لا يأسَ مع المرض

علينا أن تستشفي بالقرآن، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} [(44) سورة فصلت] فإذا حقق الإنسان الوصف واستشفى بالقرآن معتقداً أن الشفاء بيد الله -جل وعلا-، وأنه لا شافي إلا هو {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [(80) سورة الشعراء] وإن باشر بعض الأسباب العادية التي اضطرد نفعها فلا بأس، ((تداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام)) فلا ييأس المريض بأي مرضٍ كان حتى المرض الخبيث السرطان هذا الحديث يتناوله، ((ما أنزل الله داءً)) نكرة في سياق النفي تعمّ جميع الأدواء وجميع الأمراض، حتى السرطان؛ لكن كونه يخفى على كثيرٍ من الناس هذا شأنه شأن جميع ما من شأنه أن يعلم، جميع ما من شأنه أن يُعلم يكون علمه عند بعض الناس دون بعض، وقد يخفى على كثيرٍ من الناس، وقد يحجب عنه أكثر الناس، ويفتح الله على يد بعض خلقه فتحاً ينفع به الله -جل وعلا- خلقه، ومنه هذا المرض، فعلينا أن نستشفي بالقرآن، وأن نلجأ إلى الله -جل وعلا-، ونصدق اللجأ فهو كاشف الكروب، وهو مزيل الهموم، وإذا باشرنا بعض الأسباب من غير اعتمادٍ عليها، نعلم أن الشفاء بيد الله -جل وعلا-، وهو المسبب، وأن هذه الأدوية والعقاقير هي مجرد أسباب قد تنفع، يترتب عليها آثارها، وقد تتخلف كغيرها من الأسباب، وقد يوفق الطبيب لفحص المرض بدقة، ووصف العلاج النافع، وقد لا يوفق، يهمّ كغيره، حتى صاحب العلم الشرعي قد يهم في بعض المسائل، ويفتي بخلاف الحق، وقد يقضي بخلاف الحق؛ لأن الكل بشر، والله المستعان، ونعنى بالعلاج النبوي والطب النبوي الذي صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، كالحبة السوداء، والعسل والعود الهندي وغيرها، هذه ثبتت آثارها، ثبتت الأخبار بها عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، وكتاب الطب النبوي لابن القيم حافل بمثل هذه الأدوية، وكثير من الأدوية تجريبية ثبت نفعها بالتجربة، والعلاج من المرض يختلف فيه أهل العلم، منهم من يقول: هو أفضل من تركه، ومنهم من يرى أن التسليم لله -جل وعلا- والاعتماد عليه أدخل في التوكل وأقوى فهو أفضل.

وعلى كل حال يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "لا أعلم سالفاً أوجب العلاج" لا أعلم سالفاً يعني أحداً من السلف أوجب العلاج، وعلى هذا لا يلام من رفض أن يذهب إلى الأطباء، ولو غلب على الظن أنه يشفى على أيديهم، على كل حال إذا صبر واحتسب، وحديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب معروف ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)) له شفاء بلا شك، لكن قد يعلمه بعض الناس وقد يجهله أكثر الناس، علمه من علمه وجهله من جهله، ولذا لا ييأس من أصيب بأي مرض كان من الشفاء، فإذا توكل على الله -جل وعلا- وسأله بصدق أن يشفيه من هذا المرض، ورقى نفسه بالرقية الشرعية المعروفة بشروطها شفاه الله وعافاه، والله -جل وعلا- يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء].