شرح متن الورقات في أصول الفقه (22)
سم.
طالب:.......كيف؟
طالب:.......
هو يهمه الأحكام، يهمه الأحكام، فالذي تستنبط منه الأحكام وتستمد منه الأحكام يهتم به، وما عدا ذلك من العلوم، في هذا الباب، في هذا الباب على وجه الخصوص نعم؛ لأن العقيدة فن، والأحكام فن، هم عندهم في الأحكام العملية، يفتي يعني فقيه، فقيه يفتي في الفقه، لكن إذا أراد أن يفتي في كل علم، يفتي في الفقه، يفتي في الحديث، يفتي في التفسير، يفتي في جميع العلوم، نعم، لا بد أن يعرف كل هذه العلوم.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف-رحمه الله تعالى-: وليس للعالم أن يقلد، والتقليد: قبول قول القائل بلا حجة، فعلى هذا قبول قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يسمى تقليداً، ومنهم من قال: التقليد: قبول قول القائل، وأنت لا تدري من أين قاله، فإن قلنا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بالقياس، فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً.
وأما الاجتهاد: فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض، فالمجتهد إن كان كامل الآلة في الاجتهاد، فإن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فيها وأخطأ فله أجر، ومنهم من قال: كل مجتهد في الفروع مصيب، ولا يجوز أن يقال: كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب؛ لأن ذلك يؤدي إلى تصويب أهل الضلالة من النصارى والمجوس والكفار والملحدين، ودليل من قال: ليس كل مجتهد في الفروع مصيباً قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد))، وجه الدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطأ المجتهد تارة، وصوبه أخرى.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما ذكر المؤلف-رحمه الله تعالى- شروط المفتي وهو المجتهد، وشروط المستفتي وهو السائل، ثم ذكر أن العالم يعني المجتهد ليس له أن يقلد، مراده بذلك أن من تحققت لديه الأهلية -أهلية الاستنباط من الكتاب والسنة- ليس له أن يقلد في دينه الرجال؛ لأن المرد عند التنازع إلى الله ورسوله، وليس إلى قول فلان ولا علان، مهما كانت سابقته وقدمه في..، ورسوخ قدمه، فالمتأهل فرضه الاجتهاد، كما أن العامي ومن في حكمه فرضه سؤال أهل العلم، وقبول قولهم، وهذا تقدم.
ثم بين-رحمه الله تعالى- حقيقة التقليد، وحقيقة الاجتهاد، فالتقليد يقول: قبول قول القائل بلا حجة: وهو في الأصل مصدر قلد يقلد تقليداً.
التقليد: وضع الشيء في العنق كالقلادة، لإحاطتها بالعنق، ومنه تقليد الهدي، شيئاً يعلم به أنه هدي، ومنه تقليد الولايات من قبل الإمام الأعظم لولاة الأقاليم، والذين كانوا يعرفون في السابق بالعمال.
المقصود أن كل هذا تقليد؛ لأنه تفويض للأمر كما في القاموس: أعطيته قلد أمري، أي فوضته إليه، فالمقلد يفوض أمر سؤاله إلى من يقلده من أهل العلم، ويقبل قوله من غير نقاش، ومن غير معرفة دليل، ولذا قال المؤلف: التقليد: قبول قول القائل بلا حجة: أي يذكرها لمن أراد تقليده، فلا يذكر الدليل لمن سأله، المجتهد إذا سئل عن مسألة ما، يفتي بما يدين الله به، بما توصل إليه باجتهاده، ولا يلزمه بيان مستنده، ينصون على هذا، لكن هذا يختلف باختلاف أحوال السائلين، فإن كان السائل عامياً لا يعرف درك المسألة فمثل هذا يعطى الحكم، وإن كان متعلماً طالباً للدليل؛ ليبني عليه فيما يستقبل من حياته العلمية، فمثل هذا يعلم الدليل، ويخبر بالدليل، ويعلم ويخبر بمأخذ المسألة من هذا الدليل.
في مختصر التحرير يقول: التقليد عرفاً أخذ مذهب الغير بلا معرفة دليله، وفي الأحكام لابن حزم: التقليد على الحقيقة إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير برهان، دون النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير برهان، ثم قال: فهذا هو الذي أجمعت الأمة على تسميته تقليداً وقام البرهان على بطلانه، هذا كلام ابن حزم، وسيأتي أن ابن حزم والشوكاني شددا في أمر التقليد، ويأتي ما في كلامهما –إن شاء الله-والشوكاني في إرشاد الفحول عرف التقليد بأنه قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة.
من لا تقوم به الحجة: يعني من يستدل لكلامه ولا يستدل بكلامه، فكلامهم المجرد ليس بحجة، إنما يلتمس له الحجة من كلام الله، وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
بلا حجة: بلا بيان لما اعتمد عليه هذا الغير المسؤول.
يقول: فعلى هذا قبول قول النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمى تقليداً: لماذا؟ لأن التعريف الذي ذكره ينطبق عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يذكر القول -يذكر حكم المسألة- ولا يذكر دليله، من هذه الحيثية سماه تقليداً، لكن هل هذا الكلام صحيح؟
التقليد: قبول قول من ليس بحجة -من يحتج لكلامه- أما تقليد من يحتج بكلامه فليس بتقليد، من يحتج بكلامه..، فرق بين من يحتج بكلامه وبين من يبحث الدليل للاحتجاج به لكلامه.
فنصوص الكتاب والسنة ما جاء عن الله -عز وجل- وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- هذه أصول يحتج بها، ولا يحتج لها، أما ما جاء عن غيرهما فإنه مما يحتج له ولا يحتج به.
