تعليق على تفسير سورة الأنفال من أضواء البيان (08)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول: هل الأفضل الاقتصار على الفاتحة في الركعة الثالثة أو الرابعة أو قراءة سورة معها، مع ما مر من قراءة أبي بكر -رضي الله عنه- في المغرب: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] في الثالثة؟

على كل حال الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يثبت عنه شيء لا في الركعتين الأخيرتين من الرباعية ولا في الثالثة من المغرب، جاء عن بعض الصحابة أنه يقول: حزرت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الظهر فكانت الركعة الأولى بمقدار ثلاثين آية وفي الثانية على النصف وفي الثالثة ما أدري هل قال الربع أو ما أدري، والرابعة..

طالب: .......

على النصف يعني من التي قبلها، على كل حال هو مسألة حزر ما سمعه يقرأ، والذين نقلوا عنه- عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقتصر على الفاتحة، فهذه هي السنة. أما ثالثة المغرب فثبت عن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ فيها بعد الفاتحة بهذه الآية: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8]، وقرأ بها -رضي الله عنه وأرضاه- بعدما ارتد من ارتد من العرب فيدعو بالثبات، دعاء في هذه الركعة التي أنزلها -رضي الله تعالى عنه- بمنزلة الركعة الأخيرة في الوتر، والوتر محل قنوت حتى قال القرطبي: إنه قرأ بهذه الركعة بهذه الآية بمثابة القنوت في الوتر، وجاء في الحديث أن «المغرب وتر النهار».

 وعلى كل حال هذا اجتهاد من خليفة راشد، أمرنا باتباعه، فمن عمل بذلك؛ اقتداء بهذه الخليفة الراشد، فله حظه من النظر، ومن اقتصر على ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، فهو الأصل.

طالب: .......

إن كان من الإمام حينما أراد أن يتعلم العلم فما فيه مانع، والرسول -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الكسوف تقدم وتأخر.

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الْفَارِسَ يُعْطَى مِنَ الْغَنِيمَةِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لِنَفْسِهِ، وَأَنَّ الرَّاجِلَ يُعْطَى سَهْمًا وَاحِدًا، وَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا». وَلَفْظُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَسَمَ فِي النَّفْلِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا» اهـ).

وهذه أدلة صحيحة صريحة في المراد، ولذا قال الشيخ في صدر الكلام: الحق الذي لا شك فيه أن الفارس يُعطى من الغنيمة ثلاثة أسهم، سهمان لفرسه، وسهم لنفسه، وهذا قول عامة أهل العلم، خلافًا للإمام أبي حنيفة، وله أدلته لكن ستأتي، وما فيها من ضعف، ولولا وجود النصوص، لا شك أن الأثر في الفارس في القتال أعظم من أثر الراجل، ولا يقول قائل: إن الرسول فضل الفرس وهو بهيمة على المسلم المجاهد في سبيل الله. نقول: لا، المسألة مسألة أثر في العدو، أثر الفارس في العدو أكثر من أثر الراجل في الكر والفر وإدراك العدو، ولذا أُعطي بقدر هذا الأثر.

قد يقول قائل مثلاً: إن أثر الآلات الحربية الموجودة الآن أعظم بكثير من أثر الفرس، فإذا كان مع شخص طائرة أو دبابة أو شيء من هذه الآلات الحربية، ومعه أسلحة متطورة، وافترضنا أنها ملكه، فهل يُعطى بقدر هذا الأثر من الغنيمة؟ يعني أكثر مما يُعطى الفرس؟ لا شك أنه محل اجتهاد، وإذا أُعمل النظر في الأدلة فلا شك أن الأثر كبير، يعني في الأسلحة الحديثة، لكن في الغالب أن هذه الأسلحة وهذه المعدات تكون من بيت المال، يعني ليست للأشخاص. بعض الدول التي انفلت فيها زمام الأمر تستولي من الأسلحة وتدخر من بيوتها، والمسألة عن يميننا وشمالنا غير بعيدة، وليست هذه علامة خير عدم ضبط الأمور، وانفلات الأمر، وتملك الأفراد لأسلحة مدمرة، هذا منذر بخطر عظيم وقد حصل، نسأل الله العافية.

