كتاب الطهارة من المنتقى - (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فالسنة النبوية وما يضاف إليه -عليه الصلاة والسلام- من أقوال وأفعال وتقريرات وصفات وشمائل، تضاف إليه -عليه الصلاة والسلام- تسمى السنة النبوية أو الحديث النبوي. والسنة لا تخفى مكانتها على متدين وعلى مسلم عمومًا، فهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد كلام الله -عز وجل-؛ لأنها كلام من لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]، ولا يتطرق عليها أدنى أو يتطرق إليها أدنى شك أو ارتياب إذا ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وما يحاك ويقال ضد السنة والتشكيك فيها من المبتدعة من الصدر الأول إلى يومنا هذا كلها دعاوى باطلة، سواء كانت كلية أو جزئية، بدءًا من الخوارج والروافض والمعتزلة إلى يومنا هذا، مرورًا بالمستشرقين الذين هم أعداء الدين ويدرسون الدين ويتفانون في دراسته للطعن فيه، فالمستشرقون حينما يطعنون في بعض الرواة ليس الهدف من الطعن فيه الراوي نفسه، ومثلهم طوائف البدع، حينما يُطعن في أبي هريرة مثلاً الهدف من ذلك الطعن في السنة لأنه راوية الإسلام فإذا طُعن فيه فقد طُعن في السنة نفسها لأنه يروي أكبر قدر من السنة، ولا يوجد من الصحابة من يقاربه أو يدانيه في عدد ما يرويه. فهم بطعنهم في الصحابي الجليل أبي هريرة الذي دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له: «ابسط رداءك» ونفث فيه، قال: فما نسيت شيئًا مما سمعت. المناوئ والمعادي حينما يطعن في أبي هريرة يرتاح من نصف السنة؛ ولذلك لا تجدون من يطعن في المقلين، المقلون من رواية الحديث مثل أبيض بن حمال أو آبي اللحم الذين ليس لهم من الأحاديث إلا فرد واحد؛ لأنه إذا طعن في هذا أو هذا يحتاج إلى ألوف مؤلفة من الصحابة ليوازي رواية أبي هريرة.

المقصود أن السنة محفوظة، ولذا لما قيل: هذه الأحاديث الموضوعة، يعني أنها يخشى أن تختلط بالسنة. قال الإمام علي بن المديني: تعيش لها الجهابذة. الجهابذة، النقاد الخبراء لا يفوت عليهم شيء. والسنة بمجموعها محفوظة أن يضيع منها شيء؛ لأنها بها حُفظ الدين، وأكثر الأحكام حُفظت بالسنة، وإلا لو احتجنا إلى أحكام الصلاة وبحثنا عن فروعها في كتاب الله -جل وعلا- لم نجد إلا الشيء اليسير، التفاصيل كلها بالسنة. عدد الركعات في الصلوات لو بحثنا عنه في كلام الله -جل وعلا- هل نجد أن صلاة الظهر أربعًا؟ لا، والذين يطعنون في السنة أو يشككون في السنة مرادهم هدم الدين. كيف يصلي المسلم، كيف يصوم، كيف يحج، كيف يزكي من خلال ما جاء في كتاب الله من مجملات بينتها السنة. وعلى كل حال هذا ما هو مجال نقاش ولا مجال بحث، لكن كثرت الإثارات في وسائل التواصل من قِبل بعض من أزاغ الله قلوبهم، ثم بعد ذلك إذا نظرنا إلى طعن هؤلاء في الكتب تجد جهودهم تنصب على صحيح البخاري، هل سمعتم أحدًا من الكتبة في هذا العصر يطعن في سنن ابن ماجه؟ ولو طعن لوجد مستمسكًا لأن فيه أحاديث ضعيفة وفيه أحاديث موضوعة وفيه... لكنها قليلة، لماذا؟ لأنه إذا طعن في ابن ماجه يوافَق على بعض ما يطعن فيه، لكن إذا هدم الأصل إذا هدم صحيح البخاري مثلما تكلم في أبي هريرة ليهدم نصف السنة، هدم ما دونه.

