{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [(4) سورة الحديد] يعني مبصر لأعمالكم، فهو معكم ببصره، بعلمه، بسمعه، فهو يعلم ويسمع ويبصر ما تعملون، ومقتضى ذلك أنه إذا كان معنا، إذا استحضرنا مثل هذا النص لا بد أن تكون منزلة المراقبة لله -جل وعلا- عاملة عملها فينا، وهي مرتبة الإحسان، إذا كان الله -جل وعلا- معنا يسمع كلامنا ويبصر أعمالنا {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [(4) سورة الحديد] ويسمع كلامنا، ويرانا أين ما كنا، وهو معنا أين ما كنا، فلا بد أن نراقبه، لا بد من أن نراقب الله -جل وعلا- في جميع أعمالنا، وهذه مرتبة الإحسان التي هي: أن تعبد الله -جل وعلا- كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة فاستحِ من نظر الإله وقل لها
|
|
والنفس داعية إلى الطغيان إن الذي خلق الظلام يراني
|
يعني أيش الدرس العملي الذي نستفيده من مثل هذه الآية؟ " إذا كان الله -جل وعلا- مَعَنَا أَيْنَمَا كُنَّا ويَرَانَا، يَرَى أَعْمَالَنَا، ويُبْصِرُنَا، ويَسْمَعُ كَلَامَنَا أَيْنَ مَا كُنَّا فِي أَيِّ مَكَانٍ كُنَّا، سَواءٌ كُنَّا ضَاحِينَ لِلشَّمْس وَضَحَ النَّهَار، أَوْ كُنَّا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْل، أَو فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثْ، أَوْ أَكْثَر، اللهُ -جَلَّ وعَلَا- يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلُّه، ومُقْتَضَى ذَلِكْ أَنْ نُرَاقِبُه فِي جَمِيعِ أَعْمَالَنَا وَأَقْوَالَنَا، وفي جَمِيعِ تصرفاتنا".
{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(7) سورة المجادلة].
والنجوى الكلام سراً، هذه هي النجوى, {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} -جل وعلا- رابعهم بعلمه، بحيث لا يخفى عليه شيءٌ من نجواهم، {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} لأنه لم يذكر إلا الأعداد الفردية، ما ذكر الأشفاع، ثلاثة وخمسة، ولا أدنى من ذلك، يعني أدنى من ثلاثة اثنين، إلا هو ثالثهم، ولا واحد يتحدث إلى نفسه إلا والله -جل وعلا- يطلع على ما يختلج في صدره {وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} سواءٌ واحد أو اثنين أو أربعة {وَلَا أَكْثَرَ} ستة, سبعة, عشرة، مائة، لا تشتبه عليه اللغات، ولا تلتبس عليه الأصوات، يعني لو قدر أن الملايين، نحن يمرُّ علينا شيء من هذا، لو تصورنا مثلاً المطاف وهو كضيض بالزحام، وكل واحدٍ يتكلم بكلام يختلف عن كلام غيره، وأحياناً لا يسمعه من بجواره، ولغات مختلفة ومطالب متعددة لا يخفى على الله -جل وعلا- شيء من لغاتهم، ولا لهجاتهم، ولا من مطالبهم وحاجاتهم إضافة إلى سائر من على ظهر المعمورة -جل وعلا-، {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} العدد المذكور ولا أكثر منه {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} أينما كانوا في أي مكان كانوا {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يخبرهم بما عملوا، يخبرهم بما عملوا، هو معهم لا يظن العامل عمل السوء أنه يخفى على الله -جل وعلا- ولا يظن المتكلم بكلامٍ لا يرضي الله -جل وعلا- أنه يخفى على الله، ولا يظن أيضاً، بل لا يظن من عمل أي عملٍ أنه يخفى على الله، أو يتكلم بأي كلام، لا بد أن ينبئه الله -جل وعلا- بما حصل منه يوم القيامة، فإن كان خيراً جازاه عليه، وإن كان شراً عاقبه عليه أو عفا عنه {أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقت الحساب يقررهم، ((ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه يوم القيامة، ليس بينه وبينه حجاب وليس دونه ترجمان)) بدون ترجمان، {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(7) سورة المجادلة]. لا تخفى عليه خافية يعلم كل شيء.