تعليق على تفسير سورة آل عمران (32)

نعم.

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم.

تنبيه على وهم مر في الدرس الماضي درس التفسير، قلتم -أحسن الله إليكم-: إذا هو بأبيه، وكان مع المشركين اليمان بن حصن، فإذا هو بأبيه اليمان، فقال أي عباد الله أبي أبي، الله المستعان. الأبوة لها شأن والدين شأنه أعظم، أبي أبي قالت: فوالله ما احتجزوه حتى قتلوه، يعني ما ذهبوا إلى أماكنهم ومحلاتهم التي يؤوون إليها ويحتجزون بها حتى قتلوه، ما برحوا أماكنهم حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم هذا الأب وهذا رأس المال الذي هو الدين، فقال عروة: فوالله ما زال في حذيفة بقية خير، والوهم الذي مر بنا كون اليمان بن حصن من المشركين، والصواب أنه صحابي.

 قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: حصين بالتصغير، ويقال بالتكبير، ابن جابر بن ربيعة بن فروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس المعروف باليمان، العبسي بسكون الموحدة والد حذيفة بن اليمان، استشهد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

في أول الكلام اليمان بن حصن، هكذا؟

طالب: في مواطن اليمان بن حصن بهذا.

نعم.

طالب: ....... في مواطن باليمان بن حصن، وسيأتي كلام الذهبي مع .......

نعم.

طالب: قال الذهبي -رحمه الله-: شهد هو وابنه حذيفة أحدًا، فاستشهد يومئذ، قتله بعض الصحابة غلطًا ولم يعرف؛ لأن الجيش يختفون في لامة الحرب، ويسرون وجوههم، فإن لم يكن لهم علامة بينة وإلا قتل الأخ أخاه ولا يشعر، ولما شدوا على اليمان يومئذ, بقي حذيفة يصيح: أبي أبي يا قوم! فراح خطأً، فتصدق حذيفة عليهم بديته. قال الكرماني -رحمه الله-: اليمان بتخفيف الميم والنون بلا ياء بعدها، وهو لقب، واسمه حسيل مصغر الحسل بالمهملتين، ابن جابر العبسي بالموحدة بين المهملتين، أسلم مع حذيفة وهاجر إلى المدينة، وشهد أحدًا وأصابه المسلمون في المعركة فقتلوه، يظنونه من المشركين، وحذيفة يصيح ويقول: هو أبي، لا تقتلوه، ولم يُسمع منه.

قوله احتجزوا أي امتنعوا منه، وتصدَّق حذيفة بديته على من أصابه، يقال بأن الذي قتله هو عقبة بن مسعود، فعفا عنه.

عقبة بن مسعود البدري، انتهى؟

طالب: انتهى أحسن الله إليكم.

هذا الوهم الذي حصل من كون اليمان مع المشركين، وصوابه كما في كتب الصحابة أنه كان مسلمًا، وأظن السبب في الوهم قديم، وأن هل حسل أو حسيل جد أو لقب للأب؟ اليمان أسلم وشهد أحدًا، لكن حسل أو حسيل على القول بأنه جد، ما وقفت على من ذكره جدًّا؟

طالب: .......

اليمان بن حسل ما قيل هذا؟

طالب: بلى قيل هذا.

خلاص إذًا يكون جدًّا، وكونه جدًّا يحتمل أن يكون لم يدرك الإسلام أو أدركه في أوله ولم.. المقصود أن هذا الحاصل أن اليمان اسم أو لقب، وحسل أو حسيل هو الاسم، وبعضهم يقول العكس، على كل حال والد حذيفة مسلم، وقول الكرماني اليمان بالياء بدون ياء، على خلاف الأصل وخلاف القاعدة؛ لأنه منقوص مقترن بأل فيقال: اليماني، وتحذف الياء مع حذف أل بدون أل كالعاص فيه أل ويذكرونه بغير ياء خلاف الأصل، وأن الأصل فيه اليماني والعاصي، وهذا ما قرره النووي في مواضع، وقرره علماء اللغة.

 الغاز تذكر الغاز؟

طالب: .......

من رواة الصحيح، هشام بن الغاز الأصل فيه الغازي إلا أنه لكثرة استعماله كالعاص واليمان يستعمل تخفيفًا بدون ياء وإلا فالقاعدة أنه يستعمل بها. المقصود أن أصل التنبيه على كون والد حذيفة مسلمًا، وأنه قُتل خطأً، والله المستعان.

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-: (وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أُفرد في اثني عشر رجلًا من أصحابه، كما قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الرماة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلًا- عبد الله بن جبير، قال: ووضعهم موضعًا وقال: «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم»، قال: فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل، وقد بدت أسواقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله: الغنيمة، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ قال عبد الله بن جبير: أفنسيتم ما قاله لكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: إنا والله لنأتين الناس فلنصبين من الغنيمة. فلما أتوهم صُرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبقَ مع رسول الله إلا اثنا عشر رجلًا، فأصابوا منا سبعين، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعين؛ سبعين أسيرًا، وسبعين قتيلًا. قال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ ثلاثًا، قال: فنهاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ ثم أقبل على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قُتلوا، وقد كفيتموهم. فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك).

وقد أبقى الله لك ما يسوؤك.

طالب: وقد بقي عندنا.

سواء بقي أو أبقاه الله لا فرق، الذي أبقى هو الله.

 على كل حال خروج أسواق النساء مع شدة الخوف والفزع هذا أمر مغتفر، وإلا حتى المشركات ما يبدين عوراتهن، فمع شدة الفزع والخوف وسرعة الجري يخرج الساق من غير قصد، وإلا فالأصل أن المرأة لا تسرع في المشي ولا تجري، وما حصل من أم إسماعيل بين الصفا والمروة وصار سنة في شدة السعي ليس الأصل فيه النساء، إنما المرأة مضطرة لذلك؛ لتبحث عن الماء؛ لإنقاذ ولدها، وإلا فكيف المرأة هي التي تسعى والشرعية للرجال، ما يُشرع للمرأة أن تسعى يعني تسرع في المشي؛ لأنه يسبب انكشاف الساق، والساق من العورة، لكنها فعلت ذلك مضطرة لإنقاذ ولدها؛ لأن بعض الناس يقول السعي بين الصفا والمروة سببه امرأة لماذا لا يشرع للنساء؟ نعم علته وسببه امرأة.

طالب: ....... يشرع الرمل.

السعي، السعي.

طالب: الرمل فالسعي.

الإسراع، السعي هو الإسراع، هو ما يشرع الإسراع أصل مشروعية السعي بين الصفا والمروة لا، السعي هو الإسراع فيه، والعلة فيه وشرعيته لتلك المرأة من أجل إنقاذ ولدها، ولذا لا يشرع لغيرها من النساء، وإن كان بعضهم يقول: إذا نظرنا إلى العلة الأصلية والسبب امرأة، فلماذا لا تسعى المرأة؟

طالب: (فقال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وإنكم ستجدون في القوم مُثلةً لم آمر بها ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز، يقول: اعل هبل، اعل هبل. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا تجيبوه؟» قالوا: يا رسول الله، وما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل». قال: لنا العزى ولا عزى لكم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا تجيبونه؟». قالوا: يا رسول الله، وما نقول؟).

عندي «ألا تجيبوه».

طالب: حتى في الثانية؟

ماذا؟

طالب: في الثانية «ألا تجيبوه»؟

لا الثانية «ألا تجيبوه» كالأولى.

طالب: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا تجيبوه». قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم». وقد رواه البخاري من حديث زهير بن معاوية مختصرًا، ورواه من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق).

وهذا تقدم مرارًا، ساقه ابن كثير -رحمه الله- بعدة أسانيد، ومؤداها واحد.

طالب: (ورواه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق بأبسط من هذا، كما تقدم. والله أعلم. وروى البيهقي في دلائل النبوة من حديث عمارة بن غُزية، عن أبي الزبير، عن جابر قال: انهزم الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلًا من الأنصار، وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد الجبل، فلقيهم المشركون، فقال: «ألا أحد لهؤلاء؟» فقال طلحة: أنا يا رسول الله، فقال: «كما أنت يا طلحة». فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله).

يعني اثبت مكانك، لا تبرح مكانك.

