شرح المقدمة من نونية ابن القيم - (16)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: أحسن الله إليكم، ما يذكر عن الإجماع العملي من المسلمين هل تنضبط هذه .......

مثلما يقول الترمذي وعليه العمل عند أهل العلم وغيره يذكرون العمل على هذا الحديث، وإذا تُتبع وُجد مخالف، لكن إذا قيل: عليه العمل يستروح طالب العلم أو الباحث في أن هذا القول معروف عند أهل العلم ومنتشر ومستفيض، ولو لم يكن إجماعًا، بدليل أن الترمذي يقول: وعليه العمل، بعد أن يسوق الخلاف، يذكر أقوالًا في مفاد الحديث، ثم إذا ذكر: وهو قول أحمد وإسحاق وفلان وفلان وعليه العمل، وقد ذكر قولاً يخالفه في أصل المسألة. وأما الطبري فمذهبه في الإجماع معروف، وأنه لا يعني به قول الكل جميع المجتهدين، وإنما يعني به قول الأكثر، كثيرًا ما يقول: قرأ فلان وفلان وفلان كذا، وقرأ فلان وفلان ويعدد أكثر منهم كذا، والصواب في ذلك من القراءتين كذا لإجماع القرأة عليها؛ لأنه يرى أن الإجماع قول الأكثر فلا يُنتقد. بخلاف النووي الذي ينقل الإجماع في مسائل الخلاف ....... موجود ومعروف، وقد يكون هو نقل الإجماع، لكن يُنازَع في أو يُنازِع فيمن خرق هذا الإجماع هل هو ممن يعتد به عندهم أو لا؟ مثلاً قول داود لا يُعتد به، ولا يُعتد بقول داود، يقوله بالحرف؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وفي البداية والنهاية في الجزء الرابع عشر قال ابن كثير: رأيت محيي الدين النووي في المنام وقلت له: لمَ لا تُدخل أقوال ابن حزم وكتب ابن حزم في مؤلفاتك؟ قال: أنا لا أحبه؛ للتناقض الشديد عنده، فهو في الأصول مؤوِّل مُقرمَط، وفي الفروع جامد، وما أدري أيش قال بعد صفة ثانية.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليكم، أيهما أفضل في المسألة إذا ذكر القول وقائله أو ذكرت كلماته في الإجماع والعمل وكذا؟

هذا ما ينفي هذا.

طالب: ما هو بأدب أن يُذكر القول وقائله؟

هم قالوا: من بركة العلم إضافة القول إلى قائله، من بركة العلم إضافة القول إلى قائله.

طالب: أحسن الله إليكم شيخنا، هل يوجد خلاف في مسائل العقيدة؟

ماذا؟

طالب: يعني مثلاً مسألة الخروج وكذا ....... من مسائل العقيدة فيقولون إن فيها خلاف وكذا، هل يوجد فعلاً مسائل خلاف في مسائل العقيدة؟

مسائل العقيدة التي فيها أكثر من قول لسلف الأمة وأئمتها إذا كانت غير مجمع عليها من السلف، فهذه الأمر فيها أوسع، وإن كانت مما لا خلاف فيه بينهم فهي محسومة ومنزوعة منزوعة الخلاف، ما تحتاج إلى ذكر، والذي يخالف فيها يُبدع.

طالب: يعني كيف تكون مسائل عقيدة وفيها خلاف يا شيخنا؟ يعني هو يستدل بحديث رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه وكذا وقول ابن عباس وعائشة، ويشنع عليهم في كذا، فنقول: مسائل العقيدة صعب أن يكون فيها خلاف وهي ما يعتقده المؤمن.

هو الخلاف يتبع الدليل، قد تكون الأدلة فيها محتملة، ويذهب بعض السلف إلى كذا، وبعضهم إلى كذا، ولكن المسائل الكبار المتفق عليها هذه ليست بمحل نزاع، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «نور أنى أراه»، وعائشة -رضي الله عنهن- تقول: من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم الفرية.

نعم.

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: (فصل: وهذه أمثال حسان مضروبة للمعطِّل والمشبِّه والموحِّد ذكرتها قبل الشروع في المقصود، فإن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل).

المقصود هو المحاكمة بين المثبت والمعطِّل التي هي مضمون هذه المنظومة.

طالب: (فإن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل لتقريبها المعقول من المشهود).

وقديمًا قالوا: بالمثال يتضح المقال.

