"ألا أُخْبِرُكُم بالفَقِيهِ حَقَّ الفَقِيهْ" الذي هو بمنزلة الطبيب الماهر "الذي لا يُقَنِّط النَّاس من رحمة الله"؛ لأن القنوط واليأس من رحمة الله مُوبِقَة من المُوبِقَات، هذا يبعث على التَّرك ترك العمل، كما أنَّهُ أيضاً بالمقابل لا يُأَمِّنُهُم من مكر الله، فينبغي أن يكون طبيباً حكيماً نَبيهاً يضعُ العِلاج في مَوْضِعِهِ، يُشَخِّص الدَّاء ويضعُ العِلاج، وذكرنا أنَّهُ إذا وجد هذا الفقيه الذي هو بمنزلة الطبيب هذا العالم في مجتمع لحظ فيه التفريط يعالج مثل هؤلاء بنصوص الوعيد؛ لِيَرُدَّهم إلى حظيرة التَّوَسُّط؛ لأنهم في الأصل مُفَرِّطُون؛ لكن بالعكس إذا لحظ في مجتمعه الإفراط والتَّطرف والغلو يُعالج داءَهم بنصُوص الوعد، فلا يُقنط من رحمة الله، ولا أيضاً يجعلهم يَأْمَنُون من مكر الله، هذا هو "الفقيه حق الفقيه" ولا يُرَخِّص المرء في معاصي الله، لا يرتكب الرُّخَصْ باستمرار ويَتَتَبَّع الأقوال التِّي تسهل على الناس على حدِّ زَعْمِهِ، الآن يُنَادى بفقه التَّيسير الذي هو في الحقيقة فقه التضييع والتمييع! ويستدل لذلك بـ ((إن الدِّين يُسْر)) - نعم - الدِّين يُسْر {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحـج]؛ لكنه أيضا دين عُبُودِيَّة، ودين تَكَاليف، والجَنَّة حُفَّت بالمكارة، والتَّكْلِيف إِلْزَامُ ما فيه كُلْفَة ومَشَقَّة، هذا يقول صاحب فقه التَّيسير عن صيام الهواجر ماذا يقول عن قيام الليل قام حتى تفطرت قدماه -عليه الصلاة والسلام – نعم - التَّيسير في مُقابل العُسْر في مُقابل الآصار والأغلال التِّي كانت على من قبلنا! تكليف ما لا يُطَاق ما عندنا تكليف ما لا يطاق - يعني - ما كُلِّفْنا في اليوم والليلة ألف ركعة! - لا – ((خمس صلوات كَتَبَهُنَّ الله في اليوم والليلة)) و من زاد زَادَ أَجْرُه ((أعِنِّي على نفسك بكثرة السُّجُود)) فمثل هذه الأمور التي هي في مقدور العبد هي داخلةٌ في التَّيْسِير، ويشملها ((إنَّ الدِّين يُسْر)) أما ما لا يُطِيقُهُ الإنسان ((مَهْ، عليكم من الدين ما تطيقون؛ فإنَّ الله لا يَمَلَّ حتَّى تَمَلُّوا)) على الإنسان أنْ يَرْفُقَ بنفْسِهِ حُدود، ولا يُعْطِيها من الآمال، ويَفْتَح لها الآفاق؛ بحيث يترك العمل – لا - فالمسألة مسألة تَوَسُّط! فلا يُرخص للمرء في معاصي الله يعني يأتيك من شرب النبيذ مثلاً يقول الحمد الله عند أبي حنيفة جائز! جاء من أكل ذبيحة من حيوان لا يُجيزهُ عامَّةُ أهل العلم الحمد الله، هذا عند مالك فيه سعة!، ويأتيه ويقول عند أحمد كذا! – لا، لا- هذا تضييع هذا الذي يُسَمِّيه أهل العلم تَتَبُّعْ الرُّخَص هذه زندقة عند أهل العلم؛ لأنه ما من مسألة إلاَّ وفيها قولٌ سَلِسْ، حتى يخرج الإنسان من دينه!!! يَسْتَدِلُّونَ بأنَّ النَّبي -عليه الصلاة والسلام-: "ما خُيِّرَ بَينَ أَمْرَيْن إلاَّ اخْتَار أَيْسَرْهُما"، وهذا في وقت قبل استقرار الحكم اختار أيسرهما؛ ليكون شرعاً، أما بعد أن استقر الحكم بدليله، فعلى المرء أنْ يعمل ما يدل عليه الدَّليل سواءٌ كان أيسر أو أشد؛ ولذا إذا جانب ما يدلُّ عليه الدَّليل، صار في الإثم! والمسألة مُقَيَّدة بما لم يكن إِثْم، فالذِّي يَخْتار غير ما يدلُّ عليهِ الدَّليل ارْتَكب الإثم واللهُ المُسْتعان.