طالب: (فقال رجل من الأنصال: فأنا يا رسول الله، فقاتل عنه، وصعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن بقي معه، ثم قُتل الأنصاري فلحقوه فقال: «ألا رجل لهؤلاء؟» فقال طلحة مثل قوله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل قوله، فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله، فقاتل عنه وأصحابه يصعدون، ثم قُتل فلحقوه، فلم يزل يقول مثل قوله الأول فيقول طلحة: فأنا يا رسول الله، فيحبسه، فيستأذنه رجل من الأنصار للقتال فيأذن له، فيقاتل مثل من كان قبله، حتى لم يبق معه إلا طلحة فغَشَوْهُما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من لهؤلاء؟» فقال طلحة: أنا. فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيب أنامله، فقال: حس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).

أصيبت.

طالب: أصيبت؟

نعم أنامله.

طالب: (وأصيبت أنامله، فقال: حس، فقال رسول الله: «لو قلت: باسم الله، وذكرت اسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك، حتى تلج بك في جو السماء»، ثم صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه وهم مجتمعون. وقد روى البخاري، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني يوم أحد. وفي الصحيحين من حديث معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي قال: لم يبق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأيام التي قاتل فيهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا طلحة بن عبيد الله وسعد، عن حديثهما، وقال الحسن بن عرفة: حدثنا مروان بن معاوية، عن هاشم بن هاشم الزهري، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: نثل لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنانته يوم أحد وقال: «ارمِ فداك أبي وأمي». وأخرجه البخاري، عن عبد الله بن محمد، عن مروان بن معاوية. وقال محمد بن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عن بعض آل سعد، عن سعد بن أبي وقاص؛ أنه رمى يوم أحد دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال سعد: فلقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يناولني النبل ويقول: «ارم فداك أبي وأمي» حتى إنه ليناولني السهم ليس له نصل، فأرمي به. وثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: رأيت يوم أحد عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن يساره رجلين، عليهما ثياب بيض، يقاتلان عنه أشد القتال، ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده، يعني: جبريل وميكائيل -عليهما السلام-. وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد وثابت عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار واثنين من قريش، فلما أرهقوه قال: «من يردهم عنا وله الجنة -أو: وهو رفيقي في الجنة؟» فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتل، ثم أرهقوه أيضًا، فقال: «من يردهم عنا وله الجنة؟» فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل. فلم يزل كذلك حتى قُتل السبعة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصاحبيه: «ما أنصفنا أصحابنا». رواه مسلم عن هدبة بن خالد، عن حماد بن مسلمة به نحوه. وقال أبو الأسود، عن عروة بن الزبير قال: كان أُبي بن خلف، أخو بني جمح، قد حلف وهو بمكة ليقتلن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما بلغت رسولَ الله حِلفته قال: «بل أنا أقتله، إن شاء الله». فلما كان يوم أحد أقبل أُبي في الحديد مقنعًا، وهو يقول: لا نجوت إن نجا محمد. فحمل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد قتله، فاستقبله مصعب بن عمير، أخو بني عبد الدار، يقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنفسه، فقتل مصعب بن عمير، وأبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترقوة أُبي بن خلف من فُرجة بين سابغة الدرع والبيضة، وطعنه فيها بحربته، فوقع إلى الأرض عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أجزعك إنما هو خدش؟ فذكر لهم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بل أنا أقتل أبيًّا»).

لما قال: إنه يقتل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «بل أنا أقتل أبيًّا»، فإذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام وهو الذي لا ينطق عن الهوى فأبي ما مصيره؟ القتل لا محالة بيده -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: (ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون).

ولم يخرج منه دم.

طالب: (فمات إلى النار، فسحقًا لأصحاب السعير. وقد رواه موسى بن عقبة في مغازيه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب بنحوه) أحسن الله إليك، كان معروف عندهم ها القسم: والذي نفسي بيده؟

نعم معروف.

طالب: عند أهل الشرك؛ لأنه منصوب لأبي؟

العرب تعترف بأن الله هو خالقهم وربهم، لكن لا يعبدونه، الخلاف بينهم في توحيد الألوهية لا توحيد الربوبية، ويعرفون أنه خالقهم ويحييهم ويميتهم، وأكثر أيمانهم وأقسامهم على آلهتهم.

طالب: .......

لا ووجد في بعض كلامهم من يُثبته، ولكن لا يعبد الله، يعرف أنه ....... لكن لا يعبد الله، يعبد غيره، نعم.