طالب: (وقد قال تعالى، وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلاً، وكان بعض السلف).

ذُكر عن بعض السلف أنه إذا قرأ هذه الآية ومر عليه مَثَل ولم يفهمه بكى، قال: إنه ليس من العلماء؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، فدلّ على أن الذي لا يفهمها ولا يعقلها ليس من أهل العلم، والله المستعان.

طالب: (وكان بعض السلف إذا قرأ مثلاً لم يفهمه اشتد بكاؤه ويقول: لست من العالِمين، وسنفرد لها إن شاء الله كتابًا مستقلًّا متضمنًا لأسرارها ومعانيها وما تضمنته من فنون العلم وحقائق الإيمان، وبالله المستعان وعليه التكلان).

هذه الأمثال أمثال القرآن جُردّت من كتبه في كتاب سمي: درر البيان، وطبع قديمًا في المطبعة السلفية بمكة، ويوجد منها في إعلام الموقعين عدد، ولعل أكثر ما جُرد منه. وطبع كتاب باسمه باسم ابن القيم اسمه أمثال القرآن، وهو موافق لما في إعلام الموقعين وما جُرد من كتبه.

طالب: (المثل الأول: ثياب المعطِّل ملطَّخة بعذرة التحريف، وشرابه متغير بنجاسة التعطيل، وثياب المشبِّه متضمخة بدم التشبيه، وشرابه متغيِّر بفرث التمثيل، والموحد طاهر الثوب والقلب والبدن يَخرج شرابه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين).

المهم في هذه الأمثال أن يُنظر في المشبه والمشبه به، وأن يُنظر في وجه الشبه بينهما، الآن الإمام ابن القيم -رحمه الله- ذكر في المعطِّل أن ثيابه ملطَّخة بعذرة التحريف، وهذا تشبيه، وليس بحقيقة، لكنه تشبيه، فما وجه الشبه بين الأصل والفرع المشبه والمشبه به؟ وقل مثل هذا في جميع ما سيأتي من الأمثال العشرة. أو هي مجرد كلمات للتنفير من صنيعه، وأنه أقرب إلى هذه من حقيقة الأمر؛ لأنه إذا خالف ما جاء في القرآن فنفاه أو أوله أو مثله بغير ما أُنزل فيه، فكأنه إلى هذه الأمور أقرب.

طالب: (المثل الثاني: شجرة المعطل مغروسة على شفا جرف هار، وشجرة المشبه قد اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، وشجرة الموحد أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.

المثل الثالث: شجرة المعطل شجرة الزقوم فالحلوق السليمة لا تبلعها، وشجرة المشبه شجرة الحنظل فالنفوس المستقيمة لا تتبعها، وشجرة الموحد طوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها).

الآن وجه الشبه بين الأصل والفرع يحتاج إلى دقة وإمعان نظر؛ لتوجد هذا الوجه، والذي يقرأها سردًا كذا قد لا يقف على شيء من ذلك، وإن وقف فهو وجه شبه ضعيف. لكن ما الفرق بين المعطل والمشبه؟ الحقيقة معروفة، والفرق بينهما واضح، لكن لو قيل: شجرة المعطل اجتثت من فوق الأرض والعكس، فيه فرق؟ عند المؤلف فيه فرق.

طالب: نعم أكيد.

فيه فرق، ولو أن مجموعة من الإخوان كل واحد يأخذ مثلًا، ويتأمل فيه، وينظر وجوه الشبه بين هذا وذاك، ويحضرون لنا شيئًا من هذا؛ لأن النظر فيها يحتاج إلى وقت وإمعان نظر وترداد فيه؛ لأن مثل هذا الكلام لا تجدونه عند غير ابن القيم، ما تقول لي: أرجع للمراجع وأشوف وأدور. ما فيه.

طالب: .......

كلهم؟

طالب: .......

الله يقويك، نعم.

طالب: (المثل الرابع: المعطل قد اتخذ قلبه لوقاية الحر والبرد بيت العنكبوت، والمشبه قد خُسف بعقله فهو يتجلجل في أرض التشبيه إلى البهموت، وقلب الموحد يطوف حول العرش ناظرًا إلى الحي الذي لا يموت.

 المثل الخامس: مصباح المعطل قد عصفت عليه أهوية التعطيل فطَفِئَ وما أنار، ومصباح المشبه قد غرقت فتيلته في عكر التشبيه فلا يقتبس منه الأنوار).

