كتاب الطهارة من المنتقى - (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول: (عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال»).

يعني القائل أبو هريرة.

(«سأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر»).

وركوب البحر كما هو معلوم بواسطة، بواسطة السفن والبواخر وغيرها مما يُركب، وقد يكون بغير واسطة، بالسباحة، بعض الناس يقطع المسافات الطويلة بالسباحة، وعلى كل حال ركوب البحر يشمل هذه كلها.

(«إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء»).

هذا كله تقدم.

(«إن توضأنا به عطشنا»).

يعني ما يكفي للشرب والطبخ والوضوء والغسل وما يحتاج إليه من رفع الأحداث وإزالة النجاسات، لا يكفي لكل هذا.

(«فإن توضأنا به عطشنا»).

ولا شك أن الوضوء من شروط الصلاة، ولا يجوز العدول عنه إلى غيره مع القدرة على استعمال الماء ووجوده، «فإن توضأنا به عطشنا». طيب أمامك ضرورة شرعية وهي شرط لصحة الصلاة، وضرورة تُحفظ بها النفس وهو الشرب، ولا شك أن هذه الضرورة من الضرورات الخمس مقدمة على هذه الضرورة الشرعية؛ لأن الضرورة الشرعية لها بدل، والضرورة إحدى الضرورات الخمس هذه ليس لها بدل، إذا عدمت الماء تيمم، لكن ما فيه أحد بيقول لك إذا عدمت الماء وأنت محتاج للشرب اشرب من التراب أو حتى من غيره من المواد التي لا تناسب الشرب، في حالة عدم الماء الذي يمكن شربه ويجوز شربه مع عدمه هل يُعدل إلى غيره مما يحرم شربه كالنجس والمسكر لدفع العطش؟ قالوا: إن المسكر يزيد العطش فلا يدخل في هذا، لكن لو تُصور أنه يشرب ماء نجسًا أو بولاً أو ما أشبه ذلك ويرتفع به عطشه هل يلزمه ذلك ولا يعدل إلى التيمم؟ لا؛ لأنه يتعارض عنده الأمر والنهي، والحظر عند أهل العلم مقدم على الإباحة، ولا ينهى الشرع عن شيء إلا وفيه مضرة، حتى لو قيل اشرب الماء النجس لا بد أن يكون فيه مضرة؛ لأنه ما حُرم إلا لوجود الضرر، ومن باب أولى أن يقال اشرب البول أو اشرب كذا. على كل حال إذا أشرف على الهلاك وليس عنده غيره وقيل له إن هذا يجدي أو ينفع وقبلته نفسه حينئذٍ الضرورات تبيح المحظورات.

(«أفنتوضأ بماء البحر؟»).

يعني وهذا وضعنا، ما عندنا إلا ماء البحر، وماء البحر معلوم أنه أن بعض أوصافه الطعم متغير والرائحة قد تتغير بما يموت فيه، ولكن هذا التغير لم يكن بنجاسة، وإلا لو تغير الماء بنجاسة وغيرت النجاسة أحد أوصافه اللون والطعم والريح لا شك أنه يكون نجسًا لا يجوز استعماله، ولكن هذا التغير بين في الحديث أن هذا التغير لا أثر له، ولذلك.

(«فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هو الطهور ماؤه الحل ميتته»).

البحر ماذا يراد به هنا؟ هاه؟ أيش هو؟ «أنتوضأ بماء البحر؟»، البحر هل هو الماء المالح كما قيل الماء الملح، أو مكانه؟ وعاؤه؟ المكان الذي يكون فيه هذا الماء المالح هو البحر؟ نعم؟ أو هو المكان الذي فيه هذا الماء؟ لأنك إذا وجدت مكانًا ليس فيه ماء، هوة حفرة كبيرة جدًّا تقول لها بحر؟ تقول بحر؟ وإلا هم يقولون المراد بالبحر مكان الماء وليس الماء، بدليل إضافة الماء إليه: ماء البحر.

(«فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هو الطهور ماؤه الحل ميتته»).

الطهور يعني الماء المطهر، هو طاهر في نفسه مطهر لغيره، وهو أحد الأقسام الثلاثة وأولها. هو الطَّهور، الوَضوء، والطَّهور، والغَسول، كلها تطلق على ماء يتنظف به ويتطهر به ويغتسل به، بالفتح. والطُّهور الفعل الذي هو المصدر، فعل المتطهر طُهور. والطَّهور الماء الذي يُتطهر به. والوَضوء الماء الذي يتوضأ به. وبعض أهل اللغة لا يفرق بينهما، فيطلق المفتوح والمضموم على كليهما. وعلى كل حال الخطب سهل ولكن التفريق قول الأكثر.

(«هو الطهور ماؤه»).

الطهور الطاهر في نفسه المطهر لغيره، كذا عند الحنابلة والشافعية، ويرى المالكية أنه هو الطاهر والطاهر يشمل الطاهر في نفسه المطهر لغيره ويشمل غير المطهر، كله طاهر. ويميل إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، يميل إلى هذا التقسيم، لا فرق بين الطاهر والطهور. والغزالي تمنى وأشرنا إلى هذا فيما قبل أن مذهب الشافعي أن لو كان مذهب الشافعي مثل مذهب الإمام مالك، والسبب في ذلك أنهم فرعوا على هذا فروعًا في غاية التعقيد، كثير منها لا يدركه بعض طلاب العلم فضلاً عن العامة. وذكر النووي في شرح المهذب أنك لو أتيت بإناء يسع قلتين، وهو الحد عندهم بين ما يتأثر وما لا يتأثر بالنجاسة إلا بالتغير، قال لو أتيت بهذا الإناء يسع قلتين فاغترفت منه بدلو فيه نجاسة، قَل الإناء الكبير عن المقدار المطلوب، فإن بقيت النجاسة في خارجه فهو نجس، وإن لم تبق فهو طاهر. الأمر الثاني قالوا أنه إذا كان فيه نجاسة إذا اغترفت من هذا الإناء ولو دلو واحد من هذا الإناء الكبير الذي فيه قلتين قبل الاغتراف طاهر إذا لم تغير أحد أوصافه لأنه ينتقل من الطاهر إلى النجس بمجرد وقوع النجاسة فيه ولو لم يتغير عندهم، اغترفت قالوا فما في جوف الدلو طاهر وما يتساقط منه من خارجه نجس، تفاريع ما أنزل الله بها من سلطان! ولا يدركها جماهير المسلمين، فكيف يتعبدون بما لا يفهمونه ولا يدركونه، وليس في كل قضية تحضر عالم يشرح لك أن هذا طاهر ولَّا نجس. فمثل هذه التفاريع التي عقدت المسألة جعلت الغزالي أن لو كان مذهب الشافعي، وهذا في الإحياء، مثل مذهب مالك في التقسيم. طيب أنت يا غزالي فقيه ومؤلف ومنظر في الفقه الشافعي اترك المذهب وروح لغيره، ما أنت متعبد بمذهب بعينه. لكن الذين التزموا التقليد ولو كبرت منازلهم لا يتركون التقليد، يرون أن... بل منهم من صرح أنه لا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة ولو خالفت الكتاب والسنة وقول الصحابي، خلاص ما دام التزمت بمذهب مثل النص، بل في كلام الصاوي ما يجعله فوق النص: ولو خالفت الكتاب والسنة وقول الصحابي! يقوله الصاوي في حاشيته على الجلالين وهو من المالكية كما هو معروف، وقال كلامًا في غاية السوء تبعًا لهذا: لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر؛ يقول، نسأل الله العافية. هذه مصيبة التقليد تقليد الرجال وطراح النصوص، بخلاف من اعتمد النص قائدًا له وكانت وكان عمله وفتواه من ضوء الوحيين، تجد نور النص موجود على فتواه، وانظر ترى فيمن يفتون الآن، انظر فتاوي الصحابة والتابعين، فتاوي السلف، لاقتدائهم بالكتاب والسنة يلزمون الجادة والمنهج، بخلاف من يلتزم أقوال الرجال فإنه في الغالب يضطرب في كلامه. والتقليد بالنسبة للعامي ضرورة، الذي لا يستطيع النظر في الأدلة والموازنة بينها فرضه التقليد، وهو مأمور بسؤال أهل الذكر وتقليد من تبرأ الذمة بتقليده، لكن من لديه الأهلية ويترك النص ....... جودل بعض طلاب العلم المتمذهبين وأتي له بالنص من الكتاب والسنة ويقول: ولو، أنت تقول هذا وهذا رأيك أن هذا دلالة النص على هذا بس ما أنت أعرف من الإمام أحمد أو الشافعي أو مالك، أنت لا توازن بيني وبينك وبين الشافعي وأحمد، لا، وازن بين النص، فالنص هو عليه المعول.