طالب: (وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ: «وَلِلرَّجُلِ»، فَرِوَايَةُ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ رَاوِيهِ نَافِعٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ. اهـ. وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَذْكُورَةِ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ».

 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قال: حدثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ).

وهو الضرير، أبو معاوية الضرير محمد بن خازم.

طالب: (قال: حدثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قال: حَدَّثَنِي الْمَسْعُودِيُّ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَة نَفَرٍ، وَمَعَنَا فَرَسٌ، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا سَهْمًا، وَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ». وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَحُسَيْنِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ جَرِيرٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- الْجُمْهُورَ، فَقَالَ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ؛ مُحْتَجًّا بِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَسَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَؤُوا الْقُرْآنَ).

أولاً: هذا الحديث لا يقاوم ما ثبت في الصحيحين وغيرهما، الأمر الثاني أنه يمكن حمله على ما تقدم أنه قال: قال: «للفارس سهمان» يعني للوصف الذي هو الفرس، «وللراجل سهم»، سهمان لما اتصف به من علاقته بفرسه سماه فارس من أجل فرسه.

طالب: (وَيُجَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِسَهْمَيِ الْفَارِسِ خُصُوصُ السَّهْمَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَحَقَّهُمَا بِفَرَسِهِ، كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ الْفَارِسِ.

الثَّانِي: أَنَّ النُّصُوصَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَصَحُّ مِنْهُ، وَأَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدِيثُ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَصَحُّ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَأَرَى الْوَهْمَ فِي حَدِيثِ مُجَمِّعٍ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ، وَكَانُوا مِائَتَيْ فَارِسٍ اهـ).

ونتيجة القسمة إذا قُسمت الغنيمة على الثلاثمائة أو قسمت على المائتين، وهذا هو الصحيح كأنه ....... نتيجة القسمة على ثلاثمائة، فوجد الناتج سهمين، وإذا قسمت على مائتين صار الناتج ثلاثة.

طالب: (وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": لَمْ يَقُلْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا أَحَدٌ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي مُوسَى اهـ. وَإِنْ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ الْغُزَاةِ خَيْلٌ فَلَا يُسْهَمُ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ).

يعني مجموعة خيل مجموعة أفراس.

طالب: (فَلَا يُسْهَمُ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ).

لأنه هو الذي يمكن استعماله وإفادته منه، والخلاف في الاثنين؛ لأنه قد يستفيد من الاثنين ليريح أحدهما، ويقاتل على الثاني ثم يريح الثاني وهكذا فوجوده ينفع، أما إذا كانوا ثلاثة فأكثر فلا فائدة فيها.

طالب: (وهذا مذهب الجمهور: مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو يُوسُفَ: يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ، وَمَكْحُولٍ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ، وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِلرَّجُلِ فَوْقَ فَرَسَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ»).

لو كان معه عشرة فاستقل واحدًا ووزَّع تسعة على تسعة من الغزاة، نعم، الغزاة يأخذون ثلاثة أسهم ثم يتفق معهم، وإلا فالأصل ما يسهم إلا الواحد أو اثنين على الكثير؛ لأنه كلها فائدة له، نعم.

طالب: (وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، أَنْ يُسْهِمَ لِلْفَرَسِ مِنْ سَهْمَيْنِ، وَلِلْفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِهِمَا سَهْمٌ، فَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَمَا كَانَ فَوْقَ الْفَرَسَيْنِ فَهِيَ جَنَائِبُ، رَوَاهُمَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي". وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الْفَرَسِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ إِدَامَةَ رُكُوبِ وَاحِدٍ تُضْعِفُهُ، وَتَمْنَعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ فَيُسْهمُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ كَالْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهُ يُسْهمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ، إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"، وَغَيْرُهُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْبَرَاذِين وَالْهجْنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ).

الكلام الأول في الخيل العربية هي التي لا يختلف فيها، وأما البراذين وهي نوع من الخيل كبير الخلقة جافي الخلقة شديد يستعمل في الأماكن الوعرة، والهجن التي أمه عربية وأبوه غير عربي، نعم.

طالب: (الْأَوَّلُ: أَنَّهَا يُسْهَمُ لَهَا كَسَهْمِ الْخَيْلِ الْعِرَابِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَنَسَبَهُ الزَّرْقَانِيُّ فِي "شَرْحِ الْمُوَطَّأِ" لِلْجُمْهُورِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَقَالَ: رَوَاهُ ثَلَاثَةٌ مُتَيَقِّظُونَ عَنْ أَحْمَدَ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي موطأه، قَالَ: لَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهجْنَ، إِلَّا مِنَ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، فَأَنَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهجْنَ مِنَ الْخَيْلِ إِذَا أَجَازَهَا الْوَالِي. وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسُئِلَ عَنِ الْبَرَاذِينِ: هَلْ فِيهَا مِنْ صَدَقَةٍ؟ قَالَ: وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ؟ اهـ).

يعني أنها منها، لكن قد يقول قائل: إن الاستدلال بالآية لا يتم؛ لأن البغال في الآية قسيمة للخيل وليست قسمًا منها، جعلها في مقابل الخيل ولم يدرجها في الخيل، ولو كان حكمها حكمها لما احتيج إلى أن تُذكر.

طالب: (وَحَاصِلُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ فِي الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ يَشْمَلُ الْبَرَاذِينَ وَالْهجْنَ فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي عُمُومِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من الْبِغَالِ وَلَا الْحَمِيرِ بَلْ مِنَ الْخَيْلِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ سَهْمٌ وَاحِدٌ قَدْر نِصْفِ سَهْمِ الْفَرَسِ، وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "الْأُمِّ" وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ الْوَادِعِيِّ، قَالَ: أَغَارَتِ الْخَيْلُ فَأَدْرَكَتِ الْعِرَاب، وَتَأَخَّرَتِ الْبَرَاذِين، فَقَامَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْوَادِعِيُّ، فَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ كَمَا لَمْ يُدْرِكْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ: هَبلَتِ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ أَذْكَرَتْ بِهِ! أَمْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْهَمَ لِلْبَرَاذِينِ دُونَ سِهَامِ الْعِرَابِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شَاعِرُهُمْ: وَمِنَّا الَّذِي قَدْ سَنَّ فِي الْخَيْلِ سُنَّةً، وَكَانَتْ سَوَاءً قَبْلَ ذَاكَ سِهَامُهَا. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ كَمَا تَرَى. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ مَكْحُولٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَجَّنَ الْهَجِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَرَّبَ الْعَرَبِيَّ، فَجَعَلَ لِلْعَرَبِيِّ سَهْمَيْنِ، وَلِلْهَجِينِ سَهْمًا»، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا كَمَا تَرَى، وَبِهِ أَخَذَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ أَثَرَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ فِي الْحَرْبِ أَفْضَلُ مِنْ أَثَرِ الْبَرَاذِينِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهَا عَلَيْهَا فِي السِّهَامِ).

قد يقول قائل: إن أثر البراذين لشدة خلقتها وجفوتها وشدة تحملها في بعض المواطن من مواطن القتال أشد من العراب، لكنها كما هو مجرب ومذكور في الكر والفر عندها إشكال ما هي مثل العراب التي يحتاج إليها.

طالب: ....... فيها ....... الصواب؟

البراذين هل فيهما من صدقة، سئل عن البراذين، نعم معها شيء ثانٍ؟

طالب: ....... الذي هو الهجان.

طالب: هل فيها.

فيها؟

إذا كانت البراذين فقط هل فيها، وإذا كانت البراذين والهجان هل فيهما.

طالب: (الْقَوْلُ الثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يُدْرِكُ مِنَ الْبَرَاذِينِ إِدْرَاكَ الْعِرَابِ، فَيُسْهَمُ لَهُ كَسِهَامِهَا، وَبَيْنَ مَا لَا يُدْرِكُ إِدْرَاكَهَا فَلَا يُسْهَمُ لَهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَالْجوزَجَانِيُّ).

لكن لو وجد خيل عربي وفيه ضعف لا يُدرك مثل ما يدركه الصحاح هل يستحق السهمين، أو قال هذا موكول للإمام بحسب غنائه وإفادته، وقد يكون معه وجوده نقص؛ لينشغل صاحبه به عن القتال، ثم بعد ذلك يكون الراجل أفضل من هذا الفارس.