والعكر من كل شيء رذالته، يعني كعكر الزيت يعني حثالته التي تبقى في آخر الإناء أو في الإناء.

طالب: (ومصباح الموحد يتوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء).

يتوقد أو يوقد؟

طالب: يوقد؟

النص؟

طالب: يوقد.

النص المقتبس منه {يُوقَدُ} [النور: 35]، وهو موجود في بعض النسخ.

طالب: (ومصباح الموحد يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار).

طالب: أحسن الله إليكم ....... يتجلل في الأرض التشبيه .......

القعر الذي ما وراءه شيء الذي ينبهم فيه من يصل إليه، فلا يُدرى أين ذهب، والتجلجل معروف فيمن خُسف به، وقالوا في شخص كافر: لا تأكل الأرض جسده، من هو؟

طالب: قارون.

ماذا؟

طالب: .......

هذا الذي خسف به «فهو يتجلجل به إلى يوم القيامة» يتجلجل، يعني موجود، ما أكلته الأرض.

طالب: ....... يخسف به .......

ماذا؟

طالب: ....... الحديث لا زال يخسف به؟

كيف قال يخسف به؟ لم يصل إلى قعرها.

طالب: يتجلجل يا شيخ .......

يتجلجل ينزل باضطراب إلى أن يصل، والحجر الذي ألقي به في النار مكث سبعين سنة ما وصل إلى قعرها.

طالب: الحديث يا شيخ في قارون أو في «إنما رجل كان يمشي...»؟

بلى .......

طالب: .......

نعم، لا.

طالب: أحسن الله إليكم، في قراءة: {تَوَقَّد}.

نعم، لكن هنا: يتوقد، لا شرقية ولا غربية، ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أن مريضًا مكث في مرضه أكثر من عشرين سنة، ثم رأى في النوم من يقول له: علاجك في: لا ولا. ما معناها؟

طالب: {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35].

{لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35] نعم.

طالب: (المثل السادس: قلب المعطل متعلق بالعدم، فهو أحقر الحقير).

لأنه في حقيقته يعبد عدمًا، كل شيء منفي، وكل شيء معطل ماذا يبقى؟ ما يبقى شيء، وهذه حقيقة العدم، فهو أحقر الحقير، لو تجد شخصًا استأجر محلًّا، ويفتحه صباح مساء، ويلازمه صيفًا وشتاءً، وما عنده بضاعة ماذا تقول؟ ما عنده بضاعة؟

طالب: مجنون.

نعم.

طالب: (وقلب المشبه عابد للصنم الذي قد نُحت بالتصوير والتقدير).

وهذا مأخوذ من قول أهل العلم: "المعطل يعبد عدمًا، والمشبه أو الممثل يعبد صنمًا"؛ لأن الممثل أمامه شيء يتمثله، وهو ما وقر في قلبه من أن هذه الصفات تشبه صفات من يراه من المخلوقين، فهو ينظر إليه، وإن لم ينظر إليه بحقيقة الحال، لكنه تمثّله فهو كأنه ينظر إليه، وأما المعطل الذي يقول: لا سمع ولا بصر ولا كذا ولا كذا، وما يثبت شيئًا فهذا ماذا يعبد؟ ما أمامه شيء يستمسك به.

طالب: (والموحد قلبه متعبد لمن ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. المثل السابع: نُقود المعطل كلها زيوف فلا تروج علينا، وبضاعة المشبه كاسدة فلا تَنفَق لدينا الذي يُلبس).

النقد الزائف المغشوش، والكاسد الذي لا يَروج، فإذا جاء شخص بدراهم مغشوشة أو بدنانير مغشوشة قد تَروج، وقد يصفو منها شيء إذا صُهرت، ولذا مذهب المعطلة راج على كثير من الناس، لا سيما وأنهم لبَّسوه لباس الحكمة.

طالب: والتنزيه.

لباس حكمة وتنزيه، فراج على كثير من الناس، ولذا الزيوف الدراهم المزيفة المغشوشة تمشي على بعض الناس. لكن الكاسد خلاص انتهى الكاسد، يعني بدل ما في بعض البلدان عملتهم قبل أربعين سنة الواحدة بريال ونصف، والآن الريال بالألوف المؤلفة، هذا وجوده مثل عدمه، نعم، قالوا في بعض البلدان بدلاً من أن يشتروا ورق الحائط الذي يُلبس به الحائط من أجل الجمال لبسوه بعملتهم.

