هدي النبي في رمضان (02)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله إلى هذا اللقاء في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصيام ومع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله أيها الإخوة في الحلقة الماضية عرجنا على أو تكرم الشيخ حفظه الله عن هذا الإمام العلم ابن قيم الجوزية -رحمة الله تعالى عليه- وعن كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد وأيضا عرف فضيلته الصيام وكنا توقفنا عند هذا الحد ولعلنا في مفتتح هذا اللقاء فضيلة الشيخ بعد الترحيب بكم وتحيتكم أن نتحدث عن حكم الصوم أيضًا ما يتعلق به هذا الحكم وأيضًا فضل الصيام وكل هذا -إن شاء الله- لعله أن يرد في هذه الحلقة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن:

 أما حكم صوم شهر رمضان فهو واجب، بل ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:             البقرة: ١٨٣  وأما السنة فقوله -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- «بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» متفق عليه والحج وصوم رمضان وروى مسلم عن ابن عمر --رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بني الإسلام على خمسة على أن يوحد الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج» فقال رجل الحج وصيام رمضان قال: لا، صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. اختلف أهل العلم من شراح الحديث وغيرهم في إنكار ابن عمر -رضي الله عنهما- على الرجل الذي قدم الحج على الصيام مع أن ابن عمر رواه كذلك كما في الصحيحين، يقول النووي في شرح مسلم والأظهر والله أعلم أنه يحتمل أن ابن عمر سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين مرة بتقديم الحج ومرة بتقديم الصوم فرواه على الوجهين في وقتين فلما رد عليه الرجل وقدم الحج قال ابن عمر -رضي الله عنهما- لا ترد علي ما لا علم لك به ولا تعترض بما لا تعرفه ولا تقدح فيما لا تحققه بل هو بتقديم الصوم هكذا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس في هذا نفي لسماعه على الوجه الآخر نعم ابن عمر سمعه هكذا وإن كان قد سمعه على وجه آخر ولا ينفي أن يكون سمعه على وجه أن يكون سمعه على وجه آخر كما أنكر ابن عمر على هذا المعترض يحتمل أيضًا أن يكون ابن عمر كان سمعه مرتين على ما ذكرنا بالوجهين ثم لما رد عليه الرجل نسي الوجه الذي رده فأنكره فالاحتمال الأول أن ابن عمر رد عليه بالرد المذكور تأديبًا له تأديبًا له والثاني لما رد عليه كان ناسيًا للوجه الآخر والمسألة محتمِلة، وأجمع العلماء على وجوب الصيام وأنه ركن من أركان الإسلام وعلى كفر من جحد وجوبه، الرواية الأولى التي فيها تقديم الحج على الصيام اعتمدها البخاري -رحمه الله تعالى- في ترتيب كتابه فقدم المناسك على الصيام، واعتمد أهل العلم على الرواية الثانية فقدموا في مصنفاتهم الصيام على الحج فأجمع العلماء على وجوب الصيام وأنه ركن من أركان الإسلام وعلى كفر من جحد وجوبه واختلفوا في تكفير من تركه مع اعترافه بوجوبه، اختلفوا في تكفير من تركه وترك الصيام مع الاعتراف بوجوبه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتاب الإيمان: اتفق المسلمون على أن من لم يأت بالشهادتين فهو كافر وأما الأعمال الأربعة الصلاة الزكاة الصيام الحج فاختلفوا في تكفير تاركها يعني مع الاعتراف بوجوبها والقول بكفر من ترك واحدة منها رواية عن الإمام واختارها طائفة من أصحاب مالك فتارك أحد الأركان مع القدرة على فعله على خطر عظيم، فقد بني الإسلام على هذه الأركان وكل بناء ترك بعضه يوشك أن يتهدم والقول المرجح عند جماهير العلماء أنه لا يكفر إلا من ترك الصلاة على خلاف بينهم في حكم تاركها أيضًا وقد نقل اتفاق الصحابة -رضي الله عنهم- على كفر تاركها وإن كان معترفًا بوجوبها، وأما فضل الصيام فالصوم فضله عظيم وثوابه جسيم وجاءت بذلك النصوص الكثيرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- المخرج في الصحيحين وغيرهما من دواوين الإسلام من السنن والجوامع والمصنفات وغيرها ويكفي من ذلك أن الله سبحانه وتعالى خصه بالإضافة إليه كما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» «والصيام جنة فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفسي بيده لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه» متفق عليه، يقول القرطبي في تفسيره وإنما خص الله تعالى الصوم بأنه له وإن كان العبادات كلها له لأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات: أحدهما أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات، الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات قد يقول قائل الصلاة تمنع من ملاذ النفس لكن الصلاة أمرها لا يطول يعني إذا انشغل بها الإنسان خمس عشر دقائق ربع ساعة فإنه يبقى له من الوقت الشيء الكثير بينما الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ولذا صار منعه مؤثرًا على النفوس ويمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه العبادات الأخرى، الأمر الثاني أن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له فلذلك صار مختصًا به وما سواه من العبادات ظاهر ربما فعله تصنعًا ورياءًا فلهذا صار خص الصوم من غيره يقول ابن عبد البر -رحمه الله- كفى بقوله «الصوم لي» يعني في قول الله -عزَّ وجل- في الحديث القدسي كفى بقوله: «الصوم لي» على سائر العبادات لكن ينبغي أن ننتبه لأمر وهو أن المراد بالصيام هنا الصيام المحفوظ من المعاصي كما قال ابن حجر في فتح الباري يقول: اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيام من المعاصي قولاً وفعلاً نعم هذا الصيام الذي تترتب عليه آثاره وهذا الصيام الذي يرجى له يرجى من ورائه القبول والنفع في الدنيا والآخرة وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا».