طالب: (وَوَجْهُهُ أَنَّهَا مِنَ الْخَيْلِ، وَقَدْ عَمِلَتْ عَمَلَهَا فَوَجَبَ جَعْلُهَا مِنْهَا. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: لَا يُسْهَمُ لَهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيِّ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا حَيَوَانٌ لَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْخَيْلِ فَأَشْبَهَ الْبِغَالَ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي": وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِيمَا لَا يُقَارِبُ الْعِتَاقَ مِنْهَا؛ لِمَا رَوَى الْجوزَجَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّا وَجَدْنَا بِالْعِرَاقِ خَيْلاً عِرَاضًا دُكْنًا، فَمَا تَرَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي سهامها؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: تِلْكَ الْبَرَاذِينُ فَمَا قَارَبَ الْعِتَاقَ مِنْهَا، فَاجْعَلْ لَهُ سَهْمًا وَاحِدًا، وَأَلْغِ مَا سِوَى ذَلِكَ. اهـ. وَالْبَرَاذِينُ: جَمْعُ بِرْذَوْنٍ، بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُرَادُ: الْجُفَاةُ الْخِلْقَةِ مِنَ الْخَيْلِ، وَأَكْثَرُ مَا تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وَلَهَا جَلَدٌ عَلَى السَّيْرِ فِي الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ وَالْوَعْرِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ).

وهذا التعريف مأخوذ من شرح القاموس للزبيدي، وشرح القاموس أخذه من شرح العراقية للسخاوي، يعني أخذه من ماذا؟ من فتح المغيث نص عليه، الزبيدي قال: كذا في شرح العراقية للسخاوي ....... العراقي.

طالب: (وَالْهَجِينُ: هُوَ مَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ، وَأَمَّا الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ فَيُسَمَّى الْمُقْرِفَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: الْهَجِينُ الْبِرْذَوْنُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْحُكْمِ. وَمِنْ إِطْلَاقِ الْإِقْرَافِ عَلَى كَوْنِ الْأُمِّ عَرَبِيَّةً قَوْلُ هِنْدٍ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: وَمَا هِنْدُ إِلَّا مَهَرَةٌ عَرَبِيَّةٌ، سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تَحَلَّلَهَا بَغْلُ، فَإِنْ وَلَدَتْ مُهْرًا كَرِيمًا فَبِالْحَرِي، وَإِنْ يَكُ أقْرَافٌ فَمَا أَنْجَبَ الْفَحْلُ).

البيت الثاني يروى: فإن جاءت به فحلاً فلله درها، وإن جاءت به بغلاً فجاء به البغل.

طالب: (وَقَوْلُ جَرِيرٍ: إِذَا آبَاؤُنَا وَأَبُوكَ عَدُّوا أَبَانَ الْمُقْرِفَاتِ مِنَ الْعِرَابِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ، هَلْ يُسْهَمُ لِبَعِيرِهِ؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْإِبِلِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ، كَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ، وَمَكْحُولٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَقَدْ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ "بَدْرٍ" سَبْعُونَ بَعِيرًا، وَلَمْ تَخْلُ غَزَاةٌ مِنْ غَزَوَاتِهِ مِنَ الْإِبِلِ، هِيَ كَانَتْ غَالِبَ دَوَابِّهِمْ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهَا، وَلَوْ أَسْهَمَ لَهَا لَنُقِلَ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خُلَفَائِهِ وَغَيْرِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ غَزَوَاتِهِمْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيمَا عَلِمْنَاهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِبَعِيرٍ، وَلَوْ أَسْهَمَ لِبَعِيرٍ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنَ صَاحِبُهُ مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. اهـ).

الآن البغل والحمار يسهم لهما أم لا؟

طالب: لا يُسهم.

(فلم يسهم له كالبغل والحمار) في النفي يشتركون في النفي، كالبغل والحمار كلها لا يسهم لها، نعم.

