كتاب الطهارة من المنتقى - (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (باب الرد على من جعل ما يغترف منه المتوضئ بعد غسل وجهه مستعملاً).

يعني من لازم ذلك أنه لا يجزئ التطهر به، ومقتضى ذلك أن يكون هذا الماء المستعمل منتقلاً من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا أو نجسًا على القول الضعيف عند الحنفية، هم يرون المستعمل نجس لا سيما المستعمل في الحدث الأكبر. المؤلف -رحمه الله تعالى- أورد حديث عبد الله بن زيد بن عاصم وهو من أصح الأحاديث في الباب ومن أجمعها، ليرد على من زعم أن الماء المغترف منه يكون مستعملاً، ومقتضى ذلك أنه لا تصح الطهارة منه، استعمال مثل هذا الاستعمال لا بد منه، يعني كلام لا وجه له، يعني إذا ثُوِّر وبُرِّر بعض الخلافات الفقهية التي لها وجه وإن كانت مرجوحة، لكن مثل هذا ماذا يصنع المتوضئ الذي عنده إناء إما أن يكفئه ويفرغ منه على يده ليضيفها إلى الأخرى فيغسل العضو، هذا مع الإمكان أحيانًا ما يمكن، وإما أن يغترف منه.

قال -رحمه الله-: (عن عبد الله بن زيد بن عاصم).

المشهور برواية حديث الوضوء؛ لأن فيه راويًا يقال له عبد الله بن زيد غير هذا وهو ابن عبد ربه راوي قصة الأذان الرؤيا التي رآها في الأذان: «طاف بي وأنا نائم رجل معه ناقوس فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: نُعلم به للصلاة» فعله الأذان «قال: خير من ذلك أن تقول: الله أكبر الله أكبر» إلى آخر الأذان بتربيع التكبير من غير ترجيع، يعني في حديث عبد الله بن زيد، وفي حديث أبي محذورة بالترجيع، وكلها في الصحيح.

المقصود التفريق بين عبد الله بن زيد راوي الوضوء المشهور وروايته من أتم الروايات وأصحها، وعبد الله بن زيد راوي قصة الأذان في النوم التي اكتسبت الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، وإلا الأحكام لا تثبت بالرؤى لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- سمعها وأقرها.

قال: (عن عبد الله بن زيد بن عاصم).

اختلف في شهوده بدرًا، العلماء يختلفون هل شهد بدرًا أو لا؟ هو شهد أحدًا وما بعدها، وتوفي عام الحرة أو قُتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين -رضي الله عنه وأرضاه-.

(«أنه قيل له»).

قال به بعض التابعين الذين لم يحضروا ولم يروا وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كانوا سمعوه من صحابة آخرين، لكن أرادوا منه أن يتوضأ؛ لأن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول.

(«قيل له: توضأ لنا»).

يعني من أجلنا من أجل تعليمنا، وإلا الوضوء عبادة لا يكون إلا لله -جل وعلا-، حديث: «صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» يعني من أجلنا.

(«توضأ لنا وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»).

يعني مثل وضوئه -عليه الصلاة والسلام-، وإلا وضوؤه -عليه الصلاة والسلام- من كل وجه قد لا يتيسر لكل أحد، ولذا قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا» وجاء في بعض الروايات: مثل، لكن مطابقة فعله -عليه الصلاة والسلام- من كل وجه في أفعاله الظاهرة والباطنة وفي نيته وإخلاصه ما يمكن أن يكون، ولذا قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله دخل من أبواب الجنة الثمانية، ولا تغتروا» في البخاري «ولا تغتروا»؛ لأن الإنسان قد يرى هذا العمل السهل ويحرص على تطبيق ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- ثم يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» ويطمع في هذا الوعد ويرجو أن يحصل له هذا الوعد، لكن قد يكون هناك موانع تمنع من قبول الفعل، ولذا قال: «ولا تغتروا»، فعلى المسلم أن يفعل ما أُمر به ويجتنب ما نُهي عنه، ومع ذلك يكون خائفًا راجيًا، يكون فعله بين الفعل والرجاء: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]، خائف أن تُرد عليه أعماله، أنت ما تدري وأيش اللي صاحب هذا العمل، فتكون خائفًا وجلاً أن يُرد عليك عملك، وترجو ثواب الله وتحسن الظن بالله -جل وعلا-.

