الفُتْيَا بِغَيْرِ عِلْمْ

((إنَّ الله لا يقبضُ العلم انتزاعاً ينتزِعُهُ من صُدُور الرِّجال؛ وإنَّما يقبضُ العلم بقبضِ العُلماء، فإذا قُبِضَ العُلماء اتَّخَذ النَّاس رُؤُوس جُهَّالْ سُئِلُوا فأفْتَوْا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا)) لا بُد من وُجُود من مثل هؤُلاء قَضَاءً، ولا يعني أنَّهُم شرعاً يُمَكَّنُونْ؛ لأنَّ النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- أخبر عنهم! - لا – هُم قَدَراً قَضَاءً موجُودينْ مِصْدَاقاً لحديثهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؛ لكنْ لا يعني أنَّهُم لا بُدَّ أنْ يُوجَدُوا شرعاً، فَيَمْتَثِل من وَلاَّهُ الله أمر المُسلمين أنْ يُعيِّنْ من أمثال هؤُلاء لِتَطْبِيق هذا الخبر ما يُمكن؛ لأن ما جاء الخبر عنهُ مما سيقع في آخر الزَّمن ليس مطلُوباً إيجادُهُ ولا تَحْقِيقُهُ؛ إنَّما هو موجُود كعلامة لقُرب السَّاعة، وُجُود مثل هؤُلاء لا شكَّ أنَّهُ موجُود ومُنْذُ أزمان؛ لكنْ على طالب العلم الذِّي يُريد الفائدة، وعلى العَامِّي أيضاً أنْ يَنْظُر من يقتدي بِهِ، يَنْظُر من يُقلِّد، يَنْظُر من يعتمد فَتْوَاهُ.

وليسَ في فَتْوَاهُ مُفْتٍ مُتَّبَع

 

ما لم يُضِفْ للعلم والدِّينِ الوَرَعْ

إذا وُجِدَ الوَرَعْ والتَّحَرِّي والتَّثَبُّتْ إلْزَمْ، هذا الذّي أرادَ اللهُ بِهِ خيراً، أمَّا الشَّخص الذِّي يُفتي في كل مسألة، يَقْتَحِم كُلّ غُمْرَة، ولا يَتَرَدَّد في شيء، ولا يَتَوَرَّعْ عن شيء، مثل هذا تَصَرُّفاتُهُ تُوجد منهُ رِيبة ولو كان عندهُ شيئاً من العلم، ما لم يَتَّصِفْ بهذا الوَصْف الذِّي لابُدَّ من تحقيقه لمنْ يُوقِّع عن الله -عزَّ وجل- في الفتوى، المُفتي في الحقيقة يُوقِّع عن الله -عزَّ وجل-، فإذا لم يَتَّصِف بهذا الوَصْف الذِّي هُو الوَرَعْ الذِّي يَجْعَلُهُ يَحْتَاطْ ويَتَحَرَّى ولا يُفْتِي فيما لا يَعْلَم، والمُلاحظ أنَّ كثيراً ممّن يَتَصَدَّى لهذهِ الأُمُور لا يُعْرَفْ عنهُ أنَّهُ قال الله وأعلم! أو لا أدْرِي! مثل هذا تُصاب مَقَاتِلُهُ، مثل هذا يَقَعْ في الخطأ؛ بل يكثُر منهُ الخطأ، ولا يُعان، ولا يُسَدَّدْ، ولا يُوفَّقْ، النَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لمَّا تكلَّم عن الخيل وأنَّها لثلاثة لرجُلٍ وِزْر، ولرجُلٍ أجر، ولآخر وزر، ولثالث سِتْر بعدها فَصَّلْ، ثُمَّ سُئِلْ عن الحُمْر، فقال ما أُنْزِل عليَّ فيها شيء! الرسُول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- المَعْصُوم، إلاَّ هذهِ الآية الجامعة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [(8) سورة الزلزلة]، هذه تربية لمنْ يَتَوَلَّى إفْتَاء النَّاس، فإذا كان الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يقف ما أُنْزِل عليَّ فيها شيء، يعني بالتَّفصيل ما أُنزل شيء؛ لكنْ دُخُولها في عُمُوم هذهِ الآية تدخل، وتجد كثير من أنصاف المُتعلِّمين يتولَّى يُصدِّر النَّاس في العُضل في المسائل الكُبرى في الأُمُور التِّي يَتَرَتَّب عليها تغيير مسارات في مصائر الأُمَّة قد تجد بعض النَّاس يَتَصَدَّى بكلامٍ أشْبَه بالتَّحليلات الصَّحَفِيَّة! يَتَوَقَّعْ أن يكُون كذا، واجتمع عندهُ قرائن وكذا، ويالله خُذ! فمثل هؤُلاء عليهم دائماً أنْ يَتَّقُوا الله -عزَّ وجل-، ((وأَجْرَأُ النَّاس على الفُتْيَا أَجْرَؤُهُم على النَّار)) ويُخْشَى أنْ يَدْخلُوا في عِدَادِ من يَكْذِبْ على الله -عزَّ وجل- {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل]، كذب؛ بل من أَظْهر وُجُوه الكذب على الله -عزَّ وجل- الفُتْيَا بِغَيْرِ عِلْمْ إذْ أنَّكَ تقول حُكمُ الله في هذهِ المسألة كذا، وأنت تكذب عليه {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر]، فعلينا أنْ نَحْذَر مثل هؤُلاء ونَتَّقِيهِمْ، ونُقل عنهم أُمُور تسامحُوا فيها وتَسَاهلُوا وقَلَّدَهُم النَّاس ووقَعُوا فيما وَقَعُوا فيهِ بسبب أمثالِ هؤُلاء، واللهُ المُستعان، ولا يُعنى شخص بعينِهِ؛ لكنْ الكلام عام يعني، وأنا لا أقصد شخص بعينِهِ لكن يُوجد من أمثال هؤُلاء، واللهُ المُستعان.