الشمائل النبوية (03)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، إخوتنا وأخواتنا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى الشمائل النبوية التي نقدمها لكم مع ضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وباركم فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لازلنا في الحديث الأول في باب ما جاء في خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتاب الشمائل النبوية للإمام الترمذي.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، تقدم في "حديث أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في وصفه أنه ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق قوله ولا بالأبيض الأمهق" قال ابن حجر ليس بالأبيض الشديد البياض "ولا بالآدم" الشديد الأدمة، وإنما يخالط بياضه الحمرة، والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر؛ ولذا جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار وابن منده بإسناد صحيح صححه ابن حبان وغيره أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان أسمر، يعني يقابل شديد البياض بياض مخلوط بحمرة، وذكره الترمذي في الحديث الذي يلي هذا، يقول الترمذي- رحمه الله-: ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الجسم، وكان شعره ليس بجعد ولا سبط، أسمر اللون، ثم ذكر الترمذي بعد عشرة أحاديث من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبيض كأنما صيغ من فضة، وهو حديث حسن بشواهده، يقول القاري:   جُمع بأن السمرة كانت فيما يبرز للشمس والبياض فيما تحت الثوب كذا قال، وقال ابن حجر: تبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض، وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالطه الحمرة والمنفي ما لا يخالطه وهو الذي تكره العرب وتسميه أمهق، وفي النهاية لابن الأثير الأبيض الأمهق هو الكريه البياض كلون الجص، يريد أنه كان نيِّر البياض -عليه الصلاة والسلام- قوله "ولا بالجعد القطط" الجعودة التواء الشعر وتثنيه كشعر الزنج، وهو ضد السبط وهو استرسال الشعر، والقطط بفتح أوله والطاء الأولى قطط ويجوز كسرها قطِط، وهو شديد الجعودة "ولا بالسبط" بل وسط بينهما، وفي الحديث الذي يليه عند الترمذي وكان شعره ليس بجعد ولا سبط وأراد أن ينفي صفتي الجعودة والسبوطة عن شعره -عليه الصلاة والسلام- ليدل على أنه كان وسطًا بينهما، في الحديث يقول "بعثه الله على رأس أربعين" قال ابن حجر: هذا إنما يتم على القول أنه بُعث في الشهر الذي ولد فيه، في أي شهر ولد -عليه الصلاة والسلام-؟ والمشهور عند الجمهور أنه ولد في شهر ربيع الأول وأنه بعث في شهر رمضان فعلى هذا يكون له حين بعث أربعون سنة ونصف أو تسع وثلاثون ونصف، فمن قال أربعينن ألغى الكسر أو جبر، يعني إن كان له أربعون ونصف ألغى الكسر وإن كان تسع وثلاثون ونصف جبر الكسر، لكن قال المسعودي وابن عبد البر أنه بعث في شهر ربيع الأول فعلى هذا يكون له أربعون سنة سواء بعث في شهر ربيع الأول كيف يقال مثل هذا ونزول القرآن عليه في رمضان شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ } البقرة: ١٨٥ يمكن أن يستقيم هذا، نقول بعث في ربيع الأول، كم بين ربيع الأول ورمضان؟ ستة أشهر، أقول يتجه هذا القول إذا قلنا إنه بعث قبل رمضان بستة أشهر في ربيع في شهر ولادته -عليه الصلاة والسلام- وكان خلال هذه الأشهر الستة لم ينزل عليه فيها شيء بل كان ذلك بمجرد الرؤيا الصادقة لمدة الستة الأشهر ثم أنزل عليه بعد ذلك في رمضان، كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ويتجه هذا إذا قلنا أن الرؤيا مدتها ستة أشهر ومدة الوحي ثلاث والعشرون سنة ونسبة الستة أشهر إلى الثلاث والعشرين واحد على ستة وأربعين، ولذا جاء في الحديث الصحيح أن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا وعلى هذا يمكن توجيه ما جاء في حديث أنس والحديث كما سمعنا في الصحيحين"فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتوفاه الله على رأس ستين سنة" أقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتوفاه الله على رأس ستين سنة، وهذا في الصحيحين وهو عندنا في الشمائل، وروى مسلم عن أنس أنه -صلى الله عليه وسلم- عاش ثلاثًا وستين سنة وبذلك قال جمهور العلماء، قال القاري المرجح أنه عاش ثلاثًا وستين سنة، وقيل خمس وستون إضافة إلى ما معنا كم؟ ستين المرجح أنه عاش ثلاثًا وستين وقيل خمس وستون فإذا أضفناها إلى ما معنا صارت الأقوال ثلاثة، وجُمع بين هذه الروايات بأن من روى الأخير خمس وستين عد سنتي المولد والوفاة تصير مع الثلاث والستين خمسا وستين، ومن روى ثلاثًا وستين لم يعدهما، ومن روى الستين لم يعد الكسر، وقوله أقام بمكة عشر سنين أي رسولاً، عشر سنين رسولاً وثلاث عشرة سنة نبيًا ورسولاً، يعني بعد أن أُمر بالتبليغ بعد الجهر عشر سنين؛ لأن العلماء متفقون على أنه -عليه الصلاة والسلام- أقام بمكة بعد النبوة، وقبل الهجرة ثلاث عشرة سنة كيف نوجه ما جاء في الحديث: أقام بمكة عشر سنين والعلماء متفقون على أنه أقام بمكة بعد النبوة، وقبل الهجرة ثلاث عشرة سنة؟ نقول: المقصود بالعشر سنين بعد الرسالة والثلاث عشرة ما يشمل النبوة والرسالة قوله "وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء" أخرج ابن سعد بإسناد صحيح عن ثابت عن أنس قال ما كان في رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولحيته إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة شعرة بيضاء، والحديث وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء يعني لا اختلاف، وأما ما جاء من نفي الشيب في رواية فالمراد به نفي كثرته لا أصله، ومن ثم صح عن أنس رضي الله عنه قال: لم يشنه الله بالشيب يعني الشيب الواضح الذي يستقذر عند بعض الفئات لا شك أنه الشيب شين عند كثير لاسيما النساء

