمكن ما يستحضر شيئًا، لكن إذا استحضرت أن هذا مرتبطٌ بكلام الله –جلَّ وعلا- الذي هو أشرف الكلام وأعظم الكلام ذلَّت نفسك لمثل هذا.

"فَمن كَانَ لذكر أَسْمَائِهِ وَصِفَاته مُبغضًا، وعنها مُعرضًا نافرًا ومُنفِّرًا" نافرًا بنفسه وطبعه عنها، وأنت اختبر نفسك، هل تجد لكُتب الاعتقاد لاسيما المروية عن السلف بالأسانيد نفسك تنقاد إليها أكثر مما تنقاد إلى غيرها؟ فتِّش في نفسك.   

"نافرًا ومُنفِّرًا" يقول لك: هذه كُتب زمنها انتهى ويُنفِّر عنها، وفي بداية الطلب في المرحلة المتوسطة دخلت مكتبة أريد أن اشتري تفسير ابن كثير، رآني أحد المدرسين وهو من الوافدين، قال: أين أنت ذاهب؟ هذا انتهى وقته وانتهى زمانه، ويدلني على تفسير من تفاسير المعاصرين التي تقرأ منها –أنا ما قرأت، لكن فتَّشت ولا جاز لي- تقرأ منها الصفحات وتخرج بدون فائدة، كلام إنشائي ما تمسك منه شيئًا.

صحيح الذي ما تعوَّد على حدَّثنا وسمعنا وأخبرنا وروايات متعددة ومتكررة قد يمَل، وكنا نتمنى قبلُ أن يُختَصر تفسير ابن كثير؛ حتى يُريحنا من الإسرائيليات وأسانيده، ونأخذ الزُّبدة مباشرةً، فحصل، ثم ماذا؟ رجعنا إلى الأصل، وجدنا أنه ما يشفي ولا يكفي إلا الأصل.

وعل كل حال الناس عندهم مشارب، وعندهم ميول، واحد يميل إلى الرواية، وواحد يميل إلى الدراية، فتجده يُفضِّل هذا التفسير على ذا أو ذاك، كلٌّ له مشربه –وإن شاء الله- كلهم على خير ما دموا يُديمون النظر في كتاب الله –جلَّ وعلا- وما يُعين على فهمه.     

"نافرًا ومُنفِّرًا، فالله لَهُ أَشد بُغضًا" كما تدين تُدان، العوام عندهم عبارة ما أدري تعرفونها أم ما تعرفونها أنتم، يقولون: إن القلوب شواهد، أنت تُحب هذا الرجل لا بُد أن يكون قلبه يُحبك، أليست موجودة هذه العبارة عند العامة؟ موجودة.

فلا شك أن تبادل المحبة ما يمكن أن تجد شخصًا تُبغضه وتكرهه أشد البغض والكراهة وتجده يُبادلك المودة والمحبة، قد يكون هذا بين زوجين لأمرٍ خارج، تجد الزوج يكره هذه الزوجة ومتعلقة به، ولديها مودة ومحبة، لا من أجلك، وإنما هو من أجلها، وقُل العكس لو صار، لكن المحبة الخالصة لله –جلَّ وعلا- موجودة، وهي من أوثق عُرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله.

وما عندنا: الله –جلَّ وعلا- أشد له بُغضًا إذا كان مُعرضًا عنه وعن ذِكره، وهذا مجرد تنظير لا مشابهة ولا مطابقة ولا مماثلة، لكن من أنى لك أن تكره شخصًا ويعرض عنك هذا وتُريد منه أن يُحبك؟

طالب: .............

فيها الكراهية. 

طالب: .............

لا يُحبه.

طالب: .............

الكُره موجود، والمقت: أشد البغض.

طالب: .............

أين؟

طالب: .............

إذا كان يمقت، وهو أشد البغض.

طالب: .............

هو ورد يا شيخ.

"وَعنهُ أعظم إعْرَاضًا، وَله أكبر مقتًا" الذي هو أشد البغض.

"حَتَّى تعود الْقُلُوب على قلبين" يعني تنقسم قسمين.

"قلبٍ" بدل ويجوز الرفع، ولو قال: أحدهما قلبٌ، والثاني كذا كما سيأتي ترجَّح الرفع؛ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا} [النحل:76].

"قلبٌ" هو ضبطها هكذا، ويقول المُحقِّق: يجوز بالكسر.

