تعليق على تفسير سورة آل عمران (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ  بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ: نَزَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذِهِ الْآيَةِ: {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران:7] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ حَذَّرَكُمُ اللهُ، فَإِذَا رأيْتُمُوهم فَاعْرفُوهُمْ»، وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويه مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ بِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] قَالَ: «هُمُ الْخَوَارِجُ»، وَفِي قَوْلِهِ تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آلِ عِمْرَانَ:106] قَالَ: «هُمُ الْخَوَارِجُ».

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مرفوعًا، فذكره".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

تفسير الآية {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] قَالَ: «هُمُ الْخَوَارِجُ» {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آلِ عِمْرَانَ:106] قَالَ: «هُمُ الْخَوَارِجُ» هذا تفسير بالمثال، وهو معروف في الشريعة من كلامه –عليه الصلاة والسلام-، ومن تفسير صحابته -رضوان الله عليهم- فهم يُفسرون بالمثال، وإلا فالآية تعم الخوارج وتعم غيرهم، كما أن الآية الثانية كذلك، يعني اتباع المتشابه ليس خاصًّا بالخوارج فقط، لكن هم الذين وُجِدوا، وُجِد أصلهم في عهده –عليه الصلاة والسلام- وُجِد أصلهم الذي قال للنبي –عليه الصلاة والسلام-: اعدِل، هو أصل الخوارج، حيث قال –عليه الصلاة والسلام-: «يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا مَنْ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامِكُم مَعَ صِيَامِهِمْ» إلى آخر ما قال «يَمرُقونَ منَ الدِّينِ كما يَمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ»، والمراد بهم الخوارج.

والطوائف الأخرى الذين بِدعهم تُضاهي بدعة الخوارج، الخوارج خطرهم استعمال السيف على عامة المسلمين، كما حصل في عهد على –رضي الله عنه- وإلى قيام الساعة، هم موجودون إلى قيام الساعة، وإن كان فيهم نوع تعبُّد وتألُّه وقراءة للقرآن وكثرة صلاة وبكاء، لكن مثل هذا لا ينفعهم مع ما ارتكبوه من الموبقات العظمي التي هي تكفير المسلمين واستحلال دمائهم.

وهناك من الطوائف من تكون بدعتهم مُكفِّرة، وتنطبق عليهم هذه النصوص، واتباعهم للمتشابه واضح ومعروف فيما يُقررونه وفي مسائلهم العلمية، وكُتبهم طافحة بذلك.

فالمقصود أن التفسير بالمثال أمرٌ معروف، فيكون المثال فردًا من أفراد العام، كما في قوله –جلَّ وعلا-: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] جاء في الحديث الصحيح: «ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ» يعني ما نستعد لعدونا إلا بالرمي؟ لكن الرمي فرد من أفراد القوة المطلوبة من المسلمين، وهذا أمر معروف بالنص منه –عليه الصلاة والسلام-، فهو يُفسِّر بالمثال؛ ليتضح المقال، التفسير بالمثال لتوضيح المقال، ولا يعني حصر أو قصر العام على هذا في الفرد الذي ذُكِر في النص أو ذُكِر في تفسير الصحابة –رضي الله عنهم-، والله المستعان.

"وَهَذَا الْحَدِيثُ أَقَلُّ أَقْسَامِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ بِدْعَةٍ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِتْنَةُ الْخَوَارِجِ، وَكَانَ مَبْدَؤُهُمْ بِسَبَبِ الدُّنْيَا حِينَ قَسَمَ النَّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَنَائِمَ حُنَيْن، فَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا فِي عُقُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ في القسمة، ففاجأوه بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ وَهُوَ ذُو الخُوَيْصرة -بَقَرَ اللَّهُ خَاصِرَتَهُ-: اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ خِبْتُ وخَسرْتُ إنْ لَمْ أَكُنْ أَعدل، أيأمَنُني عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأمَنُونِي»، فَلَمَّا قَفَا الرَّجُلُ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -وَفِي رِوَايَةٍ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ- رَسُولَ اللَّهِ فِي قَتْلِهِ، فَقَالَ: «دَعْهُ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئ هَذَا» -أَيْ: مِنْ جِنْسِهِ- «قَوْمٌ يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهِ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرّمِيَّة، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ»".