وعلى كل حال، الدين محفوظ ومنصور ومعاديه مخذول، والحمد لله من قديم الزمان من بداية الفتن التي تبناها الأعداء في الطعن في الدين وهم مخذولون على وجوههم القترة، وذكر الحافظ الذهبي -رحمه الله- أن أناسًا في مجلس يتحدثون فطعن شخص في أبي هريرة، فنزلت حية من سقف البيت فلدغته فمات في مكانه. عِبر، قد يقول قائل: هذه أساطيل وهذه سواليف وهذه ما أدري شو هو؟ لكن هذا الواقع، يعني أنت إذا طعنت في السنة طعنت في أبي هريرة وأبطلت خمسة آلاف وزيادة من الأحاديث معناه أنك ما تجد في باب من أبواب الدين إلا وفيه: رواه أبو هريرة، فأنت المسألة ليست هينة، الطعن في أبي هريرة طعن في الدين، الطعن في السنة نقض للدين، وعلينا جميعًا أن نتصدى لكل من يتكلم في هذا الباب؛ لأنه ليس مرادهم أبو هريرة أو مرادهم فلان أو علان، مرادهم الدين كله، والله المستعان.

العلماء ألفوا العلماء من أهل الحديث حفظوا لنا السنة بالمؤلفات، وكانت السنة تتداول بالرواية من حفظ الصدر حتى جاء النهي عن الكتابة، في حديث أبي سعيد قال -عليه الصلاة والسلام-: «لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب شيئًا غير القرآن فليمحه»، فكانت العمدة في أول الأمر على حفظ الصدر. قال العلماء: خشية أن تختلط السنة بالقرآن، قال بعضهم: لئلا يعتمد الناس على الحفظ على الكتابة فينسى الحفظ، على كل حال جاء الإذن بالكتابة: «اكتبوا لأبي شاه» حديث صحيح، وما كان يقول أبو هريرة: ما كان من أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر مني رواية إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب، واستمر الإذن بالكتابة وانتشرت الكتابة وكثر الكتاب وكانوا ندرة وحفظ الله السنة إضافة إلى حفظ الصدر بحفظ السطر الذي هو الكتابة، فكتبوا وصنفوا ودونوا وجمعوا، فدونت الجوامع والمساند والصحاح والسنن وغيرها من أنواع المصنفات في السنة النبوية.

صنفوا في أول الأمر الأحاديث، منهم من صنفها على المساند على مسانيد الصحابة، ومنهم من صنفها على الأبواب، والكل يعتمدون في ذلك على ذكر الأسانيد، ما منهم من أحد يذكر الحديث بدون إسناد، وهذا في عصور الرواية: القرن الأول والثاني والثالث كلها بالأسانيد، وكان بعضهم يشترط الصحة ويشدد في ذلك وبعضهم يتساهل اعتمادًا منهم على أن من أسند فقد أحالك، والأمر لا يخفى إذا ذُكر الإسناد عُرفت درجة الحديث، فصنفت الكتب والجوامع والموطآت وانتشرت بين الناس وكثرت روايتها وتداولها الناس فيما بينهم بالسند، ما فيه كتاب يقول هذا صحيح البخاري في عصر الرواية إلى العصور المتأخرة، هذا صححه البخاري صحيح ما لنا حاجة إلى سند ويروى فيرويه المتأخر عن المتقدم بالإسناد، ولذلكم الأسانيد أسانيد الكتب موجودة إلى الآن، يروى صحيح البخاري بالسند إلى يومنا هذا عن طريق أكثر من عشرين راوية، وكذلك بقية الكتب. فالإسناد مزية لهذه الأمة وخصيصة لها، وإلا فما الفائدة أن تروي أنت أو أنا أو الثاني والثالث صحيح البخاري بالسند؟ يترتب عليه فائدة؟ السند الذي تترتب عليه الفائدة من البخاري إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن من مزيد العناية والاحتياط والتثبت اعتمدوا هذا الأمر وتداوله إلى يومنا هذا.