"ذِكرُ الأسماء وَالصِّفَات قوتُه وحياتُه" يعني مثل الماء بالنسبة للحوت إذا أُخرِج منه مات، كما أن الذِّكر لبعض القلوب مثل الماء بالنسبة للحوت.

"قوته وحياته ونعيمه وقرة عينه" الآن الشعراء الذين عُرِفوا بالحب لبعض النساء، ونُسِبوا إليهن؛ كُثَيِّر عزة، ومجنون ليلى، وجميل بثينة، تجده إذا ذُكِرت عنده فكأنه نائم أسبوعًا مثل المقويات والمنشطات بالنسبة له، وهذا في شأن امرأةٍ يمكن أن يخطر له غيرها أو أجمل منها أو كذا فينسى هذه نسيانًا ما كأنها مرَّت عليه.

"ذِكرُ الأسماءِ وَالصِّفَات قوتُه وحياته، ونعيمه وقرة عينه لَو فَارقه ذِكرهَا ومحبتها ساعةً لاستغاث" بالله –جلَّ وعلا- قائلًا: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»؛ ليعود إلى ما كان عليه، والرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول: «إنَّه لَيُغَانُ علَى قَلْبِي، وإنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، في اليَومِ أكثر من مِائَةَ مَرَّةٍ»، وحُفِظ عنه الاستغفار في المجلس أكثر من سبعين مرة.

طالب: ..................

نعم جاءت في السَّنَّة، ذُكِر الحديث.

"فلسان حَاله يَقُول:

يُرَاد من الْقلب نسيانكم
 

 

وتأبى الطباع على النَّاقِل
 

نسيان من؟ نسيان المحبوب، وهذا البيت كما ذكر وكما هو معروف للمتنبي أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين، من أشهر الشعراء في المائة الرابعة، وديوانه من أشهر الدواوين، وشروحه من أكثر الشروح.

"وَيَقُول:

وَإِذا تقاضيت الْفُؤَاد تناسيًا
 

 

ألفيت أحشائي بِذَاكَ شحاحًا
 

"وَإِذا تقاضيت الْفُؤَاد تناسيًا" يعني حاسبت الفؤاد وأردت منه أن ينسى المحبوب.

"ألفيت أحشائي بِذَاكَ شحاحًا" يعني: شحيحة، والشُّح: أشد البُخل أو البُخل مع الحرص، فهو يبخل ويشح بالاستجابة إلى من يأمره بهذا التناسي.

والبيت شطره الأخير لابن الفارض، وهو موجودٌ في ديوانه، ويقول المُحقق: وصدره في ديوانه: "وإذا دُعيت إلى تناسي عهدكم" ومعروف أنه من أهل وحدة الوجود، ومن الغُلاة في التصوف، ومع الأسف ديوانه مطبوع ومتداول ومشروح، وفي (شرح الأربعين) للفشني يقول: قال الإمام ابن الفارض، مع الأسف أن هؤلاء الغُلاة مع شدة ما عُرِف عنهم من غلوٍّ شديد تجد لهم أتباعًا، الفشني في (شرح الأربعين) يقول: قال الإمام ابن الفارض، ردَّ الله رأس من كان له معارض، نسأل الله العافية.

طالب: ...............

الذي يسأل ما عارضه؟

طالب: ...............

من كان له معارض.

يعني قد يقول قائل: إذا كان بهذه المثابة فكيف يُستشهَد بكلامه؟ ومر علينا أمس في الدرس الشِّعر في المسجد، وطوَّلنا حول هذه المسألة، وذِكر الشواهد التي فيها بعض الفُحش في المسجد، والذي حضر الدرس أمس يذكر هذا، وهنا يُقال هذا البيت لهذا الشخص.

فعلى كل حال المؤلف يستدل به على شيءٍ يُريد تثبيته، وأنه إذا أُشرِب القلب حُب شيء صعب أن يتركه أو ينساه، والقلب إذا وُزِّع فيه الحب ضَعُف، فمن كان حُبه لله وفي الله أفلح وأنجح، ومن كان حُبه لهوى أو لدنيا أو لطمع أو ما أشبه ذلك خاب وخسر.

طالب: ..............

لا شك إذا توزَّع الحب تجده يُحب فلانة، ويُحب فلانًا، ويُحب المال الفلاني، حتى محبة ما أصله مما يُقرِّب إلى الله، لكنه من باب الوسائل تجد...

طالب: .............

