كيفية استغلال عشر ذي الحجة، ومسائل في الصيام فيها

السؤال
ونحن نستقبل هذه الأيام المباركة -أيام العشر من ذي الحجة-، كيف يستغل المسلم هذه الأيام؛ لينال الأجر الذي فيها؟
وهل يُشرع للحاج صيام يوم عرفة؟
وما حكم الجمع بين نيتين في الصيام في هذه الأيام، حيث يتشجع كثير من الناس أن يصوم هذه الأيام، فيجمع بين القضاء وبين رغبة إدراك فضل هذه الأيام، وبخاصة يوم عرفة؟
الجواب

جاء في الحديث الصحيح: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام» يعني: أيام العشر [أبو داود: 2438 / ويُنظر: البخاري: 969]، فالعمل الصالح فيها أفضل منه في سائر أيام العام، حتى فُضِّلت هذه العشر بالنسبة للأيام على أيام عشر رمضان، وبالمقابل ليالي عشر رمضان أفضل من ليالي هذه العشر، قالوا: إن عشر ذي الحجة فيها عرفة خير يوم طلعت عليه الشمس، وليالي العشر من رمضان فيها ليلة القدر، فالتمايز مِن هذه الحيثية، فالأيام -أي: النهار- بالنسبة لعشر ذي الحجة أفضل، والليالي بالنسبة لعشر رمضان أفضل؛ لِما ذكرنا.

السؤال: (كيف يستغل المسلم أيام العشر؟) يستغلها في طاعة الله ومرضاته، بأداء ما افترض الله عليه أولًا؛ لأن أحب ما يُتقرب به إلى الله أداء الفرائض، ثم بعد ذلك يأتي إلى النوافل وينظر في المفاضلة بينها؛ لأن العبادات تتفاضل، منها الفاضل، ومنها المفضول، فيحرص على كسب الحسنات من هذه النوافل، فيُكثر من نوافل الصلاة ونوافل الصيام، وأيضًا يُكثر من الصدقة والأعمال المتعدِّية، ومِن نِعم الله -جل علا- على المسلمين تنوُّع العبادات؛ ليأخذ كل مسلم من هذه العبادات ما يناسبه، فبعض الناس تسهل عليه العبادات البدنية، ولو طولب بشيء من المال -ولو قَلَّ- لثقُل عليه، فمثل هذا يستغل ما سهَّل الله عليه، ويجاهد نفسه في الأعمال الأخرى، وبعض الناس يسهل عليه بذل الأموال، ويصعب عليه أداء ركعتين، فمثل هذا يبذل الأموال فيما شرع الله له، ويجاهد نفسه في الأعمال الأخرى، وتجد بعض الناس عنده استعداد أن يجلس الساعة والساعتين يقرأ القرآن، ويشق عليه التنفل بالصلاة، حتى قال لي بعضهم: إنه يشق عليه سجود التلاوة! فتنوُّع العبادات من أعظم نعم الله على خلقه، وكل إنسان ميسَّر لما خُلق له، ولكن على الإنسان أن يجاهد نفسه، وأن يُنوِّع هذه العبادات، ويأخذ من كلٍّ منها؛ لأن كل عبادة لها فضلها، ولها مزيَّتها، والعبادات المتعدِّية نفعها معروف في الشرع، فينفع أخاه المسلم بنفسه وماله، ويبذل من جاهه ما ينتفع به إخوانه المسلمون، فيستغل هذه الأيام بمثل هذه الأمور. وعُرف عن سلف الأمة استغلال هذه الأيام بما ذكرنا وعلى رأسها الصيام، والصيام من أفضل الأعمال، وجاء التنصيص على يوم عرفة في الحديث الصحيح، وأنه يكفِّر سنتين [مسلم: 1162]، وبقية أيام العشر استحبه جمع من أهل العلم؛ لدخوله في عموم الحديث الذي يحث على الأعمال الصالحة في هذه الأيام، وهو من أفضل الأعمال «مَن صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا» [البخاري: 2840]، وجاء فيه حديث بخصوصه وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صام العشر [أبو داود: 2437]، ونفتْ عائشة -رضي الله عنها- أن يكون -عليه الصلاة والسلام- صام العشر [مسلم: 1176]، لكن هذا على حدِّ علمها -كما قال أهل العلم-، والمُثبِت مقدَّم على النافي، وعلى كل حال إن لم يدخل في حديثٍ خاص، دخل في عموم الحديث، والله أعلم.

(وهل يُشرع للحاج صيام يوم عرفة؟) الحاج يكره له الصيام، بل بعضهم شدَّد فيه؛ لأن الحاج بحاجة إلى التفرُّغ للذكر والدعاء واستغلال الوقت فيما ينفعه، وقد يعوقه الصيام عن شيء من هذا، وكثير من الناس إذا صام تعطَّل من الأعمال؛ لأن الصيام قد يشق على بعض الناس -وإن تيسَّر لبعضهم ونراهم في صيامهم كيوم فطرهم، أعانهم الله على ذلك-، ولكن عمومًا العلماء يكرهون الصيام في يوم عرفة للحاج، ومنهم مَن حرَّمه، وابن عمر -رضي الله عنهما- كان يصومه من حرصه على الخير، ولم يثبت في المنع شيء يقوى إلى التحريم، والله أعلم.

(ما حكم الجمع بين نيتين في الصيام في هذه الأيام؟) الأصل أن يكون الصيام بنية القضاء فقط، ولا يُشرَك معه غيره، هذا الأصل، فإن صامها بنية القضاء تمَّ قضاؤه للصيام الفريضة، ويُرجى ما دام اختار هذه الأيام من أجل فضلها ألَّا يُحرم من الأجر، وإن كان أجر الصيام المخصَّص لهذه الأيام مع القضاء لا يجتمع، لكن يُرجى، والله أعلم.