الكتب المسندة كالكتب الستة ومسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك وغيرها كثير، الدارقطني والبيهقي، والمصنفات مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق، وغيرها من الكتب، هذه هي الأصول، وتفرع عن هذه الأصول فروع، انتقى منها أهل العلم كتبًا جردوها من الأسانيد، لماذا؟ لأن أصولها موجودة، جردوها من الأسانيد لتحفظ؛ لأنه يصعب حفظ الأحاديث بأسانيدها على المتعلمين يسهل تناولها ويسهل حفظها وإذا أُريد التثبت من شيء رُجع إلى أصله.

من هذه المنتخبات كتب أحاديث الأحكام، وهي كثيرة وعني بها العلماء عناية فائقة، وقررها ودرسوها ودرسها الطلاب وحفظوها، من هذه الكتب كتاب الأحكام الكبرى والأحكام الصغرى للحافظ عبد الحق الأشبيلي، ومن هذه الكتب عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، وميزة هذا الكتاب أن الأحاديث كلها صحيحة، وصرح المؤلف أنه انتقاها من الصحيحين مما اتفق عليه، وإن كان عليه ملاحظات في أحاديث يسيرة أنها ليست من المتفق عليه من أفراد البخاري أو من أفراد مسلم ولكن هذا لا يضر لأنها صحيحة على أي حال. شُرح هذا الكتاب بشروح كثيرة، من أجودها وأمتنها وأقواها كتاب: أحكام الأحكام لابن دقيق العيد، وهذا الكتاب يعتبر مختبر، إذا تجاوزه طالب العلم فليقرأ في أي كتاب؛ لأنه مشتمل على مسائل مؤصلة وقد تكون في نظر بعض طلاب العلم معقدة، ليس الأمر كذلك، هذه هذا الكتاب أُلف ليتربى عليه طالب العلم، بحيث إذا تجاوزه ولم يشكل عليه في شيء يستحق التعليم في أي كتاب من كتب الشروح، ولو تجاوزت وقلت وغيرها من الفنون لأنه يحتوي على فنون كثيرة، والكتاب فيه إبداع يمكن أن يربى عليه طالب علم يستفيد منه، وللصنعاني حاشية طُبعت في أربعة مجلدات تحل كثيرًا من الإشكالات التي فيه. بعض القائمين على الدورات وترتيبها يقول لا داعي لأن نتعب طلاب العلم بتدريس مثل هذا الكتاب، نأتي إلى كتاب أسهل. ابن الملقن له كتاب يشرح فيه العمدة طُبع في عشرة مجلدات، وهو كتاب جامع وفيه فوائد كثيرة، لكن هذا محصور يحتاج إلى نباهة وصحاوة ذهن وفراغ بال، ثم إذا انتهى الحمد لله. العمدة عمدة كاسمها، وشرحها كثير من العلماء من المتقدمين والمتأخرين، منهم من ذكرنا ومنهم من لم يُذكر لكثرتهم، ومعرفة طلاب العلم بهم فلا نحتاج إلى أن نتوسع في العدد، المعاصرون لهم جهود موفقة في شرح العمدة وهي مقررة على الطلاب في المراحل المتوسطة والثانوية كانت تُحفظ في المعاهد العلمية وغيرها وتشرح، والله المستعان.