طالب: (وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ قُسِمَ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْبَعِيرِ مَعَ إِمْكَانِ الْغَزْوِ عَلَى فَرَسٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْبَعِيرِ سَهْمٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَجْزَ صَاحِبِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَحُكِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي". وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، قَالُوا: فَذَكَرَ الرِّكَابَ وَهِيَ الْإِبِلُ مَعَ الْخَيْلِ، وَبِأَنَّهُ حَيَوَانٌ تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ فَيُسْهَمُ لَهُ كَالْفَرَسِ؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ الْمُسَابَقَةِ بِعِوَضٍ إِنَّمَا هُوَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، هِيَ: النَّصْلُ، وَالْخُفُّ، وَالْحَافِرُ، دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا آلَاتُ الْجِهَادِ، فَأُبِيحَ أَخْذُ الرَّهْنِ فِي الْمُسَابَقَةِ بِهَا، تَحْرِيضًا عَلَى رِيَاضَتِهَا، وَتَعَلُّمِ الْإِتْقَانِ فِيهَا).

الأصل في الرهان المنع، ولم يجوز إلا في الثلاثة للاستعانة بها على الجهاد، وفي الآية: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] الخيل معروف والركاب هي الإبل فجعل حكمها حكمها، وجوزا أخذ الرهان عليها أي على الإبل، مما يدل على أنه يستفاد منه، ويستعان به بالجهاد؛ لأن التجويز خاص بما ينفع في الجهاد. ومن توسّع في الرهان، وأدخل العلم وجوَّز الرهان فيه، والسبق قياسًا على الجهاد؛ لأنه في حقيقته جهاد، لا شك قال به شيخ الإسلام وابن القيم وتوسّع، والأصل الوقوف مع النص.

طالب: (قَالَ مُقَيِّدُهُ -عَفَا اللَّهُ عَنْهُ-: الَّذِي يَظْهَرُ لِي -وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْإِبِلِ لِمَا قَدَّمْنَا آنِفًا، وَأَمَّا غَيْرُ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، مِنَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْفِيَلَةِ وَنَحْوِهَا، فَلَا يُسْهَمُ لِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ عَظُمَ غنَاؤُهَا وَقَامَتْ مَقَامَ الْخَيْلِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَقْسُمْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا مِمَّا لَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يُسْهَمْ لَهَا كَالْبَقَرِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَرْقِ رَحْلِ الْغَالِّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَالِّ مَنْ يَكْتُمُ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَلَا يَضَعُهُ مَعَ الْغَنِيمَةِ).

يعني من يغل يكتم ويخفي من الغنيمة قبل قسمتها يجحده، مثل هذا غالٍ {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]، نسأل الله العافية.

طالب: (قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُحْرَقُ رَحْلُهُ كُلُّهُ إِلَّا الْمُصْحَفَ وَمَا فِيهِ رُوحٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَفُقَهَاءُ الشَّامِ، مِنْهُمْ مَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ، وَيَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، وَأُتِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِغَالٍّ فَجَمَعَ مَالَهُ وَأَحْرَقَهُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَاضِرٌ ذَلِكَ فَلَمْ يَعِبْهُ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ: السُّنَّةُ فِي الَّذِي يَغُلُّ أَنْ يُحْرَقَ رَحْلُهُ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ فِي سُننِهِ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي". وَمِنْ حُجَجِ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَصَالِحٌ هَذَا أَبُو وَاقِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مَسْلَمَةَ أَرْضَ الرُّومِ، فَأُتي بِرَجُلٍ قَدْ غَلَّ، فَسَأَلَ سَالِمًا عَنْهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ»، قَالَ: فَوَجَدْنَا فِي مَتَاعِهِ مُصْحَفًا فَسَأَلَ سَالِمًا عَنْهُ، فَقَالَ: بِعْهُ وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ. اهـ بِلَفْظِهِ مِنْ أَبِي دَاوُدَ. وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّهُ رَوَاهُ أَيْضًا الْأَثْرَمُ، وَسَعِيدٌ).

أبو واقد الليثي هذا غير الصحابي، فيه أبو واقد الليثي صحابي معروف مشهور، وهذا ليس بصحابي متأخر وتكلم فيه.

طالب: (وذكر ابن قدامة أنه رواه أيضًا الأثرم وسعيد، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ).

صالح بن محمد هو أبو واقد.

طالب: (وَمَعَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَغَلَّ رَجُلٌ مَتَاعًا، فَأَمَرَ الْوَلِيدُ بِمَتَاعِهِ فَأُحْرِقَ وَطِيفَ بِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ سَهْمَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا أَصَحُّ الْحَدِيثَيْنِ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ هِشَامٍ أَحْرَقَ رَحْلَ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ).