(«توضأ لنا وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»).

يعني قلد لنا وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واصنع كما رأيته يصنع -عليه الصلاة والسلام-.

(«فدعا بإناء فأكفأ منه»).

أماله من جهة الشمال إلى جهة اليمين، يعني أكفأ من الإناء على يده اليمنى.

(«فأكفأ منه على يديه»).

هل يستطيع أن يُكفئ من الإناء على يديه؟ تتصور؟ لأن يديه ويده تكررت في الحديث بعضها بالإفراد وبعضها بالتثنية وبعضها في رواية بالإفراد وبعضها في رواية بالتثنية، وقلنا في درس الأمس أن الإفراد قد لا يعارض التثنية فيكون المراد به الجنس جنس اليد، «ليس على عاتقيه منه شيء» أو «ليس على عاتقه منه شيء» وكلها في الصحيح.

(«فأكفأ منه على يديه»).

وأيش الوسيلة التي أكفأ من الإناء بها، وأيش الوسيلة؟ إذا أكفأ عليى يديه قال بيديه هكذا وأكفأ على يديه، هاه؟

طالب: .......

يمكن؟

طالب: الإداوة.

هذا إناء، عندك إناء فيه ماء تبي تُكفئ على يديك كيف تصنع؟

طالب: أميله .......

بيده ما هو بعلى يديه، على يده، يكفئ على يد، يكفئ بيد على يد هذا متصور.

قال: («فأكفأ منه على يديه»).

هو نظر إلى نهاية الفعل أنه أكفأ باليسرى على اليمنى، نعم، فأضافها إلى الأخرى فصار على يديه، أما مجرد الإكفاء من الأصل يكون بيد على يد، يتلقى باليد اليمنى ثم يضيفها إلى اليسرى ويغسلهما، فيكون أكفأ حينئذٍ في النهاية على يديه. والحديث متفق عليه ليس لأحد كلام يعني.

(«فأكفأ على يديه فغسلهما ثلاثًا»).

يكفئ باليسرى على اليمنى، وما يتلقاه باليمنى يضيفه إلى اليسرى فيغسلهما.

(«فغسلهما ثلاثًا»).

وهذا الغسل من الوضوء أو لا؟ قبل الوضوء، هذا الغسل مستحب، ومنه ما يجب كما إذا قام من النوم: «إذا قام أحدكم من نومه فليغسلهما ثلاثًا» على خلاف في الحكم بين أهل العلم لكن الأصل في الأمر الوجوب.

(«فغسلهما ثلاثًا، ثم أدخل يده»).

يعني في الإناء، خلاص ما يحتاج إلى غسل ها الحين، غُسلتا وانتهى ما عليهما ثلاثًا.

(«ثم أدخل يده فاستخرجها»).

«أدخل يده» يعني في الإناء في الماء، وهذا هو الاغتراف الذي ترجم به المؤلف -رحمه الله تعالى-: (باب الرد على من جعل ما يغترف منه المتوضئ بعد غسل وجهه مستعملاً) هذا بعد غسل الوجه، والذي نحن فيه بعد غسل اليدين.

(«ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثًا»).

«من كف واحدة» يغترف بيده ثم يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، يفعل ذلك ثلاثًا. المفردات ست، ثلاث مضمضمة وثلاث استنشاق، المفردات ست تكون بثلاث غرفات، الأولى فيها المضمضة والاستنشاق ثم الثانية كذلك ثم الثالثة كذلك. جاء في بعض الروايات أنه يتمضمض بكف مستقلة ويستنشق بكف مستقلة، وهذا جائز وهذا جائز، وذاك الأول أكثر. أيش يعني أكثر؟ يعني أقوى في الروايات. وذكروا من الصور أن الست يجمعها في كف واحدة، كما ذكروا من الصور أنه يتمضمض ويستنشق من ثلاثة أكف، وذكروا منها أنه الصور التي ....... يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، ويتمضمض ويستنشق بست، ويتمضمض ويستنشق بغرفتين، بمعنى أنه يتمضمض ثلاثًا من كف واحدة ويستنشق ثلاثًا من كف واحدة، إلى غير ذلك من الصور التي ذكرها أهل العلم، لكن أقواها ما جاء في حديث عبد الله بن زيد وجاء عن غيره أنه يتمضمض ويستنشق من كف واحدة بثلاث غرفات. كَف مذكر ولَّا مؤنث، هاه؟

طالب: مؤنث.

