فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ

{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل].

ونحن نشاهد كثرة من يدعي الاجتهاد في هذه الأوقات، لا شك أن مثل هذا غرور وتلبيس من الشيطان، وفيه ما هو ردة فعل لقرونٍ مضت من قفل باب الاجتهاد، والآن فتح الاجتهاد على مصراعيه؛ تجد من يحفظ شيئاً ولو يسيراً من العلم تجده يتكلم في عضل المسائل، تجد المبتدئ -بل بعض العامة- يجرؤ على إفتاء الناس وتوجيههم، والمبتدئ في حكم العامي، وكثير من المبتدئين -ومن يظن أنه تعلم وهو ما عرف إلا الشيء اليسير- تجده يتصدى لإفتاء الناس وتوجيههم لما يعرف وما لا يعرف، وهذا الأمر خطير جداً؛ لأنه ينصب نفسه موقعاً عن الله -عز وجل- وحكماً بين عباده بالدعوى، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [60) سورة الزمر] وش معنى كذبوا على الله؟

الذي يفتي بلا علم يكذب على الله؛ يدخل دخولاً أولياً في هذه الآية {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [60) سورة الزمر]، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] نص في الموضوع، فإذا ربطنا بين الآيتين عرفنا خطورة الإفتاء بغير علم، وعندنا من تقوم بهم الحاجة -ولله الحمد-من أهل العلم الراسخين المحققين.

وبالمقابل تقاعس المتأهل وتأخره عن نفع الناس في هذا المجال لا يجوز؛ وهو كتم للعلم، بل يتعيّن على من تأهل لإفتاء الناس أن يفتيهم، ولا يجوز له أن يتأخر والحاجة قائمة.

وبعض الناس لا يتحرى إذا أراد أن يسأل، لا يبحث عمن تبرأ ذمته بتقليده، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {اسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ}[(43) سورة النحل]، بل يتجه كثير من الناس لسؤال بعض المفتونين؛ بحثاً عن الرخص، والإنسان إذا بحث عن الرخصة في هذه المسألة، والرخصة في تلك المسألة، والرخصة في المسألة الثالثة والرابعة والعاشرة خرج من دينه؛ لأن الدين تكاليف، فإذا كان الدين كله رخص ما صار هناك دين، ما صار هناك تكليف، والله المستعان.