طالب العلم عليهِ أنْ يُعنى بصحيح البُخاري، ويَجْعلُهُ مِحور عملِهِ، بحيث ينظر في أحاديثهِ أوَّلاً فأوَّل، فيبدَأ في الحديث الأوَّل ويَنْظُر فيهِ، ويَنْظُر في مواضِع تَخْرِيجِهِ في ثنايا الكتاب، فَنَجِد الحديث الأوَّل خرَّجهُ الإمام البُخاري في سَبْعةِ مَواضِع يَنْظُر في هذهِ المَواضِع، في هذهِ المَوَاضِع كُلِّها السَّبعة، ويُقارن بينها في الأسَانِيد، والطُّرُق، وصِيَغ الأدَاء، وفي المُتون، وما يَزِيد وما يَنْقُص، يأخُذ تصَوُّر كامل لهذا الحَدِيثْ في مَواضِعِهِ السَّبْعَة من صَحيح البُخاري، ولماذا زاد هنا، ولماذا نَقَصْ هناك، وينظُر في تراجم الإمام البُخاري على هذهِ المَواضِع السَّبْعَة، فهي فِقْهُهُ، وهي اسْتِنْبَاطُهُ من هذا الحَدِيثْ، وهذا فقه السُّنَّة لمن أرادَ العَمَل بالسُّنَّة، ويَنْظُر أيضاً ما يَذْكُرُهُ البُخاري في ثَنايا أو بعد هذه التَّراجم من المُعلَّقات، والمَوْقُوفات، والآثَار، يَكُونْ لَدَيْهِ تَصَوُّر كامل بالكِتاب على هذهِ الطَّرِيقة، ثُمَّ يَنْظُر من وافَقَ المُؤلِّف على تخريج هذا الحديث، فينظُر في الكتب السَّنة دُفعةً واحِدَة، وهذهِ طريقَة مُجَرَّبَة ونافِعة، يعني يأخُذ الحديث الأوَّل ويَنْظُر في مَواضِع تَخْريجِهِ من البُخاري في المَواضِع السَّبعة، وينظر في مُسلم بعد ذلك بطُرُقِهِ وأسانيدِهِ، ثُمَّ يَنظُر في من وَافَق البُخاري ومُسْلِم على تَخْرِيجِ هذا الحديث، وهو في كل ذلك إذا رَجَع إلى المَوضِع الثَّاني، والآن يَجْعل الأصل المَوْضِع الأوَّل، ثُمَّ الموضِع الثَّاني إذا نظر فيه وقارن بينهُ وبين المَوضِع الأوَّل في الأُمُور الثَّلاثة التِّي ذكرناها أو الأربعة في التَّرجمة، في الإسناد، في صِيَغ الأداء، وهذهِ في غَايَةِ الأهَمِّيَة في مَتْن الحديث منْ حيثُ الزِّيَادة والنُّقْصَانْ، يُشير على الموضِع الثَّاني أنَّهُ دُرِسْ في الحديث الأوَّلْ، ثُمَّ بعد ذلك الموضِع الثَّالث، ثُمَّ الرَّابع، ثُمَّ الخامِس ثُمَّ السَّابع إلى آخرهِ... وإذا نظر في الحديث في صحيح مُسلم، أشَّر عليهِ ووضع عليهِ إشارة، أنَّ هذا الحديث دُرِس مع الحديث الأوَّل قي صحيح البُخاري، ثُمَّ يأتي إلى هذا الحديث في سُنن أبي دَاود، وينظُر فيه كالنَّظر السَّابق بين مواضِع البُخاري وصحيح مُسلم، ويَضَع عليهِ علامة أنَّ هذا الحديث من سُنن أبي داود سَبَقَت دِراسَتُهُ مع الحديث الأوَّل في صحيح البُخاري، ثُمَّ يَنْظُر في سُنن التِّرمذي، ويَصْنَع فيهِ كما صَنَع في سُنن أبي داود، وينظُر في الزِّيادات، ويَنْظُر كيف تَرْجَم عليه أبي داود، بِمَ ترجمَ عليهِ التِّرمذي، ثُمَّ النَّسائي، ثُمَّ ابن ماجه وهكذا... إذا انتهى من حديث البُخاري بهذهِ الطَّريقة يبقى عندهُ زَوائِد مُسلم التِّي ليسَت عليها إشارة أنَّها دُرِسَت مع أحاديث البُخاري هذهِ أحاديث تَبْقَى يسيرة، فإذا انتهى من مُسلم، ونَظَرَ فيهِ مِثل نَظَرِهِ في البُخاري، انْتَهى الآن من صحيح البُخاري، يَنْظُر في زَوائِد مُسْلِم، ويُجرِّدُها، ويُقارِنُها فيمن وَافَقَ مُسلِماً على تَخْرِيجِهَا على الطَّريقة السَّابقة، فيُقارن بين مُسلم وأبي داود من الأوْجُه التِّي ذَكَرْناها سَابِقاً، ثُمَّ بعد ذلك يضع إشارة في سُنَن أبي داود أنَّ هذا الحديث دُرِسْ مع الحديث رقم (...) في صحيح مُسلم، ثُمَّ التِّرمذي، ثُمَّ النَّسَائي، ثُمَّ ابن ماجه، فإذا انتهى من زوائد مُسلم نَظر في زَوائِد أبي داود التِّي لَيْسَت عليها إشارات، هذهِ زَوائد أبي دَاود على الصَّحيحين، فإذا انتهى من زوائد أبي داود على الطَّريقة السَّابقة نَظَر في زوائد التِّرمذي التِّي لَيْسَت عليها إشارات، دُرِسَت مع صحيح البُخاري، ولا دُرِسَت مع مُسْلِم، ولا دُرِسَت مع أبي داود، هذه زوائد التِّرمذي، ثُمَّ بعد ذلك يَنْظُر في زَوائِد النَّسائي، وابن ماجه، وهذه طريقة حقيقةً تحتاج إلى وقت، وتحتاج إلى جُهْد، يعني طالب العلم ما يَصْلُح أنْ يُخَصِّص لها سَاعة في اليوم! ما يكفي! ولا ساعتين، تحتاج إلى خمس ساعات!!! لِيَنْتَهِي من الكُتُب السِّتَّة في غُضُون سَنة أو سَنَتَيْن على الكثير، وليسَ بكثير أنْ يُنْفِق هذِهِ المُدَّة على الكُتُب السِّتَّة؛ لأنَّها دَواوين الإسلام، إذا انْتَهى منها يَنظُر في الكُتُب الأُخرى.