كثير من طُلَّابِ العلم يَجْهَل واقِعَهُ

من يَحْضُرُون الدَّورات لا شكَّ أنَّهُم مُتفاوِتُون في السِّن، والتَّحصيل، والفهم، والإدراك، فبعضهم يُدْرِكْ كل ما يُقال، وبعضهم يُدْرِك تِسْعِين بالمائة، وبعضهم يُدْرِك سبعين، وبعضهم من لا يُدْرِك ولا ثلاثين ولا عشرين! على كُلِّ حال لو لم يَكُن لهذا الشَّخص إلاَّ الوعد الثَّابت من قولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((من سلك طريقاً يَلْتَمِسُ فيهِ علماً؛ سهَّل اللهُ له به طريقاً إلى الجنَّة)) لكنْ مع ذلك يَحْرِص على حُضُور الدُّرُوس التِّي يستفيد منها أكثر، هو لن يخرُج، ولن يرجع صِفْراً! أقل الأحوال أنَّهُ يستفيد الأجر، والثَّواب من الله -جلَّ وعلا-، وأنْ يَحْضُر الدُّرُوس، وحِلَق الذِّكر تَحُفُّها الملائكة، ويَذْكُرُهُ اللهُ فيمنْ عِنْدَهُ، فأقل ما يحصل لهُ هذا؛ إذا لم يحصل على شيءٍ من العلم، وكثير من طُلَّابِ العلم يَجْهَل واقِعَهُ، بَعْضُهُم يقول: قَرَأْتْ فتح الباري كامل؛ ولمَّا انتهيت  أحس إنِّي ما استفدت شيء! قَرَأْتْ شرح النَّووي كامل ما اسْتَفَدْتْ شيء! قَرَأْتْ تفسير ابن كثير كامل ما اسْتَفَدْتْ شيء! بعض النَّاس يُحاول يَسْتَعِيدْ في ذَاكِرَتِهِ ما تُسْعِفُهُ الذَّاكِرَة! هذا حال كثير من طُلَّابِ العلم ! وهذا جَرَّبْنَاهُ وجَرَّبَهُ غيرنا؛ لكن إذا بُحِثَتْ مسألة في مَجْلِسْ وأنْتَ حَاضِر، وقَدْ مَرَّتْ عليكَ  هذهِ المسألة في فتح الباري أو في شرح النَّووي، أو في  تفسير ابن كثير؛ عندك عنها تَصَوُّر، تَعْرِفْ إنَّ هذهِ المَسْأَلَة بُحِثَتْ في الكِتَابْ الفُلاني، وتَعْرِفْ إنَّ رأي فُلانٍ كذا، ولو لم تَسْتَحْضِرْهَا أنت ابتداءً؛ لكنْ إذا أُثِيرَتْ؛ صَار عِنْدَكَ بها عِلْم أفضل من بَقِيَّة الحاضرين! وهذا شيء مُجرَّب، فالإنْسَانْ قد يَسْتَدِرّ الحافظة؛ فَلَا تُسْعِفُهُ؛ لَكِن هي مُخزَّن، العِلْم مُخَزَّنْ فيها، فيخرُج تدريجِيًّا عِنْدَ الحاجة إليهِ، ولا شكَّ أنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونْ، من طُلَّابِ العلم منْ يَقْرَأْ فتح الباري بسنتين، فَيُدْرِك منهُ  مثلًا واحد بالمائة! واحد بالمائة من فتح الباري خيرٌ كثير ترى يا الأخوان، ومنهم من يُدْرك عَشْرَة بالمائة! هذا بعد خير، ومنهم منْ يَحْصُل عِنْدَهُ  تَصَوُّر عام للكتاب؛ بحيث يَسْتَحْضِرْ المسائل؛ وإنْ لم يَسْتَحْضِرْ الدَّقائق! "وذلك فضلُ اللهِ يُؤْتِيهِ من يَشَاء"، وهم كلُّهم يَشْتَرِكُونْ في الأجر على قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ، فلا يأس، نعم الإنْسَان إذا كان إدْرَاكُهُ أقل ما يَنْبَغِي أنْ يَبْدَأْ بِمِثل فتح الباري؛ إذا كانت هِمَّتُهُ أقل لا يَبْدَأ بِمثل فتح الباري، يَبْدَأ بالأُمُور كما يقول أهلُ العلم بالنِّسبة للأكل الكوامخ والجوارش هذهِ مُشَهِّياتْ، تفتح الشَّهِيَّة، أنتْ ما تبدأ باللَّحم مُباشرة – لا- ابدأ بالسَّلطات، ابْدَأْ بالفاكِهة، ابْدَأْ بشيءٍ مُشَهِّي، فتَبْدَأْ إذا كُنْت عازم على القِرَاءة، فَتَبْدَأْ إِمَّا بشرح الكرماني على البُخاري، ومثل هذا ينتهي بشهرين أو أقل؛ يعني إذا لَمْ يُشْرَكْ مَعَهُ غَيْرُهُ يمكن ينتهي بشهر! والنَّووي على مُسْلِم مِثْلُهُ! يُثَنَّى بِهِ، ثُمَّ بعد ذلك يَقْرَأْ الكُتُب الأُخرى، واقْرَأْ شَرْحْ ابن رجب على البُخاري، اقْرَأْ شَرْحْ ابن رجب على الأربعين، يعني أُمُور تُؤَهِّلُك لِمُطالعة الكُتُب التِّي فيها شيء من الطُّول والوُعُورة في الأُسْلُوب.