فالصواب أن قول النبي -عليه الصلاة والسلام- حجة يحتج به ولا يحتج له، ولذا قال المصنف الجويني في البرهان: وذهب بعضهم إلى أن التقليد قبول قول القائل بلا حجة، ومن سلك هذا المسلك منع أن يكون قبول قول النبي -عليه الصلاة والسلام- تقليداً؛ فإنه حجة بنفسه، حجة بنفسه.
ومنهم من قال: كلام المؤلف، ومنهم من قال: التقليد قبول قول القائل وأنت لا تدري من أين قاله: أي لا تعرف معتمده ومأخذه والأصل الذي اعتمد عليه، فإن قلنا يقول: المؤلف: فإن قلنا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقول بالقياس: يعني يجتهد إن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- له أن يجتهد، إن كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- له أن يأخذ بالقياس ويجتهد، فإن قبول قوله يسمى تقليداً، وإن كان لا يجوز له أن يجتهد، وإنما جميع ما يصدر عنه إنما هو توقيف من الله -عز وجل- بدليل آية النجم، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3- 4) سورة النجم]، يعني ما ينطق، جميع ما ينطق لا يكون عن هوى، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، فهذه الآية تمنع اجتهاد النبي -عليه الصلاة والسلام- وبها يستدل من يقول بأنه ليس له أن يجتهد.
لكن الواقع يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اجتهد في مسائل، وأقر على كثير منها، ولم يقر على بعضها، اجتهد -عليه الصلاة والسلام- في أسرى بدر، ولم يقر على اجتهاده، فدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- له أن يجتهد.
يعني مسألة اجتهاد النبي -عليه الصلاة والسلام- إثباتاً ونفياً، مسألة خلافية بين أهل العلم، الآية تدل على أن جميع ما ينطق به وحي، والواقع يشهد بأنه اجتهد، أقر في جميع اجتهاداته إلا القليل النادر التي لم يقر عليها، كقضية أسرى بدر، وهذه مسألة مشهورة، هذه مسألة..، {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [(43) سورة التوبة]، نعم،
ما كان.. هاه؟طالب:.......في الأسرى.
طالب:.......
أي نعم، نعم {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [(67) سورة الأنفال]، لم يقر على هذا الاجتهاد، لم يقر على هذا الاجتهاد، فدل على أنه يجتهد، إذن كيف نوفق بين هذا وبين الآية؟ له أن يجتهد ولا ينطق عن الهوى، إن وافق الاجتهاد الصواب أقر، ويكون الإقرار حينئذ عمله واجتهاده مؤيد بالوحي –بالإقرار- إن لم يقر -عليه الصلاة والسلام- فلا يعتبر من نطقه، إن لم يقر، إن لم يقر، يعني لا يخلو إما أن يكون اجتهاده موافقاً وأقر عليه، هذا ما شي، هذا داخل في الوحي، إن لم يقر عليه، فعدم الإقرار –أيضاً- وحي، فالثابت في النهاية هو الوحي.
على كل حال مثل ما ذكرنا سابقاً إن مسألة الاجتهاد والتقليد مسألة حصل فيها الإفراط والتفريط، والقول الوسط في المسألة أن العامي ومن في حكمه فرضه التقليد، ومن تأهل للاجتهاد، واكتملت لديه الآلة للاستنباط من الكتاب والسنة فإنه حينئذ لا يسوغ له أن يقلد إلا إذا لم يتمكن من التقليد في وقت مثلاً، وهذا سبقت الإشارة إليه.
شدد ابن حزم والشوكاني في مسألة التقليد، يقول الشوكاني في تفسيره -فتح القدير في تفسير سورة الزخرف كلاماً طويلاً جداً-: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ* بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ* وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [(21- 24) سورة الزخرف]، سئلوا فأجابوا بأنهم وجدوا آبائهم على هذا، ولن يغيروا ما وجدوا عليه آبائهم، ويشبه إلى حد كبير ما يتفوه به بعض متعصبة المذاهب، سواءً كانت المذاهب الأصلية أو الفرعية، تأتي له بالدليل -دليل المسألة- من الكتاب أو من الصحيحين أو من غيرهما، مما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيقول: هذا المذهب، هذا المذهب وعليه العمل، هذا المذهب وعليه العمل، وكل عمر الناس يفعلون كذا، طيب هل هذه حجج، هل هذه حجج تعارض بها النصوص؟ هذه يقولها بعض متعصبة المذاهب.
ماذا يقول الشوكاني، قال بعد أن فسر الآيات يقول: وهذا من أعظم الأدلة الدالة على بطلان التقليد وقبحه، فإن هؤلاء المقلدة في الإسلام إنما يعملون بقول أسلافهم، ويتبعون آثارهم، ويقتدون بهم، فإذا رام الداعي إلى الحق أن يخرجهم من ضلالة، أو يدفعهم عن بدعة قد تمسكوا بها، وورثوها عن أسلافهم بغير دليل نير، ولا حجة واضحة، بل بمجرّد قال وقيل لشبهة داحضة، وحجة زائفة، ومقالة باطلة، قالوا بما قاله المترفون من هذه الملل: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}.
الأمة -كما قال قتادة وأبو عبيد وغيرهم والجوهري- يقولون: الأمة الطريقة والدين، إنا وجدنا آباءنا على طريقة -على منهج- سائرين عليه، ولن نخالفهم، {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}.
يقول: يجيب هؤلاء بما قاله المترفون من هذه الملل: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}، أو بما يلاقي معناه معنى ذلك، يعني ما يلزم أن يقولوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، لا، يقول: كل عمر الناس يسوونه، أو هذا المذهب وعليه العمل.