(«هو الطهور ماؤه، الحل ميتته»).

سألوا عن طهارة ماء البحر، فأجابهم بأنه طهور ورفع الإشكال عنهم، وزاد بحل ميتته لمسيس الحاجة إليها؛ لأن لو لم يرد مثل هذا النص كان مشكلة، حيوان البحر إذا أخرجته إلى الهواء مات ما ....... تذكيه، وحينئذٍ يدخل فيه {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]. لكن جاء هذا النص ليخرج ميتة البحر من قوله -جل وعلا-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، ووجدت في ذلك السعة ولله الحمد لهؤلاء الذين يركبون البحر وقد لا يستطيعون الخروج منه لشراء ما يحتاجونه من الحلال، فأحل لهم هذا: «الحل ميتته»، هم سألوا عن الماء فأجابهم عن الماء وزادهم، ما يحتاجون إليه من الطعام. والعلماء يقولون إنه لا بد من مطابقة الجواب للسؤال، لا بد أن يكون الجواب مطابقًا للسؤال، وهذا المطابقة ليست موجودة، فقيل في الجواب أن المقصود والمراد بالمطابقة أن لا ينقص الجواب عن السؤال لا أن يزيد عليه. قد يكون وقد جاء في أساليب العرب وفي النصوص في الكتاب والسنة عدم مطابقة الجواب للسؤال بما يسمى أسلوب الحكيم، قد يأتي سائل ويسأل ويجاب بغير ما سأل، وهذا يسمى في لغة العرب: أسلوب الحكيم، يسأل سؤالاً ويرى المسؤول أنه ليس بحاجة إلى هذا السؤال أصلاً. {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189]، هم يسألون عن المادة التي خلقت منها الأدلة، لهم حاجة في هذا؟ فجاء الجواب: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، فأجابهم بما يحتاجون، ومثل هذا كثير في نصوص الكتاب والسنة وفي أسلوب في لغة العرب كثير أيضًا، فالزيادة على الجواب بما يحتاجه السائل أو يتوقع أنه يحتاجه ليس مما يخالف طلب المطابقة.

(«الحل ميتته»).

ميتته مما لا يعيش إلا فيه، ويشمل ذلك ما ورد النص بتحريم مثيله في البر، ميتة البر حرام، ميتة البحر حلال، كلب البر حرام، كلب البحر حلال، يعني على عموم النص، وإن كان بعضهم يرى تخصيص مثل هذا النص بما جاء في نظيره في البر. خنزير البحر حلال بينما خنزير البر حرام، إلى غير ذلك مما يختلف فيه أهل العلم؛ لأن بعضهم يُغلب جانب النهي فيحرم الخنزير لعموم لحم الخنزير الذي جاء فيه الحديث ويحرم الكلب لعموم ما جاء فيه ويجعله شاملاً لكلب البحر وهكذا، لكن المرجح عند جمهور أهل العلم أنه شامل عموم ميتة البحر باق على العموم وأنه مخصوص بما جاء في البر، وبعضهم يقول العكس، ولكل وجهة. وعلى كل حال اللي يتورع عن شيء لا يلام، والنص: «الحل ميتته» هو المرجح عمومه عند كثير من أهل التحقيق.

يقول: («رواه الخمسة»).

ذكر في المقدمة أن الخمسة هم: أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه، هؤلاء هم الخمسة، وليس المراد بهم الخمسة الذي قيل فيهم أنه لم يفتهم إلا النذر القليل، قال: لم يفت الخمسة إلا النذر يعني من الأحاديث الصحيحة، ليس هؤلاء هم هؤلاء، وإلا الخمسة الذين قالوا إنه لم يفتهم إلا النذر والعراقي في ألفيته وابن الصلاح. المقصود أن هؤلاء الخمسة غير هؤلاء، الخمسة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي، خمسة. بقي من الستة ابن ماجه، وابن ماجه كما هو معلوم مختلف في كونه السادس مع مالك والدارمي. فالخمسة المذكورون هنا هم من نص عليهم في المقدمة ما عدا الصحيحين، السبعة ما عدا الشيخين.

(وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح).

وهذا الأسلوب مستشكل من قبل أهل العلم؛ لأنه يجمع المرتبة العليا مع ما دونها، الصحة والحسن إذا حكم عليه العالم بأنه صحيح فإنه في أعلى الدرجات، وإذا حكم عليه في نفس الوقت أنه حسن فقد جمع له بين مرتبتين العليا والدنيا من مراتب القبول. وأجاب العلماء عن هذا الإشكال بأجوبة بلغت ثلاثة عشر قولاً، أجابوا بأنه إذا كان له طرق فالمراد الحكم على بعض طرقه بالصحة وأنه بلغها، والبعض الآخر بالحسن وأنه لم يبلغ الصحة، وهذا ظاهر فيما إذا تعددت الطرق، لكن الإشكال إذا لم يكن له إلا طريق واحد، يعني أحيانًا يقول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، والغريب كما قرره ابن حجر في النخبة وغيرها أنه ما ليس له إلا سند واحد، هذا الغرابة المطلقة، أما إذا ما كان له أكثر من إسناد وحكم عليه بالغرابة كما هو فإن أن الغرابة تكون نسبية. وعلى كل حال المسألة مبسوطة في كتب المصطلح فلا نطيل بها.

ثم قال بعد ذلك في الحديث الثاني: (وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر»).

الواو كما هو معروف واو الحال، ولا بد من تقدير قد، يعني: وقد حانت صلاة العصر، يعني دخل وقتها، ودخول وقت صلاة العصر بمصير ظل كل شيء، هاه؟ مثله، عند الجمهور، وعند الحنفية: مثليه. في حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: «ووقت صلاة العصر من مصير كل شيء مثليه» بعد خروج وقت صلاة الظهر مباشرة؛ لأنه قال في وقت الظهر: «إلى مصير ظل كل شيء مثله ما لم يحن وقت العصر»، فلا اشتراك بين الوقتين خلافًا للمالكية الذين يقولون في آخر وقت صلاة الظهر وقت يتسع لأربع ركعات تصلح للظهر وللعصر.

(«وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوَضوء»).

الماء الذي يتوضئون به.

(«فلم يجدوا»).

ما فيه ماء يتوضئون به.

(«فلم يجدوا. فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»).

فرضهم أيش إذا لم يجدوا الماء؟ التيمم.

(«فلم يجدوا. فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوَضوء»).

بإناء صغير صغر عن أن يدخل فيه -عليه الصلاة والسلام- كفه فجمع أصابعه.

(«فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضئوا منه، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم»).

هذه معجزة من معجزاته -عليه الصلاة والسلام-، ولها نظائر وللحديث شواهد، وعلى كل حال هو في الصحيحين ما سيأتي من حديث علي وجابر وكلها صحيحة. الرسول -عليه الصلاة والسلام- بصق في بئر ففارت، فار الماء منها. وقيل لمسيلمة إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بصق في بئر ففارت، نبع الماء فار الماء منها، فبصق في بئر فغارت! وهذا من دلائل بطلان نبوته التي يزعم.

(«فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه -عليه الصلاة والسلام- حتى توضئوا من عند آخرهم»).

يعني إلى آخرهم، إلى آخر واحد منهم توضئوا -عليه الصلاة والسلام-، كما قلنا وقال أهل العلم إن هذه من معجزاته -عليه الصلاة والسلام-، والحديث في الصحيحين. وهذا الماء الذي نبع من أصابعه الشريفة -عليه الصلاة والسلام- ماء مبارك، وتوضئوا منه، ومثله الماء المبارك والشفاء الذي هو ماء زمزم يُتوضأ منه، وقد توضأ منه النبي -عليه الصلاة والسلام-. استثنى بعض العلماء غسل النجاسة ومنها الاستنجاء، فقال لا يستنجى بهذا الماء المبارك تشريفًا له سواء كان هذا أو هذا، لكن من احتاج في وقته -عليه الصلاة والسلام- حينما نبع الماء من أصابعه هل نُقل أنهم تورعوا عنه؟ لا، ومن الضرورة أن يحتاجوه للاستنجاء، ولذا بعضهم لا يستثني شيئًا، يُستعمل كما يُستعمل الماء، لكن إذا وُجد ما يقوم مقامه فالعدول عنه أولى، ما يُستنجى به مع وجود غيره لشرفه وبركته.