ثم من بعد شرح العمدة من بعد صاحب العمدة جاء ابن دقيق العيد نفسه وألف كتاب الإلمام وشرحه في كتاب أسماه الإمام في شرح الإلمام، وله كتاب اسمه هو الإلمام المتن والشرح اسمه الإمام لكنه لم يكمل. جاء الحافظ ابن عبد الهادي وألف كتابه المحرر وهو على اسمه محرر مقرر متقن وشرح هنا شرحناه هنا أوله في مسائل ....... بمكة وأكثره هنا في مسجد الحرم وأنهيناه ثم بعد ذلك اخترنا المنتقى، ثم بلوغ المرام للحافظ ابن حجر العسقلاني وقد اكتسب شهرة واسعة من شهرة مؤلفه، والمؤلف ابن حجر حظي بالقبول واشتهرت كتبه وتداولها الناس قبل أصولها، فالتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر طُبع قبل أصله البدر المنير بمائة سنة واشتهر وتداوله الناس مع أنه إذا قورن بأصله يسير وقليل وفيه إعواز كبير في التوسع في التخريج والكلام على الأحاديث والرجال بالنسبة لأصله، وممن شرحه بلوغ المرام أعني القاضي الحسين المغربي شرحه في البدر التمام والكتاب طبع في عشرة مجلدات ومختصره أشهر منه وطبع قبله كذلك بمائة سنة اللي هو سبل السلام.

من كتب الأحكام الكتاب الذي بين أيدينا وهو: المنتقى من أخبار المصطفى للإمام الفقيه المحدث أبي البركات مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني، جد شيخ الإسلام، ألف كتابًا في الأحكام أصل ثم انتقى منه هذا الكتاب، وألف في القراءات وكتابه في الفقه المحرر من أجود ما كُتب في فقه الحنابلة، ومجد الدين جد شيخ الإسلام معروف بين فقهاء الحنابلة حتى قرروا أن المذهب عند المتوسطين ما يتفق عليه المجد والموفق صاحب المغني، إذا اتفقا على حكم من الأحكام في المسائل الفقهية فهو المذهب عند الحنابلة.

المنتقى له شروح، منها شرح لابن عبد الهادي وشرح لابن قاضي الجبل وشرح لابن الملقن، وكل هذه ما طُبع منها شيء، وأول ما طُبع من شروح المنتقى: نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار للشوكاني، طُبع في مطبعة بولاق قبل مائة وأربعين سنة وانتشر بين أهل العلم، طبعه صديق حسن خان، ثم طُبع بمطبعة عثمان خليفة، ثم طبعه الحلبي أكثر من طبعة، وطبعه محمد منير الدمشقي، وتوالت المطابع على إخراجه وما زال يُطبع ويعاد طبعه إلى يومنا هذا. ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الطباعات كلها فيها هفوة وزلة عظيمة، وهي أن الإمام الشوكاني وهي مدسوسة عليه لا تصح نسبتها إليه في كتاب قتال أهل البغي قال: "فلما جاء معاوية وابنه يزيد لعنهما الله" وهذه لا تصح عن الإمام الشوكاني، ونبه عليها المحقق محمد صبحي حلاق في طبعته التي صدرت عن دار ابن الجوزي ووفق في ذلك فصور المقطع بخط الشوكاني ما فيه لعن وصوره من نسخة تعتبر أقدم النسخ بعد نسخة الشوكاني من كبير طلابه خطها بيده وليس فيها لعن، فالمجذوم به أنها مدسوسة على الشوكاني ولا تثبت عنه.