يتوزَّع بلا شك، يعني رأينا هذا في أصحاب الكُتب إذا فُتِنوا بها فتنةً تزيد عن الحاجة تجد أولًا أنه يُعذَّب بها، فكل حابٍّ مُعذَّبٌ بمحبوبه؛ لأنه يخشى عليه أن يأتيه تلف، يأتيه نقص، يأتيه كذا، حتى المحبة الجِبلية للنساء والأولاد تخشى أن يمرض، وإذا مرض ما نمت... إلى آخره.

فالمحبة الأصل أن تكون لله -جلَّ وعلا-.

طالب: ..............

ضَعُف.

طالب: ..............

ما فهمت ماذا تقول؟

طالب: يقول: ما الذي ضعف هل هو الحب أو...؟

لا، يضعف الحب إذا توزَّع مثل ما توزِّع أدنى شيءٍ على مجموعة وتُعطيه واحدًا.

طالب: ..............

طيب شخص يملك مئات الملايين، وليس له إلا وارث واحد، وآخر نظيره في التجارة وورثته حدِّث ولا حرج، هذا لا شك أنه إذا وزِّع الشيء يضعف.

تأبى الرِّماح إذا اجتمعن تكسرًا
 

 

وإذا..........................................
 

طالب: ..............

ليس فيها محظور، حتى أهل العلم يتداولون مثل:

والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على
 

 

حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم

 

يعني الكلام الذي... لكن المقصود أنك ما تذكر الناظم عند حُدثاء الأحلام؛ لئلا يُعجبهم هذا ويبحثون عن البقية ويتأثرون بها، فهمت؟

طالب: ..............

مثل –وهذا من مسألة الترويج معروفة عند أهل العلم- إذا أردت أن تُروِّج كلامًا من دون ذِكر قائله إما خشية ألا يروج الكلام مثل ما فعل صاحب شرح الطحاوية كله نُقُول عن شيخ الإسلام وابن القيم، وما أشار إليهما ولا مرة واحدة؛ لئلا يُهجَر الكتاب أو يُتلَف الكتاب؛ لأنه في وقتٍ كانت مؤلفات الشيخين تُحرَق.

وأحيانًا يُروَّج الشيء بالذِّكر بذِكر... وإن كان في الأصل أنه لا يسوغ الذِّكر، لكن من باب الترويج، تجد مؤلفات للصنعاني والشوكاني يُروجون كُتبهم بذِكر مذاهب الزيدية والهادوية وكذا وكذا؛ من أجل أن يروج الكتاب؛ لأن الهادوية في وقتهم غالب سكان اليمن، كما قال الصنعاني نفسه، فلو لم يذكره هذا من باب الترويج لأقوالهم لا يُعتَد بها.

طالب: ..............

لئلا يُفتتن به.

طالب: ..............

قال بعضهم نعم.

طالب: ..............

هذا صحيح موجود من الترويج، نوع من الترويج؛ لأنه لو ذكر اسمه الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب ما راجت في البلدان التي طُبِعت ووزِّعَت فيها.

"ويقول:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم
 

 

فنترك الذّكر أَحْيَانًا فننتكس
 

الآن في علم النفس يذكرون التوسل إلى ما يُريدون بذِكر المحبوب، تجد هذا مريضًا ولا يعقل من شدة المرض، ثم يُذكَر له أشياء فيستيقظ أو يُغير وضعه، تدب إليه الحياة، وبالمقابل شيوخ عرفناهم ونُسمي منهم من نُسمي يحصل لهم ما يحصل من حوادث، فيدخلون العناية المركزة، ويُسمَع القرآن واضحًا منهم، وبعضهم تُفتتح القراءة عنده فيُكمِل، ولو ناديته بجميع أسمائه ما أجاب.

قالوا عن شيخ في مصر قبل خمس سنوات: احتاج إلى عمليةٍ جراحية، وقُرّرت العملية في الساعة كذا، فقال: أنظروني دقائق حتى أقرأ حزبي رفضوا، قال: أنظروني حتى أشرع في حزبي  نصيبه من القرآن- فشرع فيه، فبدأوا العملية وبنَّجوه وانتهوا وهو يقرأ.

ماذا عندك؟

طالب: ..............

مصري هذا.

طالب: ..............

الخير موجود في كل مكان، والأمة فيها خير إلى قيام الساعة، الخير موجود في أُمتي إلى قيام الساعة يقوله –عليه الصلاة والسلام- وتأتينا أسئلة من فتاةً بنجلادشية تسأل عن دقائق العلم، وتقول: إن فاتكم شيء من حلقات الكتاب الفلاني فهي عندي، ماذا تقول؟

وامرأةٌ في المغرب تسأل عن سماع الدروس وهي تغسل الملابس في الحمام، السماعات في أُذنيها، والحمد لله، يعني الخير موجود.