هذا في الفرض والنفل يا شيخ والا خاص بالفرض؟

هذا إذا كان في النفل ويتناول وإذا كان في النفل ففي الفرض من باب أولى لأنه لا يتقرب أحد بمثل ما افترض الله عليه، الفرض أفضل، ويختلف أهل العلم في المراد في سبيل الله هل المراد به في الجهاد يعني يصوم في الجهاد ويستحق هذا الوعد أو أنه إذا صام مخلصًا لله -عزَّ وجل- مبتغيًا به وجه الله حصل له هذا الثواب الإمام البخاري جاء أدخل الحديث في كتاب الجهاد فيدل على أنه يرجح أن المراد في سبيل الله الجهاد، وكثير من أهل العلم يرون أن فضل الله أوسع يشمل الجهاد وغير الجهاد، وأخرج أيضًا من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد» هذا باب يقال له الريان خاص بالصائمين خاص بالصائمين فمن حقق صيام ما افترض الله عليه استحق أن يدخل من هذا الباب لكن من خرق صيامه بالمعاصي والمنكرات إن سدد هذه الخروق وهذه الفتوق بكثرة النوافل من جنس هذا الصيام؛ لأن النوافل تكمل بها الفرائض كالرواتب بالنسبة للصلوات وإذا حث الشرع على صيام النوافل كما سيأتي في صيام الست وعشر ذي الحجة أو صيام الاثنين وصيام عاشوراء وصيام يوم عرفة وغيرها من الأيام وصيام أيام البيض، المقصود أن مثل هذا الصيام النفل يكمل به الفرض.

 

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم إنه سميع مجيب أيها الإخوة المستمعون الكرام تحدث فضيلة الشيخ عبد الكريم في هذا اللقاء حول حكم الصيام صوم رمضان خاصة وفضل هذا الصوم وأورد جملة من النصوص الواردة في فضل هذه العبادة الجليلة العظيمة التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق لإتمامها وإكمالها على الوجه الذي يرضيه ويقبله عز وجل ونحن بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة نتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله ولكم أنتم مستمعينا الكرام نلقاكم بإذن الله تعالى وأنتم بخير والسلام عليكم..

"