مسألة فيمن جاوز الميقات

قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((هُنَّ لهُنّ)) هُنَّ: أي هذهِ المواقيت، ((لهُنَّ)) أي لتلك الجِهات، أو لتلكَ الجهات والمُراد أهلها ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) شخص من أهلِ العِراق مَرَّ بالمدينة يُحرم من ذي الحُليفة، شخص من أهلِ نجد مرَّ بالمدينة يُحرم من ذي الحُليفة، شخص من أهل اليمن مَرَّ بالطَّائف يُحرم من قرن المنازل وهكذا.. ((هُنَّ لهُنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ مِمَّن أراد الحج أو العُمرة))، ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) شامي مَرَّ بالمدينة، وتَجَاوز ذا الحُليفة، فلم يُحرم منهُ إلى أنْ وَصِلَ إلى مِيقاتِهِ، شامِي أجَّلَ الإحرام، وقد مرَّ بذي الحُليفة أجَّلَهُ إلى الجُحْفَة، أو نجدي مرّ بذي الحُليفة وتَجَاوزَهُ، وقال أنا أُحرم من السَّيل بدل من لُبس الإحرام أربع ساعات أذْهب إلى السَّيل وألبس الإحرام أقل من ساعة ((هُنَّ لهُنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) هل يلْزَمُهُ شيء أو لا يَلْزَمُهُ؟! ((هُنَّ لهُنّ)) الأصل أنَّ هذهِ المواقيت لأهل تلك الجِهات، فإذا أحرم النَّجدي من قرن المنازل ولو مرَّ بغيرِهِ يكون عَمِل بقولِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((هُنَّ لهُنّ)) عمله ظاهر، وإذا احرم من ذي الحُليفة يكون عَمِل بقولِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) مُقتضى تأجيل الإحرام إلى مِيقاتِهِ الأصلي عمل بالطَّرف الأوَّل ((هُنَّ لهُنّ))، وإحرامُهُ من الميقات الذي مرَّ به يقتضيه قولهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) لكن إذا فَعَل هذا الفِعل، شامي مَرَّ بالمدينة، وقال لن أُحرم من الآن، الجُحفة قدامي، وأجَّل الإحرام إلى أنْ وَصِل الجُحْفَة لا شكَّ أنَّهُ مُخالف لقولِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) لكن لهُ أنْ يقول: أنا عَمِلْتُ بقوله -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((هُنَّ لهُنّ)) فهل عليهِ من شيء؟ هل عليهِ من بأس؟  أوَّلاً من تَجَاوز المِيقات بغضِّ النَّظر عن هذه المسألة، تَجاوزَ المِيقات بالكُلِّيَّة يُلْزِمُهُ جُمهُور أهل العلم إنْ لمْ يَرجع قبل إحْرامِهِ بدم لِخبر ابن عبَّاس عُمدتُهُم في ذلك كُلِّه خبر ابن عبَّاس، وهذا هو القول الوسط في هذه المسألة، وإنْ كان سعيد بن جُبير يقول لا شيءَ عليهِ، ومن السَّلف من يقول فلا حجَّ لهُ منْ تَجَاوز المِيقات! قولان في طرفين؛ لكن القول المُعتمد عند جُمهور أهل العلم أنَّهُ حجَّهُ صحيح؛ لكن يَجْبُرُهُ بدم؛ لأنَّهُ ترك نُسك وهو الإحرام من المِيقات، نأتي إلى مسألتنا في الشَّامي الذِّي أجَّل الإحرام إلى الجُحفة، وقد مرَّ بذي الحُليفة، هو عَمِل بقولِهِ: ((هُنَّ لهُنّ))، وخالف قولُهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) هل يَلْزَمُهُ شيء أو لا يَلْزَمُهُ؟! عند مالك لا يَلْزَمُهُ شيء؛ لأنَّهُ احْرَمَ من مِيقاتِهِ المُحَدَّد لهُ شرعاً، وهو الأصل فيهِ، وجُمهُورُ أهل العلم يُلْزِمُونهُ بالدَّم؛ لمُخالفتِهِ لقول النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) ما دام مرّ بهذا المِيقات فهو مِيقاتُهُ سواء كان من أهل المدينة أو من غيرها، ورأي الإمام مالك وَجِيه، لِهذا أنْ يقول: النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- وَقَّتَ لنا معاشر أهل الشَّام هذا المِيقات وقال: ((هُنَّ لهُنّ))، على كُلِّ حال الأحوط في هذه المسألة أنْ لا يَتَجاوز المِيقات الذِّي يَمُرُّ بِهِ أوَّلاً.