فأقول: إن مثل هذه الأمور، القلب إذا أردته في وقت الضيق، فاحمله على ما يستحق من التفرّغ له وهو الله –جلَّ وعلا-، من يستحق هذا التفرغ، وما يُقرِّب إليه، والحب الجِبلي والحب... ما فيه إشكال، ما أحد يمنع من حب الولد، هذه أمور جِبلية، حُب المال {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران:14] إلى آخره.

وذكر ابن القيم وغيره عند الخاتمة من يُذكَر له شيء أو تُذكَر له الشهادة فينطق بما كان لهجًا به في حياته، وهذا بابٌ واسع. 

يقول: "إذا مرضنا تداوينا بذكركم" مثل ما قالوا عن بعض الناس أنه في حال الإعياء الشديد، وفي حال المرض الذي لا يعي معه يُذكَر عنده فلان أو فلان فيصحو أو يستجيب.

قال –رحمه الله-: "وَمن الْمحَال أَن يذكر الْقلب من هُوَ محَاربٌ لصفاته".

"ومن المحال" ما العبارة؟

طالب: ..............

نعم هذا التي عندنا، ماذا عندك أنت؟

طالب: ..............

نعم، الذي لا يؤمن بالصفات ولا يعترف بها، وينفر من ذِكرها ويكرهها ويمقتها، هل يتذكر قلبه أو يلهج بذِكر الله -جلَّ وعلا-؟

"هُوَ محَاربٌ لصفاته نافرٌ من سماعهَا، مُعرضٌ بكليته عَنْهَا زاعمٌ أَن السَّلامَة فِي ذَلِك" يعني في المحاربة والنفور والإعراض عن أسماء الله –جلَّ وعلا- وصفاته.

"زاعمٌ أَن السَّلامَة فِي ذَلِك كلا وَالله إِن هُوَ إِلَّا الْجَهَالَة والخذلان" يعني ما ذُكِر من محاربة الصفات والنُّفرة من سماعها هذه هي عين الجهالة والخذلان، الجهالة معروفة، والخذلان: الإسلام للعدو، يعني المخذول يُخلَّى بينه وبين ما يضره.

طالب: ..............

الإسلام، يعني ليس المقصود بالإسلام الدين «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» إلى أن قال: «وَلَا يُسْلِمُهُ» يعني لا يُخلي بينه وبين عدوه، فيخذله.

"وإلاعراض عَن الْعَزِيز الرَّحِيم، فَلَيْسَ الْقلب الصَّحِيح قطّ إِلَى شَيْءٍ أشوق مِنْهُ إِلَى معرفَة ربه تَعَالَى" لماذا؟

لأنه أغلى شيء وأحب شيء في الوجود ربه الذي خلقه، وأوجده، وأغدق عليه النعم، وهداه لهذا الدين، لو أن شخصًا أهدى إليك هدية، وآخر أنقذك من كارثة، وآخر فعل، كلهم أنت تُحبهم، لكن أيهم أحب إليك: الذي يُهدي إليك هدية يسيرة أو كبيرة، واحد أهدى إليك قلمًا، وواحد أهدى إليك سيارة، وثالث أهدى إليك بيتًا، وواحد وجدك مصدومًا وترفس في الشارع، فنقلك إلى المستشفى، وصار سببًا في حياتك؟ لا شك أنهم يتفاوتون، فكيف بالمُنعِم الحقيقي وهو الله- جلَّ وعلا-؟! 

"فَلَيْسَ الْقلب الصَّحِيح قطّ إِلَى شَيْءٍ أشوق مِنْهُ إِلَى معرفَة ربه تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله وأسمائه، وَلَا أفرح بِشَيْء قطُّ كفرحه بذلك، وَكفى بِالْعَبدِ خذلانًا أَن يُضرَب على قلبه سُرادق"، سُرادق يعني: حاجز من سور أو خيمة أو بيت، المهم أنه سُرادق يحول بينه وبين ما يُريد.

"وَكفى بِالْعَبدِ خذلانًا أَن يُضرَب على قلبه سُرادق الإعراض عَنْهَا" عن الأسماء والصفات.