المقصود أن البيئة التي عاش فيها وغالب أهلها كما قال الصنعاني من الهادوية من الزيدية مظنة لمثل هذا الدس من بعض الجهال جهال متعصبيهم، ولذا الشوكاني والصنعاني اللذين عاشا في هذه البيئة المتأثرة بهذا المذهب يذكرون مذاهبهم وبكثرة، يذكرون مذاهب الهادوية وبعض فروع المذهب الزيدي ويكثرون منها، لا لأنهم يعتمدون عليهم وإنما لتروج الكتب، يعني لو لم تُذكر هذه المذاهب في هذه البقعة التي اعتمدت هذه المذاهب في الغالب لأحرقت الكتب وأتلفت ولم يستفد منها، فمن باب الترويج تُذكر هذه المذاهب. والعلماء لهم طرق، قد يعتمد المؤلف أن يحذف أقوال يُحتاج إليها أو يحذف أو يبهم أسماء أصحابها من أجل الترويج، فمثل شرح الطحاوية لابن أبي العز ما صرح باسم شيخ الإسلام ولا ابن القيم مع أن جل الكتاب من أقوالهم من أجل أن يروج الكتاب، لو ذكر اسم شيخ الإسلام لأتلف الكتاب أو ابن القيم. على كل حال: مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في وقت من الأوقات وفي بعض الأقطار يقال مؤلفات محمد بن سليمان التميمي المؤلف محمد بن سليمان التميمي نسبة إلى جده ....... من أجل أيش؟ أن لو ذُكر محمد بن عبد الوهاب فورًا يتلف الكتاب. فمثل هذه الأمور سياسات من أهل العلم مصالح راجحة، وابن عروة المشرقي المعروف بابن زكنون جمع كتابه الكواكب الدراري الذي زادت مجلداته على مائة وخمسين مجلدًا في المخطوط، والسبب في هذا أنه حفظ به كتب العلماء المحققين، هو في وقت تتلف فيه كتب ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرهم من أئمة التحقيق فإذا جاء إلى مسألة من المسائل فيها مصنف لشيخ الإسلام نسخه بحروفه أو ابن القيم أو ابن رجب أو غيرهم ممن تتلف كتبهم في ذلك الوقت، فحفظها الله بهذه الطريقة.

المنتقى الذي النية معقودة على شرحه، أجمع كتب الأحكام، وهو كما قيل يكفي المجتهد من الأحاديث، يكفي للاجتهاد من الأحاديث، وإن قال الغزالي في المستصفى إن المجتهد يكفيه سنن أبي داود وسنن البيهقي ....... البيهقي تفنى الأعمار من قراءته والإحاطة به، البيهقي كتاب في عشرة أسفار كبار لا يستغني عنه طالب علم، الكتاب فيه إبداع في سياق الأسانيد في سياق المتون في التعليق على هذه المتون، يحتاجه كل عالم فضلاً عن طالب علم، لكن أن يشترط ليبلغ المتعلم رتبة الاجتهاد سنن البيهقي! في بالنسبة للقرآن قالوا في كتب الأصول يكفي أحاديث آيات الأحكام تكفي وحددوها بخمسمائة آية. أما نقول في السنة احفظ البيهقي وافهم البيهقي! على كل حال سنن أبي داود أصل في هذا الباب في أحاديث الأحكام والبقية تتفرع عنه، ثم ما أُلف في كتب الأحكام يُربى طلاب العلم عليها فيحفظ الطالب العمدة لأن أحاديثه كلها صحيحة، ثم يحفظ البلوغ أو المحرر على اختلاف في المفاضلة بينهما وهما في الحجم قريب من السواء، ويمتاز المحرر في الأحكام على الأحاديث وبيان العلل أكثر من البلوغ، ويزيد البلوغ في عدد الأحاديث قريب من مائة حديث، ولو حُفظت زوائد البلوغ على المحرر مع المحرر كفت، ولكن المنتقى لا يدانيه كتاب بالترقيم يعني أحيانًا تفرد بعض الروايات وأحيانًا تُدمج فيتفاوت بين أربعة آلاف وأربعمائة حديث إلى خمسة آلاف المنتقى، بينما المحرر ألف ومائتان، والبلوغ ألف وثلاثمائة وكسور ما أدري بالضبط الآن، فبون شاسع بين المحرر والبلوغ والمنتقى.