لكن لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «شيبتني هود وأخواتها» ما المراد بالشيب أليس المراد الشيب الواضح الظاهر؟

أولاً الحديث معروف عند أهل العلم أنه مضطرب فهو ضعيف، وإن كان الحافظ ابن حجر تمكن من ترجيح بعض الروايات على بعض ونفى عنه الاضطراب، ورقاه بعضهم إلى الحسن فالشيب إما أن يكون حسيًا أو معنويًا، والشيب كما يكون ببياض الشعر يكون أيضًا بانهداد الجسم يعني ضعفه لا يلزم منه الشيب، ثبت عن أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يشنه الله بالشيب، وجاء بعد حديث سعيد عن ربيعة المشار إليه سابقًا عند البخاري قال ربيعة: فرأيت شعرًا من شعره فإذا هو أحمر، يعني من أثبت رأى هذه الشعرات الحمر فسألت فقيل احمر من الطيب وهنا يتجه النفي، وفي المستدرك من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل ومعروف أن في حفظه شيئا- سيء الحفظ- عبد الله بن محمد بن عقيل أن عمر بن عبد العزيز قال لأنس هل خضب النبي -صلى الله عليه وسلم- فإني رأيت شعرًا من شعره قد لوّن؟ فقال إن هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي غير لونه، ولعل ربيعة سأل أنسًا عن ذلك أيضًا، الآن يوجد اختلاف بين هذه الروايات بين نفي الشيب وبين إثباته، من نفاه نفى بذلك الشيب الحقيقي أو الكثير الواضح، من أثبته أثبت شعيرات لا تبين لجميع الناس بعض الناس لا تبين له إذا كان العدد من العشرين فمادون ما يبين له أو حكم على الغالب من نفى وأيضًا قد يرد النفي والإثبات إلى جهة واحدة، هذه الشعرات الحمر من أثبت أنها شيب لأنها متغيرة عن السواد، ومن أثبت أنها ليست بشيب قال أن تغيرها بسبب الطيب لا بسبب تغير انتقال الشعر من السواد إلى البياض، كما هو المعروف في الشيب.

أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.

 

لعلنا نستكمل بإذن الله في حلقة الغد أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم الشمائل النبوية نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة الغد لاستكمال الأحاديث المتعلقة بذكر الشمائل النبوية من كتاب الإمام الترمذي رحمه الله المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين للهجرة شكرًا لطيب متابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"