مؤنث، أيش يدريك؟ الوصف؟

طالب: .......

لا عندك واحدة، هاه.

طالب: .......

عندك بالحديث: «من كف واحدة».

طالب: .......

الحديث في تخريجهم يقولون: وورد من طريق أخرى، الطريق مذكر ولَّا مؤنث؟

طالب: .......

في كلام أهل الحديث كثير: طريق أخرى، وفي القرآن: {طَرِيقًا} [طه: 77]، هاه؟

طالب: .......

{يَبَسًا} [طه: 77]، يعني يابسًا مذكر، فالطريق يذكر ويؤنث.

(«فمضمض»).

المضمضة إدخال الماء إلى الفم بالكف، ثم إدارته ثم إدارة الماء في الفم، ثم بعد ذلك مجه. هل المج من حقيقة المضمضة ولَّا قدر زائد على ذلك؟ لو أدخل الماء إلى فمه وأداره ثم ابتلعه يكون تمضمض ولَّا لا؟

طالب: تمضمض .......

لا، في كتب اللغة يدخلون المج في حقيقة المضمضة، أيش فيه؟ هاه؟

طالب: .......

لو ابتلعه وأيش يصير؟ أداره في فمه ثم ابتلعه؟ إي ما تتم الفائدة بالمضمضة إلا بالمج لأنه قد يكون في الفم أشياء يحتاج إلى تنظيف فيخرج، وهذا من كمال الشريعة، يعني في مثل هذه الأمور التي لا يلتفت إليها الناس وقد يكون الفم نظيف ما فيه شيء وقد يخرج ما في الفم بالمجة الأولى فما الداعي إلى الثانية والثالثة؟ هذا من كمال الشريعة والحرص على نظافة المسلم. غسال يغسل الثياب في إحدى الدول الكافرة أسلم من غير دعوة، قيل له دعاك أحد؟ قال لا والله ما دعاني أحد، قال وأيش اللي خلاك تسلم؟ قال أنا غسال لكن إذا جاءتني ثياب المسلمين نظيفة ورائحتها طيبة لأنهم يستنجون، أما الكفار فيزاولون النجاسات ولا يستنجون، فأسلم لما اشتمل عليه الدين الحنيف من الكمال الذي لا يوجد في الديانات الأخرى.

مضمض يعني أدار الماء أدخل الماء في فمه ثم أداره ثم مجه، ومنهم من يقول إن المج لا يدخل في حقيقة المضمضة؛ لأن المضمضمة وقياسها الخضخضة والرجرجة وكذا وكذا تحصل بمجرد هذا الفعل بمجرد الإدارة.

(«واستنشق»).

استنشق: جذب الماء إلى داخل أنفه بالنفس واستنثر بعد ذلك، استنثر أخرج الماء الذي جذبه بالنفس بالاستنشاق أخرجه أيضًا بالنفس. كثير من الناس لا يحسن الاستنشاق ولا يستنشق استنشاقًا تترتب عليه الفائدة التي قصدها الشارع من الاستنشاق، ما يُدخل الماء، وبعضهم يصعب عليه أن يدخل الماء لأنه ما تعود. لكن الأثر الصحي المترتب على الاستنشاق كثير من الناس لا يحسنه، وُجد آفة في أنف شخص ذهب للعلاج في أوروبا في ألمانيا فقال له طبيب: أستغرب أن تصاب بهذا الداء وأنت مسلم تستنشق، وهو كافر، أستغرب. وهذا من أسرار الشريعة ....... يجعل في منخريه من الماء ثم لينتثر ينظف. وآخر طبيب كافر آخر جاءه مسلم يشكو من ظهره، فقال له أستغرب أن تصاب بمثل هذا وأنت مسلم مطالب بالركوع، وكثير من الناس ترونهم في المساجد يصلون وركوعهم قد لا يصل إلى حد الإجزاء، وإن أجزأ فلا تترتب عليه الآثار التامة المرتبة على هذا الركوع.

(«فمضمض واستنشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثًا»).

«أخرج يده»، وفي بعض الروايات: «يديه»، وقالوا فيها مثلما قلنا سابقًا إما أن يضيف اليد إلى الثانية أو يستخرج باليدين وهو أيسر في غسل الوجه.