"والنَّفرة والتنفير، والاشتغال بِمَا لَو كَانَ حَقًا لم ينفع إِلَّا بعد معرفَة الله تعالى، والإيمان بِهِ وبصفاته وأسمائه" الآن في الدراسات هذا يتخصص في القرآن وعلومه، وهذا يتخصص في العقيدة، وهذا في الحديث، وهذا في الفقه، وهذا في الأدب، وهذا في التاريخ، وذاك في الأدب الفرنسي، وذاك في الأدب... سيان؟

طالب: ...............

أكثر هذه التخصصات لا تنفع، إلا إذا استُغِلت واستُعمِلت وسيلة تُتَخذ إلى ما يُرضي الله –جلَّ وعلا-.

 قد يقول: أتخصص في الأدب الفرنسي مثلًا، وأتعلم لغتهم، وأوغِل فيها؛ لكي أدعوهم، وقد يقول الطبيب: أنا أتخصص في الطب؛ لأنقِذ، وأساعد إخواني المرضى من المسلمين، الأمور لا شك أنها بمقاصدها، لكن لا يستوي من يتخصص في كلام الله –جلَّ وعلا- أو كلام رسوله أو العقيدة التي نحن بصدد تقرير فضلها، مع من يتخصص في أدب، ويُقال كما قال في مجموعة من طلاب العلم واحد متخصص في الأدب يتحدثون: والله أنا عندي أفضل كتاب -متخصص في الفقه مثلًا- المغني، والثاني متخصص في التاريخ يقول: عندي البداية والنهاية ما له نظير، وذاك يقول: كتاب الأغاني ما صُنِّف مثله، يستوي هؤلاء؟

طالب: ...............

لا يستوون.

"والاشتغال بِمَا لَو كَانَ حَقًا" يعني افترض أن كله حق فيما في هذا الكتاب.

"لم ينفع إِلَّا بعد معرفَة الله تعالى، والإيمان بِهِ" ثم بعد ذلك هذا الكتاب كله صحيح، مع أن التواريخ فيها ما فيها، وكُتب الأدب فيها ما فيها من السقط والسفه، وغير ذلك من العلوم، لكن كل هذه تنفع إذا عرف الله –جلَّ وعلا-، وسخَّر هذه العلوم لخدمة دينه.

"إِلَّا بعد معرفَة الله تعالى، والإيمان بِهِ وبصفاته وأسمائه"، أما بدون ذلك، بدون الإيمان بالله وصفاته وأسمائه فكلها ما تنفع، حتى التخصص في القرآن إلا إذا ترتَّب عليه هداية؛ بسبب تدبره للقرآن، وإلا فالمستشرقون وهم أخبث الكفار تخصصوا في القرآن، واطلعوا على خفايا، وفهرسوا فهارس ما فعلها المسلمون، وفي السُّنَّة كذلك، والذي يغلب على الظن أن خدمتهم للكتاب والسُّنَّة بهذه الفهارس الدقيقة من أجل أن يُيسروا على أنفسهم الرجوع إليها متى شاءوا؛ لينالوا منها ما ينالون، وإلا فبدون نية تجلس سنين طويلة تنخل كُتبًا وتطلعها بالكلمة، وتُفهرِس هذه الكلمات، من أجل ماذا؟

طالب: ............

تسخَّرها، لكن أهدافهم واضحة.

طالب: ............

صحيح.

"إِلَّا بعد معرفَة الله تعالى، والإيمان بِهِ وبصفاته وأسمائه.

والقلب الثاني: قلبٌ".

طالب: ............

ما قُرئ؟

اقرأ اقرأ.

بسم الله الرحمن الرحيم.

"والقلبُ الثّاني: قلبٌ مضروبٌ بسياط الجهالة، فهو عن معرفة ربّه ومحبته مصدود، وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أُنزِلت عليه مسدود، قد قَمش شُبهًا مِن الكلام الباطل، وارتوى مِن ماءٍ آجن غير طائل، تَعجُّ منه آيات الصفات وأحاديثها إلى الله عجيجًا، وتَضِج منه إلى مُنزِلِها ضجيجًا، مما يسومها تحريفًا وتعطيلًا، ويولي معانيها تغييرًا وتبديلًا، قد أعد لدفعها أنواعًا مِن العُدد، وهيّأ لردها ضروبًا مِن القوانين، وإذا دُعي إلى تحكيمها أبى واستكبر، وقال: تلك أدلةٌ لفظيةٌ لا تفيدُ شيئًا من اليقين، قد اتخذ التأويل جُنة يتترس بها من مواقع سهام السُّنَّة والقرآن، وجعل إثبات صفات ذي الجلال تجسيمًا وتشبيهًا يصد به القلوب عن طريق العلم والإيمان، مُزجَى البضاعة مِن العلم النافع الموروث عن خاتم الرسل والأنبياء، لكنه مليء بالشكوك والشُّبه والجدال والمراء، خلعَ عليه الكلامُ الباطل خِلعةَ الجهل والتجهيل، فهو يتعثر في أذيال التكفير لأهل الحديث، والتبديع لهم والتضليل، قد طاف على أبواب الآراء والمذاهب يتكفف أربابها، فانثنى بأخس المواهب والمطالب.