(ومتفق على مثل معناه من حديث جابر بن عبد الله).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وفيه تنبيه على أنه لا بأس برفع الحدث من ماء زمزم).

يعني يُتوضأ به، ورفع الحدث يشمل الاغتسال لأنه حدث، لأن الجنابة حدث، ورفعها يكون بالاغتسال.

(وفيه تنبيه على أنه لا بأس برفع الحدث من ماء زمزم؛ لأن قصاراه).

يعني غاية أمره.

(أنه ماء شريف) أيش بعده عندكم؟

طالب: .......

(مستشفى به) عندك كذا؟

طالب: .......

إي بعده (متبرك)، لكن عندنا كلمة ما هي مستشفى.

طالب: .......

هذا يقول: ماء شريف مستقاء، ما له وجه، وهي موجودة في بعض النسخ، ومستشفى به هذا هو الصحيح.

(مستشفى متبرك به).

يعني ماء زمزم ماء مبارك بلا شك: «طعام طعم وشفاء سقم»، وما مسه بدن النبي -عليه الصلاة والسلام- الشريف لا شك أنه مبارك، جعل الله فيه من البركة ما لم يجعلها في غيره.

(ماء شريف مستشفى به متبرك به).

لأن الله جعل فيه من البركة ما لم يجعله في غيره من المياه.

(والماء الذي وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده فيه بهذه المثابة).

يعني بهذه المنزلة؛ لأن قصاراه أنه ماء شريف، يعني ماء زمزم، والماء الذي وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده فيه بهذه المثابة، بهذه المنزلة.

يقول: (وقد جاء عن علي -كرم الله وجهه-).

الأصل أن يقال في حقه مثلما يقال في غيره من الصحابة ممن هو أفضل منه وممن هو دونه كأبي بكر وعمر وبقية الصحابة -رضوان الله عليهم-، فالعرف عند أهل العلم أن الصحابة يُخصون بالترضي، ومن دونهم بالترحم، والرسول بالصلاة والسلام -عليه الصلاة والسلام-، فلا يقال محمد عز وجل، هذا مخصوص عرفًا عند أهل العلم بالله -جل وعلا-، وإن كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- عزيزًا جليلاً، تقول: قال رسول الله عز وجل؟ الرسول عزيز جليل، فالمسألة عرفية عند أهل العلم وتوارد وتوارث من الصدر الأول، بالنسبة لله -جل وعلا- يقال: عز وجل، وبالنسبة للصحابة يترضى عنهم، وجاء الترضي عنهم في نصوص الكتاب والسنة، ومن بعدهم يُترحم عليهم. ونجد أحيانًا في كتب أهل العلم يقولون: الإمام أحمد رضي الله عنه، ويقولون: الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهكذا، والمسألة دعاء وليست بحكم، المسألة دعاء بأن يرضى عنه الله -جل وعلا- وليست بحكم القطع بأن الله رضي الله عنهم، الصحابة منصوص على الرضا عنهم: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، أما من عداهم يُدعى لهم بذلك ولا يُحكم بشيء من ذلك. وتخصيص علي -رضي الله عنه- بأن الله كرم وجهه يقول أهل العلم: كرمه بأنه لم يسجد لصنم، وهذا واقع ولا إشكال فيه، لكن تخصيصه بلفظ لا يشركه فيه من هو أفضل منه ما يمكن أن يقال: أبو بكر كرم الله وجهه بهذا المعنى لأنه وُجد في الجاهلية، كذلك عمر، ثم أسلموا، فالمعنى لا ينطبق عليهم، وتخصيص مثل علي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- ومناقبه لا تعد ولا تحصى وورد له من المناقب والمزايا ما لم يرد لغيره، وإن كان أبو بكر وعمر وعثمان أفضل منه عند جماهير أهل السنة، وبعض أهل السنة فضلوه على عثمان وهذا قول معروف لا يُبدع من قاله، لكن تفضيله على الشيخين قائله مبتدع بلا شك. في بعض طبعات البخاري فيه اللفظ: كرم الله وجهه، الإشكال أن النساخ قد أو يقول: عليه السلام مثلاً دون غيره في بعض النسخ، موجود في بعض كتب أهل العلم، لكن تفضيله على غيره وتخصيصه بلفظ يتميز به دون غيره -رضي الله عنه وأرضاه- هو ليس بحاجة إلى مثل هذه الأمور، رابع الخلفاء وأحد العشرة المبشرين بالجنة وجاءت فيه فضائل كثيرة جدًّا، رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعن سائر الصحابة أجمعين.