استدل بعضهم بقوله –عليه الصلاة والسلام-: «يخرجون من الدين» استدل بهذا على تكفيرهم وأنهم كفار، وخرجوا من الدين بالكلية بالنص؛ لقوله: «يخرجون من الدين» أو «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ» وأنهم كفار، وهذا قول عند أهل العلم معروف.

والذي نقله شيخ الإسلام وغيره عن عموم الصحابة أنهم ما كفَّروهم، وأنهم يمرقون لا من جملة الدين، وإنما من حظيرة التدين، من التدين إلى الفسق، وأنه لا تصل بدعتهم إلى حد الكفر، ولكن آثارهم على الأمة سيئة جدًّا، ويكفي قوله –عليه الصلاة والسلام-: «فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ»، وأما أحكامهم في الآخرة فهم يحكمون على الناس بالكفر، وأنهم خالدون مُخلَّدون في النار، نسأل الله العافية.

وأما الحكم عليهم فذكرنا أن من أهل من العلم من يرى تكفيرهم الكفر الأكبر المُخرِج من الملة، ويستدل بالحديث.

والقول الآخر وهو قولٌ نسبه شيخ الإسلام لعامة الصحابة، وأنهم ما كفَّروهم، ولا أجهزوا على جريحهم، ولا سبَوا نساءهم، ولا فعلوا ما يُفعَل بمن يُقَاتَل من الكفار.

على كل حال يكفينا أنهم يجب قتلهم إذا خرجوا على الإمام، وخرجوا على أهل السُّنَّة والجماعة، فمثل هؤلاء إذا خرجوا عن الجماعة وشقوا العصا، «فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ».

طالب: ...........

أين؟

طالب: ............

يفعل، وأصولهم وقواعدهم العامة يمكن ما تعرفهم، لكن شيوخهم وقوادهم يعرفون، وكُتب الفِرق بيَّنت مقالتهم وصفاتهم.

طالب: ............

أين؟

طالب: ............

"ولا بُعد في الجمع" أن يستأذن هذا ويستأذن هذا.

طالب: ............

كلهم مظنة أنهم يقولون هذا الكلام في مناسباتٍ كثيرة يقول عمر: دعني أضرب عنقه، وكذلك خالد بن الوليد.

"ثُمَّ كَانَ ظُهُورُهُمْ أَيَّامَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ –رضي الله عنه- وَقَتْلُهُمْ بالنَّهْروان، ثُمَّ تَشَعَّبَتْ مِنْهُمْ شُعُوبٌ وَقَبَائِلُ وَآرَاءٌ وَأَهْوَاءٌ وَمَقَالَاتٌ ونِحَلٌ كَثِيرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ، ثُمَّ نَبَعَت القَدَرَيّة، ثُمَّ الْمُعْتَزِلَةُ، ثُمَّ الجَهْمِيَّة، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ –صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْلِهِ: «وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً» قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قال: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ حُذَيْفَةَ -أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ- يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي قَوْمًا يقرؤون الْقُرْآنَ، يَنْثُرُونَهُ نَثْر الدَّقَل، يَتَأوَّلُوْنَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ»، لَمْ يُخَرِّجُوهُ".

«الدَّقَل» نوع من التمر، قالوا: إنه من رديئه.

الفِرق الثلاث والسبعين أُلِّفت فيها المؤلفات، وبُيِّنَت هذه الفِرق بمقالتها وفروعها، كل فِرقة تتفرع إلى فِرق وطوائف، وبعضها أخف من بعض، لكن في الجملة هذه الفِرق كلها في النار إلا واحدة، صفة هذه الواحدة ما كان عليه النبي –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه.

