شرح الموطأ - كتاب الجنائز (2)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك علي عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين.

يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن  أبي بكر" بن محمد بن عمرو بن حزم "أن أسماء بنت عميس" زوج أبي بكر، كانت قبله تحت جعفر، لما قتل في مؤتة تزوجها أبو بكر، ولما توفي أبو بكر تزوجها علي -رضي الله عنه-، أسماء بنت عميس، وهي أخت لميمونة بنت الحارث -أم المؤمنين- لأمها "غسلت أبا بكر الصديق" زوجها حين توفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة، عن ثلاثٍ وستين سنة "غسلت أبا بكر حين توفي" ذكر أهل العلم أنه لا خلاف في جواز تغسيل المرأة لزوجها، تغسيل المرأة لزوجها لا خلاف فيه؛ لأنها ما زالت في حكمه وفي عدته، أما تغسيل الزوج لزوجته فأجازه الجمهور؛ لأن عليًّا -رضي الله عنه- غسل فاطمة -رضي الله عن الجميع-، وقال أبو حنيفة والثوري: تغسله؛ لأنها في عدة منه، ولا يغسلها لأنه ليس في عدة منها، والصواب قول الأكثر أن كل واحد من الزوجين يغسل الأخر، والارتباط ما زال بدليل الإرث، كل واحد يرث من الثاني.

"ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إني صائمة، وإن هذا يوم شديد البرد، فهل علي من غسلٍ، فقالوا: لا" هل قولهم: لا؛ لأنها كانت صائمة في يوم شديد البرد أو لأنه لا غسل من تغسيل الميت؟ فقالوا: لا، يعني لا غسل عليكِ، كيف؟ لا واجب ولا مستحب، يعني لعذرها بالصوم والبرد هذا احتمال، وفي المسند والنسائي والترمذي وحسنه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من غسل ميتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)) لكن قال الإمام أحمد: لا يصح في هذا الباب شيء، وقال بعضهم: إن الأمر فيه على الندب؛ لقول ابن عمر: "كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل" قال ابن حجر: إسناده صحيح، فيكون من باب الاستحباب؛ لأن الذي يغسل الميت قد يصل إليه شيء مما ينبغي إزالته، فالاغتسال أكمل يعني هذا وجه الجمع بين ما ورد في ذلك، لكنهم قالوا: لا، يعني ليس عليك غسل، والملاحظ العلة التي ذكرتها أو الإطلاق، والخبر محتمل، لكن الإمام أحمد يقول: لا يصح في هذا الباب شيء، الذي هو باب الأمر بالغسل من تغسيل الميت.

"وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها، ولا من ذوي المحرم -كأخ وعم- أحد يلي ذلك منها" على كلامه يجوز للمحرم أن يغسل قريبته، يعني من فوق الثوب، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

يقول: "سمع أهل العلم يقولون: إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها، ولا من ذوي المحرم كأخ وعم أحد يلي ذلك منها فيجوز حينئذٍ للمحرم -على كلامه- أن يغسل قريبته من فوق الثوب كما قال مالك في المدون والعتبية "ولا زوج يلي ذلك منها" يعني جعل المحرم مثل الزوج "ولا زوج يلي ذلك منها يممت، فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد" الطاهر، يعني لا نساء ولا محرم ولا زوج، إذًا تُيمم، لا يتولاها الرجال الأجانب، وقل مثل هذا في الرجل "قال مالك: وإذا هلك الرجل -أي مات- وليس معه أحد إلا نساء -يعني أجانب- يممنه أيضًا" فمسحن وجهه وكفيه، والجمهور على أن الرجال لا يلون غسل النساء إلا الزوج، وكذا النساء لا يلين غسل الرجال إلا الزوجة فقط، يعني هل للأب أن يغسل ابنته أو للبنت أن تغسل أباها لها ذلك أو ليس لها ذلك؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

حاجة ما فيه زوج ولا نساء ولا أحد، هل نقول: تيمم أو نقول: يجعل عليها ثياب وتبلل أقل الأحوال بحيث لا يليها؟

طالب:.......

الجمهور على أن الرجال لا يلون تغسيل النساء إلا الزوج لزوجته، والنساء لا يلين تغسيل الرجال إلا الزوجة لزوجها، هذا قول الجمهور، لكن مالك يرى أن الأمر أن المحرم له أن يغسل من فوق الثياب، يعني يجرنا هذا الكلام إلى كون الرجل يلي أمه مثلًا في حال حياتها عند حاجتها لقضاء حاجتها وتنظيفها، وقل مثل هذا في البنت تلي أباها، يعني رجل كبير توفيت زوجته وليس عنده إلا ابنته أو العكس، امرأة ليس عندها من يقوم بحاجتها إلا الولد هل يلي ذلك منها؟ ما فيه غيره، ما في البيت غيره، هل نقول: إنها تبقي في نجاستها أو يلي ذلك منها؟ الضرورة داعية إلى ذلك بقدر ما يحقق المصلحة بحيث لا يترتب عليه مفسدة، بقدر ما يحقق المصلحة، نعم؟

طالب:.......

هو بدل الغسل، وتغسيل الميت هل هو لنجاسة ترفع بحيث يقال: لا يجزئ غير الغسل فإذا سقط الغسل سقط الكل أو نقول: هو حدث الموت حدث يرفع بالغسل أو بدله بالتيمم؟

طالب:........

إذن حدث يحتاج إلى تيمم، إذا لم يتحقق الغسل فلا بد من التيمم، أو أنت تريد أن تقول: إن الغسل سقط لأن من لازمه أن يباشر المغسول، والتيمم من لازمه أن يباشر المُيمم هذا قصدك أنت، لكن التيمم أمره سهل بأطراف اليدين وما أشبه ذلك بحائل مثلًا يمم شيئًا ويمسح به لا بأس.

طالب:........

على كل حال أقرب ما يكون إلى الحدث، أما الطهاة فالمسلم لا ينجس طاهر حيًّا وميتًا، يعني هل هو لحدث أو لنجاسة أو هو مجرد تعبد جاء الشرع بهذا ولا نعدل عنه؟ نعم؟

طالب:........

إذا قلنا: تعبد وله بدل وله نظير، ولا تقل مثلًا التراب غبار يزيد الوسخ...نعم؟

طالب:........

ليس لأحد كلام حتى في الصلاة هذا وصفه.

طالب:........

لا، الحنابلة يرون التيمم..........، على كل حال له بدل وله نظائر، نعم؟

طالب:........

لا ما فيه تلازم، أنت ذهبت إلى أن من غسل الميت يغتسل أو ما يجد ماء فيتيمم؟ ما هو بهذا المقصود، نحن قصدنا الميت نفسه، الأصل أن يغسل، تعذر تغسيله، إذًا يعدل إلى البدل يُيمم.

طالب:........

الضرورة تقدر بقدرها، إذا تعذر أن يوجد امرأة تلي المرأة أو رجل يلي الرجل، الضرورة تقدر بقدرها، وبما يحقق المصلحة، بما يحقق المصلحة بحيث لا يترتب عليه مفسدة، بقدر الحاجة إذا استغلقت غلقت الأبواب دون تنظيف إلا بهذا الطريقة إلى الله المشتكى.

قال مالك: "وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف -لا يجوز تعديه- وليس لذلك صفة معلومة، ولكن يغسل فيطهر" يعني إذا عمم بالماء كاغتسال الحي كفى، لكن على ما جاء في حديث أم عطية: ((ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها)) بعد أن قال: ((اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا)) وفي رواية: ((أو أكثر)) كما عندنا ((من ذلك إن رأيتن ذلك)) ...... خمس، فهذه الصفة يبدأ بالميامين ومواضع الوضوء ((ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها)) هل بين الجملتين تنافر وإلا اتفاق؟

طالب:.......

((ابدأن بميامينها)) مقتضاه أن تغسل الرِّجل اليمنى قبل اليد اليسرى هذا مقتضى هذه الجملة ((ابدأن بميامينها)) مقتضى ذلك أن تغسل الرِّجل اليمنى قبل اليد اليسرى، ومقتضى قوله: ((ومواضع الوضوء منها)) والعطف على نية تكرار العامل وابدأن بمواضع الوضوء منها أن تغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى، الجملتان متفقتان أو بينهما شيء من الاختلاف؟ فيه اختلاف ظاهر، لكن نسلك بذلك مسلك الحي، يبدأ بمواضع الوضوء كالحي، توضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك في الغسلات بعد الوضوء يبدأ بالميامن، كما أن الحي يفيض الماء على رأسه ثم يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر.