(وقد جاء عن علي) يقول: (كرم الله وجهه من حديث له: «ثم أفاض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).

في حجته.

(«ثم أفاض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا بسجل من ماء»).

السجل الدلو الكبيرة المملوءة بالماء، فإن لم يكن فيها ماء فليست بسجل، بل هي دلو، والدلو يطلق على ما فيه ماء، كما يقال: السجل والذنوب، «فدعا بذبوب من ماء»، وفي رواية: «بسجل» كما في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فهو ذَنوب وسجل ودلو وإن تفاوتت في الحجم وفي محتواها، فلا يقال سَجل إلا إذا كان فيه ماء. أكبر من هذه كلها الغَرْد، تعرف الغرد؟

طالب: .......

غَرْد، جاء في وصف العرب أنهم أهل الغرد، تعرفون الغرد؟ دلو كبير جدًّا، يعني مخيط من عدة جلود فهو كبير جدًّا يسمونه: غرد.

(«فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ»).

عليه الصلاة والسلام، وهذا دليل لأصل المسألة التي أصلها المؤلف -رحمه الله- قياسًا على الماء الذي نبع من أصابعه -عليه الصلاة والسلام- في قوله: (وفيه تنبيه على أنه لا بأس برفع الحدث من ماء زمزم)، يعني قياسًا على الماء الذي نبع من بين أصابعه -عليه الصلاة والسلام-. وفيه دليل مستقل، فيكون دليله النص والقياس.

(«فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ»).

يبقى المسكوت عنه اللي هو الغسل الذي يتسرب منه الماء إلى العورة وهو أسهل من الاستنجاء، لكن إذا اضطر الإنسان إلى الاستنجاء وعنده ماء زمزم هل يستنجي؟ أو قد لا يوجد عنده ما يستنجي به هل يترك؟ لا، صرح بعض أهل العلم أنه لا مانع من الاستنجاء به، لكنه بقدر الإمكان يُتقى إذا وُجد غيره. بعض الناس يقرأ في الماء للمرضى فيصب عليهم ويستشفى به، ويسألون عن وصول مثل هذا الماء الذي قُرئ فيه القرآن إلى العورة، ويسألون عن صبه في دورات المياه الحمامات؟ بعضهم يتورع عن مثل هذا ويقال ماء باشره أثر القرآن وهو الريق الذي قُرئ فيه فيجعله من هذا النوع، التورع عن مثل هذا مطلوب وتعظيم مثل هذه الأمور المعظمة شرعًا مطلوب، لكن عند الحاجة والضرورة، إذا عارضه ما هو أعظم منه ما هو شرط للصلاة يُترك الوضوء به لأنه أو الاستنجاء به لأنه من ماء زمزم أو نبع من أصابعه -عليه الصلاة والسلام- أو قرئ فيه القرآن، يسألون عن هذا كثيرًا، والقراءة للاستشفاء بالماء ثبتت عن عائشة -رضي الله عليها-، وعلى كل حال هي أولويات ومفاضلات إذا لم يوجد داع فالتورع عن مثل هذا مطلوب، وإذا وُجد الداعي لا سيما إذا كان مما يشترط لأعظم أركان الإسلام فالمسألة ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر شرعًا.

هذا الصحيح مخرج في مسند الإمام أحمد، وهو مصحح عند أهل العلم ولا إشكال فيه، وله شواهد.

قال -رحمه الله-: (باب طهارة الماء المتوضَّأ به).