وهل يلزم من ذلك مطابقة ما كان عليه النبي –عليه الصلاة والسلام- أو أصحابه؟ لأنه يُوجد في الفِرقة التي تختلف عن هذه الفِرق ولا تُضاف إليها ممن أصله على السُّنَّة والجماعة يُوجَد عندهم مخالفات، فلا تلزمه المطابقة التامة حيث لا تلزمه العصمة، وقد وُجِد بعض ما عليه بعض أصحابه من بعض المعاصي، فالمعاصي وإن ضرَّت في الجملة لكنها لا تُخرِج من هذه الطائفة.

"وَقَوْلُه تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران:7] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي الْوَقْفِ هَاهُنَا، فَقِيلَ: عَلَى الْجَلَالَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي فَهْمِهِ، وَتَفْسِيرٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ لُغَاتِهَا، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَائِشَةَ، وَعُرْوَةَ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَأَبِي نَهِيكٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ".

الطبراني.

"حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَزيد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي".

عندنا هاشم بن مرثد.

ما علق عليه؟

طالب: .............

ماذا يقول؟

طالب: .............

ما فيه تصويب؟

"حَدَّثَنِي أَبِي، قال: حَدَّثَنِي ضَمْضَم بْنُ زُرْعَة، عَنْ شُرَيْح بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا ثَلَاثَ خِلَالٍ: أَنْ يَكْثُرَ لهم المال فَيَتَحَاسَدُوا فَيَقْتَتِلُوا، وَأَنْ يُفْتَحَ لَهُمُ الْكِتَابُ فَيَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ، {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7] الْآيَةَ، وَأَنْ يَزْدَادَ عِلْمُهُمْ فَيُضَيِّعُوهُ وَلَا يُبَالُونَ عَلَيْهِ»، غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قال: حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، قال: حدَّثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قال: حدَّثنا ابْنُ أَبِي حَازم عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ لِيُكَذِّبَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَآمِنُوا بِهِ».

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ: آمَنَّا بِهِ) وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَلَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ".

"أَنَّهُمْ" يعني: الراسخين، "عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ" يعني أنهم قالوا: "أنهم" –يعني الراسخين- "يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَلَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ"، الضمير لا يعود على عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس.

طالب: ............

مرثد، أنا عندي مرثد.

"وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: (إِنْ تَأْوِيلُهُ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ)، وَكَذَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ عَلَى قَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]".

على هذا تكون الواو في القول الأول استئنافية {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران:7] والوقف هنا لازم، ثم بعد ذلك استئناف، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7]. وعلى الثاني تكون الواو عاطفة يعلمه الله –جلَّ وعلا- والراسخون في العلم.  

"وَتَبِعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلِ الْأُصُولِ، وَقَالُوا: الْخِطَابُ بِمَا لَا يُفْهَمُ بَعِيدٌ".

يعني على التأويل الأول والاختيار الأول أنه يُوجد في القرآن ما لا يعلمه أحدٌ من البشر لا يعلمه إلا الله.

القول الثاني: لا يُوجد من ذلك شيء؛ ولذلك قالوا: "الْخِطَابُ بِمَا لَا يُفْهَمُ بَعِيدٌ".

"وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي نجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عباس أَنَّهُ قَالَ: أَنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ. وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} [آل عمران:7] الَّذِي أَرَادَ مَا أَرَادَ {إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7] ثُمَّ رَدُّوا تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهات عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ تَأْوِيلِ المُحْكَمَة الَّتِي لَا تَأْوِيلَ لِأَحَدٍ فِيهَا إِلَّا تَأْوِيلٌ وَاحِدٌ، فَاتَّسَقَ بِقَوْلِهِمُ الْكِتَابُ، وَصَدَّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَنَفَذَتِ الْحُجَّةُ، وَظَهَرَ بِهِ الْعُذْرُ، وَزَاحَ بِهِ الْبَاطِلُ، وَدُفِعَ بِهِ الْكُفْرُ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»".