(«فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثًا»).

الوجه ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق، وقدمتا عليه لحكم قُدمتا على غسل الوجه، لأنه بعدما رأى الماء بعينيه إذا استنشق شم الماء وإذا تمضمض ذاق طعم الماء فقد يكون متغيرًا فيتركه قبل أن يشرع في الوضوء في غسل الوجه.

(«فغسل وجهه ثلاثًا»).

من منابت الشعر إلى الذقن، والخلاف في ما استرسل منه، والخلاف أيضًا في اللحية الكثيفة وتخليل اللحية، ومنه الأذنان، من الرأس ولَّا من الوجه؟

طالب: .......

....... أنت، هاه؟ صح؟ قل ما هو بصحيح.

طالب: .......

لا لا ....... «الأذنان من الرأس» يعني من الأذن إلى أذن حد الوجه، ومن هذه يدخل الأذنان ولَّا ما يدخل، الحد يدخل ولَّا ما يدخل؟

طالب: .......

ما يدخل في الوجه، وإن كان بعضهم يقول ما أقبل منهما من الوجه وما أدبر من الرأس، لكن المقرر وما جاء به الدليل وإن كان فيه كلام: «الأذنان من الرأس». على كل حال حد الرأس مثلما ذكرنا: من الأذن إلى الأذن عرضًا، ومن منابت الشعر إلى الذقن أو ما استرسل منه طولاً، هذا حد الوجه فيجب غسله واستيعابه بالماء لأن فرضه الغسل.

(«فغسل وجهه ثلاثًا، ثم أدخل يده»).

يعني في الإناء.

(«فاستخرجها، فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين»).

يعني قال: «فغسل وجهه ثلاثًا» لأنه واحد، ما قال: ثلاثًا ثلاثًا، وقال في اليدين: «مرتين مرتين»؛ لأنهما اثنتان، لأنه لو قال: فغسل يديه إلى المرفقين مرتين، لاحتمل الاكتفاء بكل يد غسلة، لكن لما قال: «مرتين مرتين» يدل على أن كل يد تُغسل مرتين.

ما تقدم: «ثلاثًا ثلاثًا»، وهذه في اليدين: «مرتين مرتين»، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه توضأ مرة مرة وهذا أقل ما يجزئ، وثبت عنه أنه توضأ مرتين مرتين يعني في جميع الأعضاء، مرة مرة في جميع الأعضاء، وثبت عنه وهو الأكمل أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وأدخل بعضهم الرأس وأنه يمسح ثلاثًا وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى، لكن النصوص المفسرة الصحيحة أن المسح مرة واحدة.

(«فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين»).

و«إلى» في قوله: «إلى المرفقين» حرف غاية، تدخل الغاية أو لا تدخل؟ هل تغسل المرافق ولَّا ما تغسل؟ هاه؟

طالب: .......

مثل أيش؟

طالب: .......

هل تدخل الغاية ولَّا ما تدخل؟

طالب: .......

مطرد ولَّا بقرينة؟ هاه؟ إذا قلت: إلى الجدار، يدخل الجدار ولَّا ما يدخل؟

طالب: ما يدخل.

ليش؟

طالب: .......

يعني خرج بقرينة، وهنا دخل بقرينة. فيه نصوص تدل على أنه أدار الماء على مرفقيه، فهذا دليل على دخول المرفقين، هاه؟ من يتكلم؟

طالب: .......

الغرة تكون باليد؟ الغرة في الناصية، والتحجيل في الرجلين، ما هو بصحيح؟ إي.

طالب: .......

(«فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين»).

وجاء غسل اليدين ثلاثًا ثلاثًا كسائر الأعضاء.

(«ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر»).

مسح ولم يثبت الغسل في شيء من الروايات، وإن المنصوص عليه في القرآن المسح: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6].

(«فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر»).

ظاهر العبارة أنه بدأ من الخلف، نعم: أقبل، وأدبر: أرجعهما إلى المكان الذي بدأ منه. ولكن جاء في الروايات الصحيحة أنه بدأ بمقدمة رأسه، وهذا الذي جعل ابن دقيق العيد يقول الكلام الذي سمعتموه بالأمس أن الإقبال والإدبار نسبي، فيكون إقباله إلى قفاه وإدباره عن قفاه. الجواب لا يسلم من تكلف، ولكن يحتاج إليه في مثل هذه المضايق، ولو قيل بأنه فعل هذا تارة وفعل ذاك تارة بدأ بمقدمة رأسه وذهب بهما إلى قفاه ثم أعادهما إلى المكان الذي بدأ منه، وأحيانًا يصنع ما جاء في مثل هذه الرواية.