 

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء في كفن الميت:

حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كُفن في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة.

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: بلغني أن أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- قال لعائشة -رضي الله تعالى عنها- وهو مريض: في كَمْ كُفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية، فقال أبو بكر: خذوا هذا الثوب لثوب عليه قد أصابه مشق أو زعفران فاغسلوه، ثم كفنوني فيه مع ثوبين آخرين، فقالت عائشة: وما هذا؟ فقال أبو بكر: الحي أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هذا للمهلة.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: الميت يقنص ويؤزر ويلف في الثوب الثالث، فإن لم يكن إلا ثوب واحد كفن فيه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كفن الميت"

"حدثني يحيى عن مالك عن  هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفن في ثلاثة أثواب" في طبقات ابن سعد عن الشعبي: "إزار ورداء ولفافة بيض" جاء في السنن من حديث ابن عباس مرفوعًا: ((البسوا ثياب البياض، فإنها أطيب وأطهر، وكفنوا فيها موتاكم)) وصححه الترمذي والحاكم، وله شاهد حديث سمرة بن جندب بإسناد صحيح "بيض" فالبياض هو الأفضل لهذا الحديث وللأمر به: ((كفنوا فيها موتاكم)) يرى الحنفية أن المستحب أن يكون في أحدها ثوب حبرة، وكأنهم أخذوا هذا بما جاء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن في ثوبين وبردٍ حبرة، أخرجه أبو داود من حديث جابر وإسناده حسن، لكن روى مسلم والترمذي من حديث عائشة أنهم نزعوها عنه، يعني كأنه سجي بهذا البرد الحبرة المخطط، ثم نزع عنه -عليه الصلاة والسلام- "سَحولية" أو سُحولية بضم السين أو فتحها سَحولية نسبة إلى سحول قرية في اليمن، قال الأزهري: بالفتح المدينة التي باليمن، وبالضم الثياب البيض النقية، ولا تكون إلا من قطن، إذا قلنا: نسبة إلى سَحول فالنسبة ماشية سَحولية نسبة إلى سَحول قرية باليمن، وإذا قلنا: سُحولية جمع سحل وهو الثوب الأبيض النقي يقول أهل العلم: ولا يكون إلا من قطن، يقول هذا: سقط من بعض النسخ نص الحديث الساقط.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفن في ثلاثة أثواب بيض سـُحولية" يعني مفاده مفاد ما معنى سُحولية جمع سحل نسبة إلى السحول السُحول وهو جمع سحل، والنسبة حينئذٍ إلى الجمع، النسبة إلى الجمع عند أهل العلم شاذة، النسبة إلى الجمع شاذة، لا بد أن يرد الجمع إلى مفرده، ثم ينسب إليه، لكن يرد على هذا أنه إذا كان الجمع أشهر من المفرد كالأنصار مثلًا والأعراب نسب إلى الجمع هم صرحوا بأن النسبة إلى الجمع شاذة. \

"ليس فيها قميص" الجمهور على أن الميت لا يكفن في القميص، وعن بعض الحنفية يستحب القميص، يستحب القميص لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن عبد الله بن أبي في قميصه، يعني ألبس عبد الله بن أبي في قميصه وأدخله القبر، وهذا فعله وذاك ما فعل به، لكن ما كان الله -جل وعلا- ليختار لنبيه إلا الأكمل، وأما كونه يكفن في قميص النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مكافئة له، وجبرًا لخاطر ولده، ولده من خيار الصحابة، مكافئة له؛ لأنه كسا العباس قميصًا لما جاء مهاجرًا، المقصود أن مثل هذه قضية عين كونه -عليه الصلاة والسلام- كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص هذا ما اختاره الله -جل وعلا- لنبيه، وما كان الله  ليختار لنبيه الإ الأكمل "ليس فيها قميص ولا عمامة" الذين يقولون: يكفن في القميص ماذا يجيبون عن هذا الحديث؟ يقولون: ليس فيها يعني في الثلاثة، فلا يمنع أن يكون ليس في العدد وهو موجود، لكن هل هذا ظاهر اللفظ، لا، ظاهر اللفظ يعني المعنى المتبادر من اللفظ أنه لا يوجد القميص البتة، لا يعني أنه يوجد قميص من غير الثلاثة، كما يقول بعض الحنفية، أو أنه لا يوجد قميص وعمامة مجتمعان، يعني قميص دون عمامة لا بأس، فالمنفي اجتماع القميص والعمامة، وليس المنفي القميص وحده أو العمامة وحدها، لكن هذا لا شك أنه تكلف، هذا تكلف ظاهر.

يقول: "حدثني عن مالك عن  يحيى بن سعيد أنه قال: بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة" أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- قال لعائشة -رضي الله  عنها- "وهو مريض في مرض موته: في كم كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" يسأل في كم كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال أهل العلم: ذكر ذلك لها بصيغة الاستفهام توطئة لها على الصبر على فقده -رضي الله عنه وأرضاه- يقولون: لأن مثل هذا لا يخفى على أبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، "فقالت: في ثلاثة أثواب" كان في مرض الموت ويقول لها: في كم كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ليذكرها بمصيبة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فتهون مصيبتها به -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، ولا شك أن من أصيب وتذكر المصاب به -عليه الصلاة والسلام- تهون جميع المصائب "فقالت: في ثلاثة أثواب بيضٍ سحولية، فقال أبو بكر: خذوا هذا الثوب لثوب كان عليه يمرض فيه قد أصابه مِشْق" بكسر الميم وإسكان الشين المغرة عند أهل المدينة، يعني اختلاط البياض بالحمرة، المشق يقولون: هو المغرة اختلاط البياض بالحمرة، وما زال مستعملاً مثل هذا، يقال: هذا شيء أمغر، واللبن فيه مغر إذا كان مختلطًا بشوب من الدم، أحيانًا إذا حلبت الناقة أو الشاة أو العنز ظهر مع اللبن شيء أحمر يسمونه مغر، على كل حال هذا معنى المشق "أو زعفران" أو هذه شك "فاغسلوه" ليزول عنه اللون الذي فيه، وإلا فالثوب الملبوس لا يجب غسله "ثم كفنوني فيه مع ثوبين آخرين" لتكون ثلاثة، يعني كما كفن النبي -عليه الصلاة والسلام- "فقالت عائشة: وما هذا؟" يعني ثوب مستعمل لخليفة المسلمين؟! الخليفة الإمام الأعظم يكفن في ثوب فيه مغرة ما هذا؟ وفي رواية البخاري: "قلت: إن هذا خلق" يعني ما يليق بإمام المسلمين "فقال أبو بكر -رضي الله تعالى عنه-: الحي أحوج إلى الجديد من الميت، وإنما هذا للمِهلة" أو المُهلة أو المَهلة روي بالكسر والضم والفتح، والمراد به الصديد والقيح الذي يسيل من الجسد.

يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف -الزهري- عن عبد الله"  عن عبد الله كذا عندكم في كل النسخ؟ يعني ما فيه عبد الرحمن أبدًا؟ نعم؟

طالب:.......

ما فيها طبعة فيها عبد الرحمن عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن ماذا؟ من الذي يقوله؟ في نسخه يعني من رواية يحيى؟ هذه النسخة هي الصواب، لا أقول: إن عبد الرحمن هو الصواب، لكن وجوده في النسخة هو الصواب، والصواب أنه عبد الله، لماذا؟ لأن يقول ابن عبد البر وغيره: عن عبد الله بن عمرو بن العاص هذا هو الصواب، وغلط يحيى فسماه عبد الرحمن، دليل على أن تسمية عبد الرحمن من عند يحيى، من الأصل، فالأصل أن لا تصحح مثل هذه، تترك كما هي عبد الرحمن، ويبين الصواب في الحاشية، يعني إذا أردنا أن نصحح الكتب من روايات أخرى، الأصل أن يعتمد الإنسان في كتابه على رواية واحدة، ويشير إلى ما عداها يعتمد أرجح الروايات بصوابها وخطئها، ثم يصحح الأخطاء من الروايات الأخرى، ولا يتصرف في الكتاب، يبقي الخطأ كما هو في الكتاب ويعلق عليه، يقول: كذا، والصواب كذا كما في وراية فلان، أما أن يهجم على رواية يحيى ويقول: عن عبد الله بن عمرو بن العاص وروايته عبد الرحمن هذا خطأ عبد الرحمن بن عمرو بن العاص.

