الشمائل النبوية (08)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم الشمائل النبوية مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس في كلية أصول الدين بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

في باب ما جاء في خاتم النبوة قال رحمه الله: حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن الجعد بن عبد الرحمن قال سمعت السائب بن يزيد يقول سمعت السائب بن يزيد يقول ذهبت بي خالتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت يا رسول الله إن ابن أختي وجِع فمسح رأسي ودعا لي بالبركة وتوضأ فشربت من وَضوئه وقمت خلف ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه فإذا هو مثل زر الحجلة.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الحديث أخرجه البخاري في كتاب الوضوء في باب استعمال فضل وضوء الناس، وفي كتاب المناقب باب خاتم النبوة، وأخرجه أيضًا مسلم في كتاب الفضائل في باب إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده -عليه الصلاة والسلام- فالحديث متفق عليه، والسائب بن يزيد أبو يزيد الكندي ولد في السنة الثانية من الهجرة، حضر حجة الوداع مع أبيه ومات سنة ثمانين، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم خالته وأما أمه فاسمها علبة بنت شريح أخت مخرمة بن شريح، وقال الجزَري هي أخت النمر بن القاسط الكندي في الحديث يقول "فقالت الخالة يا رسول الله إن ابن أختي وجِع" وجِع فعِل مبالغة من الوجع وهو المرض، وجاء في الصحيح بدل الجيم قاف بوزنه ومعناه، قال ابن حجر: كان يشتكي رجله كما ثبت في غير هذا الطريق، يقول: فمسح رأسي هذا يدل على أن الوجع كان برأسه، الحافظ ابن حجر يقول: كان يشتكي رجله كما في غير هذا الطريق "فمسح رأسي" مسحه الرأس يدل على أن الوجع كان برأسه، ولا مانع أن يكون الوجع أصله في الرجل ويمتد أثره إلى الرأس، إذا أصيب الإنسان في أي عضو من أعضائه لا شك أن له أثرا على الرأس قال "ودعا لي بالبركة" والبركة هي النماء والزيادة في العمر بدلالة المقام، وقد أخرج ابن سعد من طريق عطاء مولى السائب أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: بارك الله فيك فاستجيب دعاؤه -صلى الله عليه وسلم- في حقه. وعن الجعد قال: رأيت السائب بن يزيد وهو ابن أربع وتسعين حولاً معتدلاً، وقال: قد علمتَ أني ما متعت بسمعي وبصري إلا ببركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الجعد، الجعد هو راوي الحديث عن السائب يقول: رأيت السائب بن يزيد وهو ابن أربع وتسعين حولاً معتدلاً يعني من غير انحناء وقال قد علمت قد علمتَ إما يخاطب الجعد أو قد علمتُ يعني نفسه أني ما متعت بسمعي وبصري إلا ببركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-

ألم يرد نص الدعاء يا شيخ؟

قال له «بارك الله فيك»، أخرج ابن سعد من طريق عطاء مولى السائب أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: «بارك الله فيك» فاستجيب له، وهنا يقول: أربع وتسعين، لكن يشكل على هذا أنه ولد في السنة الثانية من الهجرة ومات سنة ثمانين، نعم لعله ابن أربع وسبعين، كثيرًا ما يحصل التصحيف بين السبعين والتسعين "وتوضأ" يحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- توضأ لحاجته إلى الوضوء أو أنه توضأ من أجل السائب ليشرب من وضوئه يقول "فشربت من وَضوئه" بفتح الواو الماء المعد للوضوء، أو ما فضُل عنه أو ما استعمل فيه "فشربت من وضوئه" الاحتمال قائم أنه من الماء المعد للوضوء، لكن هذا احتمال بعيد؛ لأن الماء المعد للوضوء لا ميزة له على غيره  ما لم يستعمله -عليه الصلاة والسلام-، أو ما فَضُل عنه حيث باشره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا احتمال قوي، أو ما استعمل فيه، بمعنى الماء الذي استعمله النبي -عليه الصلاة والسلام- في الوضوء، تلقى في إناء مثلاً، والمرجح الاحتمال الثاني أو الثالث لمباشرة النبي -عليه الصلاة والسلام- بخلاف الأول، يقول: "وقمت خلف ظهره" أدبًا أو قصدًا وطلبًا "فنظرت إلى الخاتَم" أو الخاتِم لانكشاف محله "بين كتفيه" وفي حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم: أنه كان إلى جهة كتفه اليسرى والخاتِم كقائِم.

