تعليق على تفسير سورة آل عمران (24)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-

ابدأ من: ثم شرع..

 "ثُمَّ شَرَعَ تَعَالَى فِي ذِكْرِ قِصَّةِ أُحُدٍ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الِاخْتِبَارِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَبَيَانِ صَبْرِ الصَّابِرِينَ، فَقَالَ تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:121-123] الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْوَقْعَةِ يَوْمُ أُحُدٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَهُ ابْنُ عباس والحسن وقتادة والسدي وغير وَاحِدٍ، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَهُوَ غَرِيبٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.

وَكَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَوَّالٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ حِينَ قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَسَلِمَتِ الْعِيرُ بِمَا فِيهَا مِنَ التِّجَارَةِ الَّتِي كانت مع أبي سفيان، فلما رجع إلى مكة قَالَ أَبْنَاءُ مَنْ قُتِلَ، وَرُؤَسَاءُ مَنْ بَقِيَ لِأَبِي سُفْيَانَ: ارْصُدْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ لِقِتَالِ مُحَمَّدٍ فأنفقوها في ذلك، فجمعوا الجموع والأحابيش، وأقبلوا في قريبٍ من نحو مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ حَتَّى نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ أُحُدٍ تِلْقَاءَ الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا صَلَّى عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يقال له: مالك بن عمرو، وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ أَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ أَمْ يَمْكُثُ بِالْمَدِينَةِ؟ فَأَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِالْمُقَامِ بِالْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مَحْبِسٍ، وَإِنْ دَخَلُوهَا قَاتَلَهُمُ الرِّجَالُ فِي وُجُوهِهِمْ، وَرَمَاهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ، وَأَشَارَ آخَرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَدِمَ بَعْضُهُمْ وَقَالُوا: لَعَلَّنَا اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ شِئْتَ أَنْ نَمْكُثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يَحْكُمَ الله له» فسار -صلّى الله عليه وسلّم- في ألفٍ من أصحابه، فلما كانوا بِالشَّوْطِ، رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي ثُلُثِ الْجَيْشِ مُغْضَبًا؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِ، وَقَالَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ: لَوْ نَعْلَمُ الْيَوْمَ قتالًا لا تبعناكم، وَلَكِّنَّا لَا نَرَاكُمْ تُقَاتِلُونَ الْيَوْمَ، وَاسْتَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَائِرًا حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ فِي عَدْوَةِ الْوَادِي، وَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ، وَقَالَ: «لَا يُقَاتِلَنَّ أَحَدٌ حَتَّى نَأْمُرَهُ بِالْقِتَالِ»".

الحمد لله رب بالعالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

ففي هذه الآيات الكريمات {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}[آل عمران:121] الغدوّ في أول النهار، والنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- حثَّهم على ذلك بعد صلاة الجمعة، واستشارهم هل يخرج أو لا يخرج؟ فأشار عليه عبد الله بن أُبي -رأس المنافقين- أن يبقى في المدينة؛ لأنه إذا رأى الدائرة على المؤمنين دخل في بيته وتركهم، وقد فعل لما خرجوا رجع بمن معه.

 وأشار إليه من لم يشهد بدرًا، كأنهم تأثَّموا بعدم شهودهم بدرًا، فأرادوا أن يُكفِّروا عمَّا مضى منهم، فأشاروا عليه بالخروج لهم، فقبل النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مشورتهم، ولبس لأْمته، وسار في يوم السبت بالغداة إلى أُحد، ونزل هناك فيمن معه من المسلمين، ورجع عبد الله بن أُبي في ثُلث الجيش، يعني أكثر من ثلاثمائة شخص رجعوا مع عبد الله بن أُبي وكلهم من المنافقين.

ثبت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمن معه، وولَّى الجبل ظهره، وجعل جيشه بينه وبين الجبل، ووجهه للمشركين -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

المقصود أنه حصل ما حصل، وأشار النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أن اثبتوا في أماكنكم، فلم يقبل بعضهم هذه المشورة واستعجلوا الغنائم؛ فعُوقِبوا بما حصل من القتل فيهم، وهو في حقيقته نصر، نصر، المؤمن منتصر سواءٌ بقي أو قُتِل، إن بقي فالحسنيان: الغنيمة والنصر، وإن قُتِل فالشهادة وهي أعظم.

على كل حال بعض المفسرين، وهو قولٌ مرجوح، ولا يُلتَفت إليه، قال: إن هذه الآيات في غزوة الخندق، في غزوة الأحزاب، وهي كالصريحة في كونها نزلت في أُحد، وتفاصيلها تنطبق على أُحد، ولا تنطبق على الأحزاب.