طالب: ليس لها قيمة.

ليس لها قيمة، وفي بعض البلدان مما قرأناه في تواريخهم عشرة دجاجات بريال، والآن البيضة بمائة ريال.

طالب: سبحان الله.

يعني الدجاجة يمكن بألف أو أكثر، هذه كاسدة، وجودها مثل عدمها قد لا تفيد شيئًا، قد يكون الكساد نسبيًّا فبدلاً من أن يكون العملة عشرة بالمائة نسبتها من قبل، نحن أدركنا يوم كنا طلابًا والجنيه المصري بعشرة ريالات، والذي قبلنا قالوا: أربعة عشر، والشيخ الطنطاوي في ذكرياته قال: أدركت الجنيه المصري الورقي بجنيه ذهب وزيادة قرشين! الله يتوب علينا، بما كسبت أيدينا، والله المستعان.

 فهذه الزيوف موجودة في السابق، لكن الآن ما تجد زيوفًا؛ لأنها قيمتها في أرقامها وليس في وزنها، في السابق يزيفون يقرضون منه شيئًا يسيرًا أو يضيفون إليه مادة، فتكون زيوفًا وتمشي وتنفق بقدر ما فيها من المادة الأصلية، لكن الكاسدة ما تساوي شيئًا.

طالب: لا قيمة لها.

لا قيمة لها.

طالب: الأمثلة يا شيخ؟

ماذا؟

طالب: أقول: الأمثلة الآن المعطل والمشبه، في بعض الأحيان يكون تشبيه المعطل أشنع منها وبعض الأحيان العكس، وإن كان الأغلب المعطّل أخف.

طالب: لأن المشبه صدم القرآن.

نعم.

طالب: اصطدامه واضح مع القرآن، أما المعطل .......

طالب: .............

هو ما عطَّل حتى مر بالتشبيه، ما صار إلى التعطيل حتى انقدح في ذهنه أنها تشبه المخلوقين.

طالب: لكن ما أثبت ....... انقدحت في ذهنه وما أثبتها .......

لكن مر به.

طالب: .......

ولذلك يقولون: كل مؤول مشبه.

طالب: إذًا هو مشبه وزيادة؟

نعم.

طالب: هذا ما نقوله فيهم يا شيخ، لكن هو ينكر ذلك ....... هذا قول .......

لماذا عطّل؟

طالب: لأنه شبه .......

تصوّر أن هذه الصفة تشبه صفة المخلوق.

طالب: لكن ما اعترف بها

أين؟

طالب: هو ما اعترف بالتشبيه .......

هذه مرحلة مر بها.

طالب: ذهنيًّا.

كونه ثبت عليها أو ما ثبت هو انتقل منها إلى غيرها.

طالب: مر بها ذهنيًّا يا شيخ في داخله، لكن ما تلفَّظ به .......

طالب: .......

نعم.

طالب: (وتجارة الموحّد ينادى عليها يوم العرض على رؤوس الأشهاد: هذه بضاعتنا رُدت إلينا).

يعني فهي محفوظة له عند الله -جل وعلا-، وترد عليه أضعاف أضعاف، ما كان عمل أو ما كان يتوقع: بضاعتنا رُدت إلينا ما ضاع عليه شيء، بل جوزي بما هو أعظم منها.

طالب: (المثل الثامن: المعطل كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة، والمشبه كبائع الخمر إما أن يسكرك وإما أن ينجسك، والموحد كبائع المسك إما أن يحذيك وإما أن يبيعك وإما أن تجد منه رائحة طيبة).

يقول: المعطل كنافخ الكير، وهذا ضربه النبي -عليه الصلاة والسلام- مثلاً لجليس السوء الذي إن طار منه شرر أحرقك، ودخانه ضار ومقلق ومؤذٍ، إما أن يحرق ثيابك مما يتطاير من شرره، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة، والمشبه كبائع الخمر إما أن يسكرك ويذهب عقلك، وإما أن ينجسك بناءً على القول بنجاسة الخمر، وهو منسوب لجماهير أهل العلم القول بنجاسة الخمر نجاسة حسية، وإن نازع بعضهم وقال: إن الأدلة لا تنهض على التنجيس، والنجاسة المذكورة فيه نجاسة معنوية كنجاسة المشرك.

