الإكثار من الكتب قد يكون صارفاً عن التحصيل!

كلاَّ ولا حملك الأسْفَار كالبَهَمِ، يعني ما يكفي أنْ يُقال والله فلان عنده مكتبة كبيرة، ثم بعد ذلك يُعلِّم وهو ما تأهَّل! لأنَّ مُجرَّد اقتناء الكتب لا يعني العلم؛ بل الإكثار من اقتناء الكتب قد يكُونُ صارفاً عن التَّحصيل؛ ولِذا ابن خلدون يقول في مُقدِّمتِهِ: "كثرة التَّصانيف تَعُوقُ عن التَّحصيل" وهذا شيءٌ مُجرَّب، يعني من عنده مكتبة، شيُوخنا أدْرَكناهم مكتباتُهُم دالُوبين أو ثلاثة! كتابين في التَّفسير! وكتابين أو ثلاثة في الحديث! وهكذا في العقيدة، في الفقه! قامُوس واحد أو مرجع واحد في اللُّغة! وكتاب من كتب النَّحو، يعني كتب يسيرة؛ لكن هذهِ الكتب هُضِمَتْ، وعُرِفْ جميع ما فيها، ويُوجد الآن من طُلَّاب العلم منْ عندهُ خمسين ألف كتاب، تَشْغَلُهُ بمُراجعتها، وبعضُهُ يَحُول دُون بعض، يأتي يحتاج إلى كتاب، فيجد الكُتُب مَرْصُوصة دُونَهُ! ويشتري ثانية ويَرصّها ثانية وهكذا، هذا يتعب في جمعها وفي العِناية بها، وفي الوُصُول إليها في بيته، وهذا شيءٌ مُجرَّب، فمُجرَّد كثرة التَّصانيف هذه لا تعني أنَّ الإنسان قد فاق غيرَهُ في العلم! حتَّى إنَّ الحافظ الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل يقول: "إنَّ مُجرَّد جمع الكتب ككنز الفضَّة والذَّهب!" يقول: جامع الكتب  ككانز الفضَّة والذَّهب، صحيح! كتب لا يُسْتَفاد منها؛ إنَّما تُجْمَع تركة بعدَهُ! أو قد يحتاج ويَبِيعُها! مثل الذَّهب والفضَّة يجدها عند الحاجة إليها في معاشِهِ؛ أمَّا كونُهُ يستفيد منها مع كثرتها! كل الطَّبعات من كتاب كذا، ومن كل طبعة نُسخة كذا، يعني الكلام هذا ما صدر من فراغ! لا يُقال إنَّهُ يُقلِّل مِنْ أهمِّية الكُتُب وشأن الكتب، يعني طالب علم ما عِنْدَهُ كتب كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح! الكُتب هي سلاح طالب العلم؛ لكنْ ينبغي أنْ تُؤخذ بحكمة وعقل، وأنَّ الإنسان إذا احتاج لكتاب يشتريه، وقد يشتري الكتاب ليكون مرجع يرجع إليه عند الحاجة ؛ لكن ما هو معنى هذا  يُعذَّب بهذه الكتب كما هو الحاصل لبعض الشيوخ! صارت وبال عليه! وصار كثير منهم حظُّهُ من الكتب نَقْلُها من مكان إلى مكان، إذا انتقل إلى بيت احتاج إلى سنتين أو ثلاث  يُرتِّب! وإذا سَمِع بأنَّ هناك آفة نزلت بهذهِ الكتب، أو اطَّلع على شيءٍ منها في جهة؛ ذَهب ينقُلُها من مكانٍ إلى مكان، ويُنَظِّف ويُعالج وما أدري إيش، هذهِ المسألة لا شكَّ أنَّها مُتْعِبة ومثل ما قَرَّرْنا مشغلة عن التَّحصيل، ونتكلًّم بهذا الموضُوع من حُرقة وحرارة، يعني عانينا من هذا كثيراً؛ لكن لا يعني أنَّ طالب العلم لا يحتاج إلى كتب! هذهِ ليست طريقة، طالب العلم لا بُدَّ لهُ من الكتب، لا بُدَّ لهُ من المراجع، قد يقول: هناك مكتبات كبيرة تُغني عن اقتناء الكتب، نقول: نعم؛ لكن هل هذهِ المكتبات في حوزتك؛ بحيث تُراجعها متى شِئت؟! هذا الكلام ما هو بصحيح، قد تحتاج إلى مسألة يَفُوت وقتها والمكتبة العامة مغلقة! فكون طالب العلم يَقتني الكتب، ويتوسَّط في الاقتناء، لا يُسْرِف ولا يُكْثِر، ولا يترك شيئاً يحتاجُ إليه.