مقارنة بين شروح صحيح (البخاري)

كتاب (فتح الباري) للحافظ ابن رجب من أمتع الشروح على البخاري وأنفسها وأنفعها لطالب العلم، على أنه لم يَكمل، ولو كَمُل لكان من العجائب، وهو شرح بنَفَس السلف، معتمد على أقوال السلف الصالح، مجرد عن كل علم دخيل.

ومن شروحه كذلك كتاب (الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري) للكرماني –رحمه الله-، شرح لطيف ونفيس وفيه فوائد، وفيه أيضاً طرائف تحبب طالب العلم في القراءة، لكنْ فيه أوهام، ولم يتركه أهل العلم من أجلها، ولذا تجد كل الشراح يقولون: (قال الكرماني)، وبعضهم ينسب، وبعضهم قد لا ينسب، وله الفضل في ذلك، ثم إذا أخطأ وتصدوا للرد عليه كان الحال  كما يقول العامة: (شعير مأكول مذموم)، رحمة الله عليه.

وقد شرح الحافظ ابن حجر (صحيح البخاري) في كتابه (فتح الباري)، واعتمد اعتماداً كبيراً على شرح الكرماني، وتصدى له بالنقد في جميع أوهامه، وشرح الحافظ ابن حجر شرح عظيم نفيس، لا يستغني عنه طالب علم، وقد اجتهد -رحمه الله- في إيضاح الكتاب وبيانه بجميع ما يحتاج إليه من بيان وإيضاح، فتكلم على التراجم بكلام جيد، وربط الأحاديث وبين مناسباتها وارتباطها بتراجمها، وشرح الأحاديث، وبين روايات الصحيح واقتصر على ما يُحتاج إليه، معتمداً في ذلك على رواية أبي ذر، ويشير إلى ما عداه عند الحاجة، فطالب العلم لا يستغني عن (فتح الباري)، وقد قال الشوكاني-رحمه الله-لما طُلب منه أن يشرح البخاري: "لا هجرة بعد الفتح"،  يريد بذلك (فتح الباري).

ومن شروح البخاري كذلك (عمدة القاري) للعيني –رحمه الله، وهو شرح ماتع ونافع وجامع، مرتب ترتيباً بديعاً، لا سيما في ربعه الأول، وفي ربعه الثاني اختصر، ثم في نصفه الأخير أجمل، وهذه طريقة الشراح والمفسرين، ينشطون في أول الأمر، ثم بعد ذلك يعتريهم الكسل، بينما شرح الحافظ ابن حجر متوازن، يشرح الحديث من أول الكتاب إلى آخره بنَفس واحد، وقد شرح حديث «الأعمال بالنيات» [البخاري: 1] الذي هو الحديث الأول، بالنَفَس الذي شرح فيه حديث «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان» [البخاري: 6406] الذي هو آخر حديث في الكتاب، وهذه ميزة لشرح ابن حجر، وقد اعتمد العيني في شرحه للبخاري اعتماداً كبيراً على كتاب(فتح الباري) لابن حجر، ونَقل منه كلاماً كثيراً وانتقده.

وأما كتاب (إرشاد الساري) للقسطلاني، فهو شرح مختصر لـ(صحيح البخاري)، محرر مهذب منقح، مأخوذ بجملته من شرحي العيني وابن حجر، ولا يستغني عنه طالب علم، وميزته في ضبط ألفاظ الصحيح، سواء ما كان منها متعلقاً بالمتون، أو ما كان منها متعلقاً بالأسانيد وصيغ الأداء، لا يكاد يفلت منه كلمة واحدة.