تعريف الرسول والنبي والمفاضلة بينهما

النبي: بدون همز، وقد يهمز، وقرئ بالهمز. والنبي في قول الجمهور: (إنسان ذكر، أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه)، فخرج بـ(إنسان) غير الإنسان، وخرج بـ(الذَّكر) النساء، وإن زعم بعضهم أن من النساء من كُلِّف بأعباء النبوة كمريم –عليها السلام-، لكن هذا قول مرجوح، وقولهم: (أوحي إليه بشرع) أي: من قِبَل اللَّه –عز وجل-، وخرج بـ(ولم يؤمر بتبليغه) الرسول، فإنه أُمر بالتبليغ، وفي ذلك يقول اللَّه تعالى: {بلِّغ ما أنزل إليك} [المائدة: 67]، ويقول: {فاصدع بما تؤمر} [الحجر:94]، ويقول: {قم فأنذر} [المدثر:2]، فمن أوحي إليه بشرع وأُمر بالتبليغ فهو رسول إجماعًا ونبي أيضًا؛ لأن النبوة تدخل في الرسالة، فكل رسول نبي ولا عكس، هذا على قول الأكثر.

وقول الجمهور: (لم يؤمر بتبليغه) يَرد عليه: أن الوحي إنما يُنزله اللَّه –عز وجل- على لسان المَلَك إلى النبي من أجل أن يعمل به هو في الدرجة الأولى ومَنْ حوله، وآدم –عليه السلام- نبي وليس برسول؛ لأن نوحًا –عليه السلام- هو أوَّل الرسل، وقد جاء في حديث الشفاعة ما يدل على ذلك صراحة [البخاري: 4476]، وقد بلَّغ آدم –عليه السلام- أولاده، وحكم فيهم بشرعه الذي أوحي إليه، وإلا لم يؤاخذ ولده الذي قتل أخاه.

واختار شيخ الإسلام –رحمه الله- أن النبي: من يأتي مكمِّلًا لشريعة رسول قبله، فهو لا يأتي بشرع مستقل، والرسول: هو الذي يأتي بشرع جديد. ويَرد على هذا: أن آدم –عليه السلام- ينبغي أن يكون رسولًا؛ لأنه لم يتقدمه أحد، وأن عيسى –عليه السلام- ينبغي أن يكون نبيًّا؛ فقد أتى في الغالب بشرع مُكمِّل.

فإذا قال قائل: كيف يقال: النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، وأهل العلم -وهم دونهم- أُمروا بالتبليغ، كما قال الله –عز وجل- في ميثاقه على أهل العلم: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]؟!

قلنا: الأمر بالتبليغ بالنسبة لأهل العلم واجب؛ لأنهم بمثابة أنبياء بني إسرائيل كما جاءت بذلك بعض الأحاديث، وقد جاء التكليف لأهل العلم من الله مباشرةً، فأخذ الميثاق عليهم من باب أولى، وهذا تنزُّل على حد قول الجمهور.

ونَخلُص من هذا أن الرسالة تشمل الرسول والنبي، فكل منهما مرسل، وكل منهما منفذ وموحىً إليه، وكلاهما مأمور بالتبليغ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [الحج: 52].

ومن حيث التفضيل بينهما: فعلى قول الأكثر: الرسالة أفضل من النبوة، وقال بعضهم: هما سيان، وجنح العز بن عبد السلام –رحمه الله- إلى تفضيل النبوة على الرسالة.