طالب: (وذكر محمد بن إسحاق قال: لما).

في أشياء تستغرب من كلام المترجمين لأبي العتاهية، نصائح كلها في الزهد في الدنيا والترغيب في الآخرة، ومع ذلك يقولون: إنه لا يقر بالبعث، وهذا مستغرب جدًّا، وهذا كلام المتقدمين ممن ترجم للشعراء والأدباء، لكن في الأخير لما استُعرضت جميع قصائده ما فيها شيء ينافي الإقرار بالبعث.

طالب: (وذكر محمد بن إسحاق قال: لما أُسند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الشعب، أدركه أُبي بن خلف وهو يقول: لا نجوتُ إن نجوت، فقال القوم: يا رسول الله، يعطف عليه رجل منا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «دعوه»، فلما دنا تناول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحربة من الحارث بن الصمة، فقال بعض القوم ما ذُكر لي: فلما أخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه انتفض بها انتفاضةً، تطايرنا عنه تطايُر الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطعنه في عنقه طعنةً تَدأدأ منها عن فرسه مرارًا).

يعني سقط يقال: تدأدأ، ويقال: تدهده، يعني من كذا من الجبل من أعلى إلى أسفل يعني سقط، نعم.

طالب: (وذكر الواقدي، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمرو بن قتادة، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه نحو ذلك. قال الواقدي: وكان ابن عمر يقول: مات أُبي بن خلف ببطن رابغ، فإني لأسير ببطن رابغ بعد هُوي من الليل إذا أنا بنار تأجَّح فهِبتها، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يهيج به العطش، وإذا رجل يقول: لا تسقِه، فإن هذا قتيل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا أُبي بن خلف. وثبت في الصحيحين، من رواية عبد الرزاق).

شر الناس من قتل نبيًّا ومن قتله نبي، نسأل الله العافية.

طالب: لكن رؤية ابن عمر على الحقيقة أو في المنام؟

أين؟

طالب: لما رأى في بطن رابغ.

الرؤيا المذكورة هنا؟

طالب: كان ابن عمر يقول: فإني لأسير ببطن رابغ بعد هوي من الليل.

مذكورة، من رواية الواقدي، الواقدي متروك.

طالب: (وثبت في الصحيحين من رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اشتد غضب الله على قوم فَعَلوا برسول الله -وهو حينئذ يشير إلى رباعيته- واشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سبيل الله». ورواه البخاري أيضًا من حديث ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: اشتد غضب الله على من قتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده في سبيل الله، واشتد غضب الله على قوم دمَّوا وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن إسحاق: أُصيبت رباعية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشُج في وجنته، وكُلِمت شفته، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص. فحدثني صالح بن كيسان، عمن حدثه، عن سعد بن أبي وقاص قال: ما حرصت على قتل أحد ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص إن كان ما علمته لسيئ الخلق، مبغَضًا في قومه، ولقد كفاني فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اشتد غضب الله على من دمَّى وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-». وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عثمان الجزري، عن مِقسم؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين كسر رباعيته ودمَّى وجهه، فقال: «اللهم لا تُحِل عليه الحول حتى يموت كافرًا». فما حال عليه الحول حتى مات كافرًا إلى النار).

نعوذ بالله نعوذ بالله.

يستشكل بعض الناس الدعوة عليه بأن يموت كافرًا مع ما عُرف من حرصه -عليه الصلاة والسلام- على هداية الخلق ورحمته بهم، وأنه يتمنى أنَّ كلَّ الناس يوفَّقون للدخول في الإسلام، لكن بعض الذنوب شأنها عظيم، يعني الاعتداء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قريب من هذا أن فرعون لما غرق ذُكر في الأخبار وفي التفاسير أن جبرائيل -عليه السلام- كان يحثو الماء في فمه؛ لئلا تدركه التوبة؛ ليغرق زيادة، فمثل هذه القصص الخاصة لا تناقض الأصل العام، وهو رحمة النبي -عليه الصلاة والسلام- كذلك رحمة جبريل، فيه أناس حقيقة جرائمهم عظمى، فلا يُستبعد أن تخصص هذه القضايا.

طالب: .......

ولعله ممن أطلعه الله عليه، ما يمنع.