ولا شك أنه يُراد بالتأويل أكثر من معنى، فإن أُريد به ما يؤول إليه الأمر، ما يؤول إليه ويصير به من أمر المستقبل فهذا يدخل في عِلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

وإن كان المراد به التفسير والتوضيح، فتفسير الألفاظ التي يُمكن أن يعرفها الناس بما توارثوه من لغاتهم، أو يُعرَف بما جمعه المصنفون من كلام العرب في كُتب اللغة، فهذا ممكن، والتراكيب أيضًا يمكن معرفة هذه التراكيب من قِبل أهل العلم، كما أنه يُمكن الاستنباط منها، وقد يختلفون في تحرير معنى أو حُكم من آية بحسب اختلاف فهومهم وقدراتهم، وبحسب بلوغ بعضهم ما يُوضِّح الكلام وعدم بلوغه للبعض الآخر، كما هو معلومٌ في أسباب اختلاف أهل العلم.

طالب: ...........

ابن عباس؟   

طالب: ...........

بناءً على أن المراد بالتأويل التفسير الذي هو مجرد توضيح وشرح الكلمة، أما معرفة ما يؤول إليه الكلام فهذا لا يقول به أحد، والنبي –عليه الصلاة والسلام- دعا لابن عباس: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»، فكان له مزيد اختصاص عن غيره من الصحابة بهذا.

الآن لو بدأت بالقرآن من أوله إلى آخره، وعرضت كلمات القرآن وجُمل القرآن على أقوال أهل العلم الموثوقين المُتّبِعين في كُتب التفاسير ما يُشكِل عليك إلا القليل الذي يختلفون فيه، وأنت لا تستطيع الترجيح، إضافةً إلى مراجعة كُتب أهل اللغة، وعند مراجعة كُتب أهل اللغة في تفسير القرآن ينبغي أن يُعتَمد على أهل اللغة المُحقّقين المتقدمين الذين لم تؤثر فيهم المذاهب الكلامية والمذاهب الفقهية، وتميل بهم.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

لا شك أن مثل هذا إذا اختلفت النسبة إلى صحابي أو إلى عالم فإنها تكون في مواطن، أحيانًا يقول كذا ويختلف قوله، ثم يقول كذا، وأحيانًا يلوح له هذا المعنى في هذا الموقف، وأحيانًا يلوح له المعنى الآخر، فيتجه ما فيه اضطراب.

 

طالب: ...........

قراءته التي لم تتواتر حُكمها حُكم الخبر عنه.

"وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَصَّلَ هَذَا الْمَقَامِ، فَقَالَ: التَّأْوِيلُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ مَعْنَيَانِ، أَحَدُهُمَا: التَّأْوِيلُ بِمَعْنَى حَقِيقَةِ الشَّيْءِ، وما يؤول أَمْرُهُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يُوسُفَ:100]، وَقَوْلُهُ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الْأَعْرَافِ:53] أَيْ: حَقِيقَةُ مَا أُخْبَرُوا بِهِ مِنَ أَمْرِ الْمَعَادِ، فإن أريد بِالتَّأْوِيلِ هَذَا، فَالْوَقْفُ عَلَى الْجَلَالَةِ؛ لِأَنَّ حَقَائِقَ الْأُمُورِ وَكُنْهَهَا لَا يَعْلَمُهُ عَلَى الْجَلِيَّةِ إِلَّا اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7] مُبْتَدَأً، وَ{يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7] خَبَرَهُ.

وَأَمَّا إِنْ أُرِيدَ بِالتَّأْوِيلِ الْمَعْنَى الْآخَرُ وَهُوَ التَّفْسِيرُ وَالتَّعْبِيرُ وَالْبَيَانُ عَنِ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يُوسُفَ:36] أَيْ: بِتَفْسِيرِهِ، فَإِنَّ أُرِيدَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى، فَالْوَقْفُ عَلَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ وَيَفْهَمُونَ مَا خُوطِبُوا بِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ لَمْ يُحِيطُوا عِلْمًا بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ عَلَى كُنْهِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7] حَالًا مِنْهُمْ، وَسَاغَ هَذَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر:8] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا} الْآيَةَ [الْحَشْرِ:10]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الْفَجْرِ:22] أَيْ: وَجَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ صُفُوفًا صُفُوفًا".