ابن أُبي اعتذر في رجوعه أن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لم يقبل مشورته، كان له شأن بين قومه، وهذا مجرد عذر، لا حقيقة له، مجرد اعتذار، وليس بعذر، الأصل أن المسلم مُستسلِم لِما يجيئه من الله ورسوله، ما دام الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قال كذا، فما كان لأحدٍ خيرة، مهما عظم شأنه إلا في وقت المداولة، يعني لو قبِل النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مشورته فبها ونِعمت، ما دام ما قبِل فما لك خيار، والنبي إذا لبس لأمته ليس له أن يرجع كما جاء في الحديث الصحيح.

المشركون ثلاثة آلاف، والمسلمون كانوا ألفًا، ورجع ابن أُبي بثلاثمائة، بثُلثهم؛ فصاروا أقل من رُبع المشركين، وإذا كان العدد بهذه النِّسبة فهل يلزم الثبات؟

طالب: نعم.

في أول الأمر قبل النَّسخ نعم، وبعد النَّسخ في آية المصابرة لا يلزم، وغزوة أُحد قبل أو بعد؟

طالب: قبل.

قبل.

وهم مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو القدوة والأسوة، هل لأحدٍ أن يقول: لا يلزمني أن أثبت؟ اللوم والعتاب إنما جاء مع عدم الثبات، لم يثبتوا حين أشار إليهم النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أن يثبتوا، ومع ذلك حلَّت الهزيمة التي في ظاهرها وفي مقاييس الناس هزيمة، ولكن في حقيقتها نصر، حلَّت هذه الهزيمة؛ لمخالفتهم رأيه ومشورته- عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.       

"وَتَهَيَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَالرُّمَاةُ يَوْمَئِذٍ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُمْ: «انْضَحُوا الْخَيْلَ عَنَّا، وَلَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكُمْ، وَالْزَمُوا مَكَانَكُمْ إِنْ كَانَتِ النَّوْبَةُ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا»".

انضحوهم يعني: أغرِقوهم بالسهام؛ حتى ينصرفوا عنَّا.

"«وَلَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكُمْ وَالْزَمُوا مَكَانَكُمْ إِنْ كَانَتِ النَّوْبَةُ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ»، وَظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَأَعْطَى اللِّوَاءَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ الْغِلْمَانِ يَوْمَئِذٍ وَأَرْجَأَ آخَرِينَ حَتَّى أَمْضَاهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ بِقَرِيبٍ مِنْ سَنَتَيْنِ".

من بلغ أجازه النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ومن لم يبلغ لم يُمضِه، وإنما أمضاه في الغزوة التي تليها، وبه يُستَدل على أن التكليف والبلوغ لسن الخامسة عشرة كما قال ابن عمر، كم سِنه يوم أُحد؟

طالب: ...........

أربعة عشر ولم يُجِزه، فأخذ منه أهل العلم أن التكليف إنما يكون لخمسة عشرة سنة، ما لم يبلغ قبل ذلك بالاحتلام، بالإنبات، والأنثى تزيد على ذلك الحيض، هذه علامات البلوغ عند عامة أهل العلم.

"وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أبي جهل، ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار، ثُمَّ كَانَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوَاضِعِهِ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}[آل عمران:121] أَيْ: تُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَهُمْ، وَتَجْعَلُهُمْ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَحَيْثُ أَمَرْتَهُمْ {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[آل عمران:121] أَيْ: سَمِيعٌ لِمَا تَقُولُونَ، عَلِيمٌ بِضَمَائِرِكُمْ.

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا سؤالًا حاصله: كيف تقولون إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَارَ إِلَى أُحُدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} الآية؟".

الغدو إنما يكون في الصباح، والرواح في المساء {وَإِذْ غَدَوْتَ} يعني خرجت في أول النهار، وأنتم تقولون: يوم الجمعة بعد الصلاة، فهذا ليس بغدو، وإنما هو رواح.

فكونه خرج من المدينة يوم الجمعة هذا محل خلاف، ولو قُدِّر أنه خرج في آخر النهار يوم الجمعة بعد أن تمت الاستشارة وتم الاتفاق ولبس لأمته، فمكان القتال الذي بجوار الجبل كان في الغدو في الصباح.  

"ثم كان جوابه عنه: أن غُدوَّه ليُبوأهم مَقَاعِدَ إِنَّمَا كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوَّل.

وقوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران:122]، قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا سفيان، قال: قال عمرو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ".

"عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" هو ابن المديني الإمام.

"سفيان" هو ابن عُيينة.

"سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: فِينَا نَزَلَتْ {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حَارِثَةَ، وَبَنُو سَلَمَةَ، وَمَا نُحِبُّ، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَمَا يَسُرُّنِي أنها لم تنزل".

هي في أصلها عتاب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا}[آل عمران:122]، في الأصل عتاب، لكن ما دام ذُكِر فيها {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}[آل عمران:122] شرف ومدح.

"وَمَا يَسُرُّنِي أنها لم تنزل؛ لقوله تَعَالَى: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}[آل عمران:122]، وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّهُمْ بَنُو حَارِثَةَ، وبنو سلمة.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:123] يوم بدر، وكان يوم جمعة وافق السابع عشر من شهر رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْفُرْقَانِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وأهله، ودمغ فيه الشرك، وخرَّب محله، هَذَا مَعَ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ فَرَسَانِ وَسَبْعُونَ بَعِيرًا، وَالْبَاقُونَ مُشَاةٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنَ الْعَدَدِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ الْعَدُوُّ يَوْمَئِذٍ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةٍ إِلَى الْأَلْفِ فِي سَوَابِغِ الْحَدِيدِ وَالْبَيْضِ، وَالْعِدَّةِ الْكَامِلَةِ، وَالْخُيُولِ الْمُسَوَّمَةِ والخُيلاء وَالْحُلِيِّ الزَّائِدِ، فَأَعَزَّ اللَّهُ رَسُولَهُ وَأَظْهَرَ وَحْيَهُ وَتَنْزِيلَهُ، وَبَيَّضَ وَجْهَ النَّبِيِّ وَقَبِيلَهُ".

عندك الخُيلاء؟ والخيول المسوَّمة؟

طالب: والخُيلاء.

لا، الحُلي الزائد يعني من الذهب ومن...

طالب: والخيلاء والحلي.

جميع؟ ليست موجودة، عليه علامة؟

طالب: لا.

في بعض النُّسخ أم لا؟

طالب: ...........

ما فيه شك أن الحرب محل خُيلاء.

طالب: ...........

لكن في هذا الموضع أنا ما عندي.

على كل حال الأمر سهل.

"وَأَخْزَى الشَّيْطَانَ وَجِيلَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَحِزْبِهِ الْمُتَّقِينَ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}[آل عمران:123] أَيْ: قَلِيلٌ عَدَدُكُمْ؛ لِيَعْلَمُوا أَنَّ النَّصْرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا بكثرة العَدد والعُدد؛ ولهذا قال تعالى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}[التوبة:25-27]".

موجودة الآية؟

في أول الآية فقط {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا}[التوبة:25] إلى {غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة:27].

طالب: ثم يتوب الله.........

إلى هذا عندنا.

طالب: إلى {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة:27].

يعني بكمالها الآية مذكورة؟

طالب: نعم.

هكذا مثل ما عندنا، الأزهرية؟

طالب: الخيلاء موجودة في الأزهرية.

الخُيلاء؟

طالب: ...........

ما فيه، ما فيه "وَالْعُدَّةِ الْكَامِلَةِ، وَالْخُيُولِ الْمُسَوَّمَةِ والخُيلاء وَالْحُلِيِّ الزَّائِدِ".

"{ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة:27].

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِيَاضًا الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: شَهِدْتُ الْيَرْمُوكَ وَعَلَيْنَا خَمْسَةُ أُمَرَاءَ: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ حَسَنَةَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعِيَاضٌ، وَلَيْسَ عِيَاضٌ هَذَا الَّذِي حَدَّثَ سِمَاكًا".

ابن حَسنة هذا اسمه شُرحبيل.

طالب: نعم، شرحبيل.