طالب:........

لا يمكن أنه من قبل عبد الباقي، ما يلزم أن يكون هو، لا هو موجود في نسخ عتيقة، ما يلزم أن يكون هو هو وجده هكذا، لكن رواية يحيى الذي فيها عبد الرحمن، فالنساخ من الأصل لا يجوز لهم أن يتصرفوا، يعني وجدنا ابن عبد البر يقول: الصواب عبد الله نمسح ونصحح ما هو بصحيح، يبقى كما هو، ثم يشار إلى الصواب في الحاشية، الآن يفاضل بين النسخ، يرجح بين النسخ إن كان هناك نسخة معتمدة عليها سماعات لأهل العلم موثقة تعتمد بما فيها، ويصحح الخطأ في الحاشية، إذا كان ما هناك ميزة لأحد النسخ عن غيرها فيعتمد الصواب في الأصل، ويشار إلى اختلاف النسخ في الحاشية، ويبقى أن كثيرًا ممن يسلك هذا المسلك الذي يسمونه النص المختار كثير منهم يرجح أمور الراجح الذي في الحاشية، وهذا أمر في غاية الأهمية، اعتداء على كتب أهل العلم، فالذي لا يأنس من نفسه الأهلية والكفاءة لا يتصدى لتحقيق كتب أهل العلم.

"عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: الميت يقمص" أي يلبس القميص، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وزاد: "ويعمم"؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كسا عبد الله بن أُبي قميصة، كساه قميصه، هذه حجة من يقول: بأن الميت يكفن في قميص، وزاد علي ذلك قال: ويعمم، وفي الحديث الصحيح: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن في ثلاثة أثواب -كما تقدم- ليس فيها قميص ولا عمامة، أما يعمم هذه من يعرف لها أصل؟ يعني إذا عرفنا أن للقميص أصلًا فكيف بالعمامة؟ "يقمص ويؤزر" أي يجعل له إزار "ويلف في الثوب الثالث، فإن لم يكن إلا ثوب واحد كفن فيه" يكفن في ثوب واحد، ولا ينتظر بدفنه ارتقاب شيء آخر، إذ الواجب ما يستر بدن الميت اتفاقًا، يكفي واحدًا، لكن الأكمل ثلاثة، إلا ثوب واحد كفن فيه يقول الباجي: يريد أنما ذكر أولًا هو المستحب يعني الثلاثة هو المستحب عنده لمن وجد فإن لم يجد إلا ثوبًا واحدًا اجتزأ به، والأصل في ذلك ما روي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قتل مصعب بن عمير وكان خيرًا مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا برده، وفي البخاري: أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائمًا فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه. انفتاح الدنيا يعني ليس بخير من كل وجه، لا شك أنها نِعم، لكن قليل من عبادي الشكور، النعم تحتاج إلى شكر، فإذا لم تشكر تحولت إلى نقم، وصار العدم خيرًا منها، الصحابة الذين تقدمت وفياتهم قبل الفتوح هؤلاء وفرت لهم أجورهم، وهذا عبد الرحمن بن عوف يقول: مصعب خير مني، عبد الرحمن مشهود له بالجنة، خير مني، يعني وفر له أجره بكماله، ما نقص منه شيء، لا شك أن توافر هذه النِّعم خير، لكن يبقى أنها إن شكرت بهذا القيد وإلا تحولت إلى نقم، والواقع يشهد بذلك كثير من الناس لما استغنوا طغوا {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(6-7) سورة العلق] هذا هو الغالب، وعلى كل حال لمن شكر نعم المال الصالح للرجل الصالح.

سم.

أحسن الله إليك:

باب: المشي أمام الجنازة:

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانوا يمشون أمام الجنازة، والخلفاء هلم جرًّا وعبد الله بن عمر.

وحدثني عن مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه أخبره أنه رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقدم الناس أمام الجنازة في جنازة زينب بنت جحش -رضي الله تعالى عنها-. وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة قال: ما رأيت أبي قط في جنازة إلا أمامها، قال: ثم يأتي البقيع فيجلس حتى يمروا عليه.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: المشي خلف الجنازة من خطأ السنة.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: المشي أمام الجنازة"

المشي أمام الجنازة هل الأفضل أن يمشي أمامها أو يمشي خلفها، أو يفرّق بين المشاة والركبان فيمشي المشاة أمامها والركبان خلفها؟ هنا يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة" أمام الجنازة يعني قدامها، وبعضهم يلتمس علة لهذا العمل، وإنهم إنما أتوا شفعاء والشفيع  يتقدم المشفوع له "والخلفاء هلم جرًّا"  يقول ابن الأنباري في الزاهر مطبوع في مجلدين: معناه سيروا على هينتكم، أي تثبتوا في سيركم، ولا تجهدوا أنفسكم، يقولون: إن أول من قالها عدي بن زيد، لكن هلم جرًّا الآن جاءت هنا تابعة للسير أو تابعة لتتابع الخلفاء على هذا السير، يعني تتابع الخلفاء على هذا أنهم كلهم أمام الجنازة؟ أو جاءت لبيان كيفية السير وأهل العلم يقولون: يسن الإسراع بها دون الخبب، تتابع الخلفاء والولاة على هذا ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم... إلى آخره، هلم جرًّا، يعني تتابعوا على ذلك، نعم؟

طالب:.......

أصلها هلم جرًّا أصلها إبل محمله تجر جرًّا، تمشي على الهوينا؛ لأنها محملة، هذا الأصل فيها، أنت لو عرفت أصل الكلمة، لو ترجع إلى الزاهر لابن الأنباري أطال عليها، والخلفاء وعبد الله بن عمر أيضًا يمشي أمامها وهو من أتبع الناس للسنة، يعني ينص على ابن عمر في مثل هذا لتحريه وتثبته في مثل هذا الأمر، والخلفاء يدخلوا فيهم علي-رضي الله عنه-؛ لأنه روي عنه خلاف ذلك.

وعبد الله بن عمر، روي أيضًا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في فضل المشي خلف الجنازة، روي أخبار، وعن علي وغيره، لكن قال ابن عبد البر: هذه أحاديث كوفية لا تقوم بأسانيدها حجة، والمشي أمامها أفضل لما ذكروا به قال الثلاثة، وقال أبو حنيفة المشي خلفها أفضل، وقال الثوري هما سواء، وهذا الحديث كما ترون مرسل في الموطأ عند جميع رواته، وهو عند الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه موصول من حديث ابن عمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه موصول، لكن في الترمذي قال أهل الحديث يرون أن المرسل أصح والنسائي صوب الإرسال، وأنتم مر بكم مرارًا أحاديث كثيرة جدًّا تفوق الحصر عند مالك يرويها بالإرسال، وهي مروية من طريقه في الصحيحين بالاتصال، مالك يخرج الأحاديث مرسلة، ومن طريقه -دعونا من طريق غيره- من طريقه هو يخرج في الصحيحين متصل، وما ذلكم إلا لأن الإمام مالك يرى أن الحجة تقوم بالمرسل كقيامها بالمتصل، لكن هنا الإمام الترمذي يقول: أهل الحديث يرون أن المرسل أصح، والنسائي صوب الإرسال، مسألة تعارض الوصل والإرسال الخلاف فيها والأربعة الأقوال معروفة، لكن ليس فيها حكم عام مطرد بحيث يرجح الإرسال مطلقًا أو الاتصال مطلقًا، إنما يحكم على كل حديثٍ على حده حسبما ترجحه القرائن، نعم؟

طالب:........

ينشط الراوي فيصل، ويكسل ويرسل، لكن الإمام مالك ما يرى فيه فرق، الحجة تقوم بالمرسل مثل قيامها في المتصل.

واحتج مالك كذا النعمانِ

 

به وتابعوههما ودانوا

يقول: "وحدثني عن مالك عن محمد بن المنكدر" يعني ابن عبد الله بن الهدير ضبطوه بالتصغير التيمي "عن ربيعة بن عبد الله" يعني عن عمه ربيعة بن عبد الله بن الهدير أو الهُدير "أنه -يعني  ربيعة- أخبره" يعني أخبر محمدًا "أنه رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقدم" يعني يتقدم، جاءت في رواية أيضًا "يقدم الناس أمام الجنازة" يعني أمامهم "في جنازة زينب بنت جحش" الأسدية أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- التي زوجها الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام- من فوق سبع سماوات، ماتت سنة عشرين، وكانت أول نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- لحوقًا به. هذا فعل عمر -رضي الله عنه- وتقدم ما يدل عليه في الحديث السابق.