طالب: (وذكر الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبي الحويرث، عن نافع بن جبير قال: سمعت رجلًا من المهاجرين يقول: شهدت أُحدًا فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- وَسْطها، كل ذلك يُصرف عنه، ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ: دلّوني على محمد، لا نجوتُ إن نجا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنبه ليس معه أحد، ثم جاوزه فعاتبه في ذلك صفوان، فقال: والله ما رأيته، أحلِف بالله إنه منا ممنوع. خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله، فلم نخلص إلى ذلك. قال الواقدي: والثَّبت عندنا أن الذي رمى في وجنتَيْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن قميئة، والذي دمَّى شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا ابن المبارك، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، أخبرني عيسى بن طلحة، عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذاك يوم كله لطلحة، ثم أنشأ يُحدث قال: كنت أول من فاء يوم أُحد، فرأيت رجلًا يقاتل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).

رجع بعد الفرار.

طالب: فاء.

فاء يعني رجع، لكن ما حصل لطلحة مما لم يحصل لغيره، وجاء ذكره في الأحاديث الصحيحة وفي السير مر بنا شيء منه، شيء توفيق من الله، الله المستعان.

طالب: (فرأيت رجلًا يقاتل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دونه، وأراه قال: حمية، قال فقلت: كن طلحة، حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلًا من قومي أَحَب إلي، وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه، وهو يخطف المشي خطفًا لا أحفظه، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح، فانتهينا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد كُسرت رباعيته وشُج في وجهه، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عليكما صاحبكما». يريد طلحة، وقد نزف، فلم نلتفت إلى قوله، قال: وذهبت لأن أنزع ذلك من وجهه، فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي لَمَا تركتني. فتركته، فكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأزَمَّ عليها بفِيه فاستخرج إحدى الحلقتين، ووقعت ثنيته مع الحلقة، وذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لَمَا تركتني، قال: ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة أحسن الناس هَتمًا، فأصلحنا من شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجِفار، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قُطعت إصبعه، فأصلحنا من شأنه).

أحسن الناس هتمًا، يعني الثرم الذي بالفم، الأهتم الأثرم.

طالب: (ورواه الهيثم بن كليب، والطبراني، من حديث إسحاق بن يحيى به. وعند الهيثم).

الهيثم بن كليب صاحب المسند المعروف، واختفت شهرته بهذا الاسم؛ لأن الناس طبعوه في الأخير مسند الشاشي، شهرته عند المتقدمين بالهيثم بن كليب. تدري؟

طالب: .......

عند المتأخرين الشاشي؟

نعم، طبعوه مسند الشاشي وتداوله الناس كذلك، وإلا فشهرته عند أهل العلم بمسند الهيثم بن كليب، ما تلقى ابن كثير يقول: روى الشاشي في مسنده.

طالب: (والطبراني من حديث إسحاق بن يحيى به، وعند الهيثم: فقال أبو عبيدة: أنشدك الله يا أبا بكر إلا تركتني؟ فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه، فجعل يُنضنضه كراهية أن يؤذي).

يقلقله معناه، فجعل ينضنضه يعني يخلخله، يقلقله؛ حتى يتوسع الخرق ثم يخرج.

طالب: .......

نعم.

طالب: (كراهية أن يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم استلَّ السهم بفيه فندرت ثنية أبي عبيدة. وذكر تمامه، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه، وقد ضعَّف عليُّ بن المديني هذا الحديث من جهة إسحاق بن يحيى هذا، فإنه تكلَّم فيه يحيى بن سعيد القطان، وأحمد، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم، ومحمد بن سعد، والنسائي وغيرهم. وقال ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث: أن عمرو بن السائب حدَّثه: أنَّه بلغه أنَّ مالكًا أبا أبي سعيد الخدري لما جُرح النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد مص الجرح حتى أنقاه ولاح أبيض، فقيل له: مُجه. فقال: لا والله لا أمجه أبدًا. ثم أدبر يقاتل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا» فاستُشهد. وقد ثبت في الصحيحين من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، عن سهل بن سعد أنه سئل عن جرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: جُرح وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه -صلى الله عليه وسلم-، فكانت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تغسل الدم، وكان عليٌّ يسكب عليه الماء بالمِجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرةً، أخذت قطعة من حصير فأحرقتها، حتى إذا صار رمادًا ألصقته بالجرح، فاستمسك الدم).