وعلى كل حال لسنا بصدد تقرير المسألة في النجاسة والطهارة، لكن هذا مفاده، والمشبه كبائع الخمر إما أن يسكرك ويذهب عقلك، وإما أن ينجسك. فيه خيار ثالث؟ ما فيه. والموحد كبائع المسك، إما أن يحذيك، إما أن يعطيك مجانًا، وإما أن يبيعك وأنت كسبان على كل حال. إن لم يحصل هذا ولا هذا تجد منه رائحة طيبة، بخلاف الخمر، وبخلاف الكير نافخ الكير.

طالب: (المثل التاسع: المعطل قد تخلّف عن سفينة النجاة ولم يركبها فأدركه الطوفان، والمشبه قد انكسرت به في اللجة، فهو يشاهد الغرق بالعيان، والموحد قد ركب سفينة نوح وقد صاح به الربان: اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم.

 المثل العاشر: منهل المعطل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا).

المَنهل مورد الشِّرب الذي ينهل منه، والنَّهَل والعَلَل، النَّهَل: الشُّرب، والمَنْهل: المورد الذي يشرب منه، والعَلَل: إعادة الشُّرب مرة بعد أخرى. فهذا منهله الذي يشرب منه لا شيء، كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، وهذا الحاصل بالنسبة للمعطل ففي النهاية لا شيء.

طالب: (منهل المعطلِ كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، فرجع خاسئًا حسيرًا، ومَشرب المشبه من ماء قد تغيَّر طعمه ولونه وريحه بالنجاسة تغييرًا، ومشرب الموحد من كأس كان مزاجها كافورًا عينًا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرًا، وقد سميتها بـ"الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية").

سمى هذه المنظومة بهذا الاسم: كافية شافية، وواقعها كذلك، كل ما يحتاجه السني موجود سواء فيما يعتقده أو فيما يتخذه عدة للرد على مخالفيه، كله موجود. في الانتصار للفرقة الناجية، أهل الحق، أهل السنة والجماعة الذين هم على ما كان عليه محمد -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، الذين يصلحون إذا فسد الناس، ويُصلحون ما أفسد الناس، وهذا حين الشروع. وهذه المنظومة من العجائب، من عجائب المصنفات، وهي من البحر الكامل، تعرفون البحور؟

طالب: بحور الشعر.

بحور الشعر، كم عددهن يا أبا عبد الله؟

طالب: أعرف البحر الأحمر الأبيض .......

الخليل؟

طالب: .......

يقول البحر الأحمر والمتوسط؟!

الخليل هو؟

طالب: .......

لا هم قالوا: مؤسس الفن.

طالب: هو مبدعه.

نعم هو.

طالب: أحسن الله إليكم، صحيح أنه تعلّق بأستار الكعبة طلبًا لعلم لم يصله أحد من قبله؟

والله ما أدري، لكن ما هو ببعيد؛ لأنه ما سُبق إليه، وجاءه أبو العتاهية ليتعلم العروض عليه، فبعد أن أخذ مدة رأى الخليل أنه لم يستفد، فقال له: كيف تقطع قول الشاعر؟

إذا لم تستطع شيئًا فدعه          وجاوزه إلى ما تستطيع

وهذا العلم بكامله أخذناه في ثاني متوسط أو ثالث متوسط، كنا نقطع أول الأمر بالورق وعلى السبورة، وصرنا نقطع شفويًّا إذا عُرض البيت عرفناه، وهو علم ماتع ونافع، ويستفاد منه في معرفة هذا الفن، والفن دخل في جميع العلوم الذي هو النظم، وتجدون من تصدى للنظم، وهو لا يعرفه إن لم يكن نظمه سليقة تطرَّق إليه الخلل، فأورث الملل.

المقصود أن هذه المنظومة من أعظم ومن أبدع ما نُظم، وفيها من العلوم العجب العجاب، يعني لو بحثت فيما يتعلق بالقرآن لرأيت فيها الشيء الكثير مما يصدر عنه أو يجتمع منه مصنف، في علوم الحديث في التصحيح والتضعيف ونقد الرجال شيء كثير، وفي تقرير مسائل الاعتقاد هذا هو الأصل.

فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ونبدأ بالنظم إن شاء الله من الدرس القادم، وأعرف أن بعض الإخوان ينبسط يوم نهينا الأمثال؛ لأنه جاءني بعض الأمثال يثنون على الدرس الماضي، وأنه فيه شيء طيب، مع أنه ما هو بهذا المقصود، القصد أن نستفيد، القصد أولاً وآخرًا أن نستفيد ونفهم، وأما مسألة الجرد والسرد فهذه لا يعجز عنها أحد، والله المستعان.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك...