يقول: فإن قال لهم الداعي إلى الحقّ: قد جمعتنا الملة الإسلامية، وشملنا هذا الدين المحمدي، ولم يتعبدنا الله، ولا تعبدكم، وتعبد آباءكم من قبلكم إلاّ بكتابه الذي أنزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبما صحّ عن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فإنه المبين لكتاب الله، الموضح لمعانيه، الفارق بين محكمه ومتشابهه، فتعالوا نردّ ما تنازعنا فيه إلى كتاب الله، وسنّة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، كما أمرنا الله بذلك في كتابه بقوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} [(59) سورة النساء]، فإن الردّ إليهما أهدى لنا ولكم من الردّ إلى ما قاله الأسلاف، ودرج عليه الآباء، إذا قيل لهم ذلك، نفروا نفور الوحش، ورموا الداعي لهم إلى ذلك بكل حجر ومدر، كأنهم لم يسمعوا قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [(51) سورة النور]، ولا قوله: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [(65) سورة النساء]، يقول: فإن قال لهم القائل: هذا العالم الذي تقتدون به، وتتبعون أقواله هو مثلكم، هذا العالم مثلكم من أي وجه، يعني في كونه متعبداً بالكتاب والسنة، مطلوباً منه ما هو مطلوب منكم، وإذا عمل برأيه عند عدم وجدانه الدليل، فذلك رخصة له لا يحلّ أن يتبعه غيره عليها، ولا يجوز له العمل بها، وقد وجد الدليل الذي لم يجده، يعني المتأخر وجد دليلاً لم يقف عليه المتقدم، وها أنا أوجدكموه في كتاب الله، أو فيما صحّ من سنّة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وذلكم أهدى لكم مما وجدتم عليه آباءكم، قالوا: لا نعمل بهذا، ولا سمع لك ولا طاعة، ووجدوا في صدورهم أعظم الحرج هناك، {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ}، وهؤلاء يجدون في صدورهم أعظم الحرج، من حكم الكتاب والسنّة، ولم يسلموا ذلك، ولا أذعنوا له، وقد وهب لهم الشيطان عصاً يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب والسنّة، وهي أنهم يقولون: إن إمامنا الذي قلدناه، واقتدينا به أعلم منك بكتاب الله، وسنّة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، نعم، هذه قيلت بالحرف، تقول للواحد منهم، من أهل الفضل والخير والعلم والعمل والصلاح، تقول له: الدليل في البخاري أو في مسلم، يقول: هل عندنا علم أكثر من علم الإمام أحمد بالسنة؟
ما عدل الإمام أحمد عن هذا الدليل إلا لأنه وجد ما يعارضه مما هو أقوى منه، ما احنا بأعلم من الإمام أحمد، وقل مثل هذا في مالك والشافعي وغيرهم، يعني هل مثل هذا الكلام يخفى على أحمد، هذا كلامهم، وهذه حجتهم، هذه عصاً أعطاهم إياها الشيطان، وهيأها لهم يتوكئون عليها في دفع النصوص، وهي حجة في ظاهرها، يعني لها حظ من النظر؛ أئمة كبار، الأئمة المقلدون كبار يحفظون مئات الألوف من السنن، فيأتي شخص حديث عهد بعلم ويرد على كبار الأئمة، لكن هذا الشخص الذي بيده الدليل الحق معه، حتى يوجد دليل يعارض هذا الدليل ويكون أقوى منه.
وقد وهب لهم الشيطان عصاً يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب والسنّة، وهي أنهم يقولون: إن إمامنا الذي قلدناه واقتدينا به أعلم منكم بكتاب الله، وسنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لأن أذهانهم قد تصوّرت من يقتدون به تصوراً عظيماً بسبب تقدّم العصر وكثرة الأتباع؛ لأنه قد يقول قائل: كم أتباع أبي حنيفة منذ أن قام مذهبه إلى يومنا هذا؟ من يحصيهم والمشرق كله حنفية، وبقية الأقطار الإسلامية فيها أيضاً حنفية، خلال قرون وأئمة كبار فحول قلدوا هذا الإمام، يمكن أن يخفى عليهم مثل هذا الكلام؟
هذه من الحجج الذي يلبس بها المتعصبة حينما يدعون إلى الأخذ بالكتاب والسنة، وما علموا أن هذا منقوض عليهم، مدفوع به في وجوههم، فإنه لو قيل: إن التابعين، أو إن في التابعين من هو أعظم قدراً، وأقدم عصراً من صاحبكم، فإن كان لتقدم العصر وجلالة القدر مزية حتى توجب الاقتداء، فتعالوا حتى أريكم من هو أقدم عصراً، وأجلّ قدراً، يعني في الفقهاء السبعة -فقهاء المدينة السبعة من التابعين- من هو أهل لأن يقلد، فإذا كان القدم يؤهل للتقليد، ويبرر ويبرهن للتقليد، ففي من تقدم عصر الأئمة –أيضاً- من هو أهل للتقليد.
ثم قال: فإن أبيتم ذلك، ففي الصحابة -رضي الله عنهم- من هو أعظم قدراً من صاحبكم علماً وعملاً وفضلاً، وجلالة قدر، تقولون: أبو حنيفة أهل لأن يقلد؛ لأنه إمام، نقول: أي إمامة أبي حنيفة أو إمامة أبي بكر؟ أبو بكر أهل لأن يقلد، تقولون: مالك، أي مالك وعمر –مثلاً- تقولون: أحمد يحفظ من السنة، ومالك نجم السنن، أي هؤلاء وأبو هريرة في الحفظ، لماذا لا نطلع فوق ونقلد الصحابة؟ هذا كلام الشوكاني.
فإن أبيتم ذلك، فها أنا أدلكم على من هو أعظم قدراً، وأجلّ خطراً، وأكثر أتباعاً، وأقدم عصراً، وهو: محمد بن عبد الله نبينا ونبيكم -عليه الصلاة والسلام- ورسول الله إلينا وإليكم، فتعالوا، فهذه سنّته موجودة في دفاتر الإسلام، ودواوينه التي تلقتها جميع الأمة قرناً بعد قرن، وعصراً بعد عصر، وهذا كتاب ربنا خالق الكل، ورازق الكل، وموجد الكل بين أظهرنا موجود في كل بيت، وبيد كل مسلم لم يلحقه تغيير ولا تبديل، ولا زيادة، ولا نقص، ولا تحريف، ولا تصحيف، ونحن وأنتم ممن يفهم ألفاظه، ويتعقل معانيه، فتعالوا لنأخذ الحقّ من معدنه، ونشرب صفو الماء من منبعه، فهو أهدى مما وجدتم عليه آباءكم.