وإثبات المجيء لله -جلَّ وعلا- والإتيان أمر ثابت ومقرر بالكتاب والسُّنَّة، واعتقاده حقٌّ واجب كما هو قول أهل السُّنَّة والجماعة.

وأما تأويل مجيئه بإتيان أمره {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الْفَجْرِ:22] جاء أمره هذا تأويل المبتدعة الذين يفرون من إثبات ما أثبته الله لنفسه.

وعلى كل حال حمل التأويل على أحد المعنيين، وحمل الوقف على القولين تبعًا لهذين المعنيين أمر واضح، ولا يختلف فيه أحد، والذي قال بهذا لم يُخَالَف إذا بيَّن مقصوده أنه يُريد به كذا، والثاني كذلك.

ونبغ في طوائف البدع من يُفسرون القرآن تفسيرًا لا يُفهَم لا من جهة عقل، ولا من جهة نقل، وهو ما يُعرَف عند المتصوفة بالتفسير الإشاري، شيء يذكرونه لا علاقة له بما قاله الله ورسوله، ومع ذلك يقبله أتباعهم، ويؤمنون به، ويُناضلون عليه، وفي كُتب ابن عربي من هذا الشيء الكثير، كلام لا يُفهَم، ومع ذلك يتعصب له أتباعه، ويقولون: الذي يُنكِر عليه أقل مستوىً من أن يفهم هذا الكلام، حتى كبار علماء الأمة لا يفهمونه، ومع ذلك هم أقل مستوى من ابن عربي وأضرابه.

ومع الأسف أن في تفسير الألوسي يختم تفسير كل آية بهذا التفسير الإشاري، شيء مُضحك لا يُمكن أن يقبله عقل، ومع ذلك أتباعهم الذين يُحسنون الظن بهم، ويغلون بهم، يُثبتونه ويُناضلون عنه، والله المستعان.

طالب: ...........

نعم.

طالب: ...........

يعني وجاء ربك وجاءت الملائكة، يعني مجيء الملائكة ليس بمقارِن لمجيء الرب، وإلا فالمجيء ثابت لله –جلَّ وعلا-، كما أنه ثابت للملائكة.

"وَقَوْلُهُ إِخْبَارًا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7] أَيْ: بِالْمُتَشَابِهِ {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7] أَيْ: الْجَمِيعُ مِنَ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُصَدِّقُ الْآخَرَ وَيَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِمُخْتَلِفٍ وَلَا مُتَضَادٍّ؛ لِقَوْلِهِ: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النِّسَاءِ:82]، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ} [آل عمران:7] أَيْ: إِنَّمَا يَفْهَمُ وَيَعْقِلُ وَيَتَدَبَّرُ الْمَعَانِيَ عَلَى وَجْهِهَا أُولُو الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْفُهُومِ الْمُسْتَقِيمَةِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الحِمْصَيّ، قال: حَدَّثَنَا نُعَيْم بْنُ حَمَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا فَيَّاضٌ الرَّقِّيّ، قال: حَدَّثْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَسًا، وَأَبَا أُمَامَةَ، وَأَبَا الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ: «مَنْ بَرَّت يَمِينُهُ، وَصَدَقَ لِسَانُهُ، وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ، وَمَنْ أَعَفَّ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ، فَذَلِكَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ»".

الخبر هذا معروف ضعفه، والتأويل تأويل المقصود بالآية بهذا المذكور في الخبر لا يُمكن تنزيله عليه بحال، الرسوخ في العلم نعم وجود العمل المطابق للعلم لا شك أنه من دلائل الرسوخ، ولكن تفسير القول بالعمل يقول: «مَنْ بَرَّت يَمِينُهُ، وَصَدَقَ لِسَانُهُ، وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ، وَمَنْ أَعَفَّ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ، فَذَلِكَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ»، لا شك أنه يدل على وجود العلم، وقد يبر يمينه، ويصدق لسانه، وقلبه يستقيم، ويعف فرجه وبطنه، وليس من أهل العلم أصلًا، بل من عامة الناس، ولكن أهل العلم أولى بذلك من غيرهم، فالتفسير بهذا لا يصح.

"وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَر، عن الزهري، عن عمر بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْمًا يَتَدَارَءُونَ فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا، ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ كِتَابُ اللَّهِ لِيُصَدِّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فقولوا، وما جهلتم فَكِلُوهُ إلى عَالِمِه»".

طوائف البدع ضربوا بعضه ببعض، فالخوارج ضربوا نصوص الوعد بنصوص الوعيد، والمرجئة على العكس، يعني أنهم ضربوا بعضه ببعض، والموفَّق من جمع بين هذه النصوص، وحمل بعضها على بعض، ووجَّه بعضها ببعض، كما هو مذهب أهل السُّنَّة والجماعة، فالخوارج لا يرون إلا نصوص الوعيد، فإذا وُجِدوا في مجتمعٍ فيه شِدة وغِلظة زادوهم شدةً وغلظة، وعلى العكس منهم المرجئة، إذا وُجِدوا في مجتمعٍ فيه تساهل وتنصُّلٌ عن الأوامر والنواهي زادوه.

وأهل السُّنَّة يُعالجون هذا وهذا بما يُناسبه من النصوص، فالمُتشدد يُعالج بنصوص الوعد؛ ليخف من تشديده وغلوائه، والعكس إذا وُجِدوا في مجتمعٍ متساهل؛ فإنما يُورَد عليهم من نصوص الوعيد ما يجرُّهم إلى العمل بالنصوص.

"وتَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، بِهِ.  

وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ".

ذكر اسم الحافظ أبي يعلى، فقال: "الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ"، وطريقة أهل العلم في العزو إلى من تقدم منهم أنهم أحيانًا يذكرونه بالكُنية، وأحيانًا يذكرونه بالنَّسب، وأحيانًا يذكرونه باللقب، وأحيانًا يجمعون بينها، وأحيانًا يقتصرون على الاسم والأب، وأحيانًا يزيدون ذِكر الجد، وأحيانًا يذكرون الرابع إلى آخره، وهذا معروف ولو قرأت في أسانيد صحيح مسلم يتكرر الاسم مرارًا، فأحيانًا يقتصر على اسمه، وأحيانًا على اسمه واسم أبيه، وأحيانًا يذكر أطول من ذلك، فهنا يقول: "وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ".

"حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، والمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ – قالها ثَلَاثًا- مَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ جلَّ جلاله»، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ فِيهِ عِلَّةٌ بِسَبَبِ قَوْلِ الرَّاوِي: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفْسِيرِهِ: حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قال حدَّثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: يُقَالُ: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ: الْمُتَوَاضِعُونَ لِلَّهِ، الْمُتَذَلِّلُونَ لِلَّهِ فِي مَرْضَاتِهِ، لَا يَتَعَاظموْنَ على مَنْ فَوْقَهُمْ، وَلَا يُحَقِّرُونَ مَنْ دُونَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ} [آل عمران:7] أَيْ: إِنَّمَا يَفْهَمُ وَيَعْقِلُ وَيَتَدَبَّرُ الْمَعَانِيَ عَلَى وَجْهِهَا أُولُو الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْفُهُومِ الْمُسْتَقِيمَةِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عنهم أَنَّهُمْ دَعَوْا رَبَّهُمْ قَائِلِينَ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8] أَيْ: لَا تُمِلْهَا عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ أَقَمْتَهَا عَلَيْهِ، وَلَا تَجْعَلْنَا كَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، الَّذِينَ يبتغون مَا تَشَابَهَ مِنَ الْقُرْآنِ".

"يبتغون" يعني: يبحثون عنه، واللفظ عندنا "يتَّبِعون مَا تَشَابَهَ مِنَ الْقُرْآنِ".

"وَلَكِنْ ثَبِّتْنَا عَلَى صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ، وَدِينِكَ الْقَوِيمِ، {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ} [آل عمران:8] أَيْ: مِنْ عِنْدِكَ، {رَحْمَةً} [آل عمران:8] تُثَبِّتُ بِهَا قُلُوبَنَا، وَتَجْمَعُ بِهَا شَمْلَنَا، وَتَزِيدُنَا بِهَا إِيمَانًا وَإِيقَانًا، {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]".

