تَلقِين المَيِّت

العرض والتَّلقين أوَّلًا ينبغي أن يكون التَّلقين بِرِفق، ولا يُكرَّر عليه إلاَّ بِقَدرِ الحاجة، بالأُسلُوب المُناسب؛ لأنَّ الإنسان في هذا الظَّرف يضيق خُلُقُه ويَسُوء، فَيُخشَى أن يَنطِقَ بِكلمةٍ تُضَادُّ هذِهِ الكَلِمَة! الأمر الثَّاني مِمَّا ذكرهُ أهل العلم في هذا الباب أن يُذكَر من أعمَالِهِ الصَّالِحَة التِّي عُرِفَ بها؛ لِيُحسِنَ الظَّنَّ بالله -جلَّ وعلا-؛ لأنَّهُ جاء في الحديث الصَّحيح: ((لا يَمُوتُنَّ أحدكم إلاَّ وهو يُحسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ))، وقال الله -جلَّ وعلا- في الحديث القُدُسي: ((أنا عند حُسن ظَنّ عبدي بي)) فإذا ذُكِرَت لهُ أعمَالِهِ الصَّالِحَة؛ أَحسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، وانشَرَحَ صَدرُهُ، وتَمَنَّى لِقَاءَ الله، بِخِلَاف ما لو ذُكِرَت أعمَالُهُ السَّيِّئة اللهُمَّ إلاَّ لو كانت هُناك فيه فُسحَة من الأمر؛ لِيُذَكَّر بها فَيَتُوب عنها، أمَّا إذا ضاق الوقت بحيث لا يَتَمَكَّن من هذا؛ بل تُخشَ العواقب والآثار السَّيِّئة تُترَك وإنَّما يُذَكَّر بِسَعة رحمةِ الله -جلَّ وعلا-، وأنَّهُ كانَ يعمل، وكان يعمل، وكانَ يفعل، على الإنسان أن يعمل في حياته من الأعمال الصَّالحة ما يَجعَلُهُ يُحسِنُ الظَّنَّ بِالله -جلَّ وعلا-، وما يَكُونُ سَبَباً في حُسنِ العاقِبة وحُسنِ الخاتمة، والشَّواهِد من المُحتضرين كثيرةٌ جِدًّا على هذا وعلى ضِدِّهِ، فَمَن عاشَ على شيء مات عليهِ، وأهلُ العلم يقُولُون الفَوَاتِح عنوانُ الخَواتِم، فَمَن عاشَ على شيء مات عليهِ، من مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ، من لَزِمَ الأعمال الصَّالحة، ذَكَرَها عند مَوتِهِ، وكَرَّرَها وقت اختِلَاطِهِ وهَرَمِهِ، وشَغِفَ بها وأحبَّها، وشواهد الأحوال كثيرة على هذا، كم من شخص يحصلُ لهُ ما يحصل من إغماء، وهو من أهل القرآن يُردِّد القرآن! وهو لا يعرفُ أحد، ولا يستطيع أن يَتَكَلَّم بكلمة ومع ذلك يُسمع منهُ القرآن واضح! وكم من مُؤذِّن إذا جاء وقتُ الصَّلاة سُمع منهُ الأذان وهو في حالة إغماء! وبالمُقابل من كان يُزاول الأعمال السَّيِّئة والجرائم والمنكرات تجدُهُ يُكررُها، وذَكَرَ ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- في الجواب الكافي بعض القَصَص المُخِيفَة، فينتبه الإنسان لهذا، وإذا قيل لبعض النَّاس ممَّن شُغِف بالخمر قُل: لا إله إلا الله أجاب بما عاش فيه، إذا كان مشغُوفاًً بالغناء قيل لهُ: قُل: لا إله إلا الله ردَّد أُغنية! وإذا كان مشغُوفاً بالنِّساء إذا قيل لهُ: قُل: لا إله إلا الله ذكر بعض النِّساء المُومِسَات! نسأل الله السَّلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يَعمُرَ حَيَاتَهُ بِطَاعَةِ الله -جَلَّ وعَلَا-؛ لِيَستَصحِبَها إلى وَفَاتِهِ.