قالوا –يعني بلسان الحال-: لا سمع ولا طاعة، يقول: إما بلسان المقال، وإما بلسان الحال، يقول: فتدبر هذا، وتأمله إن بقي فيك بقية من إنصاف، وشعبة من خير، ومزعة من حياء، وحصة من دين، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
يقول: وقد أوضحت هذا غاية الإيضاح في كتابي الذي سميته «أدب الطلب ومنتهى الأرب»، فارجع إليه إن رمت أن تنجلي عنك ظلمات التعصب، وتتقشع لك سحائب التقليد" انتهى كلامه بحروفه.
ابن حزم –أيضاً- له كلام طويل جداً في إبطال التقليد في الباب السادس والثلاثين من الأحكام.
هذا الكلام وإن كان فيه شدة على جماهير المسلمين الذين يتبعون المذاهب الأربعة، هذا فيه شدة عليهم، لكنه أقرب إلى الحق والصواب، نعم، مما يتذرع به كثير من متعصبة المذاهب؛ لأن كلام مثل هؤلاء يدعون إلى الكتاب والسنة الذي هو الأصل، وأولئك يدعون إلى تقليد الرجال ثقة بهم وبإمامتهم وعلمهم وعملهم.
انظروا إلى كلام في الطرف الآخر، إذا قارنا كلام الشوكاني السابق بكلام الصاوي في حاشيته على الجلالين في الجزء الثالث (صفحة 10) عند قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(23- 24) سورة الكهف]، اسمعوا ما يقول، يعني الكلام الذي سمعناه من كلام الشوكاني في غاية القوة في طرف، واسمعوا كلام الصاوي أيش يقول.
يقول: ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق أيش يعني؟ يعني ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية، ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل، وربما أداه ذلك للكفر، يقول: لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر!
يعني هل هذا كلام يقبله عاقل، هل هذا الكلام يقبله عاقل منصف؟ معارك في مسألة الاجتهاد والتقليد، لا نختلف في أن الأصل الكتاب والسنة، لا يختلف على هذا أحد، لكن هل التقليد مذموم وهل الاجتهاد واجب، وهل المطالب بذلك جميع الناس؟ أو المطالب به فئة من الناس.
يعني قبل ربع قرن ثارت ثورة على التقليد وعلى كتب الفقهاء، وعلى أئمة الإسلام ونبذ أقوالهم، والتفقه من الكتاب والسنة مباشرة، هذه دعوى أو دعوة إلى الأخذ بالأصول، والمظنون بمن أطلقها الظن الحسن، وقد ساءه وأهمه وأغمه ما يرد في ثنايا كلام متعصبة المذاهب في المسائل الأصلية والفرعية، ومن ذلكم ما سمعنا من كلام الصاوي.
ظهرت دعوى لنبذ التقليد وعدم النظر في كتب الفقهاء، والتفقه مباشرة من الكتاب ولسنة، دعوة إلى أخذ العلم من معدنة، لكن ينبغي أن يفرق بين الناس، ولا شك أن من تأهل للاستنباط من الكتاب والسنة أنه ليس له أن يقلد أحداً، وإنما عليه أن يجتهد، ولا يجوز له أن يقلد في دينه الرجال؛ لأن المرد عند التنازع إلى الكتاب والسنة، والذي لم يتأهل سواءً كان عامياً أو مبتدئاً في الطلب، ليست لديه الأهلية، وليست لديه الآلة كاملة، مثل هذا فرضه سؤال أهل العلم، وفي حكم سؤال أهل العلم الأخذ من كتبهم، وهذا هو التقليد.
لما ينادي هؤلاء -الذين نجزم بأنهم على خير ويدعون إلى خير بنبذ الكتاب والسنة، ويلقون مثل هذه المسائل ويشددون فيها في مختلف طبقات المتعلمين- يريدون أن يأتي المبتدئ ويتفقه من الكتاب والسنة.
المبتدئ بيمسك المصحف ويشوف أول آية وثاني آية فيها حكم بيطبق، مبتدئ ما يعرف شيئاً، يأتي إلى صحيح البخاري أو مسلم أو بلوغ المرام وغيره من كتب السنة سواءً كانت المطولة أو المختصرة فيعمل بهذه الأحاديث، وقد يكون لهذه الأحاديث نواسخ في كتب أخرى، متى يعرف أن هذا الحكم منسوخ، يعني إذا قرأ في كتب السنة باب الأمر بقتل الكلاب، ثم أ خذ المسدس وكلما شاف كلباً أفرغ في رأسه رصاصة، مأمور بقتل الكلاب، ثم بعد ذلك يأتيه باب نسخ الأمر بقتل الكلاب، مثل هذا يقال له: اجتهد من الكتاب والسنة، أو نقول: تأهل على الطريقة وعلى الجادة المتبعة عند أهل العلم؟ اقرأ في كتب الفقه، اقرأ لأهل العلم -لفقهاء الأمصار- ووازن بين أقوالهم بالأدلة ورجح ما يرجحه الدليل.