طالب: سماحة الشيخ اسمح لي أن أكمل الجملة؟

ما هي؟

طالب: بقي (وهذا حين).

طالب: سطر.

نعم، وهذا حين.

طالب: أقرأها؟

نعم، إن بغيت أن تقرأها أو تصير بداية الدرس القادم.

طالب: طيب خلاص.

لكن أخاف تتركها ما .......

طالب: لا، إن شاء الله .......

اقرأ اقرأ لكن ما يضر إن شاء الله.

طالب: (وقد سميتها بـ"الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية"، وهذا حين الشروع في المحاكمة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله).

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أبياتها تناهز الستة آلاف، خمسة آلاف وثمانمائة وعشرين.

طالب: .......

على عد يدي بترقيم النسخة قبل خمسين سنة، والنسخة موجودة عندي المرقمة، ولكن على عدهم زادوا قليلاً يمكن عشرين بيتًا أو شيئًا من ذلك.

طالب: ....... عشرين بيتًا.

طالب: خمسة آلاف وثمانمائة واثنين وأربعين.

نعم، زادوا عشرين بيتًا.

طالب: يعني فيها زيادة في الأبيات أو العد يختلف؟

لا لا، يمكن بعض النسخ يوجد فيها زيادات.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: ....... تحقيق المخطوطات الفقهية ....... على طريقة غير طريقة أهل السنة .......

علق عليها.......

طالب: .......

هذا كلام الأشاعرة، والصواب ما قاله أهل السنة وهو كذا وكذا.

طالب: يا شيخ الحديث القدسي فيه بعض الناس يقول إن لفظه معناه من الله .......

لا لا مستحيل؛ لأنه في البخاري يختلف عن رواية مسلم.

طالب: هذا الحديث القدسي يا شيخ؟

الحديث القدسي نعم، جمع الأحاديث القدسية وشف رواياتها، تختلف.

طالب: .......

طالب: يعني يكون يا شيخ لفظه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعناه من الله؟

لفظه حكمه حكم الحديث النبوي تجوز روايته بالمعنى، وأما المعنى فمن الله -جل وعلا-.

طالب: طيب يا شيخ إذا صح...

ونسبه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الله فمعناه من الله -جل وعلا-.

طالب: ولفظه كذلك أو؟

ماذا؟

طالب: واللفظ إذا صح؟

لا.

طالب: .... ما دخل قول الأشاعرة .......

يا ابن الحلال حديث أبي ذر: «يا عبادي» في كتب السنة بلفظ واحد جاء في كلها صحيحة؟ حكمه حكم الحديث النبوي تجوز روايته بالمعنى، ولذلك يختلف لفظه من كتاب إلى كتاب.

طالب: ....... قصده ....... ابتداءً تكلم الله به؟

بلا شك، لكن الذي وصل إلينا...

طالب: .......

هذا الحاصل.

طالب: بالنسبة يا شيخ لكلام ابن حزم أن شهرة الحديث تغني عن إسناده هذا يا شيخ كلام جماعة كثيرة من أهل العلم أو ابن حزم؟

ابن حجر يقول: تلقي العلماء له بالقبول أقوى من مجرد كثرة الأسانيد.

طالب: ومتفق على هذا الكلام يا شيخنا؟

ماذا؟

طالب: أقول دائمًا هذه قاعدة يعني إذا .......

عنده عند ابن حجر نقول إذا ضُعف فهو ضعيف ولو تلقاه .......

طالب: طيب يا شيخ، الشرك يا شيخ الشرك الأصغر هل يغفر .......

المقرر والخلاف فيه معروف؛ فمنهم من يقول: إنه يدخل في آية النساء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، وكان شيخ الإسلام يميل إلى هذا، ومنهم من يقول: حكمه حكم الكبائر.

طالب: .............

نعم؟

طالب: يا شيخ، شيخ الإسلام يا شيخ ....... البكري قال إنه ما يغفر.

نعم .......

طالب: الشيخ ابن عثيمين القول المفيد قال إنه قال في موضع أنه يغفر، وفي موضع آخر لا يغفر .......