هذا طب نبوي، إحراق الحصير وذر الرماد على الجرح قد لا يستسيغه بعض الأطباء، يرونه فيه تلويث للجرح.

طالب: ....... في بعض القرى والبوادي.

ما زال عند عامة الناس، نعم.

طالب: (وقوله تعالى: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمران: 153]، أي: فجازاكم غمًّا على غم، كما تقول العرب: نزلت ببني فلان، ونزلت على بني فلان. وقال ابن جرير: وكذا قوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أي: على جذوع النخل. قال ابن عباس: الغم الأول بسبب الهزيمة، وحين قيل: قُتل محمد -صلى الله عليه وسلم-).

تنزيل "على" بمنزلة "في" هذا هو المتداول عند كثير من المفسرين، وبعضهم يرى أنه أشد مبالغة إذا قيل بفي، فكأن التصليب في جذوع النخل من شدته وقوته إدخال للإنسان المصلوب في داخل الجذع وأشد من كونه يوضع فوقه.

طالب: (والثاني: حين علاهم المشركون فوق الجبل، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم ليس لهم أن يعلونا». وعن عبد الرحمن بن عوف: الغم الأول بسبب الهزيمة، والثاني حين قيل: قتل محمد -صلى الله عليه وسلم-، كان ذلك عندهم وأعظم من الهزيمة. رواهما ابن مردويه، وروي عن عمر بن الخطاب نحو ذلك. وذكر ابن أبي حاتم عن قتادة نحو ذلك أيضًا. وقال السُّدي: الغم الأول: بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والثاني: بإشراف العدو عليهم. وقال محمد بن إسحاق {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمران: 153] أي: كربًا بعد كرب، قَتْل مَن قُتل من إخوانكم، وعلو عدوكم عليكم، وما وقع في أنفسكم من قول من قال: قُتل نبيكم، فكان ذلك يتتابع عليكم).

مما تتابع، فكان ذلك مما تتابع عليكم، وفي نسخة: متتابعًا عليكم.

طالب: (فكان ذلك مما تتابع عليكم غمًّا بغم. وقال مجاهد وقتادة: الغم الأول: سماعهم قَتْل محمد، والثاني: ما أصابهم من القتل والجراح. وعن قتادة والربيع بن أنس عكسه. وقال السدي: الأول: ما فاتهم من الظفر والغنيمة. والثاني: إشراف العدو عليهم. وقد تقدم هذا القول عن السدي.

قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمران: 153] فأثابكم بغمكم أيها المؤمنون بحرمان الله إياكم غنيمة المشركين والظفر بهم والنصر عليهم، وما أصابكم من القتل والجراح يومئذ -بعد الذي كان قد أراكم في كل ذلك ما تحبون- بمعصيتكم أمر ربكم، وخلافكم أمر نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، غمُّ ظنكم أن نبيكم قد قُتل، وميلُ العدو عليكم بعد فلولكم منهم. وقوله: {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [آل عمران: 153] أي: على ما فاتكم من الغنيمة والظفر بعدوكم، {وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} [آل عمران: 153] من القتل والجراح، قاله ابن عباس، وعبد الرحمن بن عوف، والحسن، وقتادة، والسدي {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 153] سبحانه وبحمده).

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

طالب: .......

نعم؟

طالب: ....... أرجح الأقوال في {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمران: 153]؟

لا شك أن أعظم الغمين الإشاعة بقتل النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا أعظم الغمين، الغم الثاني الذي هو قتل إخوانهم وعددهم سبعون.

طالب: يكون على هذا الغم الأول هو القتل، والغم الثاني إشاعة مقتل النبي.

نعم.

طالب: .......

نعم.

طالب: لكن قوله -عز وجل-: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152]، فهل هذا ....... باعتبار أن الآية نزلت بهذا الخصوص؟

لكن إذا نظرت إلى الواقع وأثر الغم، أيهما أشد أثرًا؟

طالب: القتل ثم ....... النبي -صلى الله عليه وسلم- قُتل.

نعم، بلا شك.

طالب: أشد .......

بلا شك.

طالب: .......

نعم.

اللهم صل على عبدك محمد.

طالب: .......

يا رب التوبة.