الذي يقرأ (صحيح البخاري) من أوله إلى آخره دون شرحٍ، وهو متوسط الفهم، متوسط التحصيل، يخرج بفائدة طيبة، فغالب ما في الكتاب لا يُشكل إذا استثنينا المناسبة بين الحديث والترجمة التي قد عجز الفحول عن استنباط بعضها، واستثنينا بعض الألفاظ المشكلة. لكن الشروح المطولة الوافية على (صحيح البخاري ) لا يمكن أن يستغني عنها طالب علم أبدًا؛ لأنها تُولِّد فيه ملكة يتمكن بواسطتها من محاكاة العلماء في الاستنباط من النصوص، ومعرفة كيفية معالجتها من جميع النواحي، وبهذا يتفتّق ذهن الطالب، وتجتمع له العلوم في كتابٍ واحد، فالمطولات كالروضات ينتقل فيها الطالب من فنٍ إلى آخر، ففيها ما يتعلق بالقرآن وعلومه، والحديث وفنونه، ومذاهب العلماء، والحكم والآداب، والفوائد المستنبطة من الأحاديث من قُربٍ أو بُعد، فالمطولات سواء كانت من كتب التفسير أو الشروح لا يمكن أن يَستغني عنها طالب علم بحال، فكم من آية مُشْكِلة روجع عليها التفاسير الكثيرة، ومع ذلك يبقى الإشكال، مع أن القرآن بأفصح عبارة، وأوضح بيان!؟، وكم من مُشكِلٍ في حديث بُحث عنه في عشرات الشروح، ولم يصل الباحث فيه إلى حلٍ يشفي، وإن كان الإشكال نسبيًا بين شخصٍ وآخر، فلهذا لزم العناية بالمطولات.