زياد أم زيادة؟

طالب: زيادة.

نعم.

طالب: عندي زياد.

وعندنا زيادة بن سعد.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

اكشف عنه، نعم.

طالب: (وَكَانَ قَدْ غَلَّ، وَضَرَبَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قال: حدثنا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، قال: حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قال: حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ).

عروة، عندنا عن عروة بن شعيب، وصوابه كما هو مطرد: عمرو بن شعيب.

طالب: (عن عمرو بن شعيب عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ حَرَّقُوا مَتَاعَ الْغَالِّ وَضَرَبُوهُ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَزَادَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ: عَنِ الْوَلِيدِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، وَمَنَعُوهُ سَهْمَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَا: قال: حدثنا الْوَلِيدُ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَوْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ مَنْعَ سَهْمِهِ، اهـ مِنْ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِهِ، وَحَدِيثُ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ الَّذِي ذَكَرْنَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ).

يعني البخاري، نعم.

طالب: (فَقَالَ: إِنَّمَا رَوَى هَذَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَصَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ: تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا فِي الْغُلُولِ، وَهُوَ بَاطِلٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَنْكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَلَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ سَالِمًا أَمَرَ بِذَلِكَ، وَصَحَّحَ أَبُو دَاوُدَ وَقْفَهُ، فَرَوَاهُ مَوْقُوفًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ كَمَا قَدَّمْنَا، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي ذَكَرْنَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ).

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

زياد.

طالب: ....... وكان قد غل ....... هذا أبو داود .......

صار زياد.

طالب: زياد .......

نعم.

طالب: عندنا سعد.

عندنا سعد لكن من سنن أبي داود هذا المصدر.

طالب: في سنن أبي داود كذلك .......

زياد بن سعد .......

طالب: .......

جوال؟ ....... عند أبي داود.

طالب: .......

نعم؟

طالب: (والمحفوظ أن سالمًا أمر بذلك وصحَّح أبو داود وقفه فرواه موقوفًا من وجه آخر وقال: هذا أصح كما قدمنا. وحديث عمرو بن شعيب الذي ذكرنا عند أبي داود أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي إِسْنَادِهِ الظَّاهِر أَنَّهُ هُوَ الْخُرَاسَانِيُّ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي "التَّقْرِيبِ": رِوَايَةُ أَهْلِ الشَّامِ عَنْهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ، فَضُعِّفَ بِسَبَبِهَا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: كَانَ زُهَيْرٌ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الشَّامِيُّونَ آخَرَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَ بِالشَّامِ مِنْ حِفْظِهِ فَكَثُرَ غَلَطُهُ. اهـ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُقَالُ إِنَّهُ غَيْرُ الْخُرَاسَانِيِّ، وَإِنَّهُ مَجْهُولٌ. اهـ، وَقَدْ عَلِمْتَ فِيمَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ، أَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ وَقْفَهُ هُوَ الرَّاجِحُ. وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِلَى أَنَّهُ لَا يُحْرَقُ رَحْلُهُ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَحْرِقْ رَحْلَ غَالٍّ، وَبِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَصَابَ غَنِيمَةً أَمَرَ بِلَالاً فَنَادَى فِي النَّاسِ، فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ، فَيُخَمِّسُهُ، وَيقسمُهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِمَامٍ مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا فِيمَا كُنَّا أَصَبْنَاهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: «أَسَمِعْتَ بِلَالاً يُنَادِي ثَلَاثًا»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ؟»، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «كُنْ أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَنْ أَقْبَلَهُ عَنْكَ»، هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْمُنْذِرِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ).

وسكوت أبي داود كما في رسالته إلى أهل مكة يقول: وما سكت عنه فهو صحيح. والمنذري يتعقَّبه إذا سكت عن ضعيف، وهو فيه راوٍ ضعيف، والمنذري في هذا الموضع أيضًا سكت كما قال المؤلف -رحمه الله-، وهو يريد أن يقويه بهذا.