"وحدثني يحيى عن مالك عن هشام عن عروة قال: ما رأيت أبي -يعني عروة- قط في جنازة إلا أمامها" قدامها "قال -هشام-: ثم يأتي البقيع" المقبرة المعروفة بجوار المسجد النبوي "فيجلس حتى يمروا عليه" بالجنازة، إذا مروا عليه بالجنازة ماذا يصنع؟ يقوم؟ نعم جاء القيام للجنازة، والخلاف في القيام هل هو محكم أو منسوخ؟ المسألة معروفة عند أهل العلم، كثير من أهل العلم يرون أنه منسوخ.

يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: المشي خلف الجنازة من خطأ السنة" المشي خلف الجنازة من خطأ السنة؟ كيف من خطأ السنة؟ خطأ يعني مخالفة أو من خطأٍ في تطبيق السنة؟ نعم من مخالفة السنة، وخطأ في تطبيقها المشي خلف الجنازة، وقد جاء ما يدل على أن المشي يكون أمام الجنازة وإلا كيف من خطأ السنة؟ يعني التركيب عن ابن شهاب أنه قال: المشي خلف الجنازة من خطأ السنة، وهم عرب أقحاف، كيف يقول: من خطأ السنة؟ الآن مضاف ومضاف إليه.

طالب:.......

المشي؟ أما المشاة فهم أمام الجنازة كما في هذه النصوص، والركبان لو تأخروا كان أولى.

أحسن الله إليك:

باب: النهي عن أن تتبع الجنازة بنارٍ:

حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أنها قالت لأهلها: أجمروا ثيابي إذا مت، ثم حنطوني، ولا تذروا على كفني حناطًا، ولا تتبعوني بنار.

وحدثني عن مالك عن  سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه نهى أن يتبع بعد موته بنار.

قال يحيى: سمعت مالكًا -رحمه الله- يكره ذلك.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: النهي عن أن تتبع الجنازة بنار" يقول ابن عبد البر: لأنه من فعل النصارى، ولا ينبغي أن نتشبه بهم، وقال أيضًا: أظنه من فعل الجاهلية، وقال ابن حبيب: إنما نهي عن ذلك لما فيه من التفاؤل بالنار.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن -جدته- أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لأهلها: أجمروا ثيابي إذا مت" أجمروا يعني بخروا ثيابي، وهو من السنة "أجمروا ثيابي إذا مت، ثم حنطوني حنوطًا" ما يجعل في جسد الميت وكفنه من طيب وكافور، قال أبو عمر: أجاز الأكثر المسك في الحنوط، وكرهه قوم "ولا تذروا على كفني حناطًا" الحناط بزنة كتاب هو الحنوط كرهت ذلك خشيت المباهاة "ولا تتبعوني بنار" وكذلك أوصى أبو سعيد وعمران بن حصين وأبو هريرة كما سيأتي.

يقول: "وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد -كيسان- المقبري عن أبي هريرة أنه نهى أن يتبع بعد موته بنار" قال ابن عبد البر: جاء النهي عن أن يتبع الميت بنار عن ابن عمر مرفوعًا، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار)) قال: لما فيه من التفاؤل بالنار، لماذا لم يقل: لما فيه من التشاؤم؟ على كل حال من الأضداد التفاؤل والتشاؤم بمعنى إلا أنه غالب ما يقال: التفاؤل في الخير والتشاؤم بالشر، لكن هي من الأضداد كالبشارة، البشارة والنذارة، البشارة بالخير والنذارة بالشر، لكن {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [(24) سورة الإنشقاق] الثواب في الغالب في الأجر {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} [(36) سورة المطففين] يعني أعطوا ثواب، المقصود أنه قد يأتي على خلاف الأصل، نعم؟

طالب:.......

في النار؟ نعم قال ابن عبد البر: إن هذا من فعل النصارى، ومنهم من يقول: إنه من فعل الجاهلية، ونحن مأمورون بمخالفة الكفار، والله المستعان.

أهل العلم يقولون: يسن التربيع في حمله بأن يحمل من جوانبه، يستحبون التربيع؛ لئلا يشق على الحاملين.

"قال يحيى: سمعت مالكًا يكره ذلك" قال ابن عبد البر: ولا أعلم بين العلماء خلاف في كراهية ذلك، مَن مِن أهل العلم يجيز أن تتبع الجنازة بنار؟ لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك، جنازة في الليل في آخر الشهر، في ظلام دامس، والنار من أجل ضوئها، الأمور بمقاصدها، ما أتبعت الجنازة بنار إنما نور الطريق لم تتبع الجنازة بنار، كما أن إضاءة المقبرة من أجل الدفن لا يعني أن من أضاءها مؤقتًا بغير شيء ثابت لا يجوز إضاءتها بشيء ثابت إنما شيء مؤقت من أجل أن يتمكن من الدفن في الليل لا بأس، وإلا جاء النهي عن اتخاذ المساجد والسرج في المقابر.

 سم.

أحسن الله إليك.

باب: التكبير على الجنائز:

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى وصف بهم، وكبر أربع تكبيرات.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمرضها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ماتت فآذنوني بها)) فخرج بجنازتها ليلًا فكرهوا أن يوقظوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر بالذي كان من شأنها، فقال: ((ألم أخبركم أن تؤذنوني بها؟)) فقالوا: يا رسول الله كرهنا أن نخرجك ليلًا ونوقظك، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات.