كلام أهل العلم معروف في هذا، لكن الاستدلال بآية النساء على أنه لا يغفر ظاهر، فهو داخل في عموم الآية، والقول بأنه يغفر عده أهل العلم من جملة الذنوب الكبائر، والله أعلم.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: ما القيمة العلمية لكتاب الإقناع لابن القطان؟

كتاب الإقناع في مسائل الإجماع، هذا الكتاب، يقول: وما مدى صحة الإجماعات المروية فيه؟ ابن القطان مثل غيره من أهل العلم، مثل ابن المنذر ومثل ابن عبد البر والنووي وغيرهم ممن ينقلون الإجماع، وما كلُّ ما يدعى من الإجماع يكون صحيحًا، ولكن إذا ذُكر الإجماع من قِبل هؤلاء ولو لُوحظ على بعض المسائل التي نقلوا فيها الإجماع ما لوحظ، فإنه يبقى الإجماع له هيبة، يبقى. والشوكاني يقول: دعاوى الإجماع التي يذكرها بعض العلماء تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع.

هؤلاء الذين كتبوا في هذا الموضوع ليسوا بمعصومين، ولا يُدَّعى أنهم أحاطوا بالأقوال كلها، وعرفوا الموافق والمخالف، والمسألة فيها صعوبة جدًّا، حتى إذا نقل مذهبًا من المذاهب فهذا المذهب فيه أقوال تخالف الراجح، فإذا نقل اتفاق الأئمة الأربعة مثلاً فما الذي يمنع أن يكون لواحد منهم قول آخر في المسألة، ويكون هو المعتمد عندهم مثلاً؟ المسألة يعني أقل الأحوال أن يكون قول العامة غالب أهل العلم، وحينئذ تكون له هيبة لا يخالَف إلا بأمر شبه قطعي، أما من السهولة بمكان عند بعض المتعلمين أن ينسف القول والقائل لأدنى سبب، هؤلاء أهل علم تعلموا بإخلاص، وعلموا بإخلاص، وألفوا بإخلاص، ولا نزكي على الله أحدًا، وتمكنوا من العلم، وأفنوا أعمارهم فيه، وتابعهم مقلِّدوهم على مر القرون والعصور، وحُرِّرت مذاهبهم، ولا يعني أن كل قول يقال في المذهب أو كل قول يصدره عالم ولو تبعه من تبعه من المقلدين لا يقال: إنه بالضرورة هو الصواب.

 ومسألة الإجماع بعد الصحابة وتفرُّق العلماء في الأقطار، يعني إثباته فيه صعوبة، لكن يكفي أنه يكون قول غالب أهل العلم، وإذا لم يُنتقد ونسب إلى جميع المجتهدين في عصر من العصور وما نُقد يكفي هذا، والله أعلم.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

هذا يقول: كيف يعرف طالب العلم أنه قد تأهَّل للنظر في مسائل الخلاف والترجيح بين أقوال العلماء المختلفة في المسألة الواحدة؟

أولاً: طالب العلم إذا طلب العلم على جادة أهل العلم المعروفين بالاعتدال ودقة النظر والتحقيق وسلك طريقهم، ثم بعد ذلك بذل ما تَعلمه بالتعليم والتأليف، وزاول النظر والترجيح في المسائل بأدلتها مكتوبة أو مقررة في الدروس، ولم يُحفظ عليه أو عنه شذوذ، واستفاض أمره بين أهل العلم، ولم ينكروا عنه شيئًا، فإنه حينئذٍ يكون متأهِّلاً، لا سيما إذا جرَّب ذلك بالكتابة، وعرض على الشيوخ والأقران، ووافقوه على ما كتب، واستمر على هذه الطريقة ولم يُنكر عليه شيء، فإنه حينئذٍ يكون متأهلاً لذلك.

بعض العلماء يقرنون ذلك بدراسة بعض الكتب المعتبَرة المعتمدة عندهم، فإذا حفظها وفهمها وتصوَّرها فقد تأهَّل. ولكن الذي يؤكِّد ذلك ويقرِّره سلوكُه هذا السبيل، وتردُّده فيه من غير إنكار عليه، إذا حصل منه ما ينكر عليه، وكثرت الشذوذ في أقواله يعرف أنه لم يتأهّل، أما إذا صدر عنه مسائل محررة مقررة ما أُنكرت عليه سواء أكانت مكتوبة أو مقررة في دروس أو في محاضرات أو شيء، وعرفه أهل العلم بذلك، وشهدوا له بذلك، فإنه يكون متأهلاً.