الكسر هذا أصح يا شيخ؟

الخاتِم كقائم وقد تفتح تاؤه والكسر أشهر وأفصح قاله المناوي، وفي شرح القاري: الخاتَم بالفتح والكسر بمعنى الطابع الذي يختم به، والمراد هنا: هو الأثر الحاصل به لا الطابع نفسه .

يقول خاتِم الأنبياء تصير أصح أو هذا يختلف عن الخاتِم؟

بلا شك خاتِم.

خاتِم الأنبياء.

نعم .

لأن المنتشر خاتَم الأنبياء.

خاتِم هو الذي ختمهم الله به فهو خاتِم، أما الخاتَم فهو معروف، يعني صلة ما عندنا بالخاتَم الذي يطبع به ويختم به الأشياء أقرب من مسألة الختم. الذي في أسمائه -عليه الصلاة والسلام- أنه خاتَم الأنبياء، هنا يقول: بمعنى الطابع الذي يختم به والمراد هنا هو الأثر الحاصل به لا الطابع نفسه، يقول ابن حجر: باب خاتم النبوة أي صفته، وهو الذي كان بين كتفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان من علاماته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها، وادعى عياض هنا أن الخاتم هو أثر شق الملكين لما بين كتفيه، قال النووي: وهذا باطل؛ لأن الشق إنما كان في صدره وبطنه -عليه الصلاة والسلام- قال ولم يثبت قط أنه بلغ الشق حتى نفذ من وراء ظهره، فكلام النووي ينقض كلام عياض ويستدرك عليه، قال الحافظ: وقد وقفت على مستند القاضي وهو حديث عتبة بن عبد السلمي الذي خرجه أحمد والطبراني وغيرهما عنه أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف كان بدء أمرك فذكر القصة في ارتضاعه في بني سعد وقال: إن الملكين لمّا شقا صدره قال أحدهما للآخر خطه فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة الآن هذا يزيل الإشكال.

هذا قد يكون للقاضي عياض مستند.

القاضي عياض ادعى أن الخاتم هو من أثر شق الملكين لما بين كتفيه، فكلامه يفهم منه أن الشق استمر إلى أن وصل لأنه نفذ من وراء ظهره، والنووي رحمه الله يقول: هذا باطل؛ لأن الشق إنما كان في صدره وبطنه ولم يثبت قط أنه بلغ الشق حتى نفذ من وراء ظهره، يقول الحافظ: قد وقفت على مستند القاضي وهو حديث عتبة بن عبد السلمي الذي أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف كان بدء أمرك؟ فذكر القصة في ارتضاعه في بني سعد، وقال: إن الملكين لما شقا صدره قال أحدهما للآخر خطه فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة، فالمسألة في اقتران الختم بالشق لا أن الشق وصل إلى ذلك المكان كما يدعي.

القاضي عياض.

نعم، لكن في كلام القاضي عياض ما يدل على أن النووي فهم من كلام القاضي عياض أن الشق وصل إلى ظهره، والحافظ فهم من كلام القاضي وأيده بما رواه من طريق أحمد والطبراني قال إنه حصل الشق فخاطه الملَك ثم ختم عليه بخاتم النبوة، هل ختم على ظهره أو ختم على الشق؟ نعم ختم على ظهره لتجتمع الروايات يقول "فإذا هو مثل زر الحجلة" الحجلة واحدة الحجال بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار وعرى، وقال بعضهم: المراد بحجلة واحدة الحجل الطائر المعروف، وزرها بيضها، قال الحافظ: يؤيده أن في حديث آخر مثل بيضة الحمامة رواه مسلم، وذكر البخاري بعد رواية الحديث: قال ابن عبيد الله الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه، واستُبعد ذلك بأن التحجيل إنما يكون في القوائم، وأما الذي في الوجه فهو الغرة، وقال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئًا بارزًا أحمر عند كتفه الأيسر قدره إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كُبِّر جمع اليد، بقدر اليد إذا ضُمت والله أعلم. وقال السهيلي: وضع خاتم النبوة عند نغض كتفه -صلى الله عليه وسلم- لأنه معصوم من وسوسة  الشيطان وذلك الموضع يدخل منه الشيطان والله أعلم. هذا كلام السهيلي، خُتم على هذا الموضع لئلا يدخل الشيطان فيوسوس؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- معصوم منه.

أحسن الله إليك.

 

نكتفي بهذا أيها الإخوة والأخوات نعدكم أن يكون الحديث في الحلقة القادمة بإذن الله في باب ما جاء في ترجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو حديث عائشة، نلقاكم بإذن الله في الحلقة القادمة وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.