حينما يوجه طالب العلم المبتدئ إلى كتاب فقه من المتون المعتمدة في المذاهب -وكل بحسبه، وما هو بمعتمد في بلده- حينما يقال لطالب العلم المبتدئ: احفظ الزاد، وادرس الزاد، واحضر دروس الزاد، هل معنى هذا أننا نجعل الزاد بمثابة الكتاب والسنة، لا يحيد عنه طالب العلم؟ لا، إنما نجعل مثل هذا الكتاب عناصر بحث، تأتي إلى المسألة الأولى وتتصور هذه المسألة، تفهم هذه المسألة، ثم تستدل لهذه المسألة، تبحث عن دليل لهذه المسألة، من قال بهذا القول؟ من خالف هذا القول؟ ما دليلهم؟ تنظر في الأدلة وترجح وتوازن وتأخذ بالقول الصائب من خلال الدليل، هذا هو الاتباع، هذه طريقة جادة متبعة عند أهل العلم، نعم منهم من يقتصر ويدعو إلى الاقتصار على مرحلة واحدة من المراحل، هذا الزاد، هذا زاد المستقنع احفظه وتصير إماماً، بنقول: ما هو بصحيح، ليس بصحيح، نقول: احفظ الزاد، صح، افهم الزاد، صح، استدل لمسائل الزاد صحيح، اعرف من خالف ومن وافق بالأدلة صحيح، وازن بين الأدلة صحيح، رجح ما يرجحه الدليل صحيح، هو هذا الاتباع، خطة، خطة تسير عليها، ليس معنى هذا أنك كل ما في الزاد صحيح، الزاد على صغر حجمه قد هذا الكتاب، خالف المذهب في اثنتين وثلاثين مسألة، إذن كم خالف القول الصحيح الراجح بدليله؟
أكثر قطعاً، لا نريد من طلاب العلم أن يتعصبوا لشخص، نريد منهم أن يعملوا بالدليل، ونريد منهم أن يسيروا على الطرق والجواد المتعبة عند أهل العلم، الموصلة إلى العلم من أبوابه.
فالمبتدئ لا شك أنه يبي يتعلم، والعلم لا يأتي فجأة، لا يأتي دفعة واحدة، يأتي بالتدريج، وإذا كان هذا الطالب يترجح له في يوم من الأيام في بادئ الأمر قول من خلال النظر في المسألة، وتصور المسألة، والأدلة والموازنة؛ لأنه بهذه الطريقة بيعرف المسألة بأدلتها، وبيشوف دليل المخالف اعتمد على ناسخ، اعتمد على منسوخ، اعتمد على عام، اعتمد على خاص، اعتمد على مطلق، اعتمد على مقيد، وماشي، لكن لما ينظر إلى حديث بمفرده ويعمل به، لا يدري هل هو منسوخ، لا يدري هل هو مقيد، لا يدري هل هو مخصص، لا يدري عن شيء، حتى يأتي الدليل المقيد، أو الدليل المخصص، أو الدليل الناسخ بعد يمكن شهور وأعوام من بداية الطلب.
فأظن الكلام واضح ما فيه لبس، يعني الدعوة التي أثيرت قبل ربع قرن، دعوة محترمة، ولها حظ كبير من النظر، والقائلون بها أهل خير وفضل وصلاح، لكن نختلف معهم في من تلقى إليه هذه الدعوى، فرق بين عامي وشبه عامي من مبتدئ يريد أن يتعلم ويسلك الجادة والطريقة المتبعة، وبين متأهل، المتأهل ليس له أن ينظر في كلام فلان وعلان، إنما يأخذ من الكتاب والسنة، ومع ذلكم عليه –أيضاً- أن ينظر في أقوال الصحابة والتابعين ومن دونهم، ينظر في أقوال فقهاء الأمصار يستدل بها يستنير بها، يستنير بها؛ لئلا يحدث قول يؤديه إليه فهمه لهذا النص وفهم الصحابة على خلافه، ونحن ملزمون بفهم السلف، لا نبتدع فهم يختلف عن فهم السلف.
أظن الكلام واضح، والمقصود منه بيِّن، فنحن ندعو إلى الأخذ بالكتاب والسنة؛ لأنهما هما الأصل، ونقدر ما قاله ابن حزم، وما قاله الشوكاني، وما يرمى به من دعاوى للاعتصام بالكتاب والسنة وهذا الأصل؛ لأن الكتاب والسنة أصل الأصول، لكن يبقى أن هذا يخاطب به المتأهل، وأما بالنسبة للمبتدئ فعلى الطريقة والجادة التي شرحنا وهي جادة مسلوكة عند أهل العلم، نعم يوجد في المذاهب من يعتمد هذا الكتاب دستوراً لا يحيد عنه، هذا خطأ لا يقر، يعني في كل مذهب كتاب معتمد، أيش معنى هذا؟
إن بعض الطلبة يقف إلى هذا الحد، خلاص، يقول: أنا حدي هذا الكتاب ويكفيني هذا الكتاب، ويستمر مقلد، والمقلد يا إخوان ليس من أهل العلم اتفاقاً، كما نقل ذلك ابن عبد البر وغيره، ليس من أهل العلم اتفاقاً المقلد، يعني ما في فرق بين عالم يسمونه عالم –الناس- ويتصدى للقضاء بين الناس وإفتائهم وهو جامد على مذهب، ولو خالفه الدليل لا يتعداه؛ لأنه أخذ العلم من هذا الكتاب الذي لا يتجاوز مائة صفحة، وبين عامي يسأل عالماً فيجيبه بالحكم، وأيش الفرق؟ ما في فرق، إذن كلهم عوام.