 عَدل عن الأبواب العالية الكفيلة بنهاية المراد، وغاية الإحسان؛ فابتلي بالوقوف على الأبواب السافلة المليئة بالخيبة والحرمان، قد لبس حُلةً منسوجةً مِن الجهل والتقليد والشُّبه والعناد، فإذا بُذِلت له النصيحة، ودُعي إلى الحق، أخذتهُ العزة بالإثم، فحسبه جهنم، ولبئس المهاد.

فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان، وما أشد الجناية به على السّنّة والقرآن، وما أحبّ جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن، وما أثقل أجرَ ذلك الجهاد في الميزان".

طالب: أظنه انتهى القلب الثاني، أحسن الله إليك.

يعني نقف عند هذا؟

هذا يقول: يبرز بعض الناس في العلم، ثم ما يلبث أن يشتهر أمره بين الناس، ويظهر له ما عنده من غزارة العلم، وكثرة المحفوظات، وجميل الفوائد من علم الكتاب والسُّنَّة وما يتعلق بهما، ثم يظهر كلامٌ في عقيدته، وأن عنده تخليطًا في بعض أبواب في العقيدة كالأسماء والصفات، والسؤال هل يُقال –يقول: مع أنهم يكونون من خارج هذه البلاد- الله المستعان، هل يُقال فيمن سبق وصفه كما يُقال في النووي وابن حجر يعني وغيرهما من العلماء السابقين ممن صار عندهم لوث في مسائل الاعتقاد، مع بروزهم في علومٍ أخرى، لاسيما في الحديث والرواية، والتعبُّد والزهادة كما هو معلومٌ عن النووي وغيره، أم يُقال: هؤلاء مختلفون، فهم غير معذورين بجهلٍ أو بظرف الزمان أو نحو ذلك، والحق الآن بيِّنٌ لا يخفى؟

لا شك أن الحق وبلوغ الحُجة، وظهور مذهب السلف في أيامنا هذه أظهر منه في وقت ابن حجر والنووي، فرقٌ بين أن تكون الصفة الغالبة في البلاد الإسلامية لمذهبٍ من المذاهب ويتبعه من يتبعه اغترارًا برؤوسهم، وبين ما يكون العكس، يعني لو يُوجد واحد ويقول: والله أنا أشعري، يقول: هو أشعري أو معتزلي في هذه البلاد التي لا تُعرَف فيها هذه المذاهب، أو يقولها في بلدٍ تُقرر فيه هذه المذاهب، لا شك أن لهذا أثرًا في مسألة الحُجة، وفهم الحُجة، وبلوغ الحُجة، لكن مع ذلك الحق أبلج، والمؤاخذة عند ظهور الحجة تختلف عنها عند خفائها.

وكثيرٌ ممن تأثر بالمذاهب؛ إحسانًا منه للظن بعلماء هذا المذهب، تجده رأى هؤلاء، سواءً كانوا ممن يُنكِروا الصفات ويُقرر أن التعطيل هو التنزيه، ومشى على هذا قرونًا، وتوارثه أجيال في بلدٍ من البلدان، وبين بلدٍ لا يُعرَف هذا المذهب أصلًا فيه.

وعلى كل حال العلم هو الحكمة التي يُقال عنها: إنها ضالة المؤمن، فإذا وجد عنده علم من العلوم لا يُوجد عند غيره ولو كان عنده نوع تخليط في علومٍ أخرى، لكن إذا وُجِد من سَلِم من هذه الشُّبهات، وهذه المخالفات فهو أولى بأن يُعَض عليه بالنواجذ.

الآن قد لا تجد العالِم المُحقق الذي يشفي العليل ويروي الغليل في جميع العلوم، تجده في علوم الكتاب والسُّنَّة يُستَمسك بغرزه، لكنه في علوم العربية أقل يُوجد من هو أمكن منه في العربية، لكن عنده شيء من الدَّخن، مثل هذا لا يُمنَع من الأخذ منه، مع الحذر الشديد من التأثر في مخالفاته، والله أعلم.