هذه المسألة، مسألة العمل بمقتضى خبر من قبل العالم، أو خلاف الخبر، لا تقتضي التصحيح في حال العمل بمقتضاه؛ لأنه قد يعمل به مع غيره، أو لدخوله في قواعد عامة، ومثلنا بالاستثناء إلا ما غلب على لونه، أو طعمه، أو ريحه، ضعيف باتفاق الحفاظ، ومع ذلك الحكم متفق عليه، فلا يعني هذا أنه صحيح، ومسألة العكس، إذا ترك العمل بحديث، فلا يعني أن هذا تضعيف؛ لأنه قد يعمل بمخالفه مما هو أرجح منه، وقد يكون منسوخاً عنده، وقد يكون كما يعتذر به عن الأئمة، قد يكون الخبر قد خفي عليه، ما بلغه الخبر، ولذلك تجدون الأئمة قد تكون لهم فتاوى، يصدر منهم فتاوى مخالفة لأحاديث صحيحة، فإما لكونه معارض بما هو أرجح منه، أو لكونه لم يبلغه، أو لأن فهمه للخبر غير فهمك للخبر، أنت تظن أن هذا الإمام رد الخبر، وهو في الحقيقة قد عمل بالخبر على فهمه، ففي حديث: ((وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة))، لما تسمع أنه عند المالكية أن عرنة موقف، هل تقول إن الإمام مالك رد هذا الخبر، أو ما بلغه الخبر؟ بلغه الخبر، وعمل بالخبر، لكن على حسب فهمه هو، لا تفرض فهمك عليه، يقول: لو لولا أن عرنة من عرفة ما استثنيت، ما قال ارفعوا عن مزدلفة، ولا ارفعوا عن منى، لكن هي منها، يأثم الذي يقف؛ لأنه خالف الأمر، لكن وقوفه صحيح، هو فهم هذا، والجمهور قالوا: لما نهي عن الوقوف فيها إذن ليست من عرفة، فقد يكون عدم أو عمله بالخبر على خلاف ما تفهم أنت، ولشيخ الإسلام -رحمه الله- من الاعتذارات عن الأئمة في كتابه: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) كلام طيب جداً؛ لأن بعض طلاب العلم، بعض طلاب العلم يقعون في الأئمة وأنهم يخالفون النصوص، لا سيما بعد الهجمة على التقليد، على التقليد، ومطالبة الناس كلهم بما فيهم الطلاب المبتدئون بالتفقه من الكتاب والسنة، شوف الشافعي كم خالف من حديث، أحمد كم خالف من حديث؟ انظر كتب الحنابلة، ويش تشتمل عليه؟ كتب الحنفية حدث، ولا حرج، وهكذا، نقول: لا يا أخي، شوف الإمامة لشيخ الإسلام ابن تيمية حين اعتذر عن هؤلاء الأئمة، يعني هل يظن بالإمام أحمد أنه يخالف خبراً صحيحاً لا يحتمل تأويلاً، وهو ناصر السنة؟ هل يظن بمالك نجم السنن مثل هذا؟ أبداً ما يظن بالأئمة مثل هذا، لكن لا بد لهم من عذر، وهذه الأعذار جاء على كثير منها شيخ الإسلام ابن تيمية في (رفع الملام)، فعلى كل طالب علم أن يراجع هذا الكتاب، ويفيد منه.