العالم هو الذي يعرف الحكم بدليله، وهذا الطالب المبتدئ بالطريقة التي شرحناها -بإذن الله- إذا كانت لديه الأهلية للتحصيل من الفهم والحفظ فإنه لا يستغرق وقتاً طويلاً حتى يسمى عالماً، بس المسألة تحتاج إلى وجود آلة لفهم هذه النصوص، وما يعين على فهم هذه النصوص، ويكون عالماً؛ لأنه ليس بالمستحيل، لكن نحتاج إلى جادة متبعة مسلوكة توصل إلى العلم، ما نحتاج نتخبط، يوم الكتاب هذا، ويوم الكتاب الفلاني، يوم الكتاب العلاني، يوم يروح لزيد من الناس وينصحه بكتاب كذا، اقرأ كتاب كذا، ويمر على ثاني يقول: لا، اترك هذا واقرأ كذا، لا، أنت عندك كتاب في بلدك معتمد، اقرأ في هذا الكتاب، أيش المانع، لكن على الطريقة التي ذكرناها، اجعل مسائل الكتاب عناصر بحث، وحينئذ توفق وتسدد واصدق اللجأ إلى ربك، أن يهديك لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وأكثر من الاستغفار وأكثر من الأذكار، واقرأ القرآن بالتدبر على الوجه المأمور به وسوف يوفقك الله -جل وعلا-.
نعم، مسائل الجرح والتعديل باعتبار أن الرواة انتهوا، الرواة يعني عاصرهم من عاش في القرن الثالث والقرن الثاني، والقرن الأول، الأئمة الذين عاصروا الرواة اجتهدوا وكل واحد قيَّم هذا الراوي من وجهة نظره، وعلى ما يدين الله به من أن هذا الراوي يستحق هذه المرتبة، نعم، هذا اجتهاد.
يبقى أن من جاء من بعد عصر الرواة يعني بعد الثلاثمائة ليس له أن يحكم على الرواة إلا من خلال أقوال أهل العلم، فإن كان ممن يقلد الشافعي اكتفى بقول الشافعي انتهى، كان ممن يقلد مالك واكتفى بقول مالك، استمر صار مقلداً، يقلد أحمد اكتفى بقول أحمد، لكن من أراد الاجتهاد -وباب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة- ينظر في أقوال الأئمة كلهم، لا سيما في الرواة المختلف فيهم.
الرواة المتفق على توثيقهم والمتفق على تضعيفهم ما فيهم إشكال، لكن يأتي رواة -ابن لهيعة مثلاً- مختلف فيه جرح وتعديل فيه أكثر من عشرين قول للأئمة، طيب، نأتي إلى هذه الأقوال وننظر في هذه الأقوال ونوازن أنها من خلال قواعد الجرح والتعديل، فإذا ترجح عندك من خلال القواعد، وهذا مثل ما أشرنا إليه سابقاً أن الاجتهاد المطلق بمعنى الإطلاق نعم، مشكل أو نادر، نادر في غاية الندرة؛ لأنه حتى الاجتهاد في معرفة قواعد الجرح والتعديل، أنت تنظر فيها من خلال قواعد الجرح والتعديل، تجتهد في ثبوت ما يمكن إثباته من هذه القواعد ونفي ما يمكن نفيه من هذه القواعد، فهذه آلة الاجتهاد، وورائها اجتهاد ثالث وهكذا، فأنت تنظر في الأقوال التي قيلت في هذا الراوي، قالوا: ثقة، قالوا: ضعيف، قالوا: كذا –تجمع- ثلاثة عشر من الأئمة على تضعيفه، ثلاثة أو أربعة قالوا بأنه ثقة مطلقاً، مجموعة قالوا: بأنه ثقة مع التقييد، فأنت توازن بين هذه الأقوال، فتخرج بما تدين الله به مع التجرد، ولذا ابن حجر حكم عليه بأنه صدوق، حكم عليه مرة صدوق يخطئ، حكم عليه مرة –مراراً- بأنه ضعيف؛ لأن المسألة تحتاج..، تحتاج إلى توازن ونظر في كل راو من الرواة، وهذا فيه طول، ولذا من العلماء -لا سيما كبار العلماء عندنا- عندنا في هذا الباب بالنسبة للسنة، يعني لو قلنا: إن هؤلاء الاثنين ما لهم نظير، الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- والشيخ الألباني، الشيخ عبد العزيز انصب اجتهاده إلى علم الحديث دراية واستنباط، اعتمد على الحديث وصحح وضعف، لكن اعتماده في الرجال ما اعتمد على أن يبحث كل راوي بعينه، ثم بعد ذلك..، لا، يثبت عنده الخبر، يكفيه أن يثبت عنده الخبر ويستنبط منه.
الشيخ الألباني على العكس يعني كان اجتهاد منصب إلى الراوية وإثبات الخبر، ثم بعد ذلك الاجتهاد في الاستنباط مستواه ما هو مثل مستوى الشيخ ابن باز، كما أن اهتمام الشيخ بتخريج الأحاديث بالتصحيح والتضعيف والكلام على الرواة أقل من اجتهاد الشيخ الألباني، وكل على خير عظيم فيما نحسب والله حسيبهم، والله يغفر للجميع.
تفضل.
طالب:.......من أهل العصر؟ لماذا نحتاج إلى جرحهم وتعديلهم؟
طالب:.......
لا لا، هذا ليس له داعي، أصل الجرح والتعديل إنما أبيح للضرورة؛ لأنه على خلاف الأصل، والكلام في الناس -لا سيما أهل العلم- أمره خطير جداً، أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، أعراض المسلمين حفرة من حفر النار خطر، يعني يحذر الإنسان كل الحذر أن يتكلم في الناس، لا جرحاً ولا تعديلاً، إنما أبيح الجحر والتعديل للرواة للضرورة، للضرورة -ضرورة حفظ السنة- لا يمكن أن نعرف الصحيح من الضعيف المقبول من المردود إلا من خلال الجرح والتعديل، وأيضاً الجرح والتعديل بقدر الحاجة، يعني إذا كانت الحاجة تقوم بالأقل ما نظرنا إلى الأعلى.
على كل حال مسألة الجرح والتعديل والكلام في الرجال إنما يباح للضرورة، نعم، ويبقى بقدرها.
طالب:.......
