ظُهُور المَعَاصِي وفُشُوّ المُنْكَراتْ

قال رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنزل اللهُ بقومٍ عذاباً)) يعني إذا عمَّهُم الله بعذابٍ؛ لظُهُور المعاصي وفُشُو المُنكرات؛ استحقَّ النَّاس العذاب العام – نسأل الله العافية – كما قال النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في الحديث، لما قيل لهُ: ((أنهلكُ وفينا الصَّالحُون؟ قال: ((نعم، إذا كَثُر الخبث))، وهؤُلاء الصَّالحُون يُبْعَثُون على نِيَّاتِهم، يَعُمُّهُم العِقاب، فَيَمُوتُون مع النَّاس؛ لكنَّهُم يُبْعَثُون على نِيَّاتِهِم، فإذا جَهَر النَّاس بالمعاصي من غير نكير أصاب الجميع العذاب، ثُمَّ بُعِثُوا على نِيَّاتِهم، إنْ كانت صَالحة هذهِ النِّيَّاتْ؛ فالعُقْبَى صالحة؛ وإلاَّ فَسَيِّئَة، كذلك العذاب طُهرة للصَّالح، تكفير لما حَصَل منهُ منْ تَفْرِيط بالأمْر والنَّهي، ونِقمة على الفاسق، أخرج ابن حبان والبيهقي عن عائشة -رضي الله عنها- مرفُوعاً: ((إنَّ الله تعالى إذا أنزلَ سطوتهُ بأهلِ نِقْمَتِهِ، وفيهم الصَّالحُون قُبِضُوا معهم، ثُمَّ بُعِثُوا على نِيَّاتِهم وأعمالهم)) وفي السُّنن الأربع من حديث أبي بكر -رضي الله عنهُ-، سَمِع رسُول الله -صلى الله عليه وسلَّم- يقول: ((إنَّ النَّاس إذا رأوا المُنكر، فلم يُغيِّرُوهُ أوشكَ أنْ يَعُمَّهُم الله بعذاب))، هذا يُبيِّن أهمِّيَّة الأمر والنَّهي، وأنَّ الله -سُبحانهُ وتعالى- يَرْفَعُ به العذاب، وأنَّهُ سبب تفضيل هذهِ الأُمَّة وخَيْرِيَّتِها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لماذا؟ لأنكم عرب؟! بسببٍ واحد {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران / 110 ]، ولماذا لُعِنُوا بنو إسرائيل؟ {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة/79] هذا أمر في غاية الأهَمِّيَّة حتَّى عدَّهُ جَمْعٌ من أهل العِلْم سادس الأركان  الأمر والنَّهي، وهذه الفئة المُكلَّفة بهذا الأمْر الذِّين هم أهل الحِسْبَة منْ قِبَلِ وليِّ الأمر لا شكَّ أنَّ الله -سُبحانهُ وتعالى- يَرْفَعُ بسَبَبِهِم العذاب؛ لكنْ قد لا يصدر بهم الواجب لكثرة المُنكرات! فَيَتَعَيَّن على جميع منْ رَأَى مُنكر أنْ يُغيِّرُهُ، ولا يعتمد على أهل الحِسبة، كل شخص كل مُسلم يتَّجِه إليهِ الخِطَابْ من المُكَلَّفِينْ مُكَلَّف بقولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((من رأى منكم مُنكراً فليُغيِّره)) التَّغيير لا بُدَّ منهُ؛ لكنْ على حسب القُدْرَة والطَّاقة  ((بِيَدِهِ)) مرتبة أُولى، بِيَدِهِ وهذا يستطيعه -بالنِّسبة لِعُمُوم النَّاس- وُلاة الأمور وبالنِّسبة لمن تحت اليد من النِّساء والذَّرَاري والأتباع  يستطيع أن يُغيِّره ولي الأمر الخاص، وما عدا ذلك يُنتقل فيهِ إلى المرتبة الثَّانية وهي اللِّسان، على الإنسانْ أنْ يُغيِّر ((فإنْ لَمْ يَسْتَطِع فَبِلِسَانِهِ)) واللِّسان بالأُسْلُوب المُناسب، بالطَّريقة التِّي لا تهيب ولا يَتَرتَّب عليه أمر مُنكرٌ أعظم، يستطيع الإنسانْ أنْ يُغيِّر الكثير من المُنكرات، ولو تَتَابَعَ النَّاسُ على الإنكار؛ لما تَتَابَعَ أهلُ المَعَاصِي على عِصْيَانِهِم! لَخَفَّت هذهِ المُنكراتْ؛ بل انْقَطَعَ دَابِرُها؛ لكنْ تواطأ النَّاس على السُّكُوت، وهذهِ ضَرائِبْ السُّكُوت! ينتشر المُنكر بحيث يكون مِمَّا عَمَّتْ بِهِ البَلْوَى؛ لكنْ  لو كان الأمر أوَّل ما بدأ أُنْكِر، ثُمَّ ظَهر ثانية أُنْكِر، وثالثة، وهكذا، بحيث لا يَرَاهُ مُسلِم إلاَّ  أنكرهُ؛ ما انتشرت المُنكرات بهذا المُستوى! ما ظهرت الفواحش إلى هذا الحد! ماذا نَجْنِي من المواطئة على السُّكُوت؟! نَجْنِي العُقُوبة العَامَّة – نسأل الله جلَّ وعلا  أنْ يلطف بنا – ((إذا أنزل اللهُ بقومٍ عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم)) يعني من الصَّالحين وغيرهم، ثُمَّ بُعِثوا على أعمالهم، كُلٌّ يُبْعَثْ على ما مات عليهِ منْ نِيَّة وعمل، والنَّاس إزاء المُنكرات على ثلاثة أقسام -كما بيَّن الله -جلَّ وعلا- مِنْهُم من يقع في المُنْكَرْ، ومنهم من يُنْكِر، ومنهم من يسكُت، {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [(165) سورة الأعراف]، ولا شك أنَّ المُنْكِر سالم، القِسْمُ الثَّالث الذِّي سَكَتْ، يقول: بعضُ السَّلف أنَّهُمْ  سَكَتُوا فَسُكِتَ عنهم، {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [(165) سورة الأعراف] هؤُلاء الذِّين ينهَوْنْ {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} بقي القسم الثَّالث فهم سَكَتُوا يقول بعضُ السَّلف فَسُكِتَ عنهم، والصَّحيح أنَّهُم هؤُلاء الذِّينَ سَكَتُوا مع القُدْرَة على الإنْكَار مع الذِّينَ ظَلَمُوا؛ لأنَّ عَدَمْ إنْكَار المُنْكَر ظُلْم، فَهُم داخِلون في الظَّالِمِينْ، الحديث فيه التَّحذير الشَّديد والوَعِيد الأكيد بالنِّسبة لمن سَكَتَ عن النَّهي، فكيفَ بِمَنْ دَاهَنْ؟! فكيفَ بِمنْ رَضِيْ؟! فكيفَ بِمَنْ أَعَانْ؟! يعني يَسَّرْ أَسْبَابْ انْتِشَار المُنْكَرْ، هذا أمْرُهُ أَعْظَمْ، هذا شَرِيكْ، فكيفَ بِمَنْ بَرَّرْ وُجُود المُنْكَراتْ؟! نسأل الله السَّلامة والعافية.