وحدثني عن مالكِ أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يدرك بعض التكبير على الجنازة ويفوته بعضه فقال: يقضي ما فاته من ذلك.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: التكبير على الجنائز" التكبير على الجنائز، اختلف السلف في عدد التكبيرات، ففي صحيح مسلم عن زيد بن أسلم: ((كبروا خمسًا)) ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن ابن مسعود أنه صلى على جنازة فكبر عليها أربعًا، وكان يكبر على أهل بدر ستًّا، وعلى الصحابة خمسًا، وعلى سائر الناس أربعًا، وللبيهقي عن أبي وائل كانوا يكبرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعًا وخمسًا وستًّا وأربعًا، فجمع عمر -رضي الله عنه- الناس على أربع، قال ابن عبد البر: انعقد الإجماع على أربع، وعليه فقهاء الأمصار، معنا في الباب حديثان، الأول حديث النجاشي، والثاني حديث المرأة المسكينة، الأول يمثل علية القوم، ملك، والثاني يمثل مساكين المسلمين، وهذا الملك كبر عليه أربعًا، وهذه المسكينة كبر عليها أربعًا، فكأن عمر -رضي الله عنه- نظر إلى الأمرين فجمع الناس على أربع تكبيرات، وأخذ به فقهاء الأمة، أخذ بهذا الاجتهاد من عمر-رضي الله عنه- فقهاء الأمة، واجتهاد عمر في هذه المسألة له نظائر، اجتهادات مصيبة وموفقه لها أصل في الشرع، وتسندها العمومات.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- نعى النجاشي" النجاشي بفتح النون، ويقال بكسرها النِّجاشي، وخفت الجيم وتشديد آخره النجاشي، يعني الياء، الياء مشددة؛ لأنها على زنة ياء النسب، وحكى المطرزي التخفيف النجاشي بدون تشديد نظير ذلك ما تقدم ذكره في النسبة إلى اليمن إذا قلت: يماني فالياء خفيفة، الياء مخففة وليست مشددة؛ لأن ياء النسب عبارة عن ياءين، مشددة عبارة عن ياءين، هذه الألف المزيدة قامت مقام إحدى الياءين فخفف، وجوز بعضهم التشديد، ولعلى هذا من ذلك الباب، إذا قلنا: النجاشي مأخوذ من النجش وما أشبهه، قلنا: إن الألف زائدة تقوم مقام الياء الثانية، وعلى كل حال هو ملك الحبشة لقب لكل من ملك الحبشة، والمراد بهذا الحديث هو المعاصر للنبي -عليه الصلاة والسلام- أصحمة بن أبحر، واسمه: بالعربية عطية كان ردءًا نافعًا للمسلمين في بلده، هاجر الصحابة إليه مرتين، أسلم في بلده ولم يهاجر، فحكمه حكم كبار التابعين؛ لأنه ما هاجر ولا رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"نعى النجاشي للناس" أي أخبرهم بموته، والنعي جاء ذمه، وهنا يراد بالنعي مجرد الإخبار، أي أخبرهم بموته ومجرد الإخبار إخبار الأهل والأقارب وخواص الرجل ومعارفه وأهل الصلاح هذا مشروع؛ لأنه ترجى إجابة دعوتهم له، هذا مشروع إخبارهم بذلك، مجرد إخبار من غير أن يصحب الإخبار شيء آخر، والحالة الثانية: دعوة الناس الجفلا+ كل الناس يدعون للصلاة عليه من أجل المفاخرة، أقاربه وذووه وتلاميذه مثلًا وأتباعه يدعون الناس كلهم للصلاة على فلان ليقولوا: إنه صلى على والدنا عشرة آلاف، عشرين ألفًا وهكذا، وكذلك لو فعله الأتباع ليبينوا للناس أن شيخهم أو متبوعهم أفضل من فلان أو علان  للمفاخرة، صلى على شيخنا أكثر ممن صلى على شيخكم، وهكذا، هذا مكروه عند أهل العلم، ولا زاد الأمر عن ذلك لما بعد تحريمه، أما الإعلام المقرون بالنياحة وما أشبهها هذا حرام بلا شك، والنعي الموجود في الجاهلية والذي جاءت النصوص بمنعه هو يصحبه رفع صوت، وذكر محاسن، ووقوف من جمع غفير في أبواب السكك والطرقات ألا إن فلان ابن فلان الفاعل التارك الذي كذا وكذا قد مات، هذا النعي، ما يذكر في الصحف من الأخبار الأمور بمقاصدها إذا أعلن الأولاد عن موت أبيهم وفي ذهنهم أنه يحضر من له أو عليه حق له ممن لا يمكن إبلاغهم مباشرة هذا مقصد صحيح، وإذا كان القصد بذلك المفاخرة والمكاثرة هذا له حكم، وإن اقترن بذلك ذكر محاسن وإطراء ومبالغات هذا أيضًا له حكم، فالأمور بمقاصدها، في اليوم الذي مات فيه في رجب سنة تسع وإن كان على النحو الذي يذكر في كتب التراجم عند أهل العلم ومثل ما قلنا سابقًا: الأمور بمقاصدها، إذا كان ذكر محاسنه للمفاخرة بهذه المحاسن هذا هو النعي المنهي عنه، وإن كان القصد من ذكر محاسنه الإفادة من مؤلفاته والانتفاع بمنهجه وطريقته وليستفيد الناس مما يمكن الإفادة منه فهذا شيء حسن، هذا كلام الإمام أحمد -رحمه الله-: بيننا وبينكم الجنائز، وهذا شيء مشاهد، إذا مات شخص من أهل العلم اجتمع الناس الجموع الغفيرة للصلاة عليه، وإذا مات مبتدع ما يجد من يصلى عليه، نعم بدون إعلان، القلوب بيد الله -جل وعلا-، الناس لا يساقون بالقوة إلى الصلاة على فلان أو علان، لكن قد يرد على هذا أنه قد صلي على بعض من ليس له شأن في الدين أو أعظم من ذلك له أثر سيئ في الدين كثرت عليه الجموع لأنه متبوع، على كل حال الإنسان لن ينفعه إلا عمله هذا الأصل {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [(39) سورة النجم] هذا الأصل كونه يحتف به أمور لأمر من الأمور اجتمع الناس للصلاة عليه أو لبعض أقاربه وبعض معارفه وفاءًا لهم لا له هذه أمور أخرى لا ترجع إلى الشخص نفسه، المقصود أنه إذا كان من أتباعه الذين لا أثر لدعوتهم فالعبرة في أهل الصلاح في صلاة أهل الصلاح وأهل الفضل الذين ترجى إجابة دعوتهم.

طالب:........

السفر من أجل الصلاة لا بأس بها، حكمها حكم زيارة المريض وحكم الصلة وحكم... ما فيه شيء؟ هم لا يسافرون إلى البقعة المنهي عنه، المنهي السفر إلى شد الرحل إلى البقاع، لو سافر شخص لصلة الرحم ليحضر زواج مثلًا قريب أو صديق نقول: شد الرحل، ما فيه شيء أبدًا، حكمها حكم عيادته لو كان مريضًا، أو زيارته في الله إن كان سليمًا "وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعًا" في هذه القصة -قصة النجاشي- علم من أعلام النبوة حيث أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بموته في  اليوم الذي مات فيه والمسافة بين المدينة والحبشة تحتاج إلى زمن طويل، أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بموته في اليوم الذي مات فيه، وليس هناك وسائل اتصال ولا شيء، إذًا جاءه الخبر من الله -جل وعلا-، هذا علم من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-، استدل به بعضهم على منع الصلاة على الميت في المسجد كما هو قول الحنفية والمالكية، وسيأتي ما يعارضه في حديث عائشة -إن شاء الله تعالى-، استدل به أيضًا على مشروعية الصلاة على الغائب عن البلد، وبهذا قال الجمهور، الشافعي وأحمد وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه، عند الحنفية والمالكية لا تشرع الصلاة على الغائب؛ لأنه لم يؤثر أن النبي  -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى على أحد غير النجاشي، والنجاشي له ظروفه حيث مات في بلدٍ ليس فيها أحد، واحتمال أنه ما صلي عليه، هذا توجيه لشيخ الإسلام وغيره أنه البلد الذي لم يصل عليه فيه يصلي عليه المسلمون صلاة الغائب، لكن من أين لهم أن يقولوا: إنه لم يصلّ عليه أحد؟ هذا دون إثابته خرط القتاد، ما الذي يمنع أن يكون له أتباع أسلموا معه ولو لم يهاجروا وصلوا عليه؟ المقصود أنه ما دام الاحتمال قائم فلا مانع من الصلاة على الغائب، والأصل أصيل في هذا الباب، قال بعضهم: يصلى عليه في اليوم الذي مات فيه، أما إذا طالت المدة لا يصلى عليه، منهم من قال كابن حبان: إنه يصلى عليه إذا كان في جهة القبلة، في جهة القبلة تصلي عليه، أما إذا كان في غير جهة القبلة لا تصلي عليه؛ لأنه إذا كان في جهة القبلة يكون بين يديك، وهذا هو مكان الميت من المصلي، أما إذا لم يكن في جهة القبلة فإنه لا يصلى عليه، وهذا استنباط من ابن حبان، استنبطه من قصة النجاشي؛ لأن النجاشي بالنسبة لأهل المدينة في جهة القبلة، يعني إذا توجهوا إلى مكة الحبشة أمامهم، لكن لو كان الميت في الشام مثلًا أهل المدينة يستدبرونه، فلا تصح الصلاة عليه، هذا كلام ابن حبان، لكنه جمود على القصة، جمود على قصة النجاشي، فإذا أخذنا الحكم والنجاشي غائب عن البلد إذًا كل غائب عن البلد بصفة النجاشي مما له أثر في الإسلام يصلى عليه، وقد يقول قائل: إن هذا أيضًا جمود على قصة النجاشي لماذا لا يصلى على كل أحد؟ نقول: يرد على هذا أنه ما صلي على كل أحد، فالنجاشي له أثر في الإسلام بلا شك، فمن كان له أثر في الإسلام يصلى عليه.

"فصف فيهم وكبر أربع تكبيرات" فيه أن التكبير في صلاة الجنازة أربع تكبيرات، وهو الشاهد من الحديث، وفيه مشروعية الخروج إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه، وقصد الإشاعة لموته على الإسلام؛ لأن بعض الناس لم يعلم أنه أسلم، فلما أخبروا بموته وصلى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف الجميع أنه أسلم، هذا غائب عن البلد هل يأخذ حكم الغائب من غاب  بدنه يعني ولو غاب في البلد نفسه من غرق في البحر أو قتل ولم يُتمكن من غسله والصلاة عليه أو أكله السبُع فلم يبقِ منه شيء؟ يقول الباجي: من غرق في البحر أو قتل ولم يتمكن من غسله أو أكله السبُع فلم يبق منه شيئًا فقد قال ابن حبيب: يصلى عليه كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنجاشي؛ لأنه غائب لا وجود له بين المصلين، فهو في حكم الغائب, يقول: وقال غيره من أصحابنا لا يصلى عليه، لكن المتجه أنه يصلى عليه؛ لأنه غائب حكمًا والأصل في المسلم أنه يصلى عليه.

يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة -أسعد- بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة" في البخاري وغيره: "أنها امرأة سوداء كانت تقم المسجد واسمها: محجنة أو أم محجن كما في الإصابة "مرضت فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمرضها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعود المساكين ويسأل عنهم" يقول الباجي: فيه دليل على اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخبار ضعفاء المسلمين، يعني اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- بأخبار ضعفاء المسلمين، وتفقده لهم؛ ولذلك كان يخبر بمرضاهم، وذلك من كريم خلقه -صلى الله عليه وسلم-، وتواضعه كما وصفه الله –عز وجل-: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [(43) سورة الأحزاب] ولذا أمر -صلى الله عليه وسلم- أن يؤذن بها، يعني يعلم بها ويخبر بشأنها إذا ماتت لئلا يخفى أمرها عليه "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعود المساكين ويسأل عنهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ماتت فآذنوني))" كأنه أحس -عليه الصلاة والسلام- بدنو أجلها، آذنوني يعني أعلموني وأخبروني "فخرج بجنازتها ليلًا" والدفن ليلًا جائز "فكرهوا أن يوقظوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إجلالًا له وهيبة له وشفقة عليه -عليه الصلاة والسلام- "فلما أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر بالذي كان من شأنها" يعني بعد سؤاله -عليه الصلاة والسلام- عنها أخبر بشأنها "فقال: ((ألم أمركم أن تؤذنوني بها؟)) فقالوا: يا رسول الله كرهنا أن نخرجك ليلًا ونوقظك" ولابن أبي شيبة: "فقالوا: أتيناك لنؤذنك بها فوجدناك نائمًا فكرهنا أن نوقظك" وللبخاري: "كأنهم حقروا شأنها" وفي مسلم: "صغروا أمرها" يعني العلة مركبة، حقروا أمرها وكرهوا أن يوقظوا النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يوقظوه، "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى صف بالناس على قبرها فصلى" فيه دليل على مشروعية الصلاة على القبر وبهذا قال الشافعي وأحمد، ومنعها مالك وأبو حنيفة، وقالوا: هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، لكن الخصائص لا تثبت بمجرد الاحتمال، بل لا بد من دليل يدل على التخصيص "وكبر أربع تكبيرات" فيه دليل على أن التكبيرات في صلاة الجنازة أربع، وعرفنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كبر أربعًا على النجاشي، وهو من عِلية القوم، وكبر على هذه أربع وهي من ضعفاء المسلمين ومساكينهم.

يقول: "وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يدرك بعض التكبير على الجنازة ويفوته بعضه فقال: يقضي ما فاته من ذلك" لأن صلاة الجنازة يشملها عموم ((فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) نعم يقضي ما فاته، ويكون على صفته، ويكون ما أدركه أول صلاته؛ لعموم ((فأتموا)) والمسألة فرع عما يدركه المصلي في الصلاة المفروضة عند من يقول: إن ما يدركه المصلي آخر صلاته، فإذا جاء بعد تكبير الإمام التكبيرة الثالثة يكبر ويدعو للميت، لكن على القول وهو المرجح أن ما يدركه المسبوق أول صلاته يكبر فيقرأ الفاتحة ثم يكبر ثانية إذا كبر الإمام للرابعة فيصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا سلم الإمام كبر الثالثة ودعاء للميت، ثم كبر رابعة وسلم ((وما فاتكم فأتموا)) والذي يقول: إنما يدركه آخر صلاته وهو المعروف عند الحنابلة والحنفية يقول: إذا كبر مع الإمام الثالث يدعو للميت، فإذا كبر الرابعة ثم سلم الإمام يأتي بما فاته، يأتي بالتكبيرة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة.

المسألة إذا سلم الإمام وهو مسبوق فإذا خشي أن ترفع الجنازة عرفنا أنه يقضي ما فاته على صفته، وهكذا في جميع الصلوات في صلاة العيد في صلاة الكسوف في صلاة الجمعة في صلاة...، على صفته، لكن هنا إذا خشي أن ترفع الجنازة فهل يتابع التكبير من غير ذكر، يكبر تكبيرتين، ثلاث، ويسلم أو يقضيها على صفتها ولو رفعت أو يدعو بما تيسر ويستعجل في ذلك؟ المسألة خلافية، فقال: يقضي ما فاته من ذلك يعني بعد سلام الإمام، وبه قال الجمهور، وقال ابن عمر والحسن وربيعة والأوزاعي لا يقضي، واختلف في كيفية القضاء، فقال مالك: يتابع التكبير بلا دعاء، وقال أبو حنيفة: يدعو، واختلف عن الشافعي، لكن ينبغي أن يفرق بين ما إذا كان يدرك الدعاء قبل أن ترفع بحيث يستوفي الدعاء وإلا فيدعو بما تيسر بأخص ما يدعى به للميت، ثم يتابع التكبير ويسلم، جمع من أهل العلم يقول: لا يجوز الجمع بين الصلاتين بشخص واحد، لكن الذي لم يصل يصلي.

أحسن الله إليك:

باب: ما يقول المصلي على الجنازة:

حدثني يحيى عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد القبري عن أبيه أنه سأل أبا هريرة -رضي الله عنه-: كيف تصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة: أنا -لعمر الله- أخبرك: أتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه ثم أقول: اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدًا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب -رحمه الله- يقول: صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط فسمعته يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر.

وحدثني عن مالك عن نافعٍ أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يقول المصلي على الجنازة"

"حدثني يحيى عن مالك عن سيعد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه -كيسان- أنه سأل أبا هريرة كيف تصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة: أنا -لعمر الله- أخبرك" هذا موطئ للقسم، مثل هذا لا خلاف فيه، ولعمري جاءت في بعض النصوص، واستعملها الصحابة، وأجازها الجمهور.

"أنا -لعمر الله- أخبرك، أتبعها من أهلها" أي أسير معها من دارها إلى المسجد، وذلك من حق المسلم على المسلم أن يتبع جنازة أخيه "فإذا وضعت كبرت" وكأنه لا يرى القراءة كابن عمر على ما سيأتي.

"كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه  -صلى الله عليه وسلم- ثم أقول: اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك" هذا أسلوب استعطاف "كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدًا عبدك ورسولك" يعني وقد وعدت من نطق بهذه الشهادة الخير العظيم، وعدته بالجنة "وأنت أعلم به" أنت أعلم بعبدك منا "اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه" أي ضاعف أجوره "وإن كان مسيئًا" متلبسًا ببعض الذنوب والمعاصي "فتجاوز عن سيئاته" فلا تؤاخذه بها "اللهم لا تحرمنا أجره" أي أجر فقده، ومصابنا به، أو أجر الصلاة عليه "ولا تفتنا بعده" هذا الدعاء يقال في الصلاة على الميت، وموضع الدعاء بعد التكبيرة الثالثة على ما سيأتي، وجاءت أدعية مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلها مما يمحض فيه الدعاء للميت، مما ينفعه، فالمصلون جاءوا ليشفعوا لهذا المسكين الذين انقطع عمله.

عن أبي هريرة موقوفًا عليه ما فيه إشكال، جاء في الأدعية المرفوعة صيغ كثيرة منها ما في الصحيح، ومنها ما في السنن: "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه... إلى آخر، الدعاء المعروف، اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك.

يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد -الأنصاري- أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط" الصبي معروف أنه غير مكلف، لم يجر عليه قلم التكليف، رفع عنه القلم "فسمعته يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر" مفهومه أن من لم يعمل خطيئة يعذب، لكن هناك أمور يشترك فيها الناس كلهم، الضغطة -ضغطة القبر- والوحشة والإنفراد، هذا يعم الأطفال وغير الأطفال، فالدعاء له بمثل هذا دعاء له بالأنس وأن تخفف عليه الضغطة، والله المستعان.  

وإلا مقتضى كونه لم يعمل خطيئة قط أنه لا يعذب.

يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة" ابن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة إنما هو مجرد دعاء للميت عنده، كما تقدم نظيره في صنيع أبي هريرة -رضي الله عنه-، بهذا قال كما سمعتم ابن عمر وأبو هريرة وجماعة من التابعين وأبو حنيفة ومالك، يقولون: ما فيها قراءة، وقال ابن عباس وابن مسعود بمشروعية القراءة، وبهذا قال الشافعي وأحمد وفي البخاري: صلى ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنها سنة، أسمعهم إياها، وقال: لتعلموا أنها سنة، وفي النسائي فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة لتعلموا أنها سنة.