يعني المستعمل، طهارة يعني أنه ليس بنجس، الماء الذي يتوضأ به المصلي ويكون مستعملاً، لكن هل هذا الاستعمال يُخرجه من الطهورية إلى الطهارة، أو يخرجه من الطهارة إلى النجاسة كما هو قول عند الحنفية؟ الأخير لا وجه له، كون المسلم يتوضأ بماء يبقى طاهرًا بلا شك؛ لأن المسلم وإن كانت عليه جنابة فضلاً عن الحدث الأصغر «المسلم لا ينجس» كما سيأتي.

الماء المتوضأ به مختلف فيه عند أهل العلم هل هو باق على طُهوريته كما يقول من يقسم الماء إلى طاهر ونجس ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، أو ينتقل من الطهورية بمعنى أنه لا يُطهر وإن كان طاهرًا في نفسه يجوز شربه ويجوز استعماله في سائر الاستعمالات ما عدا رفع الحدث كما هو قول الشافعية والحنابلة.

في الحديث حديث جابر -رضي الله تعالى عنه- (قال: «جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعودني»).

جابر مرض مرضًا شديدًا وأغمي عليه، فجاء الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعوده.

(«يعودني وأنا مريض»).

حال، والحال أني مريض.

(«لا أعقل»).

«مريض لا أعقل»، ففي هذا مشروعية زيارة المريض وإن كان لا يعقل، بعض الناس يقول لا صار ما هو بدار بي ليش أزوره؟ لأن الزيارة جبر لخاطر المريض، وهذا المريض لا يعرف من زاره ممن لم يزره، فليس فيه جبر لخاطره... لا لا، الزيارة لها فوائد كزيارة القبور تحسن إلى نفسك وتحسن إلى صاحبك تدعو له وترقيه، والميت تدعو له بالمغفرة والرحمة، وأنت تعتبر وتتعظ، وقد تسدي له نصيحة في آخر حياته هذا المريض، بخلاف ما يزعمه بعض الناس أنه لا فائدة فيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- زار جابرًا وهو مريض لا يعقل.

(«فتوضأ -عليه الصلاة والسلام- وصب وَضوءه عليَّ»).

شفاه الله وعافاه وروى لنا هذه الحديث وغيره من الأحاديث، فالزيارة مفيدة، قد يستفيد، ولا يأس، وفي بعض الأحوال التي تقرب من حد اليأس يصل إلى حد الموت الدماغي ثم يشفيه الله، في وقائع عديدة، ويسمع ما يقال حوله وهو محكوم عليه بالموت؛ ولذلك كثير من الأطباء رجع عما كان يقول، رجل يقول: مرضت دخلت المستشفى وحكم علي بالموت الدماغي وكتب التقرير وجاءوا بإخواني وعددهم أربعة ليتبرعوا في أعضائه، ثلاثة وافقوا وواحد رفض، فأفاق، ويقول إنه يسمع كلامه، وصار الثلاثة من أعدائه، بيشلحونه وهو حي! وأقرب الناس إليه وأحبهم إليه هذا الذي رفض. فالتسرع في مثل هذه الأمور لا سيما وأن مسألة التبرع مختلف فيها، يتبرع فيما لا يملك، الإنسان ما يملك أعضاءه فرعًا عن نفسه، الأعضاء فرع عن النفس وهو لا يملكها، وقد أفتت بعض المجامع بجواز ذلك وبعضهم توقف، وعلى كل حال التسرع في مثل هذه الأمور حتى على القول بالجواز إذا وُجد مثل هذه الحالة التي يسمع، مشكلة، معضلة هذه. جابر -رضي الله عنه- لا يعقل، كثيرًا ما يغمى على الإنسان ويصحو، هذه مرحلة دون مسألة الموت الدماغي، الموت الدماغي عند الأطباء قريب من الموت الحقيقي، بعضهم يحكم عليه به. وعلى كل حال جابر -رضي الله عنه- أفاق وعافاه الله وعاش بعد ذلك دهرًا، النبي -عليه الصلاة والسلام- مات سنة عشر، وجابر عاش إلى سنة أربعة وسبعين، ويوجد الآن من الصالحين من يرقي بعض المرضى ويعافيهم الله ويشفيهم، فالتسرع في مثل هذه الأمور واليأس لا يَرد في مثل هذا، وبث الأمل في نفس المريض وفي قريبه هو الأصل، والله المستعان.