(«فأقبل بيديه وأدبر»).

والرأس الذي جاء ذكره في الآية والأحاديث المقصود به جميعه، ولا يطلق الرأس على بعضه، يراد به جميعه. لكن بعضهم قال أن الباء للتبعيض فيجزئ بعضه، واختلفوا في ذلك منهم من قال الربع ومنهم من قال الثلث ومنهم من قال يكفي من ذلك شعرات، حتى قال بعضهم ثلاث شعرات لو تضع أصبعك مسحت رأسك. لكن هذا الكلام يسنده لغة أو شرع أو عرف، أنك تضع أصبعك تكون مسحت رأسك، لكن مسحت ثلاث شعرات فأكثر ثلاثين شعرة. فالراجح والمتعين أنه جميعه، يعني كون من يقول ببعضه يستند على أن المسح على الناصية، المسح على الناصية يكون مع العمامة ما يفرد. على كل حال الحق واضح والدليل بين والمقلد الذي لم يسمع إلا كلام إمامه أو كلام علماء بلده يقلده ويمشي على هذا تبرأ ذمته.

(«فمسح برأسه»).

وفي الآية: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6].

(«فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر، ثم غسل رجليه إلى الكعبين»).

والغسل للرجلين هو المتعين وعليه النصوص القطعية في الكتاب والسنة، ويستدل بعضهم برواية الجر: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة: 6] على أنه يجزئ المسح على الرجلين، ولكن الأدلة الدالة على الغسل من فعله -عليه الصلاة والسلام- أكثر من أن تحصر، وحديث «ويل للأعقاب من النار» يرد هذا القول، إذا مُسح ظهر القدم ما قيمة هذا الوعيد «ويل للأعقاب من النار» لو قلنا يجزئ؟ لا قيمة له. إذن علام توجه رواية الجر؟

طالب: .......

الباء للمجاوزة، للمجاوزة ولَّا المجاورة؟ المجاورة، مجرور بالمجاورة بمجاورة المجرور، وهذا هو المعمول به عند عامة أهل السنة، والقول بالمسح قول معروف عند أهل البدع ومنهم الروافض، وينسب إلى بعض أهل السنة، وممن نُسب إليه القول بالمسح ابن جرير المفسر. ابن جرير كلامه في المسح وإجازة المسح، المسح الذي يطلق تجوزًا على الغسل، يعني إذا قيل تَمسح يعني توضأ، فهل يجزئ مسح ....... هكذا بس في الوضوء؟ يقول به أحد؟ ما يقول به أحد. وجاء ذكر المسح يراد به الغسل في لغة العرب بكثرة، الألوسي في تفسيره قال: وممن قال بهذا وأضافوه لمحمد بن جرير الطبري أبي جعفر، وبين الألوسي في تفسيره أن المراد بابن جرير محمد بن جرير هذا ابن رستم الطبري شيعي، أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، يختلف عن الإمام المفسر، هاه؟ إي باسمه واسم أبيه يفترق في الجد: ابن رستم، نعم، كل ذكر لكن اللي وضح وطول في المسألة الألوسي في تفسيره وإلا هو مذكور في كتب أهل العلم. المقصود أن من يريد التدليس والتلبيس ويقتصر على بعض الاسم من أجل أن يُمشي بدعته على الناس... ابن جرير لما ذكر المسح وأورد حديث «ويل للأعقاب من النار» من وجوه متعددة يمكن عشرين وجه، يريد من ذلك المسح؟ لا والله لا يريد بذلك المسح.

(«ثم غسل رجليه إلى الكعبين»).

بعض العلماء يقول إن رواية الجر محمولة على لابس الخف وأن لابس الخف يكفيه المسح. وعلى كل حال الحق واضح والنصوص صحيحة صريحة، والذي يستدل بالسنة وهم عامة أهل العلم والمنتسبين إلى الإسلام، كلهم يقولون بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من الغسل، وإلا فما فائدة حديث «ويل للأعقاب من النار»؟ ....... بدونه بدون غسل الأعقاب.