ننظر في مقدمة المؤلف -رحمة الله عليه-، أولاً سبق إلى شرح هذا الكتاب من شيوخنا الشيخ عبد العزيز بن باز شرحه المسجد وشرع في شرحه في الإذاعة وطبع المشروح أو الموجود من شرحه في مجلد وأنتم تعرفون منزلة الشيخ وعلم الشيخ والعلم اللي الذي على طريقة السلف مختصر ومبارك، والشيخ إذا شرح وإذا توافر عليه الطلاب وازدحموا عليه إنما يريدون علمه ويريدون رأيه لا يريدون الشيخ أو من الشيخ النقل عن العلماء وعن الكتب الذي تكبر به المصنفات، ولذلك تجدون الشرح موجز في جميع شروحه وليس بصاحب استطرادات، فعلى طريقة السلف الاختصار مع الإضاءة بنور الوحيين، يقول ابن رجب في فضل علم السلف على الخلف: من فضل عالمًا على آخر بكثرة كلامه فقد أزرى بسلف هذه الأمة. المعول عليه والمعتبر في هذا التحقيق والتحرير لا كثرة الكلام. ممن شرح الشيخ ابن عثيمين رحمة الله على الجميع، ولكن شرح الشيخ المطبوع في ستة مجلدات فيه خروم كثيرة، ولعل السبب في التسجيل أنه ينقطع، ولذا كتاب الطهارة كله ما هو موجود، ستمائة حديث غير موجود، يبدأ بالصلاة، وفي ثنايا الكتاب وفي آخره خروم كثيرة جميعًا، والموجود فيه خير وبركة. وممن شرح من الشيوخ الشيخ صالح الفوزان صدر منه مجلد أو مجلدان ما أدري الآن الثاني طلع ولَّا لا؟ وغيرهم كثير، وأما من شرح ولم يسجل له شيء ولم يُطبع له شيء، فالكتاب محل عناية من الشيوخ كلهم، والله المستعان.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرًا).

ما أدري فيه بعض النسخ بسملة ولَّا ما فيه؟ أنا عندي ما فيها بسملة.

طالب: .......

عندك؟

طالب: .......

من الأصل؟

طالب: .......

الأصل أن توجد البسملة، النسخة هذه ما فيها شيء، بدأ بالحمدلة، وهنا بدأ بالبسملة، وعلى كل حال البداءة بهما اقتداء بكتاب الله -جل وعلا-، افتتح بالبسملة والحمدلة. والحمدلة جاء فيها من حديث أبي هريرة عند أبي داود والترمذي وغيرهما: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر»، وفي رواية: «أقطع»، وفي رواية: «أجذم». وجاءت رواية أو حديث في البسملة: «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله»، وفي رواية: «بذكر الله». وحكم جمع من أهل العلم على الحديث بجميع ألفاظه وطرقه بالضعف، مع أن النووي وغيره حسنوا رواية الحمد: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر»، حسنوا هذه الرواية وحكموا على ما عداها بالضعف، وجزم بعضهم بالحكم على جميع الروايات والألفاظ بالضعف. وعلى كل حال لو لم يكن في هذا إلا التبرك بذكر الله -جل وعلا- والاقتداء بكتابه -عز وجل-، أول ما بُدئ به القرآن الفاتحة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1، 2]، البسملة والحمدلة، ويكفي في الاستدلال الاقتداء بالقرآن، على أن رواية الحمد محسنة من النووي وغيره.

(الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا).

الحمد فسره أكثر الشراح على أنه الثناء على الله -جل وعلا-، وابن القيم ينتقد هذا التفسير بأن الثناء غير الحمد، بدليل الحديث الصحيح: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3]، قال: أثنى علي عبدي»، فجعل الثناء غير الحمد، وجعل الحمد ذكر المحمود بصفات كماله ونعوت جماله ونعوت جلاله، إلى غير ذلك مما ذكره ابن القيم وجعل الثناء تكرار المحامد، غير الحمد.

(الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا).