فيه شيء من التردد، فيه نوع من التردد وإلا فإنه غير جازم به.

"قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأوْدِي، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرام، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَب، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، ثُمَّ قَرَأَ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].

وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّار، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، سمعها تُحدِّث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُكْثِرُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ الْقَلْبَ لَيَتَقَلَّبُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ بَشَرٍ إِلَّا أَنَّ قَلْبَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ»، فَنَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّنَا أَلَّا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً، إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ".

الدعاء بالثبات بهذا اللفظ «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ» هذا ثابتٌ عنه –عليه الصلاة والسلام-، والإشكال في قراءة الآية مع هذا الدعاء هو الذي يحتاج إلى إثبات، ففي طريق المصنِّف الذي ذكره عن ابن جرير وغيره: شهر بن حوشب، وهو معروفٌ بالضعف، ضعَّفه جمهور أهل العلم من أهل الحديث، وقال صاحب القاموس: مُحدِّثٌ متروك.

حقيقةً ليس بمتروك، يعني ضعفه ليس بشديد إلى حد أن يُترَك حديثه، ولكنه ضُعِّف بسبب القصة التي نُسِبَت إليه من سرقة الخريطة، تعرف الخريطة ما هي؟ أنها الوعاء الذي يُوضَع فيه المتاع، قالوا:

لقدْ باعَ شَهْرٌ دينَه بخريطَةٍ
 

 

فمن يأمَن القُرَّاءَ بعدك يا شَهْرُ
 

وهذه عادة أهل الأهواء أنه إذا وُجِد في المتدينين واحد تحصل منه زلة، قال: كلهم هكذا "فمن يأمَن القُرَّاءَ"، إذا حصل غلطة أو هفوة من أحدٍ ينتسب إلى الدين استغلها الفُسَّاق بأن يُضيفوا هذا الخطأ إلى المتدينين كلهم، يقول: كلهم هكذا -والله المستعان -، "فمن يأمَن القُرَّاءَ بعدك يا شَهْرُ".

"وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ، بِهِ مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ الْمُثَنَّى، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ مِنْهَال، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ، بِهِ مِثْلَهُ، وَزَادَ قالت: قُلْتُ يَا رسول الله، أَلَا تُعَلِّمُنِي دَعْوَةً أَدْعُو بِهَا لِنَفْسِي؟ قَالَ: «بَلَى قُولِي: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَأَذْهِبْ غَيْظ قَلْبِي، وأجِرْنِي مِنْ مُضِلاتِ الْفِتَنِ».

ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ بِكَارٍ الدِّمَشْقِيُّ، قال: حدَّثنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْخَلَّالُ، قال: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قال: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرًا مَا يَدْعُو: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَكْثَرَ مَا تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ. فَقَالَ: «لَيْسَ مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنُ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ، أَمَا تَسْمَعِينَ قَوْلَهُ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]»".

طالب: ............

نعم.

طالب: ...........

عن أبي حسان الأعرج؟ نعم سقطت أبي، ستة يقول: سقطت من تاء.

يُشكِل مثل هذا الدعاء على بعض السُّذج، وقد بيَّن النبي –عليه الصلاة والسلام- أنه قد غُفِر له ما تقدم من ذنبه، وذكره الله –جلَّ وعلا- في كتابه، ومع ذلك يدعو بهذا الدعاء، ومع ذلك يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه، وبيَّن –عليه الصلاة والسلام- العلة لمن سأله، قال: «أَفَلاَ أكُونَ عبْداً شكُوراً؟»، ويأتي من يقول: كيف يُشهَد لعمر بالجنة -هو معروف من العشرة المبشرين بالجنة- وهو يسأل حُذيفة هل سمَّاني لك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين؟ يقول: هذا ما يمكن أن يصير، هو مشهود له بالجنة خلاص، وشاهدت النبي –عليه الصلاة والسلام-، لماذا يسأل؟ يسأل ويخاف ويوجل، والخواتيم بيد الله –جلَّ وعلا- ما دامت الروح في البدن فلا يُؤمَن على الإنسان.