قول الصحابي: سنة له حكم  الرفع عند جمهور العلماء؛ لأنه لا يريد بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال الحسن: يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب، ويقول: اللهم اجعله لنا فرطًا وسلفًا وأجرًا، وروى عبد الرزاق والنسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعنى بعد التكبيرة الثانية، ثم يخلص الدعاء للميت، يعني بعد التكبيرة الثالثة، يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في الأول، يعني بعد التكبير الأولى فقط.

يقول ابن حجر: وإسناده صحيح، السنة في الصلاة على الجنازة، وإذا أطلقوا السنة فمرادهم سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإسناده صحيح، فعلى هذا بعد التكبيرة الأولى القراءة، وبعد الثانية الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعد الثالثة الدعاء للميت.

أحسن الله إليك:

باب: الصلاة على الجنائز بعد الصبح إلى الإسفار وبعد العصر إلى الاصفرار:

وحدثني يحيى عن مالك عن محمد بن أبي حرملة مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب أن زينب بنت أبي سلمة توفيت وطارق أمير المدينة، فأُتي بجنازتها بعد صلاة الصبح فوضعت بالبقيع، قال: وكان طارق يغلس بالصبح، قال ابن أبي حرملة: فسمعت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول لأهلها: إما أن تصلوا على جنازتكم الآن، وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس.

وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: يصلى على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا لوقتهما.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الصلاة على الجنائز بعد الصبح إلى الإسفار وبعد العصر إلى الاصفرار" في الوقتين الموسعين، الصلاة على الجنازة في الوقتين الموسعين بعد الصبح إلى الإسفار يعني قبل أن تطلع الشمس، وبعد العصر بعد صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس.

روى مسلم وأحمد وأصحاب السنن عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلى فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، حين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" هذه الأوقات الثلاثة مضيقة. يقول الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، يعني المنع من صلاة الجنازة في هذه الأوقات؛ لأنهم حملوا دفن أو قبر الموتى على الصلاة؛ لأن الدفن من متطلبات الصلاة، يقول الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، يكرهون الصلاة على الجنازة في هذه الساعات، ساعات الأوقات المضيقة، وقال ابن المبارك: معنى هذه الحديث أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة على الجنازة؛ لأن قبر الميت في حد ذاته لا إشكال فيه، ولا يتعلق به نهي، والنهي عن الصلاة، النهي في أوقات النهي إنما يراد به عن الصلاة، وذكر قبر الموتى لأن من متطلباته الصلاة، وقال ابن المبارك: معنى هذا الحديث أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة على الجنازة، وكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وإذا انتصف النهار حتى تزول الشمس وهو قول أحمد وإسحاق، وقال الشافعي: لا بأس به، لا بأس بالصلاة على الجنازة في الساعات التي تكره فيها الصلاة، مع أننا عرفنا رأى الشافعي -رحمه الله- في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، ورأي غيره من أهل العلم.

"باب: الصلاة على الجنائز من الصبح إلى الإسفار وبعد العصر إلى الاصفرار" في شرح الزرقاني يقول: فيجوز بلا كراهة، هذا هو المشهور عن مالك، أنها لا تجوز بعد الإسفار وبعد الاصفرار، وروى ابن عبد الحكم عن مالك جواز الصلاة على الجنازة في كل وقت بما في ذلك الأوقات المضيقة، وهو قول الشافعي؛ لأن النهي إنما ورد في التطوع لا الواجب، صلاة الجنازة تطوع وإلا واجبة؟ واجبة، فرض كفاية، الصلاة الأولى على الميت فرض كفاية، إذا صلي عليه وسقط الفرض، ثم وضعت الجنازة انتظارًا لدفنها في أوقات النهي، الآن سقط الفرض صارت في حكم الباقين سنة، وهنا يقول مالك: إنما ورد النهي في التطوع لا الواجب، نتفق معه على أن صلاة الجنازة فرض كفاية، ويقصد بذلك الصلاة الأولى التي يسقط بها الواجب، فإذا سقط الواجب صار في حكم الباقين سنة، هؤلاء الذين لم يدركوا الصلاة عليها في المسجد هل لهم أن يصلوا عليها إذا وضعت انتظارًا لدفنها على أرض المقبرة؟ وهل يختلف الأمر فيما إذا وضعت قبل أن تدفن وبعد أن تدفن؟ صلاة الجنازة صلاة، يتناولها عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة بعد الصبح)) ((ولا صلاة بعد العصر)) و"ثلاث ساعات كان الرسول ينهانا"... إلى آخره، فهي صلاة؛ ولذا لا تصح إلا باستكمال شروط الصلاة، فهي صلاة، وإذا اتفقنا مع مالك وغير مالك ممن يقول: بأن النهي خاص بالنوافل لا الفرائض، إذا أديت الصلاة للمرة الأولى سقط الفرض وبقي في حكم الباقين سنة، فإذا وضعت بعد صلاة العصر في المقبرة بعد أن أديت الصلاة الواجبة عليها أو بعد صلاة الصبح لوقت موسع أو في الوقت المضيق هل نقول: لا تصلوا عليها لأن الوقت وقت نهي؟ أو نقول: هذه صلاة مربوطة بسبب وجود السبب وفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي معروف الخلاف فيه؟ يجري عليها ما ذكرناه سابقًا في فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، الوقتين الموسعين لا إشكال فيهما، يصلى على الجنازة فيهما، وأما بقيت الأوقات فلا يصلى على الجنازة فيها؛ لأن تنتظر الجنازة وما المانع تنتظر لأن الأوقات المضيقة قصيرة؟ حتى في الصلاة الأولى التي هي واجبة يعني لا يترتب على التأخير شيء لو أحضرت صلاة جنازة قبل غروب الشمس بعشر دقائق وما المانع أن ينتظر بها صلاة المغرب فإذا صلوا يصلون عليها؟ أو أحضرت الجنازة قبل بزوغ الشمس أو مع بزوغ الشمس ينتظر بها حتى ترتفع الشمس؛ لأنه في حديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلى فيهن وأن نقبر فيهن موتانا" فالأمر لا شك أنه ليس من السهولة بحيث يقول أدنى واحد: هذه ذوات أسباب وذوات الأسباب جاء ما يخرجها من عموم أحاديث النهي، والمسألة تقدمت مع البسط.  

يقول: "وحدثني يحيى عن مالك عن محمد بن أبي حرملة" قرشي مولاهم "مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب" بن عبد العزى "أن زينب بنت أبي سلمة" عبد الله بن عبد الأسد المخزومية، ربيبة النبي -عليه الصلاة والسلام- "توفيت" سنة ثلاثة وسبعين، وحضر ابن عمر جنازتها قبيل موته "وطارق -بن عمرو الأموي مولاهم- أمير المدينة" لعبد الملك بن مروان "فأتي بجنازتها بعد صلاة الصبح فوضعت في البقيع، قال -محمد-: وكان طارق يغلس في الصبح" أي يصليها وقت الغلس قبل الإسفار، يعني ما زال وقت النهي الموسع موجود، فيصلى عليها في مثل هذا الوقت "قال ابن أبي حرملة: فسمعت عبد الله ابن عمر يقول لأهلها: إما أن تصلوا على جنازتكم الآن -يعني في الوقت الموسع وقت الغلس قبل الإسفار- وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس" أما أن يصلى عليها في الوقت المضيق فلا، ومفهومه أنه لا يصلى عليها في الوقت المضيق.

"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا لوقتهما" يعني في أول الوقت، وهذا يشهد لما قبله، يقول الباجي: لوقت الصلاتين المختار، ولابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران كان ابن عمر يكره الصلاة على الجنازة إذا طلعت وحين تغرب، يعني في الوقتين المضيقين.

اللهم صلِّ على عبدك ورسولك.

يقول: كلمة ابن ماجه صاحب السنن تنقط وتنطق تاء في الوصل أو هاء مع التوجيه؟

ماجه ومنده وداسه هي هاء لا تنقط، ولا تنطق ماجة ومندة وداسة، كلها بالهاء.