جاءت النصوص القطعية في كتاب الله -جل وعلا-، وجاء النص بهذا اللفظ في القرآن: {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].

(وصلى الله على محمد النبي الأمي المرسل كافة للناس بشيرًا ونذيرًا، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا).

ثنى بالصلاة والسلام على النبي محمد؛ لما له من المنزلة عند الله -جل وعلا-، وللأمر بها أو بهما في كتاب الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، جاء الأمر بالصلاة والسلام معًا. وبعض العلماء حصل منهم إفراد الصلاة دون السلام، وبعضهم العكس، ففي صحيح مسلم ذكر الصلاة ولم يذكر السلام، والأمر جاء بهما معًا: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا}، فلا يتأتى امتثال الأمر إلا بالجمع بينهما: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، ولذا قال النووي في شرح مسلم أنه يكره إفراد الصلاة عن السلام والعكس، مع أن النووي -رحمه الله- في ثلاثة من مصنفاته أفرد الصلاة دون السلام، وفي الرسالة للإمام الشافعي والأم الصلاة دون السلام، وفي كلام كثير من أهل العلم إفراد الصلاة دون السلام، ولذا خص الحافظ ابن حجر الكراهية بمن كان ديدنه ذلك، ديدنه أنه يصلي ولا يسلم أو يسلم ولا يصلي، إن كان ديدنه ذلك وحياته كلها على ذلك يكره، أما من كان يصلي ويسلم تارة ويفرد الصلاة دون السلام تارة أو يفرد السلام دون الصلاة تارة فلا تشمله الكراهة، لا شك أنه خلاف الأولى لكن إطلاق الكراهة مع أنه وقع في كلام كثير من أهل العلم بما فيهم المنتقد اللي هو النووي وغيره فلا يتجه إطلاق الكراهة على كلام الحافظ ابن حجر.

(وصلى الله على محمد النبي الأمي المرسل كافة للناس بشيرًا ونذيرًا).

مرسل للناس كافة، للثقلين، للجن والإنس، ولا يخرج عن رسالته أحد؛ ولذا جاء في النواقض للإمام المجدد أن من زعم أنه يسعه الخروج عن ملة محمد -عليه الصلاة والسلام- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى كفر؛ لأن محمدًا -عليه الصلاة والسلام- أرسل للناس كافة، بل للثقلين الجن والإنس، فلا يسع أحدًا الخروج عن ملته وشريعته.

(بشيرًا ونذيرًا).

يعني مبشرًا لمن اتبعه بالجنة ومنذرًا ومحذرًا لمن خالفه وعصاه بالنار.

(وعلى آله).

والآل يطلق على عدة إطلاقات منها أتباعه على الدين وهذا الإطلاق الأعم، ومنها إطلاقه على أهل بيته، ومنها أنه يطلق على أزواجه وذريته، بدليل أن هذا اللفظ في الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آله وأزواجه وعلى أزواجه وذريته مكان الآل، مما يدل أن الأزواج والذرية داخلون في الآل. وعلى كل حال من تبع محمدًا -عليه الصلاة والسلام- على دينه فهم آله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، المقصود أهله ولَّا كل من اتبعه على كفره وضلاله وعناده؟

(وعلى آله وصحبه).

الصحب جمع صاحب، وتفصيل الكلام في الألفاظ يعوق وإلا فيه كلام كثير هذه الألفاظ، الصحب جمع صاحب كالركب جمع راكب.

(وسلم تسليمًا كثيرًا).

سلم فعل، تسليمًا مصدر، مثل كلم تكليمًا، كثيرًا الوصف بالكثرة لما يستحقه -عليه الصلاة والسلام- من الهداية التي جاء بها، فهو الذي أنقذنا الله به من النار ومن الظلمات إلى النور وهو مستحق لما هو أعظم من ذلك -عليه الصلاة والسلام-، ولذا جاءت الأحاديث في الترغيب في الصلاة عليه، والله أعلم.