ينتهي، الباقي ما لهم حاجة، لست بحاجة إلى أن تعرف مراتبهم، اللهم إلا إذا كان هناك من يخشى ضرره المتعدي، من المعاصرين من يخشى ضرره المتعدي فيحذر منه بالتلميح لا بالتصريح، وبقدر الحاجة، فإن أجدى ذلك وإلا فالتصريح للحاجة - لحفظ الدين- يبقى أن المسألة المنظور إليه أولاً وأخراً حفظ الدين، ليس معنى هذا أن يقدح بفلان لشخصه، أو يدافع عن فلان لشخصه لا، المسألة دين.
طالب:.......على كل حال هذا الذي يغلب على الظن أنه من التحريش، من التحريش الذي اقتنع به الشيطان في جزيرة العرب، وفي غيرها من بلدان المسلمين هو موجود على كل حال، لكن هذا ابتلاء، وألزم ما على الإنسان نفسه، يحافظ على نفسه، يحافظ على عمله من أن يوزعه بين الناس؛ من الناس من يأتي بأعمال أمثال الجبال، لكن هذا مفلس، ليش؟ يأتي بأعمال أمثال الجبال ويقال: مفلس في عرف الشرع، ليش؟ لأنه يأتي وقد شتم هذا، سب هذا، قدح في هذا، أخذ مال هذا..، يعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وبعدين؟ تنتهي إذا انتهت ولما تنتهي حقوق الناس يؤخذ من سيئاتهم وتلقى عليه.
المقصود أن على الإنسان أن يحفظ نفسه ويكون كلامه بقدر الحاجة، بقدر الحاجة.
يقول -رحمه الله-: وأما الاجتهاد فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض: الاجتهاد لا شك أنه بذل الوسع واستفراغ الجهد في تحمل أمر فيه كلفة ومشقة.
يعني يقال: اجتهد في حمل الرحى؛ لأن فيه مشقة، لكن هل يقال اجتهد في حمل نواة؟ نعم؟ لو شفت شخصاً معه عصا شايله بيده تقول: اجتهد في حمل العصا؟ نعم؟ لا، لكن قول: اجتهد في حمل كيس كبير؛ لأن فيه مشقة.
وعرف الاجتهاد بقوله: بذل الوسع في بلوغ الغرض: أي بذل المجتهد وسعه في البلوغ والوصول إلى الحكم الشرعي المطلوب.
وعرفه في مختصر التحرير بـ"استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم شرعي، لإدراك حكم شرعي.
فالمجتهد -يقول المؤلف-: إن كان كامل الآلة في الاجتهاد: إن كان كامل الآلة في الاجتهاد، هل هذا الكلام له حاجة؟ نقول: هذا تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا فإنه لا يسمى مجتهداً حتى تكتمل فيه الآلة، من معرفة ما تقدم ذكره في شروط المجتهد.
إن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران، يعني له أجر الاجتهاد، وله أجر الإصابة، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر الاجتهاد فقط.
ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عمرو بن العاص، أنه قال، أو أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)).
ومنهم من قال: كل مجتهد في الفروع مصيب، يعني فهما قولان في المسألة، منهم من يقول: المجتهد واحد، والحق واحد لا يتعدد، واحد مجتهد والثاني مخطئ، وكلاهما مأجور، المصيب له أجران، والمخطئ له أجر واحد، والمسألة مفترضة في أيش؟ في مجتهد.
بيهجم غير المجتهد -الطالب المبتدئ- يهجم إلى المسائل العلمية ويقول: أنا لو أخطأت..، افرض أني أخطأت لي أجر واحد، نقول: أنت مأزور؛ لأن المسألة مفترضة فيمن تحققت فيه الأهلية؛ لأن هذا ظاهر أنه كله في المجتهد.
القول الثاني: أن كلهم على خير، وكلهم مجتهدون وكلهم مصيبون، يقول ابن العربي: تعلق بهذا الحديث من قال: إن الحق في جهة واحدة، للتصريح بتخطئة واحد لا بعينه قال: وهي نازلة في الخلاف عظيمة.
نازلة، أيش معنى نازلة؟ يعني هل المسألة التي هي الخلاف في كل مجتهد مصيب، أو أن هذه المسألة النازلة العظيمة التي يحتمل فيها أن يجتهد..، أن يصيب بعض المجتهدين ويخطئ بعض المجتهدين؟ احتمال.
المازري يقول: تمسك به –يعني الحديث- كل من الطائفتين، من قال أن الحق في طرفين، ومن قال: إن كل مجتهد..، من قال: إن الحق في أحد الطرفين، يعني واحد مجتهد مصيب، والثاني مخطئ، ومن قال: كل مجتهد مصيب.
فأما الأولى الطائفة الأولى، أصحاب القول الأول وجه الاستدل، يقول: لو كان كل مصيباً لم يطلق على أحدهما الخطأ؛ لاستحالة النقيضين في حالة واحدة.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- أطلق عليه الخطأ، فكيف نقول: هو مصيب؟ كيف يوصف بأنه مصيب ومخطئ في آن واحد؟ هذا اجتماع للنقيضين.
وأما المصوِّبة -الذين يصوبون جميع المجتهدين- فاحتجوا بأنه -صلى الله عليه وسلم- جعل له أجراً، فلو كان لم يصب لم يؤجر.
وأجابوا عن إطلاق الخطأ في الخبر على من ذهل عن النص، أو اجتهد فيما لا يسوغ الاجتهاد فيه من القطعيات فيما خالف الإجماع، فإن مثل هذا إن اتفق له الخطأ فيه نسخ حكمه وفتواه، ولو اجتهد بالإجماع، وهو الذي يصح عليه إطلاق الخطأ، وأما من اجتهد في قضية ليس فيها نص ولا إجماع فلا يطلق عليها الخطأ.