يقول هذا: ماجه داسه ومنده نقل الشيخ بكر أبو زيد عن الشيخ عبد السلام هارون أنه قال: لا مانع من أن تنطق يعني وتعرب كما عرب غيرها، ولم يروا مانعًا من ذلك، فما رأيكم بذلك؟

لو تقرؤون مقدمة فؤاد عبد الباقي لسنن ابن ماجه وكأنه يميل إلى أن نقطها أرجح، لكن هذا الذي ذكره أهل العلم واعتمدوه أنها لا تنقط، يعني كونها تنقط ماذا يصير؟ وماذا يصير في المسألة تنقط أو لا تنقط؟ يعني هل هو مخالفة في حرام وحلال، الذي نقل عن الذين ضبطوا أهل المشتبه من أهل العلم وضبطوا الأعلام وضبطوا الرجال قالوا: لا تنقط، كونك تنقطها كغيرها وتمشي على الجادة يعني مثل الخلاف في الألف المقصورة بعض الناس يقول: ما فيه شيء اسمه ألف مقصورة، كل شيء ممدود، الألف دائمًا ممدودة لماذا مقصورة؟ هذه ياء وماذا يصير ارتكب محظورًا أو ماذا يفعل؟ ما صار شيء، لكن المسألة مسألة اقتفاء لأثر أهل العلم، يعني كونه حرامًا أنك تنقطها أو حلالاً هذا أمر ثان، يعني في لغة العرب هناك تاء مربوطة هذه مثلها، وكثير من الناس يخلط بين الهاء والتاء والنقط يضعه على الهاء ويهمل التاء.
قال الإمام الحافظ ابن كثير في (كتابة) يضع نقطتين، (البدايه والنهايه) ما يضع نقط، المسألة فيها سعة، لكن هذا كلام أهل العلم يعني ما جئنا بجديد، يعني كونها تعرب وتنقط أو ما تنقط هذا أمر ثان، لكن ننقل لكم كلام أهل العلم، كونه يجتهد من يقول: إنها تنقط وما المانع أن تنقط، ماذا يصير؟ ابن ماجةَ لكن أهل العلم يقولون: هي هاء وليست تاء، يعني مثل الآن ينبغ مثلًا مثل محمد الجاسر يقول: ليلى وسلوى ومنى كلها بالألف ما فيه شيء اسمه ياء إلا الياء هذا كلام محمد الجاسر الذين يسمونه علامة الجزيرة، يعني نقول: هذه بدعة ابتدعها وكل بدعة ضلالة؟! يعني الأمر فيه سعة، مثل هذه الأمور فيها سعة.

يقول: هل يشترط إذن ولي الأمر لصلاة الغائب؟ هل هناك وقت محدد للصلاة عليه؟ هل يشترط الصلاة عليه جماعة أو يكفي المنفرد؟

بالنسبة لإذن ولي الأمر في هذا الباب إذا كان المفتى به في البلد عدم الصلاة عليه أو وجد خلاف قوي في المسألة في البلد الذي يفتي به من عيّنه ولي الأمر للإفتاء فلا بد من إذنه؛ لأن حكم الحاكم عند أهل العلم يرفع الخلاف، إذا كانت المسألة معروف الخلاف فيها في البلد، والمسألة خلافية، والذي يفتى به في البلد عدم الصلاة على الغائب أو وجد خلاف قوي بين أهل العلم في البلد نفسه لا بد من إذن ولي الأمر ليرفع الخلاف .

يقول: لدي محاضرة مهمة في القرآن وحفظه وأتابعها وأحضرها من ذي زمن، وطلب رئيسي بالعمل حضوري لعمل ما مساءً مع العلم أن العمل مساءً غير مجبورين فيه، ولكنه يقول: إنه ضروري لأنه أمانة تابعة للعمل يحاول إجبارنا بهذا العمل، فما العمل؟

على كل حال إذا كنت تأخذ مقابلًا على العمل المسائي فلا يجوز لك أن تحضر محاضرة ولا غيرها، لا بد أن تحضر في العمل الذي استؤجرت من أجله، وتؤدي هذا العمل على الوجه المطلوب، ولو لم يكن فيه عمل، أما إذا كان العمل تبرعًا فأنت أمير نفسك؛ إن شئت فاحضر وإلا فلا فالأمر إليك.

يقول: ما حكم التورق بالمعادن أو السيارات، وإني أريد شراء منزل بالتقسيط، وأفضل العروض بالمعادن والسيارات ما يسمى بالتورق؟

مسألة التورق، وهي أن يحتاج الإنسان إلى نقود دراهم يشتري بها أو يتزوج بها أو يسد بها دينًا، أو ينفقها على نفسه وولده، يحتاج دراهم ولا يجد من يقرضه، ثم يذهب إلى شخص عنده سلعة يشتري منه هذه السلعة شخص يملك هذه السلعة ملكًا تامًّا مستقلاً، ثم يشتري منه هذه السلعة، هو لا يريد السلعة إنما يريد قيمتها فيقبضها قبضًا شرعيًّا من مالكها الأصلي، ثم يبيعها على طرف ثالث، هذه مسألة التورق، وهي جائزة عند عامة أهل العلم إذا استوفت الشروط، الأئمة الأربعة كلهم على جوازها. ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وشيخ الإسلام ابن تيمية كلهم يمنعون مسألة التورق، ويرون أنها من باب التحايل على الربا، هي دارهم بدراهم، والسلعة مجرد صورة، لكن عامة أهل العلم على جوازها، وهي داخلة في عموم {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ} [(275) سورة البقرة] هذا بيع، كون الإنسان يحتاج هذه السلعة أو لا يحتاجها هذا أمر خارج عن العقد، لا يرجع إلى العقد نفسه، فلا أثر له في العقد، فيشتري السلعة من مالكها ويحوزها ويقبضها قبضًا شرعيًّا معتبرًا، ثم يبيعها إلى طرف ثالث أو يستعملها ويتصرف في ثمنها الأمر إليه التورق بالمعادن أو السيارات المقصود إذا كانت السعلة مباحة ويملكها البائع الأول ملكًا تامًّا، ثم يبرم العقد بعد ذلك مع الطرف الثاني، ثم يحوزها الطرف الثاني إلى رحله، ثم بعد ذلك يبعها إلى طرف ثالث لا شيء في هذا، نعم؟
طالب:.......
ما يكفي توكيل البنك، توكيل البنك لا يكفي، لا بد أن يقبضها أو يوكل ثقة يقبضها؛ لأن أصل المسألة مختلف فيها، ويزيد الأمر إذا تساهل الناس فيها، وتجاوزوا بعض الشروط، وتهاونوا يزداد الأمر سوءًا، ويقوى الخلاف، على كل حال على القول بجوازها وهو قول عامة أهل العلم، وهو عليه العمل لا بد من توافر شروطها، وأن يحتاط الإنسان لنفسه، يشتري سلعة يقبضها ويحوزها إلى رحله، نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلي رحالهم، يقبضها قبضًا معتبرًا، ما يبيعها في مكانها لا يجوز له أن بيعها حتى يقبضها، ويحوزها إلى رحله، أما وكلنا نقبض لك، وكلنا نبيع لك، هذا كله ظاهر التحايل فيها، التحايل فيه ظاهر، المقصود أنه لا بد أن يحوزها لا سيما الطعام الذي ليس فيه خلاف، الطعام لا خلاف فيه أما غيره من السلع فالعموم يشملها، وأهل العلم جمع منهم يتساهلون في غير الطعام، لكن الطعام لا بد من نقله.

يقول: في حديث أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وبما أن الله -سبحانه وتعالى- اختار لنبيه الأكمل والأفضل فلماذا لم يختر الله -سبحانه وتعالى- لنبيه أحد هذين الاسمين؟

وكذلك لماذا لم يسم النبي -عليه الصلاة والسلام- ابنه إبراهيم أحد هذين الاسمين: عبد الله وعبد الرحمن؟
لقائل هذا الكلام أن يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي)) لماذا لم يعتمر في رمضان؟ ونظائر ذلك كثيرة جدًّا، يعني لو تعارض قوله وفعله تقاتل الناس على الفعل، أصلًا تجد ثلاثة أرباع الأمة عبد الله وعبد الرحمن، لو توافق فعله مع قوله: تقاتلت الأمة عليه، لكن من رأفته وشفقته -عليه الصلاة والسلام- بأمته أن يحثهم على الشيء ولا يفعله؛ ليبين لهم أن الإنسان يبقى في حسرة إذا فعل النبي -عليه الصلاة ولسلام- فعلاً ولا يتيسر له أن يفعله، ندم -عليه الصلاة والسلام- ندمًا شديدًا على دخوله البيت –الكعبة- لئلا يشق على أمته، كل الناس ودهم يدخلون الكعبة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل، لكن لو جاء حديث يحث على دخول الكعبة تقاتل الناس عليه، فهذا من رأفته وشفقته على أمته -عليه الصلاة والسلام- أن يبين لهم ما ينبغي أن يفعلوه، لكن يبين لهم جواز الترك بفعله أو بعدم فعله لهذا الأمر.