ما ذُكر العدد في الرجلين، وفي اليدين «مرتين مرتين»، وفي الأعضاء الأخرى الرأس كما هو معلوم مسكوت عنه، وجاء التنصيص على أنه يمسح مرة واحدة، وكما قلنا ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ مرة مرة ومعلوم أن هذا أقل المجزئ في الوضوء، وتوضأ مرتين مرتين وهذا أكمل أفضل، والثلاث هي الأكمل، والزيادة عليها بدعة. لو شك في عضو من الأعضاء أنه غسله مرتين أو ثلاثًا، فهل يجعل ما صنعه ثلاثًا أو مرتين؟ هاه؟

طالب: .......

يجعلها مرتين ويجيب ثالثة.

طالب: .......

وين؟ صح، يجعله ثلاثًا ولا يزيد. القاعدة أن من شك أو تردد هل فعل الأقل أو الأكثر يبني على الأقل، وهذا المقرر في كتب القواعد بما فيها هذه المسألة، لكن إذا قلنا إذا جعلها مرتين وزاد ثالثة ما النتيجة؟ أنه احتمال أن يكون غسلها أربعًا، وأما إذا جعلها ثلاثًا ولم يزد عليها أنه اقتصر على الثنتين وكل سنة، كله سنة، فلا يخرج إلى حيز البدعة ولو بالاحتمال. فالمشي على القواعد عند أهل العلم أن يبني على الأقل، وهذا قول الأكثر ما أحد يجحد، هذا الموجود في كتب أهل العلم. ولكن أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين هو الذي اختار أن يختار الأكثر أن يبني على الأكثر ولا يبني على الأقل للتعليل الذي ذكرته أنه إن يتردد بين سنة وسنة أفضل من أن يتردد بين سنة وبدعة.

(«ثم غسل رجليه إلى الكعبين»).

الكعبان العظمان الناتئان على جانبي القدم، خلافًا للروافض الذين يقولون أن الكعبين هما العظمان الناشزان على ظهر القدم، وهذا بناء على مذهبهم أنه لا يجب استيعاب الرجل، خلاص يصير إذا مسح إلى العظم الناشز على ظهر القدم يكفيه.

(«ثم غسل رجليه إلى الكعبين»).

وهما العظمان الناتئان البارزان في جانبي القدم، والكعب والكعبة بارزة والكاعب تعرفون الكاعب؟ الكاعب وأيش هو؟ {وَكَوَاعِبَ} أيش بعدها؟ {أَتْرَابًا} [النبأ: 33] من البروز والنشوز والـ...

(«ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»).

لأنهم طلبوا منه أن يتوضأ لهم وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو مثل وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدعا بإناء وتوضأ أمامهم ورأوه -رضي الله عنه وأرضاه-.

(«هكذا كان وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-». متفق عليه).

والمتفق عليه عند المؤلف ما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم، وهذا اصطلاح خاص بالمؤلف، ومن عداه من أهل العلم يخص المتفق عليه بالبخاري ومسلم، ويكون متفقًا عليه إذا كان عن طريق صحابي واحد ليكون حديثًا واحدًا، وإلا لو رواه البخاري عن ابن عمر ورواه مسلم عن أبي هريرة ما صار متفق عليه، صارا حديثين. إلا عند البغوي في شرح السنة فتجده يقول: متفق عليه أخرجه محمد من حديث ابن عمر ومسلم من حديث أبي هريرة، وهذا اصطلاح ولا مشاحة في مثل هذا الاصطلاح؛ لأن أهل الحديث يرون التعدد بتعدد الرواة، فإذا جاء الحديث ....... أكثر من صحابي فهو ليس بحديث واحد، وإذا جاءت الألفاظ والروايات من طريق صحابي واحد فهو صاحبي واحد.

(متفق عليه، ولفظه لأحمد ومسلم).

.

إذن ما الذي للبخاري؟ إذا كان اللفظ لأحمد ومسلم فما الذي للبخاري؟ المعنى، المعنى للإمام البخاري.

كم باق؟

طالب: .......

دقيقة واحدة. وهذا آخر الدروس في هذه الدورة، نسأل الله الإعانة والتسديد وأن يصلح النيات والمقاصد، والله المستعان.