"قال: وقال عمر: إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ أن قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ، وَاسْتَمْدَدْنَاهُ، فَكَتَبَ إِلَيْنَا: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونَنِي، وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا، وَأَحْصَنُ جُنْدًا: اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَاسْتَنْصِرُوهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ نُصِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي أَقَلِّ مِنْ عِدَّتِكُمْ، فإذا جاءكم كتابي هذا، فَقَاتِلُوهُمْ وَلَا تُرَاجِعُونِي، قَالَ: فَقَاتَلْنَاهُمْ فَهَزَمْنَاهُمْ أَرْبَعَةَ فراسخ، قال: وأصبنا أموالًا فتشاورنا، فأشار عَلَيْنَا عِيَاضٌ أَنْ نُعْطِيَ عَنْ كُلِّ ذِي رَأْسٍ عَشَرَةً، قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَنْ يُرَاهِنُنِي؟ فَقَالَ شَابٌّ: أَنَا إِنْ لَمْ تَغْضَبْ قَالَ: فَسَبَقَهُ فَرَأَيْتُ عَقِيصَتَيْ أَبِي عُبَيْدَةَ تَنْقُزَانِ وَهُوَ خَلْفَهُ عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ بُنْدَارٍ عَنْ غُنْدَرٍ بِنَحْوِهِ، وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ".

هذا الشاب الذي طلب الرهان مع أبي عبيدة، شاب يُراهن أبا عبيدة الصحابي الجليل كبير القدر، كبير السِّن "أَنَا إِنْ لَمْ تَغْضَبْ" يعني أنا ما أنا بندّ لك، ولا لأحدٍ من أولادك، يعني جرت العادة أن الكبير إذا حصل بينه وبين الصغير رهان، فغلبه الصغير يمكن أن يجلده، -صحيح- النفوس ما تحتمل مثل هذه الأمور كبار يغلبهم صغار، لكن أبا عبيدة ما ينتصر لنفسه، فضلًا عن مثل هذا الموطن الذي هو طلب الرهان.

ورأينا عمًّا يطلب الرهان من ابن أخيه، فصرعه الابن، فضربه ضربًا مُبرِّحًا، طيب أنت الذي طالب.

طالب: .........

هؤلاء يجعلون القدر والمنزلة عند الله -جلَّ وعلا-، أبو عبيدة أمين هذه الأمة، لكن قد يقول قائل: لماذا ما عمد إلى شخصٍ كبير وندٍّ له يُصارعه؟

طالب: .........

هو يُريد أن يبعث العزة في نفس هذا الشاب، ويُربيه عليها بغض النظر عن منزلته هو، وإلا ليلى الأخيلية لما طلبت مصارعة الحجاج رفض، قال: إن صرعتها قالوا: امرأة، وإن صرعتني فالمصيبة العظمى، والله المستعان.

"وَبَدْرٌ: مَحَلَّةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تُعْرَفُ بِبِئْرِهَا، مَنْسُوبَةٌ إِلَى رَجُلٍ حَفَرَهَا، يُقَالُ لَهُ: بَدْرُ بْنُ النَّارَيْنِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: بَدْرٌ بِئْرٌ لِرَجُلٍ يُسَمَّى بَدْرًا، وَقَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:123] أَيْ تَقُومُونَ بطاعته".

"فَقَالَ شَابٌّ: أَنَا إِنْ لَمْ تَغْضَبْ قَالَ: فَسَبَقَهُ فَرَأَيْتُ عَقِيصَتَيْ أَبِي عُبَيْدَةَ تَنْقُزَانِ وَهُوَ خَلْفَهُ عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ" أيهما السابق؟

طالب: الشاب.

السابق الشاب، ماذا فهمت أنت؟

طالب: ..........

الضمائر مُحتملة، والظاهر من السياق أن السابق هو الشاب، فلو واحد يطلع لنا الكلام من ابن القيم.

طالب: نعم.

تقدر؟ تعرف؟

طالب: ما معي جوال.

(كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح) الذي ما يجيء بكتاب نقول له هذا الكلام.

طالب: معي كتاب.

معي علم أن معك كتابًا، لكن الجوال الآن بعد صار له شأن، فيه أحد يطلع كلام ابن القيم، الفروسية؟

طالب: ..........

ابن القيم؟

طالب: ..........

ما فيه شيء؟ لكن هل فيه إشارة إلى أن السابق أبو عبيدة؟

طالب: ...........

موجود عند الإخوان.

أما ظاهر سياق القصة عند ابن كثير: وأبو عبيدة خلفه.

أين أبوك يا عبد الرحمن؟

طالب: ...........

أين أبوك هو الذي يسعفنا بعد.

طالب: ..........

من الشهر الذي فات تقول: هذا الشهر، والله المستعان.

قدرتم على شيء؟

طالب: ...........

إذا كان السبق في الإسلام فما أحد يشك أن أبا عبيدة سابق، وإن كان السبق في الرهان فالمسألة مُحتملة، والظاهر أنه الشاب، هذا الذي يظهر لنا من سياق القصة.

طالب: نقف؟

نعم نقف.