طالب: (وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ عَنِ الْغَالِّ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِحَرْقِ مَتَاعِهِ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَدِلَّةَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ حَرْقٍ رَحْلِ الْغَالِّ أَقْوَى، وَهُمْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ -عَفَا اللَّهُ عَنْهُ-: الَّذِي يَظْهَرُ لِي رُجْحَانُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: هُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ، قَالَ فِي "زَادِ الْمَعَادِ" بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَسْأَلَةِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَاتِ الْمَالِيَّةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهُ حرقَ وَتركَ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَنَظِيرُ هَذَا قَتْلُ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَيْسَ بِحَدٍّ، وَلَا مَنْسُوخٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْزِيرٌ يَتَعَلَّقُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ. اهـ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَرْجَحُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ وَاجِبٌ إِذَا أَمْكَنَ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ).

لأن الجمع يترتب عليه العمل بالجميع، والترجيح مقتضاه العمل بالراجح وترك المرجوح.

طالب: ....... القاعدة المطردة .......

إذا أمكن الجمع ففيه عمل بالأدلة كلها هو مقدم على الترجيح.

طالب: .......

له وجه محتمل؟

قد يخفى عليه وجه الجمع فيرجح ويعمل بالراجح ويترك المرجوح.

طالب: (وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَرْجَحُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ وَاجِبٌ إِذَا أَمْكَنَ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، كَمَا في عِلْمِ الْأُصُولِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. أَمَّا لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنَ الْغَانِمِينَ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ، أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْهَا قَبْلَ الْقَسْمِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَجُلُّ أَصْحَابِهِ: يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الْملْكِ لَا يَكُونُ بِإِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، بَلْ بِالْقَسْمِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ -مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ- إِلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَى وَلَا لِلسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْضَ الْغَنِيمَةِ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ).

يعني كما قال بعضهم فيمن سرق من بيت المال؛ لأن له فيه شبهة ملك فلا يقطع، هذا قول عند أهل العلم معروف، والقول الثاني لا شك أنه أشهر وأردع.

طالب: (وَبَعْضُ مَنْ قَالَ بِهَذَا يَقُولُ: إِنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ حُرٌّ يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالزِّنَى، فَقَالوا: لَا يُحَدُّ لِلزِّنَى، وَيُقْطَعُ إِنْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. وَبِهَذَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُجَاهِدِينَ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، هَلْ يُورَثُ عَنْهُ نَصِيبُهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَالشَّافِعِيُّ: إِنْ حَضَرَ الْقِتَالَ: وُرِّثَ عَنْهُ نُصِيبُهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْقِتَالَ فَلَا سَهْمَ لَهُ).

لأنه استحق هذا النصيب بجهده استحقه قبل موته فيورث عنه، ومنهم من يقيس هذا مثل العطية، وأنها لا تثبت إلا بالقبض، وهذا مات قبل إحراز نصيبه فلا يورث عنه. وعلى كل حال ما دام استحقها بجهده وعمله فهو مما يورث عنه كتركته.

طالب: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ مَاتَ قَبْلَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً، أَوْ قَسمهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتِمُّ عَلَيْهَا عِنْدَهُ إِلَّا بِذَلِكَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا يدربُ قَاصِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَبْلُ أَوْ بَعْدُ، أُسْهِمَ لَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إِنْ مَاتَ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ فَلَا سَهْمَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ثُبُوتِ ملْكِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا، وَسَوَاءٌ مَاتَ حَالَ الْقِتَالِ أَوْ قَبْلَهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَسَهْمُهُ لِوَرَثَتِهِ.

 قَالَ مُقَيِّدُهُ -عَفَا اللَّهُ عَنْهُ-: وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ).

طالب: .......

يعني يشرع في القتال.

طالب: (وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ مَالِكٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِحَدِّ الزَّانِي وَالسَّارِقِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لِلْغَانِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ، وَحُكْمهُ بِإِرْثِ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ إِنْ حَضَرَ الْقِتَالَ يَدُلُّ عَلَى تَقَرُّرِ الْملْكِ بِمُجَرَّدِ حُضُورِ الْقِتَالِ، وَهُوَ كَمَا تَرَى، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى).

يعني الشيخ -رحمه الله- المفسر مالكي وهو من أعرف الناس بمذهب مالك، ويرى أن حكمه وتفريقه بين المسألتين اضطراب، فلو بُحثت المسألة من كتبهم وما الذي يوفق بين الوجهتين كان أفضل.

والله أعلم.