من المحاذير في غالب كتب الرحلات

أكثر الرحلات الموجودة التي كتبت في حج بيت الله الحرام مشتملة على ما ينقض التلبية، فتجد كثيرًا ممن كتب في هذه الرحلات همهم المزارات والأضرحة والبقاع والتوسل والتبرك، ويأخذ هذا حيّز كبير من هذه الرحلات. فالرَّحالون في الجملة هم من الأدباء، وعندهم مخالفات عقدية، وتجدهم يكثرون من التردد على هذه الأماكن ليصفوها؛ ليشدوا القارئ والسامع، ويأتوا بشيء جديد. أما إذا اقتصروا على المشاعر المعروفة فلن يأتوا بجديد يشدون القارئ به، هذا من وجهة نظرهم.

وهم أيضًا قد أشربت البدعة قلوبهم، ثم بعد ذلك يكتبون الشرك الأكبر. فمن قرأ في رحلة ابن بطوطة –مثلًا- وجد فيها الشرك الأكبر المخرج عن الملة، من الاعتقاد في الأولياء والأضرحة، وطلب قضاء الحوائج منهم، واعتقاد أنهم يُصرِّفون الكون، وما أشبه ذلك. وكذلك غيره من الرحّالين على هذا المنوال، وإن لم يصلوا إلى حد الشرك الأكبر، فبعضهم قد يقصر دونه لكن البدع موجودة. وفي شريط لي اسمه: (رحلات العلماء في الحج) بيَّنت فيه بعض هذه الأشياء، وشرحت ما وقع في بعض الرحلات على سبيل الاختصار؛ لأن الوقت ما أسعف. وإلا فالرحلات مملوءة من هذا النوع، فتجد الكاتب له استعداد أن يجلس أسبوعًا ليصعد على جبل فيه قبر، أو يزور شخصًا مبتدعًا مغرقًا في بدعته ويتبرك به، ويطلب منه الحوائج. والمقصود أن مثل هذه الأمور موجودة في هذه الرحلات، وهي خلاف ما أهلَّ به النبي -صلى الله عليه وسلم-. وذكرت في الشريط أن أكثر من يكتب هذه الرحلات الأدباء؛ لأنهم هم الذين يشدون القارئ. أما العالم إذا كتب رحلة فهي في حقيقتها منسك، ويسميها رحلة، مثل (رحلة الصديق إلى البيت العتيق) لمحمد صديق القنوجي، فمثل هذه الرحلات التي هي مسائل علمية قوية متينة لا تشد القارئ، لكن إذا كتبها أديب محقق ليس عنده شيء من البدع، فهذه حقيقة غاية يُجمع فيها بين العلم وبين الطرفة، ونظير ذلك ما كتبه الشيخ: علي الطنطاوي –رحمه الله- في (ذكرياته)، فذكرياته مملوءة بالعلم، ومسائل العلم في فنونه وفروعه، ومع ذلك يصوغها بصياغة أدبية رائعة، فإذا وجد مثل هذا فهو نور على نور، وإلا فلا حاجة لنا بما فيه شرك، وبما يشتمل على ما ينقض أصل الأصول وهو التوحيد، والله المستعان.