حرص مقترن بجهل

يقول ابن حجر: وقد شاهدنا من الموسوسين من يغسل يده بالمئين -يعني مئات- وهو مع ذلك يعتقد أن حدثه هو المتيقن، يعني والوضوء مشكوك فيه هل حصل أو لم يحصل؟

والآن الأسئلة تكثر جداً من قبل هؤلاء الموسوسين، وبعضهم يمكث في الوضوء الساعات الطوال، خمس ساعات ست ساعات وهو يحاول يتوضأ للصلاة ولا يستطيع، وبعضهم يقول: إن لكل مفصل في الأصابع، كل عقدة من العقد نية مستقلة -نسأل الله العافية-، وهذا سببه الاسترسال مع الشيطان فيما يمليه على المسلم، فإذا استرسل في أول الأمر زاده، يزيده، ولا شك أن هذا ناتج عن حرص مقترن بجهل، وإلا لو حسم المادة وقطع الطريق على الشيطان ما حصل له مثل هذا، ثم يتحول بعد ذلك إلى مرض عضال، لا يستطيع التخلص منه إلا بكل مشقة، بكل حزم وعزم، وصدق لجأ إلى الله -جل وعلا-، وإلا بعض الناس ممن يأتون للأسئلة نهاره وليله كله يقضيه في الوضوء، ثم بعد ذلك يحاول الصلاة فلا يستطيع، له وسواس آخر في الصلاة، فيكبر تكبيرة الإحرام مراراً، ثم بعد ذلك يعيدها، يعيدها يكبرها بصوت منخفض، ثم يعيدها بصوت مرتفع، ثم يعيدها بصوت مفزع، وهكذا -نسأل الله السلامة والعافية-، فلا بد من قطع الطريق على قاطع الطريق الشيطان، الذي يريد أن تترك هذه العبادة التي هي في الحقيقة رأس مال كثير من المسلمين، يعني بعض المسلمين لهم أبواب أخرى من أبواب الخير يعني مع الصلاة، لكن بعض المسلمين ممن ليس له زكاة، ولا يستطيع حج ولا جهاد ولا عنده والدين يبره، يعني هذا رأس ماله الصلاة، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.

يقول الشارح: لا يزيد عن الثالث إلا رجل مبتلى يعني: بالجنون؛ لظنه أنه بالزيادة يحتاط لدينه، ولا شك أن بعض الصور عند بعض الموسوسين جنون، وقد يأتي يسأل يقول: أنا ما استطعت أن أحقق النية، تقول له: توضأ بدون نية، صلِ بدون نية، يقول: النية شرط لصحة الوضوء، شرط لصحة الصلاة نقول: صحيح لكن بالنسبة لغيرك، أنت ما بقي إلا خيط رقيق ونقول: اترك الصلاة، قال: هو مجنون؟! قلنا: لست من المجانين ببعيد، يعني يأتي في الساعة الثامنة صباحاً في ليالي الشتاء مع طول الليل يقول: إنه إلى الآن يحاول يصلي العشاء ما استطاع، هذا ما بينه وبين الجنون شيء -نسأل الله العافية-، فمثل هذا لا بد من الاهتمام به، وكون الإنسان يقتصر على أقل الواجب أفضل من أن يزيد ليدرك الفضل فيقع في المحظور، يعني مثل هؤلاء يقال: توضأ مرة مرة، وهذا علاجه، فإذا برئ من دائه لاحق على السنة -إن شاء الله تعالى-، وهناك قصة معروفة أن عجوز -هي متداولة بين طلاب العلم- عجوز مسرفة في استعمال الماء قال لها ولدها: إن هذا إسراف ولا يجوز ومحرم، ومن زاد على الثلاث فابتدع، فردت عليه، قال: ألا يقنعكِ فلان، وهو من كبار أهل العلم في بلده، بل هو كبيرهم ومقدمهم، قالت: بلى يكفيني، يقنعني، فدعا به وأعطاه ماءً ليتوضأ، ماءً قليلاً بقدر المد، والعجوز هذه لا يكفيها البرميل، فأحضر ماءً بقدر المد فتوضأ الشيخ وضوءاً مجزئاً مسقطاً للطلب، ثم ذهب الولد إلى أمه وهي ترى الشيخ فقال لها: هل اقتنعت؟ فذكرت أنها تنوي إعادة كل ما صلته خلف هذا الشيخ، هذا بلا شك أنه وسواس، والموسوس لا يقتنع بمثل هذا، فإذا كان في الحضرة من هو من هذه الشاكلة فيقتصر على الأدنى، وكما أنه إذا كان في الحضرة من يظن فيه التفريط وعدم إكمال الوضوء فإنه يؤتى بالأكمل.