لم يتحد الله المشركين بآية؛ لأن الآية قد تكون كلمة واحدة، والعرب ينطقون بكلمة، وينطقون بجمل يوجد نظيرها في القرآن، مثل: {مدهامتان} [الرحمن:64]، ومثل قوله -جل وعلا-: {ثم نظر} [المدثر:21]، فهذه الكلمة لا يعجزون عنها، بل قد تأتي في كلامهم قبل نزول القرآن، لكن مع ذلك وكون أنه سبحانه ما تحداهم بآية، فإن هذه الآية في موضعها معجزة، لا يقوم غيرها مقامها، وإن لم يحصل التحدي بها، فمثلًا قوله: {مدهامتان} باستطاعتك لو كان من غير كلام الله -جل وعلا- أن تأتي بكلمة غيرها وتؤدي معناها، وقل مثل هذا في قوله تعالى: {ثم نظر}، لكن في القرآن تعجز أن تأتي بكلمة تقوم مقامها في هذا الموضع، فالإعجاز حاصل على كل حال. وقد عجز المشركون عن معارضة القرآن وأذعنوا له وصرحوا بعجزهم مع أنهم أرباب البلاغة وأصحاب الفصاحة، وللمعرِّي كتاب اسمه: (الفصول والغايات) قالوا عنه: إنه في بداية الأمر سماه: (الفصول والغايات في معارضة الآيات)، ثم غُيِّر اسم الكتاب إلى: (الفصول والرايات في مواعظ البريات)، لكن من قرأ كتاب المعري هذا، عرف حقيقة العجز البشري، وعرف قيمة الكتاب ومؤلفه، وقد رُمي المعرِّي بالزندقة، وعنده من عظائم الأمور ما عنده، وكذلك مسيلمة الكذاب ذُكر عنه شيء يعارض به القرآن أتى فيه بالعجائب المضحكات، فلو اجتمع العرب كلهم على معارضة القرآن ما استطاعوا. ولا يقال عن القرآن ما قاله المعتزلة: وهو أن المشركين قادرون على معارضة القرآن، لكن اللَّه –سبحانه وتعالى- صرفهم عن ذلك. حيث إنهم لو صُرفوا عن ذلك لما كان تحدِّيًا؛ لأن بإمكانهم أن يأتوا بمثله لكنهم عجزوا بالصرفة كما يقول المعتزلة.