وأطال المازري في تقرير ذلك والانتصار له، وختم كلامه بأن قال: "إن من قال أن الحق في طرفين هو قول أكثر أهل التحقيق من الفقهاء والمتكلمين، وهو مروي عن الأئمة الأربعة، وإن حكي عن كل منهم اختلافه فيه" [ذكر ذلك ابن حجر]، ولا شك أن الراجح هو القول الأول، وهو أن المصيب واحد، والثاني مخطئ؛ لأن الحق لا يتعدد، والحديث صريح في ذلك، فالمصيب واحد، ومن عداه مخطئ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعية والحنابلة، وقال بالثاني أبو حنيفة في قول، وبعض الشافعية، وبعض المالكية.
ولا يقال..، ولا يجوز -هذا كلام المؤلف- أن يقال كل مجتهد في الأصول الكلامية: يعني العقائد مصيب: ونقل بعضهم الإجماع على ذلك، يعني أن المسائل الكلامية الذي..، أهل الكلام يعبرون عن مسائل الاعتقاد بالكلامية، ولا شك أنه اصطلاح حادث مبتدع، فإثباتهم مسائل الاعتقاد على طرقهم المحدثة محدث، فيبقى أن مسائل الاعتقاد وهي معروفة مميزة عن مسائل الأحكام.
مسائل الاعتقاد هل تقبل الاجتهاد؟ هل للمجتهد أن ينظر في مسائل الاعتقاد؟ أو عليه أن يقلد ما ثبت عن سلف الأمة فيما أثبتوه مما ثبت، مما أثبتوه لله -عز وجل- مما ثبت في الكتاب والسنة؟ هذا الأصل، نعم، لكن شيخ الإسلام-رحمه الله تعالى- لا يفرق بين الأصول والفروع، يقول: عندك نصوص من الكتاب والسنة، تجتهد، وما يؤديه وما يؤديك إليه اجتهادك، إن أصبت الحق فأنت على خير عظيم، ولك الأجران، إن لم تصب فلن تحرم الأجر الواحد، حتى في مسائل الاعتقاد، ولذا -رحمه الله- لما سئل عن بعض المنظرين في المذاهب البدعية الكلامية، أجاب بأن عذرهم، وقال: "إن هذا ينصر ما يراه الحق"، يعني هذا ما آداه الاجتهاد، لكن ينبغي أن نؤطر ونقيد فهمنا لنصوص الكتاب والسنة بفهم السلف، فما اتفق عليه السلف من إثبات ما أثبته الله -سبحانه وتعالى- ورسوله لله -عز وجل- لا يجوز لنا أن نوجد قولاً جديداً بعد السلف، المسائل العقيدة التي اختلف فيها السلف محل اجتهاد، نقيد محل الاجتهاد فيما اختلف فيه السلف، اختلفوا في الساق –مثلاً- إثبات الساق مع الخلاف، إذن للاجتهاد فيه مجال.
الهرولة، ما يثبت على طريق المشاكلة، ((لا يمل حتى تملوا))، {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة]، المقصود أن مثل هذه التي هي محل اجتهاد، لا يثرَّب على من خالف فيها؛ لأن الخلاف قديم فيها، لكن المسائل التي اتفق عليها السلف -أجمعوا عليها- من إثبات الأسماء والصفات المتفق على إثباتها بين سلف هذه الأمة وأئمتها لا يجوز لأحد أن ينظر فيها من غير منظارهم، ويوجد قولاً جديداً غير ما اعتمدوه.
يقول: لأن ذلك يؤدي: نعم؟
طالب:.......لا، الحق واحد، الحق واحد لا يتعدد، فاجتهد زيد واجتهد عمرو، الحق مع أحدهما دون الثاني، والمصيب الذي أصاب الحق، المصيب له الأجران، والمخطئ له أجر واحد، فالحق لا يتعدد.
طالب:.......
أيش لون..، المسائل الاجتهادية التي لا يظهر فيها رجحان قطعي هذه التي لا ينكر فيها، لكن هل كل خلاف معتبر؟
الخلاف الذي لا يسنده الدليل، ولو وجد، ولو نقل عن بعض أهل العلم، هذا ينكر، فليس كل خلاف معتبراً، بل المعتبر ما له أصل من الكتاب والسنة.
يقول –يعلل- أن الاجتهاد لا يدخل مسائل الكلام، ولا يدخل في المسائل الاعتقادية، يقول: لأن ذلك يؤدي إلى تصويب أهل الضلالة من النصارى: لأنهم اجتهدوا وقالوا بالتثليث، إذن نعذرهم؟ نعم؟
نقول: هذا يخالف أموراً قطعية، عندنا في الكتاب والسنة، فهو خلاف غير معتبر؛ اجتهاد في غير محلة، أيضاً المجوس في قولهم بالأصلين كذلك؛ لأن قولهم مخالف للقطعيات، مخالف لما علم من الدين بالضرورة، طالب:.......
نعم، والكفار أيضاً في نفيهم التوحيد وبعثة الرسل، والبعث أيضاً باليوم الآخر.
المقصود أنه ليس لمن أثبت الاجتهاد في مسائل الاعتقاد -لا سيما المسائل التي اتفق عليها سلف هذه الأمة- ليس عندهم ما يستمسك به، فنحن مأمورون ومقيدون بفهم السلف، في هذه المسائل.
نعم ((رب مبلغ أوعى من سامع))، لكن في المسائل التي يدخلها الاجتهاد، أما ما لا يدخله الاجتهاد فإنه الحق فيما اتفق عليه السلف في هذه المسائل.
ثم استدل على أنه ليس كل مجتهد في الفروع مصيباً بقوله: ((من اجتهد وأصاب))، وجاء النص هكذا عنده، نعم، ماذا يقول؟
نعم، يقول: ((من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد)): ولفظ الحديث كما سقناه من الصحيح ((إذا اجتهد الحاكم فحكم فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجر))، ووجه الدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خطأ المجتهد تارة وصوبه أخرى، فدل على أن من المجتهدين من هو مخطئ، والله المستعان، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.
"