ومذهب أهل السُّنَّة أن الإنسان لا يزال خائفًا راجيًا ما دام حيًّا، وفي حال الصحة قالوا: يُغلِّب جانب الخوف {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60] يعني خائفة، وهم يأتون ما آتوا من العبادات والطاعات؛ لأن عائشة قالت له –عليه الصلاة والسلام-: أهم الذين يزنون ويسرقون ويفعلون ويفعلون؟ قال: «لَا يَا ابنة الصِّدِّيقِ، هُمْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَيَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ منهم أعمالهم»، فمثل هذا ينبغي للشخص أن يكون خائفًا من سوء العاقبة، وأن يُفتَن في آخر لحظة أو في أثناء عُمره، {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ} [التوبة:126]، يمكن أن يأتي شيء، تأتي إلى قلبك فتنة تُزيغه وأنت لا تشعر، ولا تظنها تؤثر هذا الأثر، فالخوف مطلوب كما أن الرجاء وإحسان الظن بالله –جلَّ وعلا- مطلوب.   

"غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنَّ أَصْلَهُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِدُونِ زِيَادَةِ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عبد الرحمن المقري زَادَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ".

"مِنْ حَدِيثِ أَبِي عبد الرحمن المقري، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ كِلَاهُمَا".

طالب: "زَادَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ".

هو عبد الله بن وهب يعني من حديث أبي عبد الرحمن المقري وعبد الله بن وهب.

طالب: ............

هذا يُقتَصر فيه على الوارد، وإلا لما قرأ أبو هريرة: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134] وضع أصبعه على عينه، لكن يُقتَصر في مثل هذا على الوارد.

"وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ التُّجِيبي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْأَلُكُ رَحْمَةً، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»، لَفْظُ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ -مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ- عَنْ عِبَادَةَ بْنِ نُسَيّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحي، أَنَّهُ صَلَّى وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَتَيْنِ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ تَمَسُّ ثِيَابَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَهَذِهِ الآية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]".

الخبر خرَّجه مالك بإسنادٍ صحيح، فهو ثابتٌ عن أبي بكر وفي تفسير القرطبي أنه يقول هذا الدعاء في صلاة المغرب كما هنا؛ لتكون كالقنوت في الوتر، والمغرب كما جاء في الحديث هي وتر النهار، وما كان أبو بكر يقولها إلا حين ارتد من ارتد من العرب بعد وفاة النبي –عليه الصلاة والسلام- لما ارتدوا صار يقرأها في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعدما يفرغ من الفاتحة كالقنوت.

"قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَخْبَرَنِي عُبَادة بْنُ نُسَيّ: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ لِقَيْسٍ: كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ثَانِيًا. قَالَ عُمَرُ: فَمَا تَرَكْنَاهَا مُنْذُ سَمِعْنَاهَا مِنْهُ، وَإِنْ كُنْتُ قَبْلَ ذَلِكَ لَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الْإِخْلَاصِ:1]، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْأَثَرَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ الصُّنَابِحي: أَنَّهُ صَلَّى خَلَفَ أَبِي بَكْرٍ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ، يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، فَلَمَّا قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ ابْتَدَأَ الْقِرَاءَةَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنَّ ثِيَابِي لَتَمَسُّ ثِيَابَهُ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]".

يعني بعد قراءة الفاتحة في الركعة الثالثة يقرأ هذه الآية.

طالب: ............

"فَمَا تَرَكْنَاهَا".

طالب: ............

عنده زيادة: كيف قلت أو كيف رويت؟

"وَقَوْلُهُ: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:9] أَيْ: يَقُولُونَ فِي دُعَائِهِمْ: إِنَّكَ -يَا رَبَّنَا- سَتَجْمَعُ بَيْنَ خَلْقِكَ يَوْمَ مَعَادِهِمْ، وَتَفْصِلُ بَيْنَهُمْ وَتَحْكُمُ فِيهِمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَتَجْزِي كُلًّا بِعَمَلِهِ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